الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأحد 14/5/ 2006

 

 


مثقفو الخارج جزء من الثقافة العراقية الواحدة  *
 


داود امين

يشكل عدد المثقفين العراقيين المقيمين خارج الوطن، نسبة كبيرة، اذا ما قورن باجمالي عددهم العام . كما ان حجم انتاجهم الابداعي كبير وواسع، مقارنة بالانتاج العام لمثقفي العراق . حتى بات الحديث ( مقبولا ) عن ما يسمى ب ( ثقافة في الداخل .. واخرى في الخارج ) او اصبح الكلام مألوفا عن ( مثقفي الداخل ومثقفي الخارج ) .
أن هؤلاء المبدعين العراقيين الموجودين خارج الوطن، يتوزعون الآن على معظم قارات العالم، ويتركزون في اوربا بشكل خاص ( في انكلترا و هولندا .. والبلدان الاسكندنافية تحديدا ) ولهذا التركيز اسبابه ودوافعه التي لا مجال لذكرها الآن، ولكن من المهم معرفة متى جاء هؤلاء المثقفين العراقيين للخارج، وما هي ظروفهم خارج وطنهم ؟ وهل هناك مسعى للاستفادة من هذا التواجد الكثيف؟

الهجرة مفردة جديدة في القاموس العراقي
أعتقد ان مسالة الهجرة، ومغادرة الوطن، والعيش في وطن بديل، هي موضوع جديد على العراقيين فتاريخ العراق البعيد والقريب لا يشير لهجرات معروفة لبلدان مجاورة للعراق، ناهيك عن بلدان بعيدة عنه، واذا كان للسوريين واللبنانيين جاليات عريقة في الولايات المتحدة وامريكا اللاتينية وافريقيا ومنذ قرون، بحيث اصبح السوري ( كارلوس منعم ) رئيسا للارجنتين وهو من قرية ( يبرود) المحاذية لدمشق، فليس هناك ما يشير لهجرة مماثلة او وجود جالية عراقية في بلد ما في العالم، واعتقد ان السبب الرئيسي في بقاء العراقيين في وطنهم يعود لغنى العراق وتوفر معظم الخيرات فيه من انهار وثروات زراعية وحيوانية، مما وفر وسائل العيش الاساسية لسكانه، وهذا بدوره خلق الجوانب النفسية التي ميزت العراقيين ومنها التمسك بارضهم والالتصاق بها وعدم القدرة على مغادرتها، حتى ان الانتقال من محافظة لاخرى داخل العرا ق ، كان امرا صعبا وإلى فترة قريبة، كما خلق لدى العراقيين زهدا في الجوانب المادية واهتماما ربما متميزا بالجوانب الروحية، التي لاتزال تشد العراقي وتثقل خطواته كلما فكر بمغادرة وطنه او محل سكناه.
لقد كان العراق طوال تاريخه مكانا لأحتضان المهاجرين فقد مرت اقوام كثيرة على هذه الارض، واندمجت بشعبها واصبحت بعد ان ذابت جزءاً من نسيج هذا الشعب، لذلك اؤكد ان وجودا ملموسا للعراقيين في الخارج لم يكن له اي اثر قبل نصف قرن من الزمن .. واذا كنت اتحدث عن وجود عراقي عام فما بالك بوجود مثقفين عراقيين وهم شريحة صغيرة اذا ما قيسوا بالوجود العام، اذن لنحاول البحث في الخمسين سنة الماضية لنتلمس هجرة المثقفين اسبابها ودوافعها .

هجرة المثقفين
أعتقد ان التحول الجذري الذي احدثته ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، رغم حدته، لم يسجل هجرة ملحوظة للمثقفين العراقيين خارج وطنهم، اذ ان المثقفين العراقيين ارتبطوا تاريخيا بالحركة الوطنية والتقدمية العراقية- وباليسار العراقي تحديدا – وكانت ثورة تموز بشعاراتها واهدافها، وما احدثته من تحول، خصوصا في اشهرها الاولى، استجابة لطموحات واماني هؤلاء المثقفين، رغم خيبة امل بعضهم، من نتائجها فيما بعد، لذلك نستطيع القول ان عددا قليلا ربما لايتجاوز اصابع اليدين من المثقفين العراقيين خرجوا بعد ثورة الرابع عشر من تموز وبسببها، واقاموا في المنفى، ويمكن اعتبار حالة الروائي العراقي الكبير( غائب طعمة فرمان) الذي اقام في المنفى منذ عام 1957 حالة نادرة ، ولا علاقة لها بثورة تموز ونتائجها .
ولكن العلامة الفارقة في موضوعة هجرة او تهجير المثقفين العراقيين يمكن تسجيلها مع القرار الذي اتخذه الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري بمغادرة العراق عام 1961 والاقامة في براغ، هربا من التصفية الجسدية ، بعد ان اختلف مع حاكم العراق حين ذاك ( عبد الكريم قاسم )، فهذا القرار كان البداية الحقيقية للهجرات والتهجيرات اللاحقة لعشرات ومئات المثقفين العراقيين، وقد فتح الباب على مصراعيه لان تمارس السلطة حريتها، عندما يختلف المثقف معها، في حرمانه من حق المواطنة، ومن حق العيش بين اهله ووطنه بسلام.!!
أذ لم تمض سوى سنتين على ذلك النفي الظالم للجواهري، حتى حلت كارثة 8 شباط الاسود عام 1963، والتي دفعت عددا كبيرا من المثقفين العراقيين الذين كانوا خارج الوطن لاسباب مختلفة للبقاء خارجه، ربما لعقود لاحقة، بعد ان سحبت سلطة الانقلاب الجنسية العراقية عنهم ، معتبرة اياهم غير عراقيين .هذا بالاضافة لعشرات المثقفين العراقيين الاخرين الذين استطاعوا مغادرة الوطن بعد الانقلاب بأشهر او سنين مستخدمين مختلف الاعذار للهروب من السلطة، في حين غصت المعتقلات بالمئات منهم . كما هاجر عدد من المثقفين العراقيين بعد مجئ البعث مجددا إلى السلطة عام 1968 ، ولكن اثر هؤلاء المثقفين ، لم يكن محسوسا في الواقع الثقافي العراقي ولم يؤسسوا لشئ ثقافي واضح في الخارج، اذ كانت مواقفهم ذات طابع فردي غير مؤثر.

الهجرة الاوسع للمثقفين العراقيين ..
يمكن اعتبار نهاية عام 1978 وطوال عام 1979 المؤشر الاكثر وضوحا للهجرة الواسعة للمثقفين العراقيين، ومن مختلف الاختصاصات ومن جميع مدن العراق وعاصمته، ويعود السبب الرئيسي لهذه الهجرة الواسعة للانفراط الوشيك للتحالف الجبهوي بين حزب البعث الحاكم والحزب الشيوعي العراقي ، والذي بدات ملامحه تظهر اواخر عام 1978 وانفرط بالفعل في نيسان عام 1979 ، باغلاق جريدة الحزب المركزية ( طريق الشعب ) ومطاردة واعتقال قادة الحزب واعضائه واغلاق مقراته في بغداد والمحافظات ومصادرة مطابعه وبناياته وبقية املاكه!!
وقد يتسائل البعض عن العلاقة بين انفراط التحالف بين حزبين سياسيين وبين هجرة المثقفين العراقيين، وبذلك الزخم الواسع، وبمثل ذاك الوضوح؟ وللاجابة على سؤا ل مشروع كهذا من الضروري الاشارة إلى ان سلطة البعث وبالرغم من استخدامها ( للعصى والجزرة) ولاكثر من عقد من السنين منذ استحواذها على السلطة عام 1968، لم تستطع ان تكسب جميع او معظم مثقفي العراق ومبدعيه، بل ظل المئات من هؤلاء محسوبين على اليسار العراقي ، سواء بالانضواء داخل صفوفه كأعضاء ، او البقاء على ضفافه، او في خانة ( غير البعثيين) في اقل تقدير. وهؤلاء المبدعون عمل الكثير منهم في صحافة الحزب الشيوعي العراقي، وفي الفرق والجمعيات والنوادي المسرحية والتشكيلية والادبية ونوادي الاقليات المحسوبة على الحزب الشيوعي، او التي لا علاقة لها بالبعث، في اقل تقدير . وكان التحالف الجبهوي الذي استمر اكثر من خمس سنوات، رغم هشاشته، يشكل جدارا ليس سميكا تماما، يحول دون ارهاب السلطة العلني والصارخ لهؤلاء، ويمنحهم هامشا صغيرا من الحرية النسبية للابداع.
أن انهيار التحالف بين الحزبين جعل المثقف اليساري أو الديمقراطي أو المستقل مكشوفا وواضحا امام دولة ( جبارة )! لديها خبرة أكثر من عشر سنوات من الحكم ، وموارد مالية هائلة ، ومؤسسات اعلامية و ( ثقافية) عملاقة و اجهزة امن ومخابرات لا مثيل لها ، وعلاقات عربية ودولية واسعة ووطيدة.
وكان على المثقف العراقي هذا ان يختار بين ان يظل داخل الوطن فيستشهد او يسقط او ينزوي ويصمت.. وبين ان يغادر . وبالفعل استشهد الشاعر خليل المعاضيدي والقاص ناصر الجيلاوي وغيرهم.. وقد شجعت قيادة الحزب الشيوعي، التي غادر الكثير من اعضاءها الوطن مع بدأ الحملة ضد الحزب واثناءها، شجعت المثقفين العراقيين، وبينهم عدد كبير من الكوادر الحزبية على المغادرة، وساعدت بعضهم لتحقيق ذلك ..ولكن الاغلبية الساحقة من المثقفين العراقيين المحسوبين على الحزب الشيوعي بادروا بجهودهم، اسوة ببقية اعضاء الحزب واصدقاءه لايجاد الطرق المختلفة، لانقاذ انفسهم من محنة الموت او السقوط .. أبتداءا من المشي عبر صحراء السعودية والكويت ( كما جرى للشاعرين عبد الكريم الكاصد ومهدي محمد علي) إلى التسلل عبر كردستان او ايران أو سوريا أو عبر المطارات بجوازات مزورة أو باسماء مختلفة ..إلخ.
ويمكن القول ان ظروفا موضوعية اخرى ساعدت في توسيع هذه الهجرة وتتمثل هذه الظروف في :-

# السفر إلى سوريا عبر الهوية الشخصية، في نفس فترة الحملة سهل خروج العشرات من المثقفين العراقيين ، بعد حصول الكثير منهم على هويات مزورة تحمل اسماء اخرى.
# وجود البلدان الاشتراكية التي احتضنت الا ف العراقيين الهاربين من سلطة البعث، وبينهم عدد كبير من المثقفين.
# وجود جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية واحتضانها للشيوعيين العراقيين واصدقاءهم وبينهم العشرات من المثقفين.
# وجود منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة المختلفة في لبنان سهل احتضان العديد من المثقفين العراقيين وايجاد فرص العمل والرواتب المجزية لهم.
# توفر فرص العمل في بلدان المغرب العربي والجزائر بشكل خاص لعدد من المثقفين العراقيين كمعلمين ومدرسين واساتذة جامعيين وغيرها من الاختصاصات.
# تشكيل فصائل الانصار في كردستان العراق وانخراط العشرات من المثقفين في صفوف هذه الحركة .

مميزات هذه الهجرة ..
ربما تشكل هجرة المثقفين هذه ظاهرة متميزة تحتاج لدراسة اعمق واشمل من مداخلة سريعة كالتي اقدمها الآن .. فللمرة الاولى في تاريخ الثقافة العراقية يتنادى المثقفون العراقيون لتشكيل رابطة مهنية تضم الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين ( ركصفدع ) استجابة لنداء وجهه الشاعر سعدي يوسف من منفاه في باريس صيف 1979، وقد استجاب لهذا النداء معظم او جميع المثقفين العراقيين الذين كانوا ينتشرون في الكثير من البلدان، اذ تجمع هؤلاء في كل بلد على حدة واسسوا فرعهم الخاص بالرابطة وانتخبوا هيئة ادارية لقيادة الفرع، ثم اعلنوا انهم جزء من الرابطة الام . وكان لاصدار مجلة (البديل )الخاصة بالرابطة اثر كبير في توطيد مكانتها ليس في صفوف المثقفين العراقيين في الخارج فقط، بل بين المثقفين العرب ايضا الذين ساندوا الرابطة واعضاءها ووقفوا إلى جانب نضالهم ضد سلطة القمع والارهاب .
وقد عقدت الرابطة عددا من المؤتمرات ، وانتخبت هيئات قيادية للمركز والفروع كما شكل العديد من فروعها فرقاً مسرحية واخرى موسيقية وتم تنظيم معارض تشكيلية وايام ثقافية مركزية وفرعية، لكن هذا الكيان الثقافي الفاعل لم يلبث ان تراجع وانكفأ فتلكأت مجلة البديل في الصدور ثم توقفت نهائيا بعد ان اصدرت 15 عددا . كما نشأت مشاكل تنظيمية في معظم الفروع وفي المركز ايضا وانسحب العديد من المثقفين المرموقين من الرابطة التي لم يبق من فروعها سوى فرع سوريا إلى ما قبل سقوط النظام ..!!
أن اسباب انهيار الرابطة وتشتت المثقفين العراقيين كثيرة ولكن يمكن اجمالها في نوعين من الاسباب :

اسباب موضوعية
- تدخل بعض المنظمات الحزبية في شؤون الرابطة وفرضها اشخاص معينين على هيئاتها القيادية مما ولد استياءا لدى المثقفين الذين اعتبروا الرابطة كيانا ثقافيا مستقلا حتى لو ضم الكثير من الحزبيين.
- انهيار الاتحاد السوفيتي والتجربة الاشتراكية ، وضعف وتراجع حركة التحرر العربية والعالمية، وفشل التجارب الثورية في العالم الثالث وهيمنة القطب الواحد. ان كل ذلك خلق ردود فعل كبيرة وعميقة لدى المثقفين العراقيين اسوة ببقية المثقفين العرب، وجعلهم يعيدون حساباتهم ويتاملون فيما جرى بدهشة واستغراب!
- افتقاد المعارضة العراقية واحزابها لسياسة ثقافية واضحة، ولموقف سليم ازاء المثقفين العراقيين، ففي كل الجبهات التي قامت منذ اوئل الثمانينات ( جوقد، جود، لعم، وموعم) ثم مؤتمرات لندن وصلاح الدين لم يكن هناك حضور او اي دور للمثقف العراقي للمساهمة في رسم مستقبل العراق، في حين ان (لجنة الدفاع عن الشعب العراقي ) التي تشكلت بعد انقلاب 8 شباط عام 1963 كان يرأسها مثقف عراقي مرموق هو الشاعر محمد مهدي الجواهري ..
- الاحباطات والانكسارات المتواصلة التي عاشتها حركة المعارضة العراقية، التي ارتبط المثقف العراقي بها وربط مصيره بمصيرها كفشل التحالفات وفشل حركة الانصار وخروج النظام( منتصرا ) ! في حربه مع ايران وبقاءه فترة طويلة رغم هزائمه وجرائمه وبشاعاته.
- حرب الخليج الثانية وضرب العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفاءها والحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق وشعبه لعب دورا في تشويش الصورة لدى عدد غير قليل من المثقفين العراقيين..

الاسباب الذاتية ..
يتميز المثقفون عموما بالحساسية العالية وهي صفة عامة لا تخص المثقفين العراقيين وحدهم ، انهم حالمون بمثل عليا وبقيم نبيلة تتجسد في العدالة والمساواة، لذلك فان خدش هذه الاحلام العادلة او ثلمها ولو قليلا بحكم الواقع وقساوته يشكل ردود فعل حادة لدى المثقفين، وقد شكلت الغربة التي طالت كثيرا ( منذ عام 1979) وتبعاتها من وضع اقتصادي غير مستقر ووضع عائلي مرتبك وتنقل دائم وغياب الجمهور الحقيقي الذي يحتاجه المبدع لتوصيل مادته .. ان كل هذه الصعوبات تركت اثارها العميقة على نفسية المثقف العراقي المنفي ، الذي بدأ يميل للعزلة وتحقيق برنامجه الخاص، على حساب البرنامج العام، وقد قل صبر المثقفين ازاء بعضهم ، وكثرت الخلافات فيما بينهم، وقد فشلت الكثير من الافكار والمشاريع لتجميع المثقفين العراقيين واعادة تأسيس كيان جديد يجمعهم، بل ان مشاريع اقل سعة وحجما، ولمجموعة قليلة من المثقفين، كان مصيرها الفشل ايضا .

الهجرة الاخيرة والمستمرة للمثقفين العراقيين
شكلت حرب الخليج الثانية والانتفاضة الشعبية التي اعقبتها والحصار الاقتصادي الدولي الذي نتج عنها، شكل كل ذلك تدميراً مستمراً للطبقة الوسطى في العراق، والمثقفون عموما ينتمون إلى هذه الطبقة، لذلك كان التدمير واضحا وصارخا في صفوفهم وقد استطاع المئات من هؤلاء الخروج من العراق ، بعد عام 1990 ، لاسباب هي في الجوهر اقتصادية وذات طابع فردي ، أي انقاذ الذات وما يحيط بها من عائلة وابناء من شبح المجاعة وانسداد الافق وقد اصبح بعض هؤلاء، ممن ساهمت السلطة واجهزتها في اخراجهم، ابواقا ناعقة للنظام في حين ظل اخرون يترقبون، اما الغالبية فقد وقفت مع قوى المعارضة العراقية ونشطت في فضح السلطة واجراءاتها القمعية ضد ابناء الشعب ، وهذه المجموعة، بحكم صلتها القريبة بالوطن وفهمها للمناخ الثقافي الذي تكون خلال العقود الثلاثة الماضية، لانها كانت جزءا منه وخرجت من وسطته ، فهي اقدر على فهم اللوحة الثقافية في الوطن، واكثر صلة وقربا بمثقفي الداخل، وعلى كل من يريد ردم الهوة بين ما يسمى بمثقفي الخارج والداخل ان يستفيد من هؤلاء الذين لم تمض على مغادرتهم العراق سوى سنوات قليلة ..

وأخيراً ... ماذا بعد ؟ !
لقد كان المثقف العراقي الذي يعيش خارج الوطن، ربما اكثر من غيره من العراقيين الاخرين حماسا للعودة لوطنه، وقد رسم احلاما وردية عن عراق مابعد صدام حسين ، عراق خالِ من الارهاب والعنف والاعدام والتعذيب والسجون والمعتقلات .. عراق تقال فيه الكلمات الحرة والاناشيد الجميلة.. كان الشعراء والقصاصون والمسرحيون والموسيقيون يتخيلون ان الساحات والقاعات والمسارح ستحتضنهم وستغص تلك الاماكن بالجمهور المتلهف لما سيقدموه .. لكن صخرة الواقع العراقي منذ سقوط الصنم حتى الان صدمت الاحلام المشروعة لهؤلاء العراقيين المتعطشين للوطن، واضافت لكواهلهم عبئا جديدا لم يتصوروه على الاطلاق، فتسرب اليأس إلى نفوس الكثيرين منهم وتبخر الامل.. فما يجري في الوطن الآن من كوارث وبشاعات لايمكن استيعابه او تفسيره.. أن اسئلة كثيرة تواجه المثقف الان تتعلق بمستقبل وطنه وشعبه ، ولكن احداً لم يستشره في ايجاد اجابات لها .. متى ينتهي الارهاب؟؟ متى تنقشع غيمة الطائفية التي تلبد الآن سماء الوطن ؟؟ متى يصبح العراق ، وليس الحزب او الطائفة او العشيرة او العنصر او المنطقة هم الجميع ؟؟ متى تصل الخدمات للناس وتنتهي البطالة ؟؟ متى تزدهر ثقافة العراقيين المتنوعة ؟؟ متى ؟؟ متى ؟؟
وحتى تجري الاجابة على هذه الاسئلة الاساسية والملحة وحتى يُشرك المثقف العراقي، سواء كان في الوطن او خارجه في الاجابة على هذه الاسئلة ... اقول حتى يتحقق كل ذلك اطرح مهمات اراها ضرورية لمن يتصدى لمسألة استثمار طاقة المثقفين العراقيين في الخارج، وهذه المهمات تتلخص في :-

# جرد المثقفين العراقيين الموجودين في الخارج وتصنيفهم حسب اختصاصاتهم .
# تخصيص ملفات خاصة عنهم في الصحافة العراقية ( المدى مثلا) والاشارة لنتاجهم الادبي والفني وتوسيع نشره .
# تنظيم النشاطات الثقافية الخاصة بهم في المدن العراقية والعاصمة ، مثلا معرض تشكيلي يدور في المحافظات ل 30 تشكيلي عراقي مهاجر او منفي، اسبوع للمسرح المهاجر، للفلم السينمائي .. للصور الفوتغرافية ..إلخ
# دعم الجمعيات والروابط والاتحادات الخاصة بالمثقفين وتبريز دورها والتعريف بها في الفضائيات والصحف العراقية
# تكريم المثقفين البارزين، والذين ربطوا حياتهم ونشاطاتهم الابداعية بقضايا الناس، وهم كثيرون ومعروفون في المنافي
# طبع الكتب والدواوين والروايات والمؤلفات الاخرى للمثقفين العراقيين في الخارج ، واعادة طبع المنشور منها وتوزيعها في انحاء الوطن ..

* المداخلة التي قدمت في أسبوع المدى الرابع


ملحق خاص


المثقفون العراقيون في الدنمارك
 

يعتبر النصف الثاني من الثمانينات , ( عام 1985 وما بعده ) البداية الحقيقية لتواجد المثقفين العراقيين في الدنمارك , إذ لم يكن عددالعراقيين قبل ذلك العام , سوى بضع عشرات , بينهم عدد من المبدعين لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة . ولكن في الفترة التي اتحدث عنها , وصل مئات اللاجئين العراقيين الجدد , وبينهم الفنانون كوكب حمزة والفقيد كمال السيد وقحطان العطاروجودي الكناني ومحمد زلال وسهام علوان والشعراء رياض النعماني ومنعم الفقيروالقاص شاكر الانباري وغيرهم .
كان هم المثقفين العراقيين , بعد ان حصلوا على الاقامة ورواتب المساعدة , واستقرت اوضاعهم الى حد ما , يصب في اتجاهين :
1_ الاتجاه الاول : نحو الجالية العراقية التي بدأت اعدادها بالازدياد مع مرور الايام .وضرورة شدها للوطن وهمه في التخلص من النظام الدكتاتوري الجاثم على صدره .
2_ الاتجاه الثاني : نحو الشعب الدانماركي ومثقفيه ومؤسساته الثقافية , حيث من المهم تعريف هؤلاء بثقافتنا وتأريخ وتراث شعبنا .
ولتحقيق الاتجاه الاول جرى تأسيس ( النادي العراقي ) الذي كانت مهماته تتلخص في تجميع العراقيين , وعقد اللقاءات فيما بينهم , مع بعض النشاطات الثقافية , كإقامة امسية للشاعر العراقي ( مظفر النواب ) وغيرها من النشاطات . وقد لعبت حرب الخليج الثانية والتشوش والاختلاف في مواقف العراقيين إزاءها , لعبت دوراً في تجميد النادي وحله , وبقاء العراقيين مشتتين سنوات .
في بداية التسعينات حدثت موجة جديدة من لجوء العراقيين للدنمارك , اكثر اتساعاً من الموجات السابقة , وقد حملت هذه الموجة العديد من المثقفين الذين كانوا في صفوف حركة الانصار,او في الكويت وسوريا واليمن وغيرها من المحطات الكثيرة .

البيت العراقي في كوبنهاكن
أواسط عام 1992 كانت فكرة إعادة تكوين كيان يجمع العراقيين ويشدهم للوطن قد نضجت , بعد فشل تجربة (النادي العراقي ) , ولكي يجري تجنب الاختلاف القادم , تم تثبيت معاداة النظام الدكتاتوري في النظام الداخلي , كشرط من شروط العضوية .
وتم تأسيس ( البيت العراقي ) في مؤتمر حضره عشرات العراقيين وبينهم الكثير من المثقفين , وقد أختيرت مفردة ( البيت ) بإعتبارها أكثر دفئاً وقرباً من مفردة النادي , ورغم ان تجميع العراقيين كان في مقدمة اهداف البيت إلا ان لجنته الثقافية , جعلت الهم الثقافي والنشاط في هذا المجال هو الجسرالذي يربطها مع العراقيين في الدنمارك , فتم وضع برنامج ثقافي واسع ومتنوع لآقامة أمسيات أدبية وفنية لا حصر لها , وفي هذه الامسيات تم إستضافة معظم مثقفي العراق الموجودين في أوربا وأمريكا , وإقامة النشاطات الخاصة بهم .
لقد إستضاف البيت العراقي في كوبنهاكن , بالآضافة لشعراء العراق وقصاصيه العديد من الكتاب والباحثين والسينمائيين والتشكيليين والحقوقيين , بالاضافة للفرق المسرحية من السويد والمانيا , كما بادر لتكريم المبدعين العراقيين الآحياء , كتكريم الفنانين سامي كمال وطالب غالي وكوكب حمزة وغيرهم.
وكان البيت العراقي يتلقى دعماً مادياً من الجهات الدنماركية الرسمية ساعدته في تأجير مقرات مناسبة للعديد من فعالياته , لكن هذا الدعم توقف مما شكل عرقلة لنشاط البيت , الذي ضعفت نشاطاته كثيراً في السنتين الآخيرتين , ولم يعد كما كان في السابق , وتفكر الهيئة الادارية الان بعقد مؤتمر قريب لآعادة النشاط مجدداً .
ولتحقيق الاتجاه الثاني من هدف المثقفين العراقيين , أي نحو الجانب الدنماركي , فقد نشط الذين أتقنوا اللغة الدنماركية في الوصول للمؤسسات الثقافية الدنماركية , حتى ان الشاعر العراقي ( منعم الفقير ) ترأس ولا يزال تجمع ( السنونو ) الثقافي , الذي يضم عدداً من اهم واشهر الادباء الدنماركيين , ويقوم هذا التجمع الثقافي بإيجاد جسور بين الثقافتين العربية والدنماركية , وقد نظم ايام ثقافية سنوية لتحقيق هذا الهدف , والتجمع مدعوم مالياً من وزارة الثقافة الدنماركية والجهات الرسمية الاخرى .
كما ان المخرج العراقي ( كاظم صالح ) الذي يعتبر من اقدم العراقيين في الدنمارك , استطاع ان يقدم مجموعة اعمال مسرحية باللغة الدنماركية وبممثلين دانماركيين , ولجمهور دانماركي , ومن بين هذه الاعمال مسرحية ( كلكامش ) و ( ليالي عشتار ) و ( المهاجر ) .
هذا بالاضافة لعدد غير قليل من المثقفين الذين نشطوا في مختلف المناسبات , وبمختلف الاختصاصات , المسرحية والموسيقية والتشكيلية والادبية , مع الجانب الدنماركي , وكانت لآسهاماتهم وقعها الواضح على المتلقي الدنماركي .

إحصائية أولية للمثقفين العراقيين في الدنمارك

الشعراء
خلدون جاويد
عبد القادر البصري
مظفر حسين
رياض النعماني
حميد العقابي
اوروك علي
داود امين
سليمان جوني
قيس المالكي
ضياء جمال الدين
جمال جمعة
وليد جمعة
عدنان الزيادي
عبد الرحمن النجار
جمال مصطفى
اشتي
مشرق الغانم
طالب غالي
علاء حمد

القصاصون
شاكر الانباري ( عاد للوطن )
سلام إبراهيم
باسم الانصار
دنى طالب
عامر حسين

مسرحيون
محسن السعدون ( انتقل الان الى انكلترا )
فاضل السوداني
كاظم صالح
طارق هاشم
سهام علوان
حيدر ابو حيدر
لطيف حسن
نضال عبد الكريم
محمد زلال
سلمى عبد الوهاب

سينمائيون
طارق هاشم
محمد توفيق
رانيا محمد توفيق
علي يوسف
جودي الكناني

تشكيليون
نوال السعدون
عباس الكاظم
سامي الجيزاني
محمود العبادي
سعد عباس
ريبوار
شمال عادل سليم
خليل ياسين

موسيقيون
كوكب حمزة
طالب غالي
قحطان العطار
مرتضى العراقي
ناصر حربي
علي الوكيل
ناجي السراج
بشار
سالم البازي

كتاب وصحفيون
خالد السلطاني
داود امين
زهير شليبة
حسين السكاف
ستيرا

ملاحظة :
هذه احصائية أولية شملت بشكل رئيسي المثقفين الموجودين في العاصمة كوبنهاكن , وبعض من اعرفهم من المثقفين في المدن الدنماركية الاخرى , ومن المؤكد ان هناك كثيرين لا اعرفهم , او ليس لي صلة بهم .لذلك لا أستطيع إيرادهم في هذه الاحصائية السريعة .