الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأحد 27 / 10 / 2013

 

سيرة حياة الموسيقار جميل سليم
المايسترو النابغه

بحث وأعداد: الباحثة فاطمة الظاهر

ولد جميل سليم داود بيو في بغداد في التاسع من كانون الثاني عام 1933 في  محلة عقد النصارى-  رأس القرية والواقعة في شارع الرشيد. توفي والده سليم  داود بيو وهو لم يبلغ من العمر ستة اشهر. فنشأ هو واخيه، بدري سليم بيو - الذي كان بعمر 13سنة  حينذاك، في كنف والدته التي قامت على تربيتهم  وتنشئتهم في ظل بيئة أجتماعية متماسكة ومتعاونة وتتسم بالتنوع الديني  والاثني. وتمتاز منطقة سكناهم بكونها في قلب العاصمة وعلى تماس مباشر مع  مراكز أنتاج الثقافة في العاصمة آنذاك. فعلى أمتداد شارع الرشيد تنتشر  المقاهي ، التي كانت حاضنة للفن والثقافة بالاضافة الى وظيفتها الاجتماعية. ومن تفرعات الشارع يطل الطفل والفتى على شارع المكتبات (المتنبي) حاليا. وقد تزامنت ولادته ونشأته مع فترة أنشاء الدولة العراقية الحديثة، وما كانت تمور به الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية من حراكات وتفاعلات  كبرى كنتيجة للأحتلال البريطاني للعراق ، الذي حرك بوصلة التاريخ بأتجاه  السعي لأستعادة الهوية العراقية. وكان لابد لمثل هذه التحولات  الكبرى أن تنعكس على حياة الافراد والمجتمع، لاسيما وأنها أرتبطت، كضرورة حتمية، مع أدخال المستعمر منتجات التكنلوجيا الحديثة في أدارة الدولة الوليدة، ومنها جهاز الغرامافون الذي كان يبث الاغاني  والتسجيلات الموسيقية، والذي كان أقتناءه حكراً على طبقة أجتماعية محددة. وما لبث أن أنتشر الغرامافون في المقاهي الشعبية، التي كانت سبباً في سعة أنتشار  الاغنية العراقية بكافة تلاوينها، وكذلك الاطلاع على تسجيلات أغاني  المطربين في بلاد الشام ومصر وغيرها من البلدان . ومن خلال هذ  الجهاز (الغرامافون)، الذي كانت عائلة جميل سليم تمتلك واحداً منه، تشبعت أذن الفتى وروحه بجمال الطرب والنغم الذي كانت تبثه، وعلى الخصوص عمالقة  الغناء المصري من أمثال سيد الصفتي ، يوسف المنيلاوي، سلامة حجازي، عبد الحي حلمي، عبده الحمولي .... ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم وغيرهم  من  الذين تركوا أثرا كبيرا ليس فقط على مستوى تلقيه لهذه الاغاني فحسب، بل  أنعكست حتى على ألحانه التي كانت متأثرة وبشكل واضح بالمدرسة المصرية .

تمتد بدايات جميل سليم الفنية الى مرحلة الطفولة المبكرة، حين  أستعارت والدته آلة عود من قريبة لها كانت تستخدمه كقطعة ديكور في منزلها. وبسبب شغفه بالغناء والموسيقى  وهو في السادسة من عمره، بدأ تعليم  نفسه العزف على آلة العود وترديد الاغاني المصرية التي تشبعت أذانه  بألحانها. وما أن بلغ التاسعة من عمره، حتى قادته قدماه الى مبنى الاذاعة ليقدم نفسه عازفا متمكنا على آلة العود ومغنيا مقلدا للمغنين  المصريين ولأدوارهم الغنائية الصعبة. وتبنته الاذاعة كطفل موهوب يفهم  بالموسيقى عزفا وغناءا. فبدأ عملة كمغني وعازف في الاذاعة العراقيه وهو بعمر 9  سنوات.

فرقة المدرسة الجعفرية للغناء والانشاد
بقيادة جميل سليم وبأشراف السيد حسين القزويني ومشاركة التلميذ عادل حبه
(حامل الدف)
 

فرقة المدرسة الجعفرية للغناء والانشاد في الاذاعة العراقية
بقيادة جميل سليم وباشراف السيد حسين القزويني
(إلى يسار جميل سليم حامل العود سوليست الفرقة عادل حبه)

بعد أن اكمل الدراسة الابتدائية، التحق الفنان جميل سليم  بالمدرسة الجعفرية الاهلية في القسم العلمي. وبعد تخرجه منها التحق بمعهد  الفنون الجميلة في عام 1948 تلبية لحاجته وطموحه الكبير للأستزادة من  العلوم الموسيقية، لاسيما وأن أساطين العزف والموسيقى كانوا يدرّسون في  المعهد مثل الشريف محي الدين حيدر وشقيقه محمد أمين حيدر وجميل بشير وسلمان شكر. كما أنه درس الصولفيج وقراءة النوتة والعلوم الموسيقية على يد  كل من زكريا يوسف والمدرس التركي عدنان قوبوز وكذلك بعض الاساتذة الاوروبيون. وتخصص في دراسة آلة العود ولمدة ست سنوات، أمضى سنوات الدراسة  بالعمل والتعلم وتطوير أمكاناته الفنية التي كانت مثار أحترام وتقدير  أساتذته لموهبته الكبيرة، التي كانت السبب في تعيينه معيدا ومن ثم مدرسا  في المعهد.

في نفس الفترة التي دخل فيها المعهد، كان الفنان جميل  سليم قد أنضم الى فرقة الموشحات الاندلسية (وعمره 15عاما) والتي أسسها  الشيخ (علي الدرويش الحلبي) والفنان روحي الخماش الذي كان قد وصل توا الى  بغداد قادماً من فلسطين عام 1948 بعد التهجير القسري للفلسطينيين  نتيجة للأحتلال الاسرائيلي.  كان الفنان جميل سليم من أبرز المنشدين في  هذه الفرقة وذو موهبه وثقافه موسيقية لفتت انظار كلاً من الشيخ الحلبي والخماش اليه ، لما يمتلكه من الامكانيات المتنوعة بين الغناء والثقافة  والمهارة في العزف على آلة العود، ومعرفتة المتقدمة بالنوتة الموسيقية  وطريقة وسرعة كتابتها والتي كان يفتقدها الكثير من المنشدين وحتى العازفين  في الفرقه آنذاك ، مما دعاهم الى أيلائه رعاية خاصة وتكليفه بمهام أضافية غير وظيفته الاساسية (كمنشد) في الفرقة. ولم تقف دراسته في المعهد أو  أنضمامه الى فرقة الموشحات حاجزا أمام أستمراره في مشواره الذي بدأه في  الاذاعة كمغني وعازف في فرقة الاذاعة يؤدي الادوار الصعبة لكبار المطربين  المصريين .

درس العزف على آلة البيانو والهارموني (التوزيع الموسيقي)  على يد الفنان المصري عازف البيانو والاكورديون عز الدين صدقي - كان يعمل  في الاذاعه العراقيه. وقد استفاد منه كثيراً من الناحية العلمية في  التوزيع الموسيقي. تفوق في دراسته العلمية في المعهد فعين حال تخرجه من المعهد معيداً وأستاذ لآلة العود. وقد تخرج على يديه العديد من  العازفين والملحنين الذين تأثروا به كملحن ومغني وساروا على نهجه أمثال  الفنانين  محمد حسين مرعي ، الدكتور خالد ابراهيم ، فالح الجوهر ، جعفر  حسن ، عبدالاله جعفر ، سعد عبد الغفار وسامي هيال.. وغيرهم الكثيرين. في فترة الستينيات عمل مخرجاً موسيقياً للصوت في دار الاذاعة العراقيه، وقد  تميز بالشدة في نوعية التسجيل الموسيقي والغنائي ولم يكن يقبل أطلاقاً  بأية هفوة بسيطة في الاداء الموسيقي او الغنائي ، وكان في الوقت نفسه  رئيساً للجنة فحص الاصوات والاعمال الموسيقية التي تقدم للأذاعة.

أتسم نشاط الموسيقار جميل سليم الفني بالتنوع والثراء، أنعكاسا لشخصيته التي كانت تتسم بحساسية المبدع وتطلعاته الفنية التي كان يسكنها هاجس التجديد والحداثة في ألحانه وغناءه، والتي كانت تعكس ثقافته الموسيقية  المتقدمة ، وكذلك بحسها الأنساني المرهف الذي عبّر عنه بمواقف تربوية  وأنسانية في تعامله مع طلبته في المعهد. وهذا ما كان له الأثر الكبير ليس فقط  على مسيرتهم الفنية، بل حتى على مستوى السلوك الأنساني الذي غرسه في نفوس  تلامذته .كان جميل سليم من امهر الفنانين ليس على مستوى التلحين  فقط وانما كان أستاذاً مشهوداً له بعلومه الموسيقية العالية ومنها التدوين  الموسيقي، يشهد له الجميع بسرعته في تدوين الالحان وكتابتها بالنوطة  الموسيقية وقد عمل تنويط أغنيات ناظم الغزالي ولميعة توفيق.

على  مدى عقدين من الزمان، من بداية الخمسينات وحتى سبعينات القرن الماضي أنجز  جميل سليم خلالها العديد من الاعمال الفنية في مجال التلحين والغناء والتي  تمثل الاتجاه الحديث في الاغنية العراقية , بالاضافة الى الالحان التي  قدمها في مجال الموشح فقد أبدع أيما أبداع  في موشح  (مداك ما لا يحصر)  وموشح (اللؤلؤ المنحدر) واللذان شكلا علامة مهمة في تلحين الموشح في العراق . كما يحسب له توظيفه للآلات الاوركسترالية , وأدخال أيقاعات التانكو في  بعض ألحانه مثل (تانكو سمراء) و(تانكو خليك بعيد عني) ، وكذلك محاولته في  توظيف ايقاعات الفالس والرومبا والسامبا تشبها بكبار الملحنين العرب كمحمد عبدالوهاب وفريد الاطرش. وقد اتقن عمله فيها ونجح نجاحاً باهراً في  حبكته اللحنية المتقدمة لتلك الالحان، وقد سجل بعض من هذه الأغنيات  بالاضافة الى بعض التقاسيم الشرقيه  للمفوضية الايطالية، ولمحطة صوت  اميركا والتي كانت عادةً ما تطلق علية (لقب الموسيقار النابغه أو المايسترو) عند بثها لاحدى اعماله الموسيقية او الغنائيه. كذلك  تشارك جميل سليم (على آلة العود) مع الموسيقار غانم حداد ( على آلة  الكمان ) في تسجيل العديد من القطع الموسيقية والسماعيات مثل ( سماعي يكاه  لعزيز دده - سماعي بيات للعريان - سماعي سوزناك لطاتيوس - لونكا حجازكار.. ) وغيرها من التقاسيم الشرقية  لأذاعه الشرق الأدنى وأذاعة صوت أميركا  والتي كانت تبث على مدار الساعه في فترة الخمسينيات والستينيات.

أجاد  الموسيقار جميل سليم في تلحين القصيدة، كما في قصيدة أزهور الرهوات، التي  أجاد بتلحينها وغناءها، وتعتبر قطعة موسيقية نادرة وفريدة من نوعها وليس  لها مثيل بين الالحان العراقية. ولم  يسبقه ولم يأتي بعده أحد في القدرة على صياغة الجمل الموسيقية والتنقلات بين الانغام  كما يصوغها الموسيقار جميل سليم ، إضافة الى المامه الواسع بالاوزان العربية  الصحيحة والتي كان يوظفها بشكل علمي وصحيح ، هذا كله كان نابعاً عن ثقافته  الموسيقية وإمكانياته وقدراته الفنية الفذة .

لحن الموسيقار جميل  سليم الموشحات ، وأول ما لحن ، موشح اللؤلؤ المنحدر في العام 1952 ، والذي  يعتبر من عيون الموشحات العراقية بل  العربية ، وهو من مقام النهاوند وعلى  إيقاع السماعي الثقيل. و لم نجد اي تسجيل ولا النوطة الموسيقية لهذا الموشح، فقام الدكتور خالد ابراهيم  (رحمه الله) عام 1996 بكتابة النوطة  الموسيقية وتسجيله لنا بصوته ، حيث كان الدكتور خالد هو الحافظ الوحيد لهذا  الموشح. والحمد لله لقد تم توثيقه من قبلة. ومن  الحانه الخالدة والتي لازالت تغنيها فرق الانشاد العراقية حتى يومنا هذا ، موشح (مداكِ ما لا يحصر) ، ولحنه في عام 1958 ، وقدمته وقتها فرقة كورس الأذاعة من محطة أذاعة بغداد وكان فية مقطع واحد أنفرادي تغنيه المطربه  خالدة عبد الجليل عضوة الفرقه ، والذي تقول فيه ( عيناك قالت ). ثم قدم  هذا الموشح في مناسبات عديدة ، منها ، امام وفد المحامين العرب المؤتمرين  في بغداد في 30/12/1958 ، كما قدم في مؤتمر الموسيقى العربية في بغداد عام  1964 ، كذلك كان يقدم سنوياً ضمن حفل تخرج دفعة من طلاب معهد الفنون  الجميلة. ولا يزال هذا الموشح من الموشحات العراقية الخالصة وعلى إيقاع  الجورجينه العراقي والتي تحرص معظم فرق الانشاد العراقية على غناءه والمشاركة به في المهرجانات المحلية والدولية، وقد غنته الباحثة الموسيقية  فاطمة الظاهر في مهرجان طرابلس للغناء الجماعي عام 2001 بحضور مجموعة من  الفرق الانشادية العربية .وكذلك عمل جميل سليم على تلحين التواشيح والابتهالات الدينية والتي تعتبر قمة الابداع في التلحين المتقدم.

كذلك  لحّن لأصوات مطربين ومطربات الاذاعه العراقية ، فقد لحن أغنيتين للمطربة  مائدة نزهت (أغنية كلما أمر عالدرب واغنية حنان عيونك وحبك) ، حتى وصل عدد  الاعمال التي لحنها تزيد عن 40 عملاً ما بين قصيدة وموشح واغاني وطنية  وعاطفية... غنى هو البعض منها .. وغنت الحانه كلاً من : فتاة دمشق ، أنصاف  منير ، نرجس شوقي ، عفيفه اسكندر ومائده نزهت.

كذلك  لحن للمطرب صلاح وجدي (مهدي صالح أستاذ الجلو في معهد الفنون الجميلة) أغنية (يا سمير يا أحلى السمر). وكتب له الاستاذ محمد القبانجي أستاذ  المقام العراقي أشعاراً وكلمات، لحنها الفنان جميل سليم وغنى بنفسه البعض  منها، وغنى الاخرون البعض الاخر مثل أغنية (كلما أسمع أنا برسمك أنسى روحي  وأنسى أسمك) والتي غناها الفنان جعفر حسن ، كما وضع العديد من الالحان  للمدارس الثانوية والتي كانت تقدم ضمن احتفالاتها السنوية ومنها مدرسة  الحريري للبنات.

 

 

 

 

 

 

free web counter