الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

السبت 24/11/ 2007



كلمات -169-

إنقذونا من الشعر الشعبي في الفضائيات رجاء !

طارق حربي

يجلس الشاعر الشعبي في استديوهات الفضائيات، أو يقف وراء المكروفونات في المهرجانات، منفوش الريش منتفخ الأوداج!
يحسب نفسه ضلعا في البناء العراقي الجديد، ودعامة أساسية في بناء المؤسسات الديمقراطية وحقوق الانسان!
وهو بياع كلام لاأكثر ولاأقل!!
الشعر لغة والأوطان في محنة!
في الحقيقة فإن الشاعر يقف على خرائب العراق وانحطاطه، ووراثة تركة نظام الطغيان، وكل ذلك لايعاد إعماره وإعمار النفوس قبله بالشعر الشعبي، وهكذا نرى العراق يعلو في الدارجة العراقية، علوَّ موجة تنحط، ويخرج السامع من المهرجان، أو بعد مشاهدة الفضائيات، ليرى البلد على حاله، والواقع المر لم يتغير كثيرا!
وإذن لا يكل الشاعر عن تشييد قصور الرمال في هواء العراق الفاسد، الملىء بأشعة اليورانيوم المسرطِنة والارهاب والفساد الاداري، خلال مخيال جامح، ينتج شعرا هو وريث مراحل الانحطاط السياسي في تاريخ العراق الحديث، إن تلك القصور تقصر عن أن ترسم ولو أملا واحدا خارج الكلام المسطور!
الكثير منا حفظ الشعر الشعبي وتداوله في اللقاءات والجلسات الخاصة، لكن بمقدار!
الكثير منا حفظ عن ظهر قلب قصائد أو مقاطع شعرية لشعراء شعبيين معروفين، لكن ماذا يريد أن يقول لنا الشعر الشعبي في هذا المنعطف العراقي الخطير!؟ وإلى اي مدى تصمد القصيدة الشعبية الوصفية أمام الهول العراقي، المتطلب للعقل دون الشعر، ولغة العلم والعمل الجاد واستغلال الزمن، دون قصور الرمال، على شواطىء المستقبل المجهول!
تجد الفاعلية الشعرية في عراق اليوم، بعد انكفاء الثقافة العراقية إلى مهاوي بؤسها، وهي ثقافة علمانية منذ ماقبل نشوء الدولة العراقية، تجده في القصيدة الشعبية، ووجد الشعر الشعبي في هذا الفضاء الواسع من التسليع والتسويق، ومخاطبته الغرائز بدل العقول، وبما له من قدرة على التحشيد واستجداء العواطف والتصفيق، وجد آفاقا واسعة هيأتها له – مع شديد الأسف – أسرع وسائل الاتصال في عالمنا : الفضائيات، بما فيها من إدارات غلبت عليها ارتباطاتها الفئوية والطائفية، ونزعات المصالح الأنانية والضيقة، والمناطقية والقومية، على حساب الهوية العراقية الوطنية، حتى أصبح شاعر من الدرجة العاشرة ناطقا باسم الطائفة والميليشيا والحزب والمنطقة، وآخر من الدرجة العشرين يفلسف لنا الوطنية ومستقبل الوطن، بشعر شعبي لايفعل في ضمائرنا إلا فعل المتاهة!
صحيح أن المحلية إحدى دعامات الثقافة الوطنية، بل وكل أدب إنساني، وصحيح أن بعض القصائد الشعبية لمت شعث الطوائف في العراق، عبر قصائد حماسية بثتها الفضائيات نفسها، لكن الاسفاف والمبالغة والمبارة في بث الشعر الشعبي، بمستوياته المختلفة، لابد أن تدفع أي حريص إلى دق ناقوس الخطر، أحيانا أدير مؤشر التلفزيون على ثلاث فضائيات، فأجد في الأولى شعرا شعبيا رديئا..وفي الثانية دعاية لمهرجان شعر شعبي، وفي الثالثة مقابلة مع شاعر شعبي كشخه ونفخه!
أين الهرب والفضائيات أمست عيوننا المفتوحة على وطن تجري فيه المقادير جريا عجيبا!؟
بدلا من الاكتفاء بإصدار الدواوين الشعرية، وهو حق مشروع لهم، ولزوم جمعيات الشعر الشعبي في المحافظات، والمناسبات الوطنية والدينية والاجتماعية وغيرها، زحفت جحافل الشعراء الشعبيين على الفضائيات وأقاموا فيها!، بالمناسبة يمكن لهؤلاء الشعراء عبر لغة انفعالية مشحوذة تجييش الطوائف، وهو ماحصل بين شعرائنا وشعرائهم، جريا على عادات القبيلة العربية، وفضائياتنا وفضائياتهم جريا على عادات التهاوش العربي، بل وأكثر من ذلك يمكن لقصيدة شعبية يقولها شاعر مغمور، أن تثير ولو تلميحا، الضغائن والأحقاد بين مكونات الشعب العراقي، في وقت نحن أحوج مانكون فيه إلى السلام الأهلي، ودرء اخطار انهيار العراق إلى درك الحرب الأهلية!
لقد أعطت مرحلة الدولة الدينية في العراق، الضوء الأخضر لكل امكانيات المجتمع المتخلف، في مراحل الطغيان والانحطاط والارهاب، بتبؤ المكانة المرموقة من وسائل الاعلام، وكانت المحاصصة الطائفية قد اخلت بالميزان الاعلامي، ونشرت علله على الملأ، فتسلط على رقاب شعبنا في الفضائيات، جهلة وناقصو خبرة وثقافة وإسلوب ومهنية وتدريب وووو، وفُسح المجال للشعر الشعبي بطريقة ملفتة للانتباه حقا!
لو أننا حسبنا كم تهدر سنويا من ثروات العراقيين ووقتهم، (ليس من ضمنها طبعا التمويل السري لبعض الفضائيات!) لوقفنا أمام إحصائيات مذهلة لهدر الثروات والزمن، مئات وربما آلاف الساعات وملايين الدولارات، في وقت لاتجب فيه غير مسابقة الزمن، وإعادة الاعمار وترسيخ الهوية الوطنية، ومتابعة مصيرنا في البرلمان العراقي مثلا، وكذا ثرواتنا ومستقبل بلادنا!!
وبحسبة بسيطة : فلو كانت ساعات بث الشعر الشعبي في الفضائيات، وغيرها من محطات التلفزيون العراقية التي يصعب علينا التقاطها في هذه المنافي، بمعدل ساعتين يوميا، وهذه نسبة معقولة وغير مبالغ فيها على أية حال وتشمل (القاء الشعر/ المقابلات والحوارات/الدعايات للشعراء والمهرجانات/ الشعر الملمع!!/ مزج الغناء بمقاطع من الشعر الشعبي/ ضم الشعراء الشعبيين إلى الحوارات لغرض تلطيف الأجواء، جنبا لجنب مع فنانين ومحللين سياسيين واقتصاديين وغيرهم من الشخصيات)، فإن نحو عشرين شاشة تبث مامقداره :
(40) ساعة يوميا
(280) ساعة اسبوعيا
(8400) ساعة شهريا
(100800) ساعة سنويا
إن عصرنة العراق ودفعه إلى مصاف الدول المتقدمة، وبناء مؤسساته الدستورية، والحرص على مستقبله، لاتعني الاستغراق والاصغاء لمايقوله الشعراء الشعبيون، مع احترامنا لهم كإخوة ومواطنين عراقيين، والثقة بهم وكأنهم طليعة البناء والتعمير، أو الضمير الحي للعهد الجديد، لكن بدلا من ذلك ابتكار لغة علمية وعصرية، ويمكن أن تقوم الفضائيات العراقية نفسها، التي تكاثرت كالفطر بعد سقوط نظام صدام (لم تخفِ عدد منها سمومها ضد مصلحة الشعب العراقي، لكن أخفت الكثير منها جهات تمويلها!!)، يمكن أن تقوم بدور أكبر بدلا من تضييع الوقت في الكلام الفارغ، والنفخ في صور الكثير من الشعراء، بما لايستحقونه، دور المساهمة في تدشين عصر جديد، لايولي كبير أهمية للشعر الشعبي، الذي تعد من أكبر وظائفه استعادة الماضي والتأسف عليه، وإعطاء جرعات مخدرة لشعب ملّ الشعر والاسفاف والوعود، بينما عمليات قتله ونهبه ماضية في ستراتيجيات غامضة، بعد أربع سنوات من سقوط النظام البائد!!
لاشك أن المستفيد الأول من هرطقة الكثير من الشعراء الشعبيين، ولاأقول كلهم، هي الأحزاب الدينية والطائفية الحاكمة في عراق اليوم، صاحبة السلطة والثروات والهيمنة، منتجة القيم الجديدة قيمها هي المتلائمة مع مصالحها، حتى أصبح الكثير من الشعراء، من حيث يدرون أو لايدرون، أبواقا طائفية، شحذتها فضائيات طائفية، لالهاء الشعب العراقي خامد الصوت أصلا منذ عشرات السنين، عن المطالبة بتوضيحات أكثر عن مجمل قضاياه المصيرية، فيستمر الفساد الاداري، الحصان الثاني الذي يجر عربة الخراب بالتوازي مع الارهاب، بينما يحلق الشعراء الشعبيون في الفضاء الجديد، يلوكون الكلام ويروون الأحلام!، في الوقت الذي لايجد المواطن في الناصرية على سبيل المثال : قدح ماء صالح للشرب، ولاشارعا مبلطا يمشي فيه أولاده إلى المدرسة..إلخ...
إن معظم الشعر الشعبي المتداول في عراق اليوم ، ساهم في افساد الذوق العام، عبر مخاطبته الغرائز دون العقل، والعواطف دون الذهنية العراقية، وعبر تشكيله لفضاءات استطاعت لأربع عجاف خلت، الانقضاض على الثقافة العراقية الوطنية الأصيلة، واشاعت بدلا منها نسق الفطرة التي يتقبلها الحس الجماهيري المتعطش، فتهدمت أولى الحصون المحيطة بالروح العراقية بانهدام اساساتها الراسخة قبلا .
مطلوب من الانتلجنسيا العراقية ايقاف مد الشعر الشعبي في العراق، عدا القليل القليل جدا : الوطني المشرف المستقبلي المساهم في إعمار الروح العراقية أولا .
مطلوب من مؤسسات المجتمع المدني الضغط والمطالبة في هذا الاتجاه ولجم الفضائيات  .
مطلوب من الاحزاب والنخب السياسية العراقية عدم تشجيع الشعر الشعبي في خطابها، لكن إشاعة اللغة العلمية المستندة إلى الثقافة المنفتحة والمستقبلية .


24.11.2007

tarikharbi@chello.no
http://summereon.net/
http://summereon.net/tarikharbiweb.htm
 


 

Counters