الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الجمعة 21/4/ 2006

 

 

 

صخرة سيزيف بين العقوبة والرجاء
 


خلدون جاويد

هل صخرة سيزيف رمز للعقوبة أم أمل بتخليد مشهد الحياة ؟
سبق ان كتب أدونيس قصيدة بعنوان " الى سيزيف "يؤكد فيها أننا مهما كررنا فعلنا اليومي الميكانيكي في مزاولة شؤون الحياة ، تماما مثل البطل الإسطوري سيزيف الذي يحمل الصخرة الى أعلى الجبل في كل يوم وتعود لتسقط في اليوم التالي ويحملها وهلم جرا ، فاننا نعانق الحياة ونتفائل بها ونعشقها :

"أقسمت ان اكتب فوق الماء
اقسمت ان احمل مع سيزيف
صخرته الصماء
اقسمت ان اظل مع سيزيف
اخضع للحمى وللشرار
ابحث في المحاجر الضريرة
عن ريشة اخيرة
تكتب للعشب وللخريف
قصيدة الغبار
أقسمت ان اعيش مع سيزيف "

ان كلمة سيزيف في موضع البحث هذا ، تضطرنا لتقصي معناها الدقيق . وهي غير معروفة لعموم الناس لكنها جلية لدى الكثير من الباحثين والقراء . انها رديفة لمعنى الاستمرار والعمل والتفاؤل وتكرار الفعل وقد وردت في النصوص كما لدى ادونيس بمثابة اعادة لميكانيزم الحياة كل صباح. هكذا ترجمتها الذاكرة العربية من جهة ، وهي في اعتبار الاسطورة تعني العقوبة المتضمنة للتكفير عن ذنب ، ولم ترد بالاعتبارات العربية المنوه بها . ففي قاموس كولدن ديلس يشار الى ان سيزيف " ملك اسطوري في قورنثوس . وكان ذكيا وداهية ، يقوى لدهائه على خدع الموت ووضع الأغلال بيديه ولا يستطيع الأخير أن يقبض عليه ، وقد عوقب بأن ظل يحمل صخرته الى ذروة الجبل لتسقط من هنالك كل يوم "
والإشارة الأدونيسية صحيحة هنا من حيث الحالة المنوه عنها في الاسطورة أي عملية حمل سيزيف للصخرة :

" أقسمت ان احمل مع سيزيف
صخرته الصماء "

وفي قاموس الأساطير العالمي : " سيزيف باني المدينة وأول ملك لها . قال لزوجته ان لاتدفنه عندما يموت بل تترك جثته هكذا . وهكذا فعلت الزوجة . لكن عندما هبطت روحه الى العالم السفلي تلقاه الملك هيديس منزعجا وبسبب الانزعاج استأذن سيزيف من لدن هيديس بمغادرة العالم السفلي بقصد ان تدفنه زوجته حسب الاصول . ولما نكث سيزيف بوعده وبدأ الحياة الطبيعية مرة اخرى حتى غدا هرما فمات . وعندما عاد الى العالم السفلي مرة اخرى تلقاه هيديس وعاقبه بالصخرة التي ينقلها الى القمة لتتدحرج كل يوم وهكذا " . وهنا أيضا لا اشارة الى معنى الأمل ، فمن اين أتى أدونيس أو سواه من المثقفين العرب أو الشعراء خاصة بأن الصخرة تعني الاستمرارية التفاؤلية . وهي لا تخرج اسطوريا عن كونها فقط العقوبة ، وليس سوى العقوبة . لكن وعلى سبيل التقصي دعنا نبحث في الميثولوجيا اليونانية الرومانية والتي تقول :
ان سيزيف يدعى بالرجل الطيب في الإلياذة وهو يعمل اعتمادا على نفسه بجد وجودة . وكان يتحدى ارادة الاله الذي خلق نفسه أي " زيوس " وذلك بالذكاء الانساني . وقد أخبر سيزيف اله النهر أسوبوس بأن ابنته أغينا قد سُرقت من قبل زيوس والإخبار هذا كان مشروطا بالحصول على الماء لأرضه ! .. فأعطاه اله النهر الماء وانتعشت الأرض وعم خير وفير . وبسبب ذلك كانت عقوبة زيوس لسيزيف الموت ! لكن سيزيف كان على درجة كبيرة من الذكاء ، ولبلاغته بالكلام استطاع أن يقنع الموت بأن يضع الأغلال بيديه ! وبسبب من اعتقال سيزيف للموت لم يستطع الأخير نقل الموتى كما هي العادة الى العالم السفلي . وهذا ما انتبه له وافتقده كل من هيدس والقائدة " برسفونه " الى ان حرر " آريس " : اله الحرب ، الموت من أغلاله . ولذا فالموت حر الآن .
وشعر سيزيف بإقتراب الموت فأقنع زوجته بأن لاتجعل جنازته طبيعية ولا تقدم الاضحيات على قبره . والآن هو ميت !. وجاء هيديس ، ولكنه نجح بأخذ الاذن بالعودة الى الحياة وبعد أن وعد بالرجوع الى عالم الموتى حيث هيديس الملك .
طلب من زوجته أن تدفنه بطريقة صحيحة ، لكنه عندما رآى ضوء الشمس وجمال الحياة ، بدأ يخادع ولايفكر بالرجوع ! ... وبذا عاش حتى اصبح هرما ومن ثم مات . مات بصورة طبيعية . لكن العقاب برفع الصخرة كان بالمرصاد " .
وهنا من حيث النظر الى قصيدة ادونيس التي يراد بها الاشتراك مع سيزيف بحمل صخرته يمكن تثبيت الملاحظات الإحتمالية غير اليقينية تماما أي القابلة للنقاش من حيث عدم جدارة سيزيف باعتباره رمزا للاستمرارية الواعية والفاضلة والمجاهدة والمتفائلة . فلماذا دخلت الذاكرة العربية باعتبارها نموذجا يتحلى به بينما هو ، على مستوى الفعل لايوحي بالثقة ! ولنتابع مايلي :
- ان العقوبة تعني قمة الغضب الإلهي الميثولوجي . وهي لاتعكس الرضا وذلك لمخالفة سيزيف قوانين الآلهة بصدد الموت وطقوس الدفن .
- لم يكن سيزيف بدهائه معبرا عن الفضيلة في التعامل ، على الرغم مما قيل انه انسان طيب وذلك لكونه وشِيَ بزيوس . ان الوشاية هنا مشروطة أيضا بالمساومة ففضلا عن كونها أي الوشاية فعلا رذيلا فان الأرذل هو مافعله سيزيف ويقال له هنا انه داهية .
- على ماذا يحب سيزيف ؟ على نكوثه بوعده ؟ لقد عاهد على العودة بعد اتمام الطقوس لكنه استأثر بالحياة وظل يعيش حياة اخرى جراء وعده الكاذب. أيضا قدرته على الخداع عندما يضع الأغلال في يدي الموت .
- هل هذا النموذج المعاقب ، جراء افاعيله ، يكون جديرا باتخاذه رمزا للأمل ؟ . لم تشر القواميس الثلاثة الى لمحة ولو باهتة بأن البطل هذا بطل نموذجي ومثال وقدوة . والرمز على علاته قد ظهر في الشعر والفلسفة وغدا وكأنه دورة الحياة الحاملة لأعباء ومسؤليات نبيلة .
- لم ينقل لنا أدونيس أي ملمح من الظهير المعرفي للإسطورة بل اكتفى بالاسم "سيزيف " فقط للدلالة .
- لاعلاقة مترابطة بين الرموز التي تناولتها قصيدة ادونيس من حيث الحبكة الموضوعية ، فأكتب فوق الماء – مثلا ، لادلالة لها ولا صلة بأي جانب مما قيل في القصص الاسطورية المحيطة بسيزيف وعلى سبيل المثال ماعلاقة اكتب فوق الماء مع سأحمل الصخرة مع سيزيف .

اقسمت ان اكتب فوق الماء
اقسمت ان احمل مع سيزيف
صخرته الصماء .

واذا نظرنا الى الماء من زاوية الاسطورة فالماء الحاصل عليه سيزيف هو ماء الوشاية والمساومة . اما مايقال ان ادونيس قد اوردها جملة عابرة تعني الرغبة باستمرارية الحياة المجردة من دون صلة تكاملية بالاسطورة فهذا ينزل بالقيمة المعرفية للقصيدة . ولو قارنا ماذهب اليه ادونيس من كلمات مثل الماء والصخرة والحمى والشرار ، مع ما درسناه عن عدد الأزهار التي أسماها جورج ملتن الشاعر الانجليزي الشهير في قصيدة برثاء لسيديس لعرفنا ان كل وردة مستعملة لها دلالة من حيث الرقعة البيئية العالمية للورد والذي ابتغاه الشاعر من القول هو ان كل أزهار العالم ومن مختلف البيئآت حزينة هذا اليوم وانها تتكاثف فوق جنازتك . هناك معنى عميق لاسطحي وهو ذو دلالة ٍ وتقص ٍ معرفيين وتدقيق في العودة الى الرمز والاسطورة والاسماء وغير ذلك من اعمال ميلتن الابداعية .
   ان الدقة وتثبيث جذر الأشياء وماهيتها بما حدثت ووقعت على الارض واقعيا او اسطوريا وضرورة العودة الى الوثيقة هي الامتداد بالتاريخ منطقيا ووفق مصداقيته وإلاّ ينطبق علينا قول الرصافي الكبير :

وماكتب التاريخ في كل ماروت
لقرّائها الاّ حديثٌ مُلَفق ُ
نظرنا بأمر الحاضرين فرابنا
فكيف بأمر الغابرين نصدّق ُ ؟

ان صخرتنا اليوم اثقل من الجبل ! فهل هي ياترى عقوبة أم رجاء ؟ . في كلا الحالتين فان هذا هو قدرنا . وعسانا فقط ان نجري تطويرا نوعيا في صدقية سيزيف ! وعساه أيضا ان ينتفع من تقنيات معاصرة في تخفيف الألم الواقع في يومياته المثخنة بالنار والنجيع . ان الصدق مصدّات الألم .
واذ يرفعون اليوم وغدا صخرة سيزيف الى قمة الوطن ، فما عليهم سوى النظر الى ذواتهم مثلما اراد ادونيس تفاؤليا وان لم يقم بإنقاذ سيزيف من وهدة الخداع والوشايات الخ ..
ان صخرة سيزيف كامنة اليوم فيه وأمامه ! أي لابد من العمل مع الذات ومن ثم العمل مع الحياة وبنائها .