الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الجمعة 14/8/ 2009

 

كفاءات خارج الوطن
داود امين

أجرى اللقاء: صفاء فاخــر
Safaa.facher@hotmail.com

"كفاءات خارج الوطن" سلسلة لقاءات تسلط الضوء على طاقات وكفاءات عراقية خارج الوطن، محاولين من خلالها الوقوف عند الرؤى والطموحات العراقية المختلفة من اجل المساهمة ببناء عراق جديد على اساس ديمقراطي حر .

رأى في السياسة سنبلة يتأجل حصادها في كل مرة، سنبلة نفثت مواهبه حبة، حبة، لترشفها تربة تمنحه الانتظار، فينتظر واقفا.. هو المناضل العنيد الذي يسافر فيه الوطن قصيدة اينما رحل، المصقول بالدرس السياسي في مسيرته المضنية، يستغرقه التحدي في جميع كلماته المعجونة ببساطة الفقراء، العميق بالحكمة والمواقف ، المبتسم دوما والمشتعل بطيبة وتلقائية قلما نجدها عند من مرت عليهم اهوال الأيام الصعبة في عراق عسير لا قرار لحزنه, لقاءنا اليوم مع انسان سهل على الفرح والابتهاج ممتنع على اليأس والكلل رغم أكاليل الشهداء من عائلته والتي افتدت الوطن ابتداءً بأخته الكبرى الشهيدة موناليزا امين وليس انتهاءً باخته الصغرى الشهيدة سحر , انه داود امين ضيفنا العراقي الذي يحمل دماء كل مكونات الشعب العراقي المتآلفة والمتزاوجة في عائلته..

انتم تجربة نضالية، وفنية طويلة، فهل كان الحس الفني الدافع لنضالكم الطويل، ام النضال والموقف السياسي النبيل، كان وراء المشوار الفني الذي فاق الأربعة عقود، حدثونا عن البدايات والنشأة استاذ داود؟
- لقد وُلدت في 20 آيار عام 1948 في مدينة ( التنومة ) في محافظة البصرة، وفي شباط 1951 ، تقاعد والدي فإنتقلنا لمدينة الناصرية، حيث يسكن جدي وأقاربي ( من جهة الأم ) وكان سكان الناصرية كما يصفهم ضابط البوليس البريطاني في تقريره لعام 1919 { مثل مسحوق البارود تفجرهم أصغر الشرارات } وقد ظلوا هكذا، وربما سيظلون! لذلك فإن المناخ السياسي العام في المدينة، زمن طفولتي وصباي كان مناخاً ثوريا (معارضاً) وكان للحزب الشيوعي العراقي شعبية شبه مطلقة، وعندما حدثت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 كنت في العاشرة من عمري، وكنت أرافق والدي لنشاطات (جمعية الصداقة العراقية - السوفيتية في الناصرية) التي كان والدي عضواً في هيئتها الإدارية، وأرافق أمي وجدتي لنشاطات (رابطة المرأة العراقية) حيث كُن من الناشطات فيها! وكان أخوالي، ومعظم أبناء محلتنا (الجامع الكبير) ممن يكبرونني في السن، أعضاء في الحزب الشيوعي، وقد لعبت ردة شباط عام 1963 دوراً في بلورة وعيي السياسي، إذ خلت الناصرية من معظم شبابها البارزين في الرياضة والثقافة والفنون، والذين زجّ بهم في السجون، ومورس بحقهم أبشع أنواع التعذيب، وكان بينهم أخوالي، في هذا المناخ السياسي العام، المتسم بالتمرد والمعارضة، مرت سنوات المراهقة والشباب،وأثناء هذه الفترة أيضاً، بل ربما قبلها بفترة، كنت أقرأ وأقرأ بنهم ومواظبة، ففي البيت مكتبة متنوعة وكبيرة، وكان أبي من أكثر الناس الذين عرفتهم قراءة للروايات والأدب والشعر، كما بدأت في هذه الفترة محاولاتي الأولى في الشعر، وأصبحت لدي صلة ببعض مثقفي المدينة وفنانيها، خصوصاً في محلة (الإسكان) التي إنتقلنا لها أوائل عام 1962 ، ومن بينهم الشاعر قيس لفته مراد، والممثل حميد كاظم، والكاتب جاسم محمد أمين.. وغيرهم، ولذلك عندما ظهرت حركة (الكفاح المسلح) في أهوار الناصرية، والتي قادها شيوعيو(القيادة المركزية) كنت من المرحبين بها والمتعاطفين معها، وعن هذا الطريق بدأت صلتي بالحزب الشيوعي العراقي تترسخ وتنتظم، لتستمر كل هذه العقود الطويلة من السنين .

لكم تجربة شعرية ناضجة يقف عندها من قرأ لكم قصائدكم الشفافة المضمون, والتي حاولتم بها ايجاد شكل شعري جديد تكسرون به انماط الشعر المعتادة، هل من اضاءات عن ذلك؟
- ربما يبدو السؤال صادم للقراء الذين لم يقرأوا شعري، أو حتى لا يعرفون إنني أكتب الشعر! عندما تتحدث عن (تجربة شعرية ناضجة) ، فقد نشرت القليل، والقليل جداً من القصائد، علماً إن الشعر كان هو ميداني الثقافي الأول، والذي مارسته وأنا دون سن الخامسة عشر من عمري، ومن خلال الشعر دخلت خانة مثقفي الناصرية، وربما عبره إنتقلت للمسرح والصحافة، نعم كتبت القصيدة الموزونة والمقفاة سنوات طويلة، وكنت متأثراً بأبي نؤاس وبشعراء المهجر وشعراء مصر، والعراق، وكنت أحفظ الكثير من القصائد لبشارة الخوري، وشوقي، والرصافي، وأبي نؤاس، والمتنبي، وإيليا أبي ماضي، وأبي القاسم الشابي، وغيرهم، وقد ساعدني هذا الحفظ في ترسيخ بحور الشعر وأوزانه في ذاكرتي، بحيث لا أخطأ في الوزن، حتى دون معرفة بالتقطيع، وكانت موضوعاتي مختلفة، ومعظمها عاطفية تتحدث عن الحب والعلاقة بالمرأة ومغامراتي في هذا الميدان! علماً إنه لم يكن لي أية تجربة عاطفية، وربما كان الأمر تعويضاً ليس إلا ! وكانت حصيلة هذه الفترة عشرات القصائد التي ملأت دفترين ثم ضاعت! ولا أحفظ الآن سوى نتف من بعض تلك القصائد! في النصف الثاني من الستينات إكتشفت السياب وقرأت كل ما كتبه وكل ما كُتب عنه، وتأثرت به تأثراً كبيراً، وقد كتبت قصائد تشبه عوالمه، نشرت منها في تموز عام 1968 قصيدتين في جريدة (كل شيء) هما قصيدة (كبش الفداء) و (حكاية شاعر)، وكنت متابعاً دؤوباً للحركة الشعرية في العراق والوطن العربي، وعبر الترجمات تابعت حركة الشعر العالمي فتعرفت على الشعراء الروس، والفرنسيين، والأنكليز، والأمريكيين، والشعراء الثوريين كنيرودا، وناظم حكمت، وبول إيلوار، وفابتزاروف، ومايكوفسكي، وأراغون، وغيرهم، كان الشعر هو عالمي الرئيسي والوحيد، وعندما نشر الشاعر العراقي (حسب الشيخ جعفر) قصيدته المدورة، وهي تجربة جديدة في شكل القصيدة الحديثة، كتبت على الفور قصيدة مشابهة، عنوانها (أبحت دمي) وقرأتها عام 1970 في مهرجانين شعريين في الناصرية والشطرة، وكدت أعتقل بسبب مضمونها! ثم كتبت قصيدة (كوستا والشمس) بنفس الشكل وقصيدة (هي الناصرية) والمؤسف أن معظم هذه القصائد ضاعت ولا أحفظ الآن سوى مقاطع صغيرة من كل منها !

كتبتم الشعر الشعبي بمهارة واتقان، فهل كان الأفصح في البوح، ام انها تاثير ألحان الاغاني العراقية التي نتنفسها في وحشة الغربة، كيف حدثت هذه التجربة، وما هو رايكم بموجة الشعر الشعبي التي تجتاح العراق حاليا؟
- حكايتي مع الشعر الشعبي غريبة، فأنا أستطيع كتابته منذ طفولتي ولكني لم أمارسه، بسبب إنصرافي لكتابة الشعر الفصيح، وقد كتبت بضعة قصائد شعبية أيام الحركة الأنصارية، ونشرتها في مجلة (المفرزة 47) الدفترية التي كانت تصدرها سريتنا، وذلك لملأ فراغ تركه ترحيل الرفيق الشاعر (إسماعيل محمد إسماعيل) لموقع أنصاري آخر، كما كتبت مواويل وأبوذيات ومربعات كاركتيرية للمزاح ولكسر وتخفيف حياة قاسية وصعبة، كنا نحياها في الجبل أيام الحركة الأنصارية! ولكن التجربة الشعرية الحقيقية في هذا المجال كانت عندما كنت في طهران نهاية عام 1989، في طريقي للخروج من الوطن، ففيها وجدت نفسي، ودون إرادتي ألجأ لكتابة قصيدة (أحلام) باللهجة الدارجة، وأحيل الأمر لعلماء النفس لتفسير هذه الظاهرة! وقد نُشرت القصيدة عام 1990 في مجلة (الثقافة الجديدة) كما نُشرت قبل أعوام في الكثير من المواقع الألكترونية، وبعد صدور صحيفة (المجرشة) الساخرة والناقدة في لندن عام 1993، طلب مني مدير جرشها العزيز (فيصل لعيبي) المساهمة فيها، فكانت لي العديد من المساهمات، التي نشرت طوال عمر المجرشة، وبينها دارميات ومربعات وميمر وقصائد شعبية، كما كتبت قبل أربعة أعوام قصيدة طويلة لدعم الحملة الإنتخابية للحزب بعنوان (صوّتْ للحزب يعراكي ما تندم!)، وقد صورت وطبعت هذه القصيدة بعشرات السيديات ووزعت في الوطن! أما عن طوفان الشعر الشعبي الذي يشيع الآن في الوطن وتسوقه الفضائيات العراقية المختلفة، فهو في معظمه نتاج ساذج لمجموعة من الأميين، ولكن ذلك لا يلغي وجود مجموعة من الشعراء المجيدين، والذين يعول على أصواتهم غربلة هذا الركام الرديء!

قد يستغرب القارىء من ان الفنان حسين نعمة كان في يوم ما مسرحيا، وانكم قد مثلتم معه ومع غيره من النجوم مسرحيات لكتاب عالميين، فهل لكم ان تحدثونا عن تجربتكم المسرحية؟ أهواية كانت ام احتراف؟وهل تعدت التمثيل الى الاخراج؟


حسين نعمة وداود امين

- في مدينة صغيرة كالناصرية (وأنا أتحدث عن أواسط الستينات) كانت مقهى صغيرة كمقهى (أبو أحمد) تستطيع أن تلّم جميع مثقفيها من كتاب قصة وشعراء ومسرحيين وتشكيليين وموسيقيين .. ألخ، وكنا جميعاً أصدقاء، نعرف بعضنا وعوائلنا بشكل تفصيلي، وفي هذه المقهى كانت المشاريع الثقافية تولد وتُناقش وتنمو، وقد دخلت المقهى وأصبحت واحداً من روادها بإعتباري شاعراً جديداً، وكان أصدقائي في البداية هم أبناء جيلي، والقريبون من عمري، وهم عبد الجبار العبودي، ومحسن الخفاجي، وعباس جولان، وفاضل السعيدي، وكاظم الركابي، ومالك يوسف، وراجي عبد الله، وعبد المطلب السنيد، وعبد الكاظم إبراهيم، وغيرهم، وبعد فترة تلاشت الحدود بين الأجيال وأصبح جميع الرواد من معارفي وأصدقائي! أما عن عملي في المسرح، فكانت بدايته عام 1967 ، وربما لعبت ملامحي وبياض بشرتي وشعري الطويل حينذاك دوراً في أن يفاتحني الفنان المسرحي الراحل (عزيز عبد الصاحب) في أن أمثل دور البطولة في مسرحية (الغريب) وقد قبلت العرض، وكان معي في العمل الفنان حسين نعمة والشاعر كاظم الركابي وعدد كبير من الفنانين الآخرين، وبالمناسبة فقد سبقني الفنان حسين نعمة في التمثيل بسنوات، ولم يكن غريباً حينذاك، بل وربما للأن ،أن يمثل المطرب أو الشاعر أو التشكيلي! ومنذ مسرحية الغريب أصبحت ممثلاً مسرحياً معروفاً في الناصرية، وضمن الخط الأول من الممثلين، وقد مثلت في معظم المسرحيات التي لا يزال الجمهور في الناصرية يتذكر بعضها لحد الأن ! كمسرحيات (الطقوس الأخيرة، وأسياد الدم، والرجل الذي ضحك على الملائكة، والحواجز، وستربتيز، والمسيح يصلب من جديد، ولويش وشلون وإلمن؟ وسيرة أس، والمغني .. وغيرها ) وكنت في جميع تلك الأعمال هاوياً.، ولم أخرج سوى مسرحية فكاهية هي (المخرج الفاشل) أثناء الحركة الأنصارية !

الا تتفق معي بأن المسرح العراقي في المنفى كان دون مستوى الزمن الصعب الذي مرّ ويمر به العراق، فهو لم يطرح معاناة العراقيين المؤلمة الى العالم، اين تكمن الأسباب برأيك؟
- المسرح عمل جماعي، وهو يحتاج لوسائل متنوعة وشروط متعددة لإنضاجه وإظهاره بالصورة اللائقة، فبالإضافة الى الممثلين والممثلات والمخرج، يحتاج المسرح لديكور وموسيقى وأكسسوار وإنارة وتقنيات أخرى كثيرة، لكي يكون مؤثراً وفاعلاً، لقد توزع العراقيون في العقدين الأخيرين على مختلف المنافي، ولم يعد سهلاً جمع شتات الكثيرين منهم لكي تقدم عملاً مسرحياً عراقياً مناسباً، أذكر عندما كنا في اليمن الديمقراطية عام 79 و1980 أسسنا فرقة مسرحية ضمت خيرة الكوادر المسرحية، الراحلة زينب وزوجها الفنان لطيف صالح وسلام الصكر ورياض محمد وفاروق داود ونضال عبد الكريم والعشرات غيرهم، وقد قدمنا عملين هامين هما مسرحية (مغامرة رأس المملوك جابر) لسعد الله ونوس، ومسرحية (الأم) لغوركي، وقد مثلت في المسرحيتين، وكانت المسرحيتان تجيبان عن أسئلة عراق تلك الفترة! وقد شاهدهما جمهور يمني واسع في عدد من المحافظات! ونفس الشيء فعلته الفنانة زينب عندما أقامت في دمشق في الثمانينات، حيث بادرت لتأسيس فرقة (الصداقة) المسرحية وقدمت عدداً من الأعمال المسرحية الهامة للجمهور السوري ، ولكن المنافي الحالية والتباعد بين المسرحيين، والأفتقار للجمهور العراقي، جعل العمل المسرحي ، في كثير من الأحيان مشروعاً شخصياً (أو فردياً) إذ يبادر مخرج لإيجاد نص لشخصية واحدة يقوم هو بتمثيله في معظم الأحيان، وهذا ما شهدناه لدى الأصدقاء طارق هاشم وأسعد راشد ، وعلي ريسان ، وفاروق صبري، الحقيقة أن هناك محاولات مسرحية عراقية متفرقة في السويد والدانمارك والمانيا وهولندا، وتنشط هذه المحاولات في أوساط الجاليات العراقية فقط ، أثناء المهرجانات الثقافية في هذه البلدان. أما عن المسرح العراقي الموجه لجمهور هذه البلدان وبلغتها فهو قليل وقليل جداُ، وأذكر هنا تجربة الفنان العراقي (كاظم صالح) الذي أخرج قبل سنوات في كوبنهاكن، عملاً باللغة الدانماركية ومثله وشاهده دانماركيون، وكان العمل يتحدث عن مأساة مغترب عراقي !

ان الكتابة للاطفال أدب يكاد يكون نادرا في ادبنا العراقي، وانتم لكم تجربة طويلة ومتنوعة في هذا المجال، فقد كتبتم القصص للأطفال، والمسرحيات، والأناشيد، فهل لكم ان تحدثونا عن هذه التجربة الخصبة ؟
- التجربة للحقيقة ليست طويلة، بل يمكن القول أنها قصيرة جداً، وجاءت بالصدفة! فقد إرتبطت بوجودي في عدن عام 1984 لبضعة أشهر، حيث عملت في مجلة (المسار) التي كان يرأس تحريرها الشاعر سعدي يوسف، وكانت المجلة تصدر عن (دار الهمداني) للطباعة والنشر، والتي أصدرت أيضاً مجلة (نشوان) الخاصة بالأطفال، فحفزني صدور مجلة نشوان لكتابة عدد من السيناريوات، ثم كتبت عدداً من القصص، التي صدرت عن دار الهمداني في كتب مستقلة، لدي الأن كتابان منها هما (زهرة وقمر) من رسوم الفنانة عفيفة لعيبي ، و(شيخوخة زورق) من رسوم الفنان عبد الإله لعيبي، ولم أحصل على بقية قصصي التي نسيت حتى مضامينها الأن ! لقد كتبت قصصاً أخرى في كردستان وهنا في الدانمارك، ولدي الأن مجموعة جاهزة للطبع تتكون من ست قصص، ومن رسوم الفنان (عبد الكريم سعدون) والطريف إن هذه المجموعة صدرت قبل شهرين باللغة الكردية، وبترجمة الأديب والروائي الكردي (محمد فريق) عن دار ئاراس في اربيل، ولم تصدر بالعربية حتى الأن !! أما عن المسرحيات والأناشيد فبحكم عملي هنا في مدرسة عربية، ثم في روضة أطفال كتبت بعض الأعمال المسرحية الشعرية وأخرجتها، وأيضاً عدداً من الأناشيد.

هناك مسيرة طويلة، وخبرة عريقة لكم في المجال التربوي، ورعاية الطفولة، وان عملكم الحالي بالدنمارك هو في هذا المجال. فما هي رؤاكم في حماية الطفولة المهددة بالمخاطر في العراق، خصوصا واننا لم نلحظ هذا بشكل ملموس ببرنامج اي حزب سياسي يعمل في الوطن حتى الان؟
-
الطفل العراقي لا يختلف عن الأنسان العراقي المحاصر بالإرهاب والخوف وإنعدام الخدمات، وما يميز الطفل هو أن الضغوط التي ذكرتها تتضاعف وتشتد عليه بسبب ضعفه وقلة حيلته، الطفل العراقي الأن لا يستطيع أن يلعب في الشارع بنفس الحرية التي كنا نلعب فيها في خمسينات وستينات القرن الماضي، فهو يخاف الإختطاف والتفجير، لقد رأيت أولاد أخي محصورين لسنوات بين جدران البيت! ونافذتهم الوحيدة مع الخارج هي المدرسة التي لا تبعد سوى أمتار عن بيتهم ! هناك مشكلة كبيرة أخرى، هي العدد الهائل للأيتام، فعددهم يتجاوز الملايين، وكلنا يدرك ماذا يعني اليتيم في مجتمعنا، من حرمانات عاطفية ومادية وما يتركه هذا اليتم على مستقبله، الدولة والأحزاب الحاكمة والمتنفذة لا تزال بعيدة عن موضوع الطفل، وأعتقد أنها ستظل بعيدة لفترة أخرى قد تطول، هناك أعداد هائلة من (أبناء الشوارع) ومن الجنسين، وهؤلاء لا سكن لهم ، وربما لا عوائل لهم، ومشكلتهم لا يمكن حلها دون تدخل جهات دولية ومنظمات الطفولة العالمية، أعتقد إن إلزامية التعليم منذ رياض الأطفال، وتوفير التغذية المدرسية المجانية والزي الموحد والمجاني للأطفال، وبرامج الترفيه كفيل بوضع اليد على حل مناسب لوضع أطفال العراق، وتقليل معاناتهم التي لا تشبهها معاناة !

ان شعورا بالاحباط ينتاب الكثير من السياسيين العراقيين لان ما آل اليه البلد لم يكن بالحسبان مطلقا، فكيف يقيم داود امين تجربته السياسية الطويلة والمريرة في لحظات الحوار مع النفس؟ حدثونا عن البدايات ، الطموحات, وحتى الاحباطات ان وجدت؟
- رغم إنني كشخص كونته ظروف وراثية وبيئية وثقافية وإجتماعية وسياسية متنوعة، أتسم بالكثير من التفاؤل، فأنا مبتسم دائماً، ومحب للفرح والنكتة، ولدي نظرة شبه دائمة للكأس نصف الممتلئة، وليس لنصف الفارغة، إلا إن ما حدث بعد سقوط النظام كان مفاجئاً لي ولغيري من المناضلين الذين أعطوا عقوداً من حياتهم من أجل هذا الشعب ومستقبله، فطريق التغيير(الغزو والإحتلال!) كانت غريبة ومرفوضة عندي والحزب والفكر الذي أنتمي اليه! ثم ما حدث بعد الأحتلال، وما يحدث حتى الأن للشعب والوطن، والقوى المتحكمة بالسلطة، والأفق المنظور لسير العملية السياسية، إن كل ذلك لا يدعو للتفاؤل، المؤسف القول إنني أنتمي لجيل حرث وزرع وسقى، ولكنه لم يحصد! أنا لم أكن أفكر بثمن خاص لكل خساراتي الشخصية (وهي ليست قليلة !) لم أكن أطمح بموقع وظيفي، أو سلطة أو جاه! كنت أمني النفس بالحرية والديمقراطية وبتضاؤل الألم في قلوب الأمهات! لكن الواقع كذّب، مع الأسف، كل هذه الأحلام النبيلة والعادلة والطبيعية، لذلك كنت أعود بعد كل زيارة للوطن وأنا محمّل بالحزن والألم، وقد كتبت قبل سنتين قصيدة شعبية، من سبع مقاطع، عكست حزني، وربما يأسي من تغيير جذري قريب في الوطن! خصوصا المقطع المعنون ( كرامه ) والذي أقول فيه :

الوطن عندي
كرامه!
والوطن يمي
آمان!
والشعب عندي
صداقه!
والشعب يمي
حنان!
ومِنْ يجف نبع
الكرامه!
وينشفْ بأرضي
الأمان!
وينمسح طعم الصداقه!
ويبهت بلونه
الحنانْ!
ما تظل للوطن
قيمه!
والشعب يغدي
رهان!

بماذا يحدثكم حدسكم السياسي عن مستقبل العراق، هل تبقى المحاصصة السياسية الضيقة الأفق جاثمة، ام ان الديمقراطية الحقيقية ستنمو وتزدهر، لاسيما ان الانتخابات العامة على الأبواب؟
-
الإنتخابات القادمة قد تختلف عن سابقتها، ولكن ليس كثيراً، فالكثير من الوجوه التي تعودنا على رؤيتها خلال السنوات الست السابقة ستظل تلاحقنا لفترة قادمة ، والديمقراطية الحقيقية التي تريدها أمر لا يزال بعيداً، وبعيداً جداً !! فالأمر يحتاج لزمن أطول ، أما عن المحاصصة (الطائفية والقومية) فقد ماتت لحظة ولادتها، فأبطالها ورموزها يشتمونها الأن ويحاولون نفض أيديهم منها، وكلهم يتحدثون الأن عن قائمة وطنية، وعن مشاريع عابرة للطوائف والقوميات ! المؤسف إن جيلنا ، كما قلت في جواب سابق لن يحصد زرعه! ولكن الأجيال القادمة والمستقبل سيكون دون شك، مع الحرية والعدالة والمساواة، وأنا متفائل لزمن متوسط، أي ليس بقريب ولا بعيد، ربما نحتاج لعقدين، ولن يكون بمقدوري أن أشهد ما أتوقعه ! ولكن أبنائي وأحفادي (النرويجيين والدانماركيين !) سيرون ما أتوقعه ! عندما يزورون في المستقبل، وطن جدهم للسياحة !!

هل كان نشاطكم الاعلامي مرتبط بنشاطكم السياسي، وهل كان اذاعي ام تلفزيوني؟ وهل اقتصر على وسائل الاعلام العراقية ام تعداها للعربية؟
-
نعم لقد إرتبط عملي الإعلامي بعملي السياسي، أو قل الحزبي بشكل خاص، فقد كنت مراسلاً صحفياً في الناصرية، لجريدة الفكر الجديد منذ صدورها في حزيران 1972 ، ثم لجريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة، ثم أصبحت مسؤولاً للمكتب الصحفي في المحافظة، وعضواً في سكرتارية المكتب الصحفي في المنطقة الجنوبية، حتى الهجمة على الحزب نهاية عام 1978. أواخر عام 1979 عملت في عدن، في القسم العربي والدولي لصحيفة 14 أكتوبر، التي كانت لسان حال حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية ، وإستمر عملي في هذه الصحيفة حتى نهاية عام 1980، عندما توجهت الى كردستان، وفي صفوف الأنصار كنت مسؤولاً لمكتب صحفي في مفرزة مقاتلة ، وأصدرنا مجلة دفترية إسمها ( المفرزة 7 ) وقمنا بمختلف النشاطات ذات الطابع الثقافي والإعلامي، في تموز 1982 نسبت لمسؤولية إعلام قاطع بهدينان، الذي كان يصدر صحيفة (النصير) الشهرية ، ثم صحيفة (طريق النصر) التابعة للجبهة الكردستانية، وبعد المؤتمر الرابع عام 1985 نُقلت الى الأعلام المركزي، لأكون عضو في هيئة تحرير صحيفة طريق الشعب، ومذيعاً ومحرراً في إذاعة الحزب المركزية، ومحرراً في صحيفة المكتب العسكري المركزي (نهج الأنصار)، وبعد معارك الأنفال عملت مذيعاً ومحرراً في إذاعة الجبهة الكردستانية، التي كانت تبث من قرية (راجان) الأيرانية، وكنت ممثلاً عن الحزب الشيوعي ومسؤولاً للقسم العربي فيها ، وفي عام 1990 عملت في إذاعة دمشق، في برنامج خاص موجه للعراق، وكنت مذيعاً ومحرراً حتى مجيئي للدانمارك في شباط 1992 ، وكنت قبل سقوط النظام أمضي معظم إجازاتي الصيفية في كردستان للعمل كمتطوع في إذاعة الحزب وصحافته، وألأن أنا عضو في مكتب إعلام الخارج التابع للحزب، وهو مكتب ناشط وهام للعمل الأعلامي للحزب، بالمناسبة لقد عززت إمكانياتي الصحفية العملية والمستمرة منذ 37 عاماً بالدراسة الأكاديمية ، حيث أنهيت مرحلة البكالوريوس في الأعلام منذ شباط الماضي، وسأواصل دراسة الماجستير في نفس الإختصاص.

وأخيرا، أنتم تنتمون لعائلة نموذجية حيث ذابت بها كل ما تفاجئنا بظهوره في نسيج المجتمع العراقي من طائفية، وقومية، فهل لكم ان تحدثونا عن عائلتكم التي تمثلت بها وحدة النسيج الوطني العراقي؟
- لقد أجبت تفصيلياً عن هذا السؤال في لقاءات سابقة، لذلك لا أود تكرار ما سبق أن قلته، والذي أود تأكيده هو إنني عراقي تجري في عروقي دماء قوميات وأديان وطوائف عاشت وتعيش على هذه الأرض التي إسمها العراق، ولم يكن لهذا التلاقح الواسع في عائلتي من أثر في تعصب أو طائفية، بل زاد في غنى ما نحمله من إنسانية وتسامح وعطاء!



 

free web counter