الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الجمعة 18/11/ 2011

 

 قراءة في مسرح أنطوان ارتو من خلال كتابه
 (المسرح وقرينه)
Le théâtre et son double

علي كاظم الزهر

تفتقر مكتبه المسرح العربية تراجم لكتابات أنتونان أرتو,أو من دراسات تتعلق بإسهاماته في موضوع المسرح. ومن الواضح أن مجموعه الرؤى والأفكار التي ابتدعها ذات أهميه كبيره, وهي جزء من محاولات المسرحيون الغربيون لتحديث المسرح في بدايات القرن الماضي. وقد أثرت أفكاره لاحقا بعدد من الذين أنصب همهم الرئيسي في موضوعه تجديد المسرح الغربي وديمومته, ومن بينهم بيتر بروك (Peter Brook).

وقبل البدء بتوضيح جوانب من هذه الرؤى والأفكار, أود عرض لمحه سريعة عن حياه هذا الرجل, وأخرى حول جمله الظروف الموضوعية التي ارتبطت بالصراعات الفكرية في تلك الفترة من عشرينيات القرن الماضي لموضوعات الفن والأدب  بين مدارس مختلفة منها الواقعية والانطباعية والسريالية والتجريدية. وسوف أشير باختصار شديد لهذين النقطتين قبل الذهاب إلى أفكار التجديد في مسرح أرتو.

ولد أنتونان أرتو(Antonin Artaud) في مرسيليا جنوب فرنسا عام 1896, من عائله برجوازيه ميسورة , ومات في ضواحي باريس سنه 1948. عاش طفولة شقيه بسبب مرضه بالسفلس الوراثي, حيث خضع لعلاج قاسي لمده عشرون عام. في سن الثامنة من عمره ماتت أخته بعد ثمان اشهر من ولادتها، وهي ‌ مواجهته‌ الأولى مع الموت التي أثرت به عميقا. عانى من مرض الصداع وأوجاع الرأس منذ بداية سن المراهقة, وناضل ضد هذا المرض خلال فتره طويلة من حياته بعلاجات مختلفة من وخز الإبر الطبية والتي أدت به أن يمضي تسعه سنوات في مصحات الأمراض العقلية حيث خضع للعلاج بالصدمات الكهربائية. لاشك إن حياته القاسية أثرت على مجموعه علاقاته , كما أسهمت في بلوره أفكاره.

تعلم في المدارس الدينية التي أثرت معرفته في اللاهوت المسيحي والذي نجد أثره في أعماله لاحقا. أظهر تذوقا لتعلم اللاتينية والتاريخ القديم . وفي سن الرابعة عشره أكتشف شارل بود لير.  أرتبط فيما بعد بالمدرسة السريالية  قبل أن تحل الخصومة مع اندريه بروتون (André Breton) زعيم السريالية الفرنسية,والقطيعه  مع الحزب الشيوعي الفرنسي الذي رفض الانضمام إليه معتقدا أن الثورة يجب أن تكون روحيه وليست سياسيه.

دفعت السريالية لظهور مفاهيم جديدة تتعلق بالنقاء أو الصفاء (La pureté) . وبدأت تظهر مصطلحات مثل,  الشعر الصافي أو الفن الصافي  والمسرح الصافي. لقد أثارت هذه المفاهيم نقاشات كثيرة بين أوساط الفنانين والشعراء والكتاب ,مما دفع  بول فاليري(Paul Valéry) الى شرح مفهوم الصفاء (الخالصيه ) في الفن والأدب على أساس أنها محاوله لبناء العمل بالاعتماد فقط على الجزئيات الشاعرية ألذاتيه للعمل نفسه , أي أن يخلص العمل الفني أو الأدبي نفسه من كل الجزئيات التي لا تمت بصله الى العمل من جهة , وان يحرر العمل نفسه من أي أهداف خارجه عن تركيبته الذاتية من جهة أخرى. ومن هذا الفهم بدأ أنتونان ارتو يبحث عن مسرحه الجديد.

 يحتوي الكتاب على خمس عشرة مقاله كتبها بين عام 1931_ 1936 .ومن أهم الموضوعات التي يتحدث عنها هو موضوع ( محدودية المسرح الغربي وفضائات مسرح الشرق اللامتناهيه ).في سنه 1931 حضر أرتو عرضا مسرحيا للمسرح البالي (نسبه الى جزيرة بالي الاندنوسيه). بعد هذا العرض تولد لديه إحساس عميق بلا جدوى النص في المسرح, وأن الحوار ليس المحرك للعمل المسرحي¸ بل على العكس هو يقيد لدرجه كبيره حركه الفكر في فضاء المسرح. ومن الضروري بالنسبة له البحث عن لغة جديدة غير لغة الكلمات .

في مقالتين الأولى تحت عنوان (المسرح البالي )  والثانية (مسرح الشرق ومسرح الغرب ) يستعرض فيهما مجموعه أفكاره .بالنسبة له الأمر واضح تماما . أن المسرح الغربي يعتمد على الكتابة (النص ),في حين أن مسرح الشرق يمتلك وسائل أخرى في التعبير على الخشبة , حيث يقول ( أن المسرح البالي يمنحنا فكره محسوسة وليست كلمات ,وهو يحتوي على كل أبعاد الحركة والحدث بمعزل عن النص المكتوب مثل ما أعتدنا تلقي مسرحنا الغربي المرتبط بالنص حيث يجد حدوده فيه ).

النص والحوار من أهم مراكز اهتمام أرتو في المسرح, انه‌ يدعو الى ( تحطيم اللغة لغرض الإمساك بالحياة والعمل المسرحي ). وهو يوضح أن اللغة لا تمتلك الصفة المسرحية وعلى المسرح أن يتحرر من اللغة ومن الحوار.

يعتقد  أنتونان ارتو أن المسرح الغربي يقاس الى حد كبير بقيمه اللغة , وليس هناك أي امكانية فيه للتعبير الدرامي خارج إطار اللغة. الحوار في المسرح  للأميين أو للعميان , وهو يحدد ويقولب المساحة الدرامية بمقياس الكلمات. وبهذا التوجه‌ يستعيد أرتو هنا المفهوم الأفلاطوني ,على أن الأفكار تموت في لحظه كتابتها.

يوضح ارتو تصوره‌ للمسرح الصافي , الخالص (Théâtre pur) بأن الحوار مكتوب ومنطوق وهو بهذا يحمل صفة الکتاب اکثر من أن يکون مسرحا للعرض. فهو يقول ( المسرح فن مستقل بذاته‌ وعليه‌ کي يتجدد، أو بکل بساطة کي يعيش، أن يثبت ما يفرقه‌ عن النص والکلام والآداب و کل ميادين الکتابة ودلالاتها). المسرح يتمحور في فضاء الحرکة وليس في النص المثبت.

في مقاله له ( المسرح والآلة ) سنه 1936 يقول أرتو (الكتابة تعني حرمان الفكر من الحركة في فضاءات الاشكال ). النص بالنسبة له يؤدي الی تحديد الفكر وقولبته داخل أطار الشكل. يقول ايضاً (كثيرا ما نجد أنفسنا أمام حواجز في الحالة التعبيرية لا تستطيع الكلمات تجاوزها فنلجأ الى الأشاره بعفويه). المسرح الحقيقي بالنسبة له شأنه شأن الثقافة العامة للشعوب لم تكتب ابدآ. في اللغة الباليه مثلا ,لا وجود لمصطلح الفن ,وذلك بسب أن الفنون هي جزء من الحياة اليومية التقليدية والتي يشارك فيها الجميع.

غير أنه حين يعلن مغادره النص والحوار, يدعو ارتو الى لغة جديدة تستطيع أن تملئ فضاء المسرح بدل من أن تكون أساس للعرض الدرامي كما هو في وجود النص. لغة المسرح الجديدة يجدها في مسرح الشرق. لغة الآشاره و الايماءه والهيئة والصوت. ويوضح أن هذه اللغة تحتوي على وسيلتين للتعبير بصريه وسمعيه في آن واحد. هي لغة للمسرح فقط, وليست لها أي معاني خارج فضاء المسرح. يقدم تعريفين لهذه اللغة. الأول كونها لغة ماديه ومرئية والثاني كونها تحتوي على كل ما نريد قوله وبكامل الاستقلالية عن النص والحوار, وهي لغة على المسرحيين أن يضعوا قواعدها.

في دعوته لتجاوز النص والحوار في المسرح يضع ارتو الإخراج والكادر ,المحرك الأساسي للعرض المسرحي,في هذا الصدد يقول ( العملية المسرحية تنتمي كليا إلى الأخراج , هو الذي يحدد اللغة في فضاء المسرح وحركته). وليس العكس كما هو معتاد حيث النص يحدد كل شيء. الإخراج في نظره يشترط عنصرا واحدا هو ( المسرح يجب أن يكون خارج النص).أما  بالنسبة للممثلين فيقول ( عندما نلغي الحوار على المسرح ¸فأن الممثل لا يجد غير الجسد وسيله للتعبير وحينها يتجاوز بأشكاله التعبيريه حدود الأشكال التي تضعها الكلمات ).كذلك يدعو أن يشكل الفريق المسرحي والجمهور فضاء متكاملا للعرض,على أن يخرج العرض من صالات المسرح المغلقة , وهو يفترض أي مكان يسمح لمثل هذا المزيج بين العرض وجمهوره في مشاركه حيه وفاعله يشكل كلا القطبان أساسا للعمل المسرحي.هذه الفكرة الارتويه وجدت تأثيرها عند بيتر بروك في مفهومه ( المساحة الفارغة) أو المساحة التي يجب ملئها.

في المسرح الذي يعارضه ارتو. الكاتب لا يحدد فقط الفكر والفعل من خلال النص و أنما يقوم من خلال النص الضمني وضع حدود وأشكال الفضاء المسرحي بكامله.

في مسرح القسوة

إلى جانب أفكاره حول النص في المسرح الغربي أوجد أرتو مفهوم مسرح القسوة ليضع تصوراته حول العلاقة ما بين المسرح والجمهور واعتمدت أفكاره في هذا الموضوع ايضاً تأثره بالمسرح البالي ثم بالمسرح و الثقافة المكسيكية.

في مقالته  (مسرح القسوة) يقول أرتو ( بدون فعل قاسي في بداية كل عرض ,لا يمكن أن يكون هناك مسرحا ) ويضيف ( في حالة الانحطاط التي نحن فيها ,من خلال الجلد يمكن أن ندخل الميتافيزيقيا الى الذهن ).لذا بات من المؤكد بالنسبة له الحاجة إلى مسرح يفيقنا ,مسرح يمارس الوخز والضرب على أحاسيسنا لتحطيم هيكلة الذهن المتكلسة للمفاهيم والقيم العتيقة المنحطة.  يرى في مسرحه شكلا معاكسا للمسخ الموجود في الثقافة الغربيه ,  فقد عاصر حربين بين شعوب وأمم أوربا خلفت صور مرعبه لبشاعة الإنسان الغربي في نظره.

لغرض توضيح مفهوم القسوة يقول أرتو (كل شيء يفضي للأثاره هو قسوه, وعلى قاعدة هذه الفكره الفاعلة المدفوعة الى ابعد الحدود,على المسرح أن يعيد صياغة نفسه).

ولأجل استخدام الصدمة القاسية , يضع ارتو الجمهور والفضاء المسرحي في استمرارية نافذة للأضاءة والصورة والحركة والصوت ,مثل  مكبرات الصوت المستخدمة في الكنائس.وهو يبحث لخلق حاله من الهلوسة والفزع عند جمهوره ومواجهته دون نتائج عمليه .

القسوة في العرض المسرحي الأرتوي هو تحرير القوى الكامنة داخل المتفرج, بمعنى أخر أنها تعمل على إخراج الإنسان الحقيقي من داخل المشاهد المكبل بالقيود الاجتماعية. والفعل القاسي وسيله لتحرير الذهن كي يصبح أكثر صفاء وكفاءة في تلقي العواطف النبيلة والأفكار السامية التي تنطوي عليها الأساطير العظيمة.

في رسائل عديدة من محاولاته لإزالة سوء الفهم حول القسوة في مسرحه , يقول أرتو في أحداها (يجب أن نفهم القسوة بمعناها العريض وليس المباشر المعتاد). ثم يضيف ( من الخطأ أن نضع مفهوم القسوة في معنى الألم المادي , أنها قبل كل شيء نوع من التوجه الصلب والخضوع للضرورة ). وهي بالنسبة له صرامة كونيه الى جانب كونها ضرورة حتمية, كما أنها تطبيق صارم و إصرار ثابت ومطلق. ومسرح القسوة , هو المسرح الشاق والقاسي عليه وعلى العاملين فيه قبل أن يكون قاسيا على الجمهور.

في مقالته ( لننتهي من الأعمال الرائعة ) (Chefs-d’ œuvre) يدعو أرتو إلى القطيعة مع المسرح المقدس المخصص للنخبة والذي لا يعني عموم الناس, حيث يقول ( الأعمال الكبيرة للماضي ,هي للماضي وليست لنا, ولنا الحق في أن نقول ما قيل و ما لم يقال , وبالأسلوب الذي نمتلكه). يوضح ايضاً , إذا كان شكسبير ومقلدوه قد أوحوا لنا طويلا فكرة الفن لأجل الفن.الفن في وادي والحياة في وادي أخر. ..نستطيع أن نستريح على هذه الفكرة الميتة خارج الحياة. وأن أفكارهم التي جعلتنا نعيش يوما, لم تعد تؤثر فينا اليوم.

( إذا كان الناس لا يأتون الى مسرح النصوص الأدبية , ذلك لأنها أعمال أدبيه). وهي بالنسبة له محددة في أشكال لم تعد تستجيب الى حاجات عصرنا .ومن غير المجدي أن نتهم الجمهور و انحطاط ذوقه. (علينا أن نعطي للجمهور في الشارع فرصه أن يرى الكرامة الأنسانيه).

 

 

free web counter