الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الخميس 13/8/ 2009



التجاوريات وسرعة الهدم

المهندس أمير المرعب

منذ بزوغ فجر الخليقة الأوّل وحتى اليوم ما أنفكّ الأنسان منشغلاً بثنائية الخير والشر وبالصراع الأزلي بينهما , سواء كان هذا الصراع داخل الأنسان نفسه أو بينه وبين محيطه والآخرين .

وقد تباينت وجهات نظر معظم الفلاسفة عبر التأريخ حول مسألة شائكة لم يحسم حلها لليوم وهي هل الأنسان بفطرته يميل الى الخير ويمتثل لقراراته الأخلاقية بشكل تلقائي وعفوي لكنـّه بفعل ظروف قاهرة قد تلمّ به أحيانا يتحوّل عند البعض الى نوازع شريرة ؟ أم أنه بطبيعته عدوانياً يجنح الى أستخدام القسريّة في تعامله مع الآخر لكنه بفعل الضغط القيمي والتربوي الذي يفرضه عليه المحيط وبفعل تنامي وعيه يعدّل مسار جنوحه ليستقيم مع الخط الأخلاقي العام ليبدو انساناً خــيّراً.

وبمرور العصور أتفقت خلاصة الهيئة المجتمعية التي أنضجتها الصراعات البشرية على مجمل أفعال حسمت وفق المعايير الأخلاقية التي ترسّخت بتعاقب السنين عن طريق الأديان والحركات الأصلاحية والفلاسفة الأوائل وأستخدام للمبررات العقلية والتفكير التحليلي كونها أعمال تتسم بالخير , مثال ذلك نصرة ومساعدة المستضعفين والمعدمين والمقهورين , الأختراعات العلمية والطبية التي قدمت خدمة جليلة للبشرية , التطوّر التكنولوجي الذي جعل كل الفعاليات التي تجري بالعالم بين يديك في اقل من لحظة على شاشة الحاسوب , أنتشار الثقافة والفنون التي تعيد صقل النفس البشرية وتهذبها , بناء دولة المؤسسات , ترصين البنى التحتية للمجتمعات ...الخ وعكسها أفعالاً تتسم بالشر , مثال ذلك الأبادات الجماعية للعنصر البشري , تغيير البيئة الطوبوغرافية لمناطق بعينها لتغريب أهلها وأجبارهم على النزوح , أنتاج أسلحة الدمار , تعذيب الأنسان وقتله , فرض أرادة فرد على المجموع , أنتهاك الحرمات , السرقة ونهب المال العام ..الخ .

ولمّا كان الخير هو فعل بنائي وتركيبي يعتمد التجاوريات بين الوحدات المكوّنه له سواء كانت مادية أو أعتبارية , والشر هو فعل هدم وتخريب يستهدف هذا البناء التجاوري , اذن ــ وهذا بديهي ــ هو فعل يمتلك السرعة أكثر بكثير من فعل التأسيس والبناء أي فعل الخير , مثال ذلك ( يستغرق أنشاء مبنى أشهر بينما يتم تفجيرها خلال لحظات أو بناء منظومة اخلاقية سوسيولوجية لجيل من الشباب يتطلب عقوداً من الزمن يتم تخريبها أذا تم محاصرة هذا الجيل وتجويعه شهر أو شهرين ) لذلك ترسّخ لدى غالبية الناس أن الشر هو المنتصر دائماً وفق هذه الأمثلة التي سقناها توّاً , ولكنّ المحصّلة النهائية على المستوى البعيد تنتصر منظومة الخير وتنهزم نوايا الشر للأسباب التالية :

اولا ــ ان عملية الهدم تحمل بذرة هدم منظومتها نفسها أي أن فعل الشر تدفعه أسباب فناءه ليقود نفسه من حيث لا يحتسب الى حافة الأنهيار ثم السقوط في وهاد العدم .

ثانيا ــ ان فعل الشر لا يعتمد الآواصر التجاورية مع المحيط , اذن هو منقطع الصلة مع الآخر , بينما فعل الخير يعتمد بناءاً تواشجياً تتعشق آواصره مه المحيط وتنمو ببطىء ممّا يجعلها متينة تقاوم فعل الزمن والأحداث غير المتوقعة التي تنطوي على عنصر الفجاءة والأرادات الملوّثة بنوايا التخريب والغدر .

ثالثاً ــ التطور العلمي والتكنولوجي المتسارع ( وهو عمل بنائي معلوماتي فائق السرعة ) يؤدّي بالتالي الى تجاوز سرعة فعل الشر الهدمية وتكون المعادلة النهائية تميل لصالح كفة الخير .

رابعاً ــ ان فعل الشر يعتمد الوسائل غير الأخلاقية في التعامل مع الآخر لذلك نراه لا يخضع نفسه الى مراجعة ذاتية قد تثنيه عن نوايا الآذى , ولكن بمرور الزمن واتساع رقعة التثقيف الأخلاقي والمعلوماتي ووصول الوعي المجتمعي الى كل مفاصل الحياة وانتشاره حتى في الدهاليز المظلمة , سيعجّل من أنهاكه وضعفه وتصبح تبريرات وجوده باهته وغير مغرية للكثيرين الذين يعانون من مشاكل نفسية وعصابية والذين هم عماد مؤسسة الشر , وبالتالي يصبّ ذلك في صالح أفعال الخير ومنظومته الأخلاقية .

أخيراً .. لكي يمتلك الخير زمام المبادرة والحسم وبالتالي يتسيّد وينتصر في صراعه الأزلي مع قوى الشر في ميدان السبق الحياتي , يستلزم توفـّر عامل السرعة في الفعل المنجز للوصول الى نهاية الشوط وأعلان فوزه الحاسم , وهذا ما سيحصل في النهاية وفق المعطيات التي ذكرناها في النقاط آنفة الذكر , رغم أيماننا بأن فعل الشر سوف لن يختفي من الوجود بل يتراجع خطوات قد تجعل تأثيراته في مجمل الفعاليات البشرية ليست ذات قيمة كما هي اليوم .
 

 
  
 

free web counter