الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأربعاء 18 / 7 / 2007

 

 

الشاعر عبد الكريم هداد في حوار خاص ومطول :

في عالمنا العربي الثقافة الاستهلاكية هي الرابحة والرائجة
 

حوار / نوال اليوسف

¤ رحلت في الـ 21 من عمري ماشيا على قدمي وليس في جيبي مالاً ولا جواز سفر وكتبت قصائدي بمدن ذات حضور تاريخي متنوعة الخصائص والجمالية !

¤ قصائدي الخاطفة أسلوب ألجأ إليه عندما تحاصرني القصيدة فأختصرها بدهشة خلال انشغالي من اجل لقمة خبز لكوي 700 قميص يومياً !

¤ القصيدة رؤية حية تتنفس الحياة والصدق في القصيدة ينبع من خلال المشاهدة للحياة!

¤ والسماوة علامة وجهي الفارقة وصدى صرختي وغابات أنكيدو وطين الكتابة الأولى !

يرى الشاعر العراقي عبد الكريم هداد المقيم في السويد الذي ينشر قصائده عبر الشبكة العنكبوتية إضافة إلى دواوينه الشعرية التي تتصدر المكتبات العربية اليوم، والذي يرفض فكرة التصالح مع صانعي الخراب والحروب ،ويقف مع التطلعات الإنسانية التي تؤسس لحياة كريمة وعادلة للشعب العراقي .. أن الشاعر ما هو إلا نتاج لمجتمعه يؤثر فيه ويتأثر به .ويقول :أن المشهد العراقي حتى اليوم لم يستطع توظيف أحداث ما بعد التاسع من نيسان ويترجمها في صورة تجارب شعرية ،أو ثقافية .ولكنه يؤكد أن الساحة لا تخلوا من إسقاطات كتابية جديدة هنا ،أو هناك. وإن إنسان العراق في نظره مازال منهك، ومثقل بتركة الماضي وطائفية الحاضر، ومحاصر بتجار السياسية، ويعيش في حالة اختناق.ويرى أن الحضارة ة ما هي إلا نتاج متحرك في ممارسته اليومية وغير منتجة للتعسف والدكتاتورية.ويشدد على أن ثمة أسباب متعددة جعلت العراقيين يختارون المنفى منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، ولكن بعضهم يعشق العراق، ويعمل على النهوض به وبشعبه، وبعضهم هرب بأمواله وصار يذبحه باسم المقاومة والجهاد الإسلامي.ويشير إلى أن حالة النزوح نحو العراق كاد أن يحصل من المنفيين لولا قدر وخيانة قادة الأحزاب العراقية.
والمبدع العربي لديه لا يمتلك حرية التعبير فالخارطة العربية مازالت تتحرك ضمن طواطم الممنوعات والمحرمات. ويرفض الشاعر الهداد في حوار خاص و مطول له (مع صحيفة سعوديات نت) فكرة أن يأخذ المبدع دور السياسي ،وحياته اليومية، كما ويرفض بشكل قاطع أن يكون السياسي وصياً على المبدع.ويرى أنه لو لا وجود المبدع ما كان هنالك سياسي ، لأن السياسي في نظره يعتمد على الوعي الذي ينشئه المبدع ضمن حركة المجتمع،والتي يعتمد عليها السياسي في تأسيس نشاطه اليومي.ويعتبر المثقف منظمة فكرية أخلاقية تحرك المجتمع بكل وضوح، وله دور ريادي في بنية المجتمع.و الشعر لديه ما هو إلا جدار طيني تركه له أجداده السومريين كي يكتب فوقه ما يريد قبل أن تحرقه نيران الحروب القادمة،وقصائده " تتحرر من بلاغات معينة يتواتر استخدامها في عموم الشعر العربي قديمه وحديثة "ويعتبر احتكاك الشاعر بالناس نوع من الاستكشافات اليومية المتنوعة التي تكسبه خبرة ،وتواصل مع الحياة.مشدد على أن ثمة مساحة شاسعة بين المثقف الحقيقي وبين السياسي الانتهازي.ويرى في الغربة محك جديد للمبدع العراقي ، ومكان جديد له الأثر الكبير على المخيلة والأدوات الفنية الكتابية .وهي تجربة غنية بجميع أدواتها الفنية المستحدثة والمستجدة في تنويعات ما تطرحه من أسئلة وتشكيلات الوجع العراقي، حانت الآن بوادر تجليها من خلال إبداعات منشورة على امتداد مساحات المنفى. ويتهم الصحف العراقية التي تصدر بالداخل في العراق الجديد بالشللية النفعية وبأنها مازالت تتمحور في فلك السياسي. ويؤكد بأن جيله من الشعراء لا يبحث عن النجومية بل عن الحقيقة واكتساب دور حقيقي للمساهمة الحضارية. ويرى إن الشاعر الحقيقي لا ينتظر شيئاً إلا القصيدة، وليس ديدنه ضجيج التصفيق والشهرة والمكاسب النفعية، والشعر لديه ليس مجرد دوراً تمثيلياً بالنسبة له، وهو ليس حالة انتهازية يعتاش منها، كما يغلب على الساحة الإعلامية ، فهو من الشعر والشعر منه ، حالة من الطفولة ، تمارسها الروح ، بعيداً عن الضجيج . والقصيدة لديه رؤية حية تتنفس الحياة والصدق في القصيدة ينبع من خلال المشاهدة للحياة. وقصائده الخاطفة أسلوب يلجأ إليه عندما تحاصره القصيدة فيختصرها بدهشة مقابل لقمة خبز لكوي( 700 قميص يومياً)،ويؤكد على أن الموسيقى والشعر ولدا معا مع ولادة الأغنية لدى إنسان الحضارة الأول ،كما إن الملحن الراحل كمال السيد صاحب أغنية المكير الشهيرة علمه كتابة النص الغنائي. وأعماله القادمة ستظهر بصوت الفنان العراقي فؤاد سالم.ونفى الادعاء الذي يسوقه شعراء النبط والعامية حول ظاهرة انقراض الشعر الفصيح وأكده من خلال تواصل الشعراء في العطاء الإبداعي عبر وسائط حديثة ومتعددة،وأرجا تقلص دوره إلى تردي الحالة الثقافية في البلدان المختلفة مؤكد أنه في عالمنا العربي الثقافة الاستهلاكية هي الرابحة والرائجة.كما نفي فكرة تبني العراق الجديد لشعراء الغربة من العراقيين ولكنه يؤكد تبنيهم لقضايا الشعب العراقي المهضوم من المنفى.وعن رحلته إلى المنفى قال:رحلت وعمري 21سنة مشيا على الأقدام وليس في جيبي مالاً ولا جواز سفر،وكتبت قصائدي بمدن ذات حضور تاريخي متنوعة الخصائص والجمالية.


وفيما يلي تفاصيل الحوار :

إلى أي حد أثرت ثورة الشعب العراقي . ودكتاتورية الحاكم وزمرته ، والإسقاطات السياسية في حياتك ؟
-: إن الإنسان، أبن ذلك الزمان والمكان الذي يحيطه، ولابد أن يكون هو بحد ذاته نتاج مجتمعه تأثراً وتأثيراً، من ناحية التكوين التكوين الثقافي العام. فكيف إذن الحال مع الإنسان الممتلك لأدوات الوعي والمنخرط في حلقات البحث الفكري ؟
لقد عايشت عقوداً من تاريخ الشعب العراقي ، التي كانت ممتلئة بالمنعطفات الخطيرة جداً ، وما نتج عنه من خراب ودمار ، وتفاصيل مدمرة من الويلات السياسية التي لم تبقِ من أشياء الطفولة وأشياءها الجميلة ، من خلال ولادة فكر وثقافة وأدب عبادة الشخصية والمدح الرخيص للحروب العدوانية والاستبداد والزيف والتزوير ، على يد جوقة من الانتهازيين صانعي الكلمات المنمقة في سوق التصفيق . لذا كنت ومازلت أرفض التصالح مع صانعي الخراب ، واقف بقوة مع التطلعات الإنسانية التي تؤسس لحياة كريمة وعادلة للشعب العراقي . ومازلت متمسكاً بحق الإنسان بكرامته وحريته ورافضاً لكل صنوف التعسف والظلم والاستبداد.

رؤيتك لمجتمع العراق المعاصرة في ظل الاحتلال والدولة العراقية الجديدة، كيف توظفها في نصوصك الشعرية ؟
-: المشهد الثقافي العراقي الحالي برمته ، مازال بعيداً عن توظيف أحداث ما بعد 9 نيسان ، وإن كانت هنالك إسقاطات سريعة هنا وهناك في ما بين يديك من كتابات جديدة ، نظراً لكون الحدث لم يستساغ دولياً ، فكيف الأمر إذن على مساحة العراق ، التي ضاقت من خراب مارسته الدكتاتورية بشكل سافر ويومي على مدى عقود طويلة . إن أحداث ومجريات وقائع الاحتلال الأمريكي ، بكل ثقلها الامبريالي ، ليس أمراً سياسياً بسيطاً في وقعه وزلزاله عراقياً ، حيث إن الاحتلال كان حلقة متصلة مع ثقل الاستبداد الشنيع لحكم حزب البعث العفلقي الذي تحرك على مساحة العشيرة والدين . نظراً لكون أمريكا هي من جاءت بحزب العفالقة مرتين لحكم العراق دموياً .
أن المشهد الثقافي العراقي ، مازال يعيش عادات مكتسبة من دوامة نظام شمولي فكراً وممارسة على مدى عقود ، حيث بقي المشهد تملئه أسماء ، مازلت تسير على خطى ثقافة البعث العفلقي في النهج والسلوك والأدوات ، حتى تلك التي تقود العراق بقوة سياسياً وثقافياً ودينياً ، فهي نتاج شرعي لما سميّ بــ " الحملة الإيمانية " التي قادها صدام حسين لمدة 12 عاماً ، فبعض رجالاتها الآن قادة لأحزاب طائفية بكل تلاوينها المعلنة ، كلها تصب في تحقيق الخراب الجسيم ، وكأنها على خطى مقولة صدام التي مفادها " من يحكم العراق بعدي ، يحكمه من دون نخل وبشر " وحرائق بغداد بوادر لها.

كيف تصف إنسان العراق اليوم بعد رحيل دكتاتوره ؟
-: الإنسان العراقي اليوم منهك ومتعب أكثر من أي زمن مضى ، فزيادة على ما أثقلت كاهله سنين النظام الدكتاتوري العجاف ، بكل تفاصيلها ومجرياتها الشنيعة والحاقدة على ما هو إنساني ، هبت اليوم عليه أمراضاً جديدة وقاتلة ، تحمل يافطات طائفية ودينية وقومية شوفينية بغيضة .
وبعد أن كان الإنسان العراقي محاصراً بأجهزة القمع العفلقية، أصبح اليوم محاصراً إلى حد الاختناق ما بين رجل دين متخلف وجاهل وشيخ عشيرة يبحث عن غزوات في نهب الثروات والأمر والنهي . إن الإنسان العراقي بات متعباً جداً ، وتحيطه جيوش احتلال وتجار سياسة لا رجال سياسة ، تؤسس لمجتمع استهلاكي لا منتج .

الشعب العراقي صاحب التاريخ والمعاناة ألا يجب عليه أن يحصل على ما يستحقه كصاحب حضارة إنسانية عريقة ؟
-: إن المفهوم الحضاري لما قبل الميلاد لا يمكن أن يكون يافطة للابتزاز الإعلامي ، كما كان يمارسها إعلام النظام الدكتاتوري ، إن المفهوم الحضاري يجب أن يكون ممارسة حياتية يومية ، فيجب أن يكون لي فعل حضاري اليوم ، لا أن اتأبطأ كتاباً من مؤلفات بغداد العباسيين أو لوحاً من سومر ، وأقول من على المنابر إنني حضاري ، الحضارة نتاج متحرك في ممارسته اليومية ، فالحضارة لا تنتج الدكتاتورية ولا تنتج التعسف ومصادرة الرأي وإشاعة التخلف والركون إلى الماضي فقط ، وهذا ما دفع بأبرز المبدعين العراقيين على اتخاذ المنفى كملاذ للدفاع عن الموقف الواضح والحاسم اتجاه الدكتاتورية وحروبها الداخلية والخارجية ، والاصطفاف مع تطلعات الشعب لعراقي منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي ، في زمن كان الكثيرون ينعمون بأضواء المهرجانات وجوائزها إضافة إلى مكرمات السلطة العديدة بما فيها الوظائف التكريمية .

ألا يستحق العراق أن يدخله العراقيون زاحفين لتخليصه من هيمنة الإرهابيين وبرك الدماء المراقة على أراضيه بدلا من الخروج منه إلى غربة التشرد في البلاد القريبة أو البعيدة ؟
-: إن النزوح الأخير من العراقي ، له أسبابه المتعددة الأشكال سياسياً والمتفاقمة في النتائج الاجتماعية المزرية على المستوى الإنساني ، وإن بات كل شيء في العراق تحت يافطة الإرهاب إعلاميا ، وليس كل من خرج من العراق يمتلك مقومات الهم الوطنية ، فمنهم من هو سارق للمال العام أو جلاد عتيد في سجن أبي غريب في ظل نظام العفالقة أو مدّاح سلطة ومخبر متطوع .
فحين تكون مقاومة المحتل شرف وطني عظيم ، ماذا يبقى منها ، حين يتبوؤها ويقودها حفنة من جلادي الشعب العراقي أيام حكم حزب البعث العفلقي ، من أجل أن يعودوا للحكم مرة ثانية ، وعلى جثث أطفال العراق ودماء الفقراء في أسواق المدن الفقيرة والمتعبة ، لتأخذ عنوان المقاومة ورايات الإسلام ، إننا نعيش دوامة الزيف والتزوير فكرياً وعلى مستوى وطن .
أما ما ترينه من صورة نزوح نحو العراق ، كاد أن يحصل هذا من قبل جحافل من اختاروا المنفى كموقف وطني مشرف منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي ، وكثير منهم رفعوا حتى السلاح بوجه سلطة الدكتاتور المقبور، لولا خيانة قادة الأحزاب العراقية التي عارضت حزب العفالقة لجماهيرها ، واستحواذهم على المناصب التي تكرم بها الأمريكان عليهم وسط جوقة من الانتهازيين وشلة من أيتام مدح الحروب العدوانية .

برأيكم المبدع العربي ، هل استطاع أن يحصل على الحرية الكاملة في الكتابة الشعرية أو الأدبية ؟
-: أبداً ، والأسباب عديدة ، وأهمها ، إن الخارطة العربية مازالت تتحرك ضمن طواطم الممنوعات والمحرمات . فحين يكون تأثير شيخ العشيرة ورجل الدين والبرجوازي الانتهازي أقوى من المفكر والمبدع، كيف يكون حال هذه الأمة، وانظري للواقع العراقي.!!

ثمة من يرى أن السياسيون لن يحققوا الحرية ألا عن طريق المثقفين والمبدعين إلى أي حد تتوافق مع هذه المقولة ؟؟
-: إلى حد ما المقولة صحيحة ، إن سارت ضمن سياقها الصحيح وبخطى واضحة ومن دون تداخل في معياري خصوصية ملامح المبدع والسياسي كل على إنفراد ، فالمبدع ودوره التنويري والتثقيفي بمعية حركة أسئلته الاستفزازية المتواصلة نحو فتح أبوابا للرقي والتحضر المطلوب ضمن سياقات الحياة وأسئلتها الملحة في البحث عن إجابات مختلفة الأشكال والتنوع ، للحاق بعالم متسارع التطور . و لا أرغب أبداً للمبدع أن يأخذ دور السياسي وحياته اليومية، وارفض بشكل قاطع أن يكون السياسي وصياً على المبدع. وعليه يمكنني القول ، لو لا وجود المبدع ما كان هنالك سياسي ، لأن السياسي ، يعتمد على الوعي الذي ينشئه المبدع ضمن حركة المجتمع ، والتي يعتمد عليها السياسي في تأسيس نشاطه اليومي .

ألا ترى معي أن دور السياسي العراقي اليوم بطئ نسبياً في الاستجابة لما يطرحه المثقفين العراقيين ، حول المطالب الخاصة بهم ، وحول واقع العراق اليوم ؟
-: إن عدم الاستجابة يأتي من عدم وجود سياسيون حقيقيون في دفة قيادة الأحزاب العراقية ، فهم كما قلت لكي فيما سبق ، إنهم تجار سياسة لا رجال سياسة ، وفي غالبيتهم يحاولون أن يستلبوا المثقف العراقي دوره الريادي المطلوب ، كي يكون دورهم فقط ، دور الحاجب في حراك خطابهم الفارغ، كما كانت تجربة فترة حكم العفالقة البعثيين في العراق ، حيث كان دور جوقة من المثقفين دور نفعي انتهازي وممسوخ الرؤية ، يصب في مصلحة بقاء سلطتهم فقط .

يشهد العراق اليوم حالة من الحرية المطلقة في مختلف وسائل الأعلام ، هل تعتقد إن غياب الحرية المسئولة في هذه الوسائل يؤدي إلى انعدام الاستقرار والأمن في العراق ، وهل الحرية المطلقة التي يعيشها العراقيون في وسائل إعلامهم حالة صحية أم أنها تحتاج إلى ضوابط تقنين لما يطرح عبرها ؟
-: إن العراق لا يعيش حرية مطلقة بل فوضى مطلقة ، لذا بات الجلاد يريد مني أن أتقبله كمقاوم ومدافع عن الوطن ، والعصابات الإجرامية هي صاحبة الرؤية السياسية ، والحرامية والانتهازيون هم بناة العراق الذي احلم به . وعليه بات الأعلام امتداد طبيعي لما ذكرته ، وبالتالي لن أجد في الإعلام العراقي ألا الفوضى وعدم الدراية في المسؤولية تبعاً للأهواء الطائفية وهي بالنتيجة أجندة سياسية متداخلة الأبعاد أمريكياً وعربياً وفكر نظام دكتاتوري مازال يحرك الشارع والأعلام ، وان اختلفت الأسماء . والحرية كما لمسناها ونعيشها هنا في البلدان الأوربية وخاصة السويد، هي مساحة للكرامة الإنسانية لكن ضمن ضوابط اجتماعية تتحكم بها مؤسسات الدولة الرقابية، خاصة تلك التي ينتخبها الشعب مباشرة.

السياسيون لم يحققوا الحرية إلا عن طريق المثقفين والمبدعين، ما تعليقك ؟
-: هذا صحيح، فمن خلال آراء ورؤى المبدعين والمثقفين، تكمن توضيحات وتفسيرات آلية البحث عن الطرق الناجعة للوصول لحرية الإنسان ومنهم السياسيون، الذين تخلوا عن دور المثقف ليرتكنوا لجوقات من المداحين في الأعلام. إن المثقف له دور ريادي في بنية المجتمع وحين يخلوا أي مجتمع من الطبقة الوسطى التي يتمثلها بكل عناوينها ، يكون هنالك انهيارات كبيرة في منظومة المجتمع وتطلعاته الحضارية . ومن هنا فالمثقف، ليس فقط كتابة قصيدة أو تلحين أغنية، بل منظومة فكرية أخلاقية تحرك المجتمع بكل الوضوح.

هل أنت جبان أم جرئ في كتاباتك الشعرية ( لقارئ يطلب المثالية في زمن لا مثالية فيه ؟
-: لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال ، لكن يمكنك أنت ، أو أي قارئ أن يطلع على كتاباتي ، فيجد الجواب ، إن كنت جرئ أم لا .

المزج والتنوع في كتاباتك ( الفانتازيا الشعرية ) ، كيف توظفها في كتاباتك ؟
-: إن كتاباتي ما هو إلا انعكاس حقيقي عن تجربة وطن ومنفى يتقاسمان مخيلتي ، وقصائدي تحاول أن " تتحرر من بلاغات معينة يتواتر استخدامها في عموم الشعر العربي قديمه وحديثة " هكذا قالها الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف عن تجربة قصائدي الأولى . وما محاولاتي الشعرية المتواضعة وتجربتها في التخيل الشعري " الفانتازيا " ألا إعادة ترتيب لعالم أنا أراه ، بما ألتقطه من البيئة المحيطة بي من تفاصيل وأحداث وأشياء وأسماء وأماكن وهواجس إنسانية خاصة أو عامة ، أعيدُ عزفها منفرداً ، وبكل صدق .

تكتب الشعر أم يكتبك ؟
-: الشعر ليس دوراً تمثيلياً بالنسبة لي ، وهو ليس حالة انتهازية أعتاش منها ، كما يغلب على الساحة الإعلامية ، أنا من الشعر وهو مني ، حالة من الطفولة ، تمارسها الروح ، بعيداً عن الضجيج .

إمكانياتك في الشعر في البدايات، هل كانت أفضل من غيرك، وهل وجدت طريقها للنشر بسهولة. وما موقفك منها بعد نضوج تجربتك الشعرية، وتطور ثقافتك وكبر سنك ؟
-: هنا لا استطيع أن أجيبك ، عن رؤية لابد لك أن تجدينها عند القارئ أو الناقد المتابع . أما طريق النشر فقد وصلت إليه عن طريق الأصدقاء الذين أكنّ لهم التقدير ، حيث أخذوا على عاتقهم نشرها في عدد من المجلات والجرائد حينها .
• يقال إن الشعر غير قادر عن التعبير عن الواقع كما القصة والرواية والنثر ، ما تعليقك؟
-: لكل شكل من الأشكال الأدبية المعروفة خواصها وقوانينها الموضوعية في التعبير ، وعليه لكل منها مساحته الخاصة في الإبداع ، وإن تداخلت خلال العقود الأخيرة فيما بينها ، حيث تزاوجت في السمات الفنية والتشكيل والرؤية .

بداياتك أو تجربتك الإبداعية ، هل كانت متمكنة كما هي الآن ؟
-: لا يمكن لأي تجربة أن تكون على وتيرة واحدة، وبكل تأكيد النهايات تكون أكثر نضجاً من البدايات.

هل يحتاج الشعر إلى ممارسة للحياة أم قراءة وإطلاع على الكتب فقط ليكتبه الشاعر ؟
- : إن الكتابة عموماً والشعر خاصة ، تجربة إنسانية ، ورؤية تعبيرية عن الخوالج الداخلية للنفس البشرية في توضيح رؤاه على صيغ فنية بحتة ، تعتمد الحياة كمادة أساسية تتشكل عبر أدوات تصقلها الممارسة وتسندها القراءة كخبرة إضافية إرشادية .

تقبلت تجارب الحياة وأقبلت عليها تمارس الحياة منذ أن كان عمرك 21 عاماً فما هي أهم الخبرات التي جعلت منك شاعراً متألقاً ؟ وأعمالك الإبداعية وفكرة التنوع بها ؟
-: شكراً لسؤالك الذي يحمل الإطراء الجميل ، وأتمنى فعلاً أن أكون متألقاً كما تقولين ، ولو أنني مازلت أمارس الشعر وبكل تواضع كحالة تعبير إنساني ، من أجل أن أواجه به عالم يزداد فيه الفقراء ، ويكتنز الأغنياء بشكل فاحش ومقرف . إن الشعر لدي ما هو إلا جدار طيني تركه لي أجدادي السومريين كي أكتب فوقه ما أريد قبل أن تحرقه نيران الحروب القادمة . وما التنوع لدي ما هو إلا انعكاس لتنوع المنافي التي مررت بها متنقلاً بجوازات سفر مزورة أو من دونها ، إضافة لقساوة الظروف التي عشتها مع الكثير من العراقيين الذين جاهروا بمعارضة نظام العفالقة وحروبهم رغم ذلك بقينا نحتفظ بجمالية الرؤية المشبعة بالحياة .

هل جلوس الشاعر مع الناس يختلف عن غيره من الناس، وهل له تأثير في كتابة الشعر ومضمونه أو أسلوبه ؟
-: إن الاحتكاك بالناس، والجلوس إليهم، هو نوع من الاستكشافات اليومية المتنوعة، التي تزيد الشاعر خبرة وتواصلاً مع الحياة وقراءتها بالشكل الصحيح. أما التأثير والمضمون والأسلوب ، باعتقادي أن الشاعر وحده الذي يتحكم بها بحسب قدرته الكامنة لديه ، ضمن ما يمتلك من أدوات فنية يستطيع بها التقاط الأشياء التي تجذبه ويجذبها إليه ، حيث يكون حينها مؤثراً ومتأثراً بشكل طردي مع الناس ، إن أراد لعب هذا الدور الحضاري .

متى اكتشفت إنك مؤهلا للشعر دون غيره من الفنون الأدبية ؟
-: اكتشفت ذلك حين خرجت من العراق بشكل أكبر ، وتحديداً عام 1982 .

هل أنت من الشعراء الذين يكونون الرقباء على ذواتهم عند الكتابة ؟
-: لا أحبذ كلمة رقيب أو الشرطي بتاتاً ، وقد اخترت المنفى وسنينه العجاف ، بكل ما فيها من عذابات وحنين ، فقط لأنني ضد كل أنواع التسلط والرقابة المجحفة بحق الإنسان وحقه المشروع في الرأي والتعبير . فكيف إذن لي أن أمارس دور أو أتقمصه عند الكتابة...؟؟؟؟ التي أريد بها بناء وطن خالي من التعسف والاضطهاد الذي تمارسه السلطة – أي سلطة – عبر الرقباء ومداحي القتل والزيف والتزوير الذي تمارسه ..!

مهمة المثقفون على امتداد التاريخ مراقبة الحياة ورصد ونقل ما يجري فيها ونقده لهذا فهم على غير وفاق مع السياسيون الذين لا يطيقون نقدهم كونهم يمثلون محاكم التفتيش عليهم إلى أي حد هذه الحالة موجودة في الواقع ؟
-: وجهة نظرُكِ صحيحة جداً، لكن فقط مع المثقفين الذين يمارسون دورهم بشكل حقيقي، كما يمليه الدور الطبيعي للثقافة كضرورة حتمية، يتطلبها المجتمع في بناءه الحضاري. لكن للأسف الشديد وفي كل مفاصل الحياة الثقافية العراقية الماضية ، كان ومازال الانتهازيون هم وحدهم يملئون المشهد الثقافي ضجيجاً إعلامياً وبريقاً على ظهور ساحات مهرجانات المحسوبية والتطبيل .

برأيك هل نقص المسافة بين السياسي والمثقف يصب في صالح الشعب والسلطة السياسية أم إنه يصب في صالح المثقف فقط ؟
-: برأيي أن السياسي عندنا لم ينضج بعد ، ولم يفهم دوره المبتغى منه كفعل سياسي نحو رسم سياسات تنضجها منظومة فكرية مؤسساتية في تأطير الأفكار اليومية ، فمازال المعترك السياسي في واقعنا ، يتحرك ضمن قانون رد الفعل العاطفي في تهييج اللاوعي . إنهم سائرون في طريق الانتفاع ، وهم انتهازيون السياسة ، وأؤكد مرة ، ليس من رجال سياسة بل تجار سياسية ، فأفعالهم اليومية تدلل على غاياتهم الذاتية عبر مانشيتات سياسية ، تأطر مبتغاياتهم الدفينة والنفعية الخاصة بهم . لذا فأن المسافة شاسعة بين المثقف الحقيقي الواعي لدوره الحضاري، وبين السياسي الانتهازي الذي يمسك بدفة بنية المجتمع.

ماذا حقق شاعر الغربة لنفسه وللشعب العراقي على امتداد سنوات غربته ؟
-: لقد حقق الشاعر الذي تعنينه في منفاه ، حقق تجربة ناصعة البياض ، تجربة غنية بكل جوانب قراءاتها المتعددة ، وهي تحمل في طياتها مسارات تجمع بين التأريخ والتطلعات والأمل والتجريب والاستحداث في غنائية إنسانية لها من التطور الملحوظ ، يتوجها موقفه الإنساني في الاصطفاف مع الإنسان العراقي ضد أبشع دكتاتورية عرفتها البشرية ، لقد أختار شاعر المنفى أسمى المواقف في مساندة حقوق الشعب العراقي ومتطلباته وتطلعاته المتواصلة . إن الغربة محك جديد للمبدع العراقي ، ومكان جديد له الأثر الكبير بكل تأكيد على المخيلة والأدوات الفنية الكتابية . وهي تجربة غنية بجميع أدواتها الفنية المستحدثة والمستجدة في تنويعات ما تطرحه من أسئلة وتشكيلات الوجع العراقي، حانت الآن بوادر تجليها من خلال إبداعات منشورة على امتداد مساحات المنفى.

هل أخذ الوسط الثقافي العراقي في الغربة حقه من البروز طوال سنوات غربته وحتى اليوم في الوسط الإعلامي العراقي بالداخل.. وماذا تتوقعون منه اليوم ؟
- : إن الوسط الثقافي في الغربة ، لم يأخذ حقه بعد ، نظراً لاستحواذ الانتهازيون على المشهد الثقافي بما يمتلكونه من ميزات متمرسة من الطبائع التي تعودوها بشكل مهني ، خلال سلطة ثقافة الدكتاتورية التي أحاطها جيش من المنتفعين . ولا أتوقع خيراً ما دام المجتمع العراقي، يعيش تحت وطأة دوامة السياسة والثقافة الانتهازية والزيف والتزوير والتحريف وعدم الأنصاف وإحقاق الحق العام.

وهل أخذ كتاب ومبدعي وشعراء الغربة من جيلك حقهم من النجومية، هل كان لديهم الفرصة كاملة لتحقيق النجومية داخل العراق - هل الصحف تلقي الضوء عليهم وعلى نتاجهم الإبداعي في الغربة ؟
-: إن جيلي الذي تتحدثين عنه، لم يبحث عن النجومية بقدر ما هو يبحث عن الحقيقة، وعن دور حقيقي في المساهمة الحضارية من خلال الإصرار في الإبداع الإنساني.
أما الصحف فللأسف الشديد مازالت تتمحور في فلك السياسي، وإطارات الشللية النفعية. وبالنتيجة هي انعكاس حقيقي عن الخراب المتوارث في السلوكية اليومية .
 
ما بين شعراء الغربة – والحروب التي مرت على العراق قضايا الشعراء في المهجر من يتبناها ؟
- : إن قضايا الشعراء ليس من يتبناها ، لذا أصبح المبدع العراقي في المنفى عموماً ، وحده يتصارع مع كل ضغوطات الحياة ، وبعبارة أخرى ، ليس من أحد يتبناه ، وهو الذي تبنى كل قضايا الشعب العراقي ، رغم المنفى وظروفه القاسية. وما التكوينات هنا وهناك ، مع كل احترامي الكبير والجليل ، لنياتها الطيبة ، إلا إنها تكوينات لا تقع ضمن قوالب الثقافة البحتة ، أي بمعنى آخر هي واقعة ضمن التجلي السياسي .
 
إلى أي حد أثرت الغربة المبكرة، والتي لا زلت تعاني من آثارها في لغتك الشعرية، أو في اختيارك للمفردة الشعرية على اعتبار أنك هُجرتَ من وطنك في سن الطفولة المتأخرة ؟
- : للمعلومة ، لقد هاجرت العراق وعمري 21 سنة . والمنفى الذي أرغمتُ على امتهانه ، كان رحلة قاسية ومريرة ، حيث رحلت مشياً على الأقدام وليس في جيبي مالاً ولا جواز سفر ، هاجرت وطن احتلته سلطة دكتاتورية لها أيديولوجيتها الفاشية، سلطة حكمتْ على اختيارات الفرد بالموت ، ولم يعلن الشعر تحت ظلها ألا المنتفعين والمرتزقة . لقد كانت رحلتي طويلة ، حيث تنقلتُ بين مدن تنوعت جمالياتها وخصائصها الحضارية وحضورها التاريخي ، مدن تركت من الحب الكثير في قلبي ، فأثرت فيّ ، ودفعتني نحو مساحات من التطلعات الرحبة ، وشجعتني على النسج من صدى مفرداتها الشيقة لغة مستساغة وسلسة ، وقادرة على استيعاب قصيدتي ورؤيتها . لكن الحزن مازال عراقياً ، يترنم في حروفي.

شعراء الفصحى يرفضون الاعتراف بقصيدة النثر ، ويعتبرونها مجرد فبركة مشاعرية أو شعورية لا أكثر وأنها اعتداء على القيمة الحقيقية للشعر الفصيح كما أنها لا ترقى إلى مستوى الشعر بماذا ترد عليهم بصفتك تكتب هذا النوع من الشعر؟
-: إن الشعر هو أحد أوجه الإبداع وأسلوب أدبي في التعبير الإنساني ، وقد وجد الشعر منذ أن انطلقت البشرية في خلق حروف لغاتها الأولى ، ومع تنوع التجارب البشرية وتطورها ، وهذا ما حصل مع الشعر العربي وهو ليس بالبعيد عن التجارب التي تختزنها أمهات كتب التراث العربي . ثم ليس الكل يرفض قصيدة الشعر النثرية . أما القيمة الحقيقية للشعر دوماً تكمن في حالة طردة دوماً ، بين الشكل والمحتوى ، وهنالك الكثير من القصائد التي تأخذ الشكل الكلاسيكي ، لكنها خالية من ذلك الألق والومض الشعرية ، والحال ينطبق أيضاً على قصيدة النثر . إذن القيمة تكمن في حقيقة تجانس الشكل والمضمون وتعاضدهما معاً في معالجة الرؤية التي تختار أسلوبها الفني الذي تبرزه تكوينات الشاعر . ومن يرفض كل الأشكال سواء قديمها أو جديدها ، عليه أن لا يركب الطائرة أو أن لا يسير على شاطئ البحر ، فتلك مستحدثة وهذا عتيق .

كيف تتحدد العلاقة بين الشاعر والجمهور ؟ هل المبدع هو الذي يفترض فيه النزول للواقع وتبايناته واقتناص تغيراته وتفاعلاته المختلفة ؟ أم الجمهور الذي يتلقى الإبداع؟

- : ليس من خلل في العلاقة بين الجمهور والشاعر ، إنما الخلل في وسائل الاتصال والتي أصبحت قادرة على تدجين المتلقي المحاصر بالأمية والاستلاب والقهر المبرمج . لقد بات منابر الأعلام يستحوذ عليها الانتهازيون وشلل المنتفعين ، ومن لهم هوساً لبريق الأضواء. إن الشاعر الحقيقي لا ينتظر شيئاً إلا القصيدة ، وليس ديدنه ضجيج التصفيق والشهرة والمكاسب النفعية . وليس من نزول أو تعالي للمبدع في علاقته مع الجمهور ، بقدر ما للشاعر من مساحات إبداعية ، لها من خطوط تماس مشتركة مع جمهور متباين في تكويناته وتطلعاته ، قد تتقاطع أو تتوازى عند مستويات نسبية مختلفة ، في الإدراك والتعبير من حيث العمق والنبؤة والترصد والتلمس والاستشفاف . والعلاقة مرتبطة مع المستوى الثقافي للمجتمع وتطوره العام .

علاقة الشاعر بالموسيقى كيف برأيك يجب أن تكون.. وهل كتابته للشعر ناتج من ارتباطه بالموسيقى .. هل تتوافق موسيقى الشعر مع موسيقى الطرب أم إنها تتوافق مع نوع معين من الموسيقى فقط ؟
- : معظم البحوث تشير إلى أن الموسيقى والشعر ولدا معاً ضمن سياق ولادة الأغنية لدى الإنسان الحضاري الأول ، وتحديداً مؤسس الحضارة السومرية على أرض العراق . والشعر حالة طربية روحياً ، وهو حالة تعبير إنساني عالي الجودة والقدرة في الاستلهام والتعبير ، ويبقى الإيقاع إحدى خواصه في البناء ، وإيقاع الموسيقى دوماً تكون غير بعيدة عن حياة مجتمع الشاعر إن الشعر لن يكون بعيداً عن الموسيقى ، و لا بد له من إيقاع قد يكون واضح البيان ، كما في الشعر الكلاسيكي ورنين قوافيه الواضحة ، أو يكون أقل خفوتاً في إيقاعاته كما في قصيدة النثر مروراً بالشعر الحر وتجاربه الغنية في التنويع الموسيقي .

علمنا أنك تكتب النص الغنائي، هل لنا أن نعرف تفاصيل أكثر حول هذا الاتجاه لديك – ومن من الفنانين العراقيين المميزين على الساحة الغنائية حالياً سيتغنى بكلماتك الساحرة ؟

-: إنني أكتب القصيدة الشعرية الشعبية العراقية ، وقد دخلت عالم كتابة النص الغنائي ذي المفردة العراقية ، من خلال تجربتي الجميلة مع الملحن الرائد الراحل كمال السيد ، الذي تعلمت منه الكثير في كيفية كتابة النص الغنائي ، وكمال السيد هو ملحن أغنية المكير الشهيرة ، وهو الذي فاجئي في إحدى السنوات بطلبه مني كتابة نص غنائي ، وتكررت بعد ذلك تجارب ، أعتز بها مع الفنانين منهم طالب غالي وفلاح صبار كاظم ناصر ، وسامي كمال ، ولي أعمال ستظهر بصوت الفنان العراقي فؤاد سالم . ولديّ العديد من النصوص الغنائية الغير ملحنة.

يظن القارئ كثيراً أن الشعراء لا يكتبون إشعارهم ألا من وحي مغامراتهم، وإن الأنثى إذا لم تسكن الحرف لا تنسج خيوط القصيدة المفعمة برائحة الحب إلى أي حد يصدق هذا على تجربتك الشعرية وعلى من عاصرت وصادقت من الشعراء ؟
-: القصيدة رؤية حية تتنفس الحياة ، وتجربة ذات أبعاد فنية لابد أن تستلهم مكوناتها من اليوميات التي يرصدها الشاعر من زاوية خاصة به . وليس من قصيدة جميلة ذات إيقاعات من الدهشة، دون أن تكون الحواس الخمس حاضرة.الصدق في القصيدة، يكون من خلال المشاهدة الحية للحياة، التي يعاد صياغتها على سياق تجربة المخيلة الشعرية المدربة لدي. ولكل إنسان حياته الخاصة بما فيهم الشاعر حيث تجاربها المفعمة دوماً بالحيوية والترقب والتقرب والترصد والفحص للأشياء، والدخول في تفاصيلها الشعورية، لتستنهض بعد ذلك، من خلال النصوص التي قد تحضر في تأسيس صورها الشعرية. الشعر تجربة حياتية ، وشعراء الإنسانية حاضرون دوماً ، منذ شاعر مدينتي الأولى " أوروك " الذي كتب أناشيد معبد الآلهة السومرية وملحمة جلجامش العظيمة ، مروراً بالشاعر " إبراهيم المصري " الذي أرسل لي قبل يومين كتابه الشعري " الزهروردية " . الجميع حاضرون بجمال صداقاتهم الطيبة دوماً ، قبل غيمات قصائد تجاربهم ، التي أتعلم منها الكثير، وإن تباعدت بنا جغرافية المنافي .

يقال أن الشاعر لا تتولد موهبته الشعرية إلا نتيجة أزمة واقعية مؤلمة ومريرة يعيشها إلى أي حد يصدق هذا عليك ؟
-: قد يكون صحيحاً ، وقد يكون خلاف ذلك ، لكن تجربتي ، التي كانت بداياتها من خلال كتابات متفرقة ، التي كانت مندثرة تحت اهتماماتي بالمسرح على مستوى مدينتي " السماوة " ، لكن انطلاقتي الفعلية في كتابة الشعر ، كانت في المنفى ، حين دفعت بيّ الظروف السياسية ، أن أختاره وبوعي كامل وبإصرارِ وتأكيد صادق في الموقف الإنساني اليومي ، الذي حتم عليّ أن أمارسه اتجاه سلطة دموية ذات فكر عفلقي فاشي ، عندها بدأت رحلتي في رسم وطن بين جناحات دفء القصيدة الشعرية ، التي انطلقت معها بقوة ، وقوة العذابات التي مورست بحقنا ، نحن العراقيون ، عندما كان العالم جميعه مع سلطة صدام ، وضد إرادة العراقيون الشرفاء .

لاحظت في ديوانك الأخير الصادر عن دار المدى بدمشق والمعنون ب " حيث لا ينبت النخيل " ، نضوجاً في تجربتك الشعرية ، إضافة إلى تمتعك بقدرة فائقة في كتابة القصائد الخاطفة إن صح لي التعبير ، هل هذه القصائد القصيرة جداً ناتجة عن البيئة السويدية وقرأتك للشعر الغربي ، ولماذا لم يتضمن الديوان فقط قصائد من السويد ؟
- : إنها ملاحظة فاحصة ومتمعنة في القراءة ، قصائد الديوان كتبت بين 1982-1994 ، وهي متنقلة بين الكويت ،سوريا، ليبيا،هنغاريا،ومن ثم السويد . هنالك تنوع للبيئة على مسار زمني ليس بالقصير ، كانت هنالك " قصائد خاطفة " حسب تعبيرك الجميل ، وهي قد تأخذك تسميات قصائد الدهشة أو الومضة ، وهي قصائد تختصر نفسها ، وهو أسلوب التجأ إليه ، عندما لم يسعفني الوقت في الكتابة ، ماذا أفعل مع قصيدة تحضر وأنا يلزم عليّ أن أوفر لقمة خبز ، مقابل كوي 700 قميص يومياً ، هنا كانت القصائد تأتي بكثافة وميضها ، كي أختصرها بدهشة .

أقمت في عدد من الدول العربية والغربية حتى استقر بك المطاف في السويد، وكتبت قصائد في كل بلد منها، أي هذه القصائد تأتي في الأهمية بالنسبة لك، وأيها كان ثمرة لهذا البلد أو ذاك ؟
-: لكل البلدان التي آوتني يوماً مع تقديري وامتناني ولناسها الحب والاعتزاز ، حتى تلك البلدان التي دخلتها بصورة غير مشروعة لها محبتي حيث آنستني في طرقاتها . هنالك العديد من القصائد ضمن ما تسأليني عنه ، لكن تبقى كل قصيدة حية بلحظة تكويناتها ، وليس من مفاضلة بينهما ، فلكل قصيدة عالمها وتكوينها الفني . فهنالك مثلا قصيدة عن دمشق ، يوتوبوري ، المغرب ، والسماوة مدينة التكوين لي والحاضرة دوماً في شعري.

السماوة ما موقعها في شعرك ، وفي نفسك المغتربة عن الوطن ؟
- : السماوة ليست مدينة بالنسبة لي ، بل هي مدينة التكوين لي ، وهي علامة وجهي الفارقة ، وصدى صرختي الأولى حين جئت الحياة ، والسماوة هي ذاتها غابات أنكيدو ، وطين الكتابة الأولى ، حيث زقورات الآلهة الأولى التي تأتي معابدها كي تسمع تراتيل الكهنة ، وباديتها الحاضنة للقرامطة حيث غدعى المتنبي نبؤته . السماوة وجه أمي الذي كان ومازال ينتظرني .!! . ولي العديد من القصائد الخاصة في السماوة ، والسماوة هي الطفولة . وهي " قطعة من السماء " كما يفسرها القاموس اللغوي.

غيب الموت والديك المرحومين، وأنت وإخوتك خارج وطنك العراق، فكيف أثر هذا الفقد الموجع في مسيرتك الشعرية.. وهل نتج عنها تجربة خاصة برثاء الأبوين الراحلين خصوصاً وإنه لم يكن ثمة لقاء بينكم يسبق القضاء ؟؟
-: بكل تأكيد كان الفقد له من التأثير الكبير في نفسي ، وقد تسرب حزني عليهم في العديد من القصائد التي استحضرتهم في ثناياها ، فأبي دوماً هو الطيب الحاضر الذي أستلهم منه الفخر ككادح من أجل أبناءه الذي مهد لهم الطريق واسعاً نحو عوالم يرغبونها في الحياة . أما أمي فقد كانت هي عنوان الوطن لي، وقد كان فقدانها صرخة من الروح في قصيدة عنونتها " نشيد الله ".

النخيل التي تغنيت بها في دواوينك الشعرية بلا شك بينها وبينك علاقة طفولية في ارض الرافدين الخصبة صفها لنا بأسلوبك الرشيق جدا ، وكلماتك المعبرة ؟
-: النخلة لي ولكل عراقي ، هي عنوان ورمز وصديقة ، فالنخلة التي ترسخت في ذاكرة ألواح الطين النحتية للسومريين ، هي ذاتها مازالت ترسم خارطة العراق القديم ، ارض الرافدين . والنخيل له بهجة في الروح لدوام اخضراره ، وهو كما المرأة العالية الطول والتي لا تهزها الريح وهي ترفع خمارها الأخضر جدائل ، وكم هي رائعة وهي الأقرب فسيولوجيا للحيوان في طبائعها ، حيث الذكورة والأنوثة ، والتلقيح . وصدق النبي محمد(ص) حين قال : " أكرموا عمتكم النخلة ..!

لا حظت أيضاً إن لك تجربة شعرية شعبية جميلة جداً، هل يمكن أن تلقي الضوء عليها، وهل تنوي إصدار ديوان مطبوع، أو ديوان مسموع للشعر الشعبي العراقي الذي تجيده بتميز ؟
-: للشعر الشعبي العراقي مكانة قوية في نفسي ، وذلك لعدة أسباب منها تجربته الطويلة والرائدة في التكوين التراثي للذاكرة الشعبية اليومية بين أفراد المجتمع العراقي ، وهو سجل شعبيي قوي ، وذا مواصفات مميزة من الأشكال والإيقاعات الشعرية المتنوعة التي تمنح الشاعر مساحات لجماليات الإبداع ، من خلال خاصية الرنين الصوتي الذي يمز مفردات اللهجة العراقية . وعليه كانت لي تجربة متواضعة في الشعر الشعبي العراقي، حيث أصدرت مجموعة قصائد تحت عنوان " آخر حزن " والثاني إصدار مطبوع بعنوان " طيور العصر " ، ولي الكثير من القصائد التي تنتظر داراً للنشر ، سواء بشكل صوتي أو مطبوعاً.

يقال إن الشعر أنقرض ولم يعد له قراء، أو عشاق ومتابعين وبخاصة قصيدة النثر، والشعر الفصيح، وإن الشعر المقرب إلى الجماهير المتلقية هو الشعر الشعبي أو النبطي والقصيدة المغناة ما تعليقك ؟
-: كيف يكون الشعر قد أنقرض، وهذه الكوكبة من الشعراء على امتداد الكون، يتواصلون مع الإبداع الشعري. أما بالنسبة للقراء فالحالة نسبية ، أما ضيق مساحة قراء الشعر الفصيح ، فذلك يأتي من تردي الحالة الثقافية العامة لهذا البلد أو ذاك ، وخاصة الفضائيات التي وضعت مجتمعاتنا في يوميات حياة لا تجدها على أرض الواقع ، ومنها الثقافة الاستهلاكية التي تشجع عليها السلطات الحاكمة في الدول العربية . ثقافة مستهلكة على نمط أغنية " الفيديو كليب"، الهابطة، التي تنتج بملايين الدولارات مع إعلاناتها وجوائزها الصاخبة. إننا أمة أصبحت لا يسعفها الزمن لكثرة مهرجاناتها الاستهلاكية، على نمط الوجبات السريعة.

* عن موقع صحيفة سعوديات نت