الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الخميس 18/12/ 2008

 

مقابلة مع الفنان بسام فرج

أجرى الحوار: مجيد خليل

* حدثنا عن بداياتك الفنية ، متى وكيف تعرفت على عالم الكاريكاتير ؟
- لا أستطيع تحديد بدايات الرسم لدي بالدقة .. ولكنني أتذكر عشقي للرسم وعلاقتي الحميمة بأقلام الألوان منذ الصغر .. وتطورت هذه العلاقة مع اللون والشكل عند دخولي المدرسة الابتدائية ولم تتوقف حتى هذا اليوم .
بتقديري أن الموهبة تولد وتنمو مع الطفل .. ومن المحتمل أن يفقدها بعد مرور فترة فترة زمنية معينة ، أو تصبح قابلة للتطوير إن لاقت العناية اللازمة ..
أما بالنسبة إلى دخولي عالم الكاريكاتير فهو يعود الى المراهقة من حياتي ، إذ كنت معجبا جدا ومتابعا جيدا لرسوم فناني الكاريكاتير العراقيين في فترة الخمسينات من القرن الماضي ، وأذكر منهم الفنان غازي عبد الله وحميد المحل وعلي فتال والأسدي وغيرهم . ومنذ ذلك الحين أصبح يراودني هذا الحلم الجميل ، بأن أصبح في يوم ما رساما للكاريكاتير .. وقد رافق نمو وعيي السياسي ازدياد الحاجة الى التعبير عن أفكاري بطريقة تتلاءم مع قدراتي الفنية المتواضعة نوعا ما آنذاك . في ذلك الحين بالذات أصبح الكاريكاتير عندي حاجة ملحّة أكثر مما هو ترف يمكن الاستغناء عنه ببساطة .. وقد تعمّق لدي هذا الشعور تدريجيا مع مجئ البعث الفاشي الى السلطة في العراق وحتى هذا اليوم .

* بمن تأثرت من رسامي الكاريكاتير ؟ وهل هناك مدارس واتجاهات لهذا الفن ؟
-
لابد لي من الإشارة هنا الى أن الكاريكاتير العراقي يستند الى تراث يضاهي تراث الكاريكاتير في المنطقة ، فقد صدرت في مدينة البصرة أول صحيفة ساخرة في العراق باسم - مرقعة الهندي – لصاحبها أحمد حمدي أفندي في 21 تشرين الثاني من عام 1909 .. وأول رسم كاريكاتيري بريشة رسام الكاريكاتير العراقي الرائد عبد الجبار محمود والذي نشر على الصفحة الاولى من العدد الاول من جريدة - حبزبوز –
لصاحبها ورئيس تحريرها نوري ثابت في 29 أيلول من عام 1931 ، بعد ذلك احتلّ الساحة آنذاك عدد من الفنانين المبدعين كغازي الرسام وحميد المحل وآخرين ممن تبعوهم .
وكما ذكرت سابقا فقد كانت بداياتي في رسم الكاريكاتير تقليدا لخطوط غازي (بالتمام وليس الكمال). بعدها اكتشفت مدرسة " صباح الخير "
و" روز اليوسف " ، فاتجهت الى تبسيط الشخوص والخطوط والنكتة .
ثم أكتشفت بعد ذلك وعن طريق الصدفة مجلة " ماد " الامريكية التي أصبحت أقتنيها باستمرارمن مكتبة مكنزي الشهيرة في شارع الرشيد آنذاك .. ومن خلال الاستمرارية والاستغراق في العمل الصحفي اليومي استطعت أن أجد حلقة الوصل بين المدرسة التقليدية في الكاريكاتير العراقي الذي كان شائعا في فترة الخمسينات من القرن الماضي وبين الاسلوب الشائع في الوقت الحاضر .
هناك في فن الرسوم الكاريكاتيرية مدارس واتجاهات وأساليب مختلفة ومتعددة من حيث الأسلوب والشكل والموضوع ، يضاف الى ذلك تفاوت في درجات روح الدعابة والسخرية التي تميز بين شعب وآخر .ومن هذا المنطلق يمكننا تحديد هوية رسامي الكاريكاتير على أختلاف أجناسهم وانتماءاتهم القومية والفكرية .

* هل يمكننا الحديث عن مدرسة عراقية للكاريكاتير ؟
- لغرض الإجابة على هذا السؤال علينا أن نكون دقيقين في سرد الأحداث التي مرّت على شعبنا وعراقنا الحبيب . فخلال القرون الاربعة الماضية من تأريخنا الحديث مرّ بلدنا بأبشع وأقسى فترة شهدها وادي الرافدين على مرّ العصور . وأنطلاقا من هذا الواقع الاليم نتوصل الى حقيقة لا مجال للنقاش فيها ، وهي " لاثقافة في ظل المسدس " ، وهنا عليّ أن أكون أكثر وضوحا ، إذ يتحتم علي أن ألقي مسؤولية ما حصل من جرائم وتخريب وما يعيشه شعبنا الان من تخلّف وردّة في القيم الاجتماعية والفكرية هي نتيجة سياسات القمع والارهاب والتصفيات الجسدية التي كان يمارسها النظام البعثي . وعلى هذا الأساس أستطيع القول جازما بأن فن الكاريكاتير العراقي قد أصابه ما أصاب الثقافة العراقية ككل ، وربما أكثر ، لأن الكاريكاتير لايمكن أن ينمو ويتطور الا في ظل الأنظمة الديمقراطية فقط . أما في الأنظمة الشمولية فهو ممنوع ومحرّم . وعلى هذا الأساس فقد اعتزل من اعتزل من الفنانين ، وهاجر من هاجر ، ومات كمدا من مات ، وبهذا انعدمت شروط قيام مدرسة عراقية لهذا الفن ، ولكنني متفائل بقيام هذه المدرسة ذات الطابع العراقي البحت ، وهذه المدرسة ستكون من نتاجات الجيل القادم الذي تربى على قيم اجتماعية جديدة ، قيم الديمقراطية ومسايرة التطور الحضاري في العالم ، سيما بعد اكتساب هذا الجيل من الفنانين خبرات كبيرة في العديد من المنافي في هذا العالم الواسع .

* ما الرسالة أو الوظيفة التي يؤديها فن الكاريكاتير ؟
-
إن فن السخرية الهادفة هو فن شائع في العالم المتحضر ، ولا يخفى على المتتبع دور هذا الفن في المجتمعات المتطورة في فضح سياسات الحكومات التي تنتهج ممارسات هي ضد مصالح شعوبها ، وهذا ما يحصل في الانظمة الديمقراطية والليبرالية في الغالب ، أما في ظل الانظمة الديكتاتورية والفاشية فمصير رسام الكاريكاتير هو التصفية الجسدية والسجن والنفي . وبهذا أستطيع القول جازما بأنه ليس هناك فن كاريكاتير في الأنظمة الدكتاتورية ، وعلى الفنان أن ينحاز الى جانب شعبه ، لأنه ضمير الشعب في محنته .

* هل ترى أن الكاريكاتير تجسيد للنقد أو الكلمة الساخرة ؟ وهل من علاقة بينه وبين الأدب ؟
-
الفن والفكر والثقافة رسالة ومهمة تقع على عاتق الفنان أو الكاتب ، وهناك شواهد كثيرة على سقوط فنانين وأدباء في شباك الدكتاتوريات ، وكان مصيرهم الانزواء والانقراض ، ويكاد فن الرسوم الكاريكاتيرية أن يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية في هذا المجال ، بسبب شعبيته أولا ولما يمتاز به من وضوح في طرح الفكرة ثانيا . ولكن في النتيجة هناك علاقة وثيقة بين الكاريكاتير في الرسم والكتابة في الأدب .وهذا ما يبدو في كتابات موليير وبلزاك وبرناردشو من جهة ، وفي شعر ابن الرومي والمتنبي والكثير من شعر الهجاء العربي ، وخصوصا ما جاء به الشعر الجاهلي من صور كاريكاتيرية .

* كيف يمكن لفنان الكاريكاتير أن يتخلص من مقص الرقابة الحكومية ؟
-
ليس هناك في الأنظمة الديمقراطية مقص للرقابة... ففي هذه المجتمعات يمتلك رسام الكاريكاتير الحرية المطلقة في التعبير عما يفكر به، أما في الدول التي تسيطر عليها أنظمة دكتاتورية ذات عقلية شمولية فهي لاتمتلك مقصاً للرقابة وإنما سكيناً أو مسدساً كاتماً للصوت يخمد أنفاس رسام الكاريكاتير...
أنا أذكر في فترة الستينات، كنت آنذاك أعمل في صحيفة "صوت العرب" و"صوت العمال"، وكانت مواد الصحف تحت رقابة صارمة من قبل لجنة مشـكلة داخل وزارة الإعلام آنذاك تشـرف على مواد الصحف قبل إرسـالها الى المطابع ، وغالبا ما كانت المساحة المخصصة لي في الصفحة الاخيرة تظهر فارغة وعليها عبارة (حذفه الرقيب)..

أنا اعتقد بأنه ليس بمستطاع فنان الكاريكاتير الهروب من مقص الرقابة الحكومية ، وذلك لسبب بسيط جدا وهو أن ريشة الرسام يجب أن تكون واضحة جدا لغرض إيصال الفكرة الى بسطاء الناس ، وإلا فقد الكاريكاتير مهمته ، ولهذا السبب يكون الكاريكاتير مستهدفا أكثر من غيره للتدقيق من قبل عيون الرقابة الحكومية .

* تركت وطنك مرغما ، كيف كان ذلك ؟ ما الخبرة التي حصلت عليها خلال سنوات المنفى ؟
- إن مسألة غياب الديمقراطية وفرض الاحكام العرفية على الصحافة وحرية النشر من قبل النظام البعثي الفاشي ، وممارسته لسياسة البطش والقمع ضد كل ما هو تقدمي وجميل أرغم الكثير من رجال العلم والثقافة على مغادرة البلد والبحث عن ملجأ يحويه في هذا العالم الواسع يعيش فيه بأمان من ملاحقات السلطة الدكتاتورية آنذاك ، مما أدّى الى فقدان فرص الإبداع والعطاء للوطن طيلة الأربعين عاما من استيلاء العفالقة على مقاليد السلطة في العراق.
تركت الوطن وكلي أمل أن أعود اليه في فترة أقصاها عام واحد أو عامين لا أكثر، ولكن يبدو أن الرياح كانت تجري بما لا تشتهي السفن . فسياسة الحزب الواحد كانت قد بدأت بنشر مبادئها اللاإنسانية ،والسلطة تزجّ بالآلاف من المواطنين في السجون ، وتقيم كرنفالات الإعدامات في الشوارع وتشعل نيران الحروب ، والحصار الظالم الذي فرض على شعبنا نتيجة الحماقات التي كان يرتكبها النظام ، لذا فقد قررت البحث عن عمل يتناسب مع قدراتي الفنية ، لذلك إتجهت طارقا أبواب ستوديوهات أفلام الرسوم المتحرّكة ، ولم يكن من السهل اقتحامها من قبل الرسّامين المجريين ، فكيف الحال معي أنا القادم من بعيد ، بالإضافة الى أنني لم أكن أجيد لغة البلد في ذلك الحين ، وقد نجحت في الامتحان الذي كانوا يجرونه لكل متقدّم ، وقد اجتزت الامتحان بتفوّق وتمّ قبولي رسّاما مبتدئا في بداية الامر ، وبهذا النجاح تحققت طموحاتي في هذا المجال ، ثم ابتدأت فيما بعد أتطور في العمل حيث تلقيت عرضا من القناة التلفزيونية رقم 1 للعمل فيها ، تركت الستوديوهات بعد ثماني سنوات أتقنت فيها العمل لأبدأ بتطبيق ما تعلمته من تقنيات في تحريك الشخوص على طريقة الفنان العالمي والت ديزني حيث عملت جنبا الى جنب مع أشهر المخرجين المجريين في هذا المجال ، بدأت العمل في التلفزيون لمدة تسع سنوات كمصمم أول في قسم الكرافيك (قسم أفلام الرسوم المتحركة). بعد ذلك قمت بتأسيس شركة لإنتاج أفلام الرسوم المتحركة (ستوديو دانا) مع أحد المواطنين العراقيين المتواجدين في بودابست آنذاك حيث كانت هذه الشركة تنتج أفلاما للأطفال على حساب مؤسسة الإنتاج الخليجي المشترك في الكويت ، وقد اضطررنا الى إغلاقها بعد وفاة مديرها المرحوم الأستاذ عبد الوهاب سلطان .

* واصلت إبداعك في الغربة ، كيف كان ذلك ؟ وكيف تقيم نشاط الكاريكاتير المعارض للنظام في الخارج وحتى لحظة سقوطه ؟ هل ساهم الكاريكاتير سوية مع الوسائل الاخرى في فضح سياسات النظام البائد المعادية للديمقراطية ومصالح الناس ؟
- الكثير من مثقفي تلك الفترة كان يعاني من قلة أو انعدام وسائل النشر المعارضة للنظام آنذاك، فيما عدا صحيفة " طريق الشعب " التي كانت تحرص دوما على فتح أبوابها أمام الأقلام الشريفة .
بعد ذلك اتسعت رقعة مجالات النشر في صحافة أحزاب وتجمعات المعارضة في الخارج ، حيث بدأت أعمالي تظهر على صفحات هذه الصحيفة أو تلك كمتنفس لي للتعبير عما يجول في خاطري من مشاعر هي في الأساس محاولات لفضح النظام الدكتاتوري .
كما سبق وأن ذكرت تفاصيل صعوبات النشر التي كانت تواجه كتاب وصحفيي المعارضة ، الى جانب عدم فسح المجال لهم من قبل الصحافة العربية آنذاك ، مما اضطرّ الكثير منهم للجوء الى الأعمال الحرة التي لا تمتّ بصلة الى العمل الصحفي أو الأدبي أو الفني لا من قريب ولا من بعيد . بالنسبة لي فإنني اعتبر نفسي محظوظا نوعا ما ، لانني نجحت في استغلال الفرص التي أتيحت أمامي في مجال العمل الفني .. فقد استطعت الدخول والعمل في واحد من أكبر الستوديوهات لإنتاج أفلام الرسوم المتحركة في أوربا (ستوديوهات بانونيا) ، وتدرّجت في العمل من رسام مبتدئ . تطوّرت بعدها خبراتي الفنيّة في هذا المجال بحيث كنت مؤهّلا للانتقال من هذه الستوديوهات الى التلفزيون المجري - كما ذكرت سابقا – لأحتلّ هذه المرّة موقعا مهمّا كمصمم أوّل .. الى جانب ذلك كله فقد كنت حريصا على الدوام على إقامة معارض الكاريكاتير في بودابست أثناء أحتفالات الجالية العراقية في هنغاريا في المناسبات الوطنية لفضح النظام الدكتاتوري آنذاك ، وفيما بعد واصلت تقديم أعمالي الكاريكاتيرية بانتظام الى صحافة المعارضة الوطنية في الخارج كطريق الشعب وجريدة بغداد وجريدة المجرشة الساخرة ومجلة الدستورية وغيرها من الصحف والمطبوعات التي كانت تصدر خارج الوطن .
رسام الكاريكاتير في تلك الفترة كان يعاني من حالة الاختناق ، فكما ذكرت سابقا : ليس هناك وجود للكاريكاتير في ظل الأنظمة الدكتاتورية .. وعلى هذا الأساس يكاد يكون فن الكاريكاتير العراقي في تلك الفترة من الزمن في داخل الوطن معدوما ، فهجرة الفنانين الى الخارج واعتزال الآخرين ولجوء الباقين منهم على الساحة الى معالجة الأوضاع والظواهر الاجتماعية فقط ، الى جانب محاباة النظام وتكريس مفهوم العنف بإيعاز وتوجيه مبرمج من قبل دوائر الثقافة التابعة للنظام ، وكذلك تكريس مفهوم العنف وتبرير سياسة السلطة في الحروب العدوانية التي تشنها على دول الجوار ، وإلقاء تبعة الحصار والدمار الذي لحق بالوطن على غيره ، مما أثر على مسيرة هذا الفن تأثيرا كبيرا وتخلفه عن التطور الذي كان يحصل فيه منذ نشوئه الى يوم مجئ سلطة البعث في العراق .. إلا أن رسام الكاريكاتير العراقي في المنافي استطاع من تطوير هذا الفن عن طريق اكتسابه الخبرة من خلال احتكاكه المباشر وتأثره بالفنانين العالميين والمدارس المختلفة في هذا المجال ، وكذلك استخدامه للتقنيات الحديثة التي دخلت عالم الرسم التي كانت محرّمة على الرسام العراقي في الداخل . وأغلب فناني المنفى عملوا وبجد على فضح النظام من خلال الرسوم البالغة القسوة من حيث السخرية في مختلف في صحف المعارضة العراقية في الخارج آنذاك .

* هل ترى أن التزامك الحزبي كرفيق شيوعي يعيق أو يقيد حرية إبداعك ؟
- إن قضية الايمان بمبادئ معينة قضية ذاتية بحتة ، أيّة مبادئ كانت ، وهي تعتمد في الاساس على نمط وعي الفرد وطريقة تفكيره ، وهي بتقديري - في نفس الوقت – خاضعة لتربية هذا الفرد وتأثير محيطه في تحديد هويته الفكرية . ولا أعتقد أن انتمائي الحزبي يؤثر تأثيرا سلبيا على فني كرسام كاريكاتير ، بل العكس هو الصحيح ، إذ كان - على الدوام - يلازمني شعور بوجوب تقديم الأفضل لغرض إنجاز هذه المهمة الإنسانية بشكل يخدم انتمائي .

* يرى البعض تضادا بين السياسي والثقافي ويرون ألا يرتبط أو يرتهن المثقف لحزب سياسي ، فماذا تقول ؟
- أنا لا أتفق مع هذا على الإطلاق ، إذ أن كلا الجانبين يسيران جنبا الى جنب بشكل متوازي ، وهما يتمّمان أحدهما الآخر، أي بمعنى أن رجل السياسة يجب أن يمتلك حسّا ولغة تساعدانه على الحوار ، الى جانب امتلاكه القدرة على توسيع دائرة معارفه الشخصية .. وكذلك بالنسبة إلى المثقف الذي يعي الأوضاع الاجتماعية بشكل جيد ويعمل على تكريس هذا الوعي في خدمة الآخرين . عليه أن يجد حلقة الوصل التي تربط بين عملية الابداع من جانبه والقبول من قبل المتلقي من جانب آخر .. وبتقديري أن حلقة الوصل هذه هي القدرة المتفاوتة لدى هذا المثقف أو ذاك في تحليل الظواهر والعقد الاجتماعية . وبخلاف ذلك فإن هذا الكاتب أو الفنان قد وقع في مأزق لا يمكنه الخروج منه بسهولة .

* بعد سقوط النظام ، شهد وطننا حرية واسعة في مجال الإعلام وصدرت صحف ومجلات بأعداد هائلة إضافة الى الإعلام الالكتروني ، ماتقييمكم للكاريكاتير ودوره فيما يجري من أحداث ؟
-
بلا شك أن هناك تغييرا ملحوظا في المجال الصحفي قد حصل في العراق بعد سقوط النظام السابق ، ولا شك أيضا أن عددا كبيرا من الصحف والمجلات قد صدر في بغداد وبقية المحافظات ، الا أننا نبالغ - على ما أعتقد – إذا ما تحدثنا عن حرية الصحافة في الوقت الحاضر، وأن المجال مفسوح أمام الصحفي العراقي للكتابة بحرية مطلقة للتعبير عما يجول في خاطره ، وإلا كيف نفسّر حالات الاغتيال والقتل والتهديد التي تعرّض ولا زال يتعرّض لها العشرات من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام ورموز الثقافة خلال السنوات الخمس الاخيرة. وهل سيعفى رسام الكاريكاتير من العقاب فيما لو نشر كاريكاتيرا عن هذا أو ذاك ؟ عن هذه الفئة أو تلك ؟ أو عن هذه الميليشيا أو تلك ؟؟ إذن العبرة ليست في إعطاء إجازات إصدار الصحف لتمتلئ أكشاك باعة الصحف بها ، وإنما بتوفير وضمان سلامة الصحفي ومنحه الضمانة اللازمة بعدم تعرّضه لأية تهديدات أو مضايقات قد يتعرّض لها هو أو أفراد عائلته بسبب مقال ما ، نشره أو رأي طرحه ، أو - لاسمح الله – تجرّأ ورسم رسما كاريكاتيريا في إحدى الصحف تعرّض فيه لفئة من الناس أو انتقد مظهرا سلبيا ما .. فلا غرابة أن نلاحظ أن الصحف العراقية اليوم تكاد تخلو من الكاريكاتير ، كما أن هذا الوضع يعيق رسام الكاريكاتير في المنفى من العودة الى وطنه للمشاركة في عملية البناء . هذا مايجعلني اعتقد بأن رسام الكاريكاتير العراقي يفضّل نشر نتاجاته على مواقع الانترنيت دون مقابل ، أو النشر في صحف دول الجوار على أن يخاطر بحياته وحياة أفراد عائلته من خلال النشر في الداخل على صفحات الصحافة المحلية .

* بسبب ممارسات النظام القمعية والتشويه الذي لحق بالمجتمع على المستوى الاجتماعي والثقافي ، هل ثمة أمل برسامين للكاريكاتير يصلون ما انقطع ؟ وما هو مستقبل فن الكاريكاتير في رأيكم ؟
- إن عملية بناء الديمقراطية في عراقنا ليست بالبساطة التي قد يتصورها البعض ، ولكنني كلي ثقة بأن مستقبل الديمقراطية سينتصر على قوى الظلام وعصابات الإرهاب .. ولا بدّ لي هنا أن أذكر أن حتمية انتصار الديمقراطية واندثار قوى الإرهاب مسألة لا تقبل الجدل، آنذاك سيتوفر عنصر الأمان للصحفي ولرسام الكاريكاتير الحرية في التعبير عن رأيه بكل صراحة ، سيما وأن هناك عدد من الكفاءات الفنية التي تبشّر بازدهار هذا الفن في العراق ومدّ الجسور بين الماضي والحاضر .



 

free web counter