الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

السبت 31/10/ 2009

 

الانشاء الصوري في خطاب العرض المسرحي العراقي
بين الديالكتيك والتنوع
(2)

سلام الاعرجي *

المقدمة :

تساؤلات في وحدة تناقض المكون الصوري أبراهيم جلال / عوني كرومي...نموذجا
حتمية ألا ثبات تعني ان العالم يتغير وفق قوانين لم تكتشف بعد بصورة نهائية بالاضافة الى تناقضها المستمر والمؤكد لديمومة وحدتها , فهل انتج خطاب العرض المسرحي صورته على اساس المكان المتحرك حتما ؟ بمعنى آخر هل اننج المكان كمكون صوري على أنه وسط جمالي مستقل عن سائر الأوساط الجمالية ؟ هل يتحرك على وفق علاقة تبادلية بين الممثل والموجود المادي على المسرح ؟ هل عبر عن المادة المروية بشكل تصويري مكثف وعكسه باسلوب حداثوي متغير قبل ان يكون متطور حتى ؟ هل كشف ألأنشاء الصوري عن سمات العمليات الاجتماعية بدلالاتها التاريخية ؟ هل كان ألأنشاء الصوري تكثيفا علاميا يؤرخ الحدث بيئيا ليؤكد دور وفاعلية الانسان في الطبيعة حتى يبدو معها العمل والنشاط الانساني الحياتي عملا مدركا واعيا وليس عملا آليا ؟ هل أنشطرت البنية الصورية الى تعددية كيانية جمالية ذات قدرة تعليقية واستقلالية ذاتية على المكونات الاخرى من خلال فرضها لكوداتها الفرعية في اطار الكودات الضابطة وهي في تناقض معها لأستثارة واستفزاز الفكر المتلقي؟

ثانيا : أبراهيم جلال : الصورة المسرحية وبنية خطاب العرض
صورته ذات قيمة تأثيرية شمولية , حيث تبدو لها خارطة انفتاح الموجود المادي وسائر العناصر التشكيلية المؤسسة على المنصة وماهية متصلاتها , تبدو وكأنها تفضي الى معنى باطني للخطاب المنعكس عن الفكرة . فهي لاتسقط من حساباتها مرجعيات المنطوق التاريخية في خطاب الادب الا انها بلاغية مجازية تصدرية تستند الى مرجعيات اجتماعية وتنفتح على معان متعددة ( جروشا في دائرة الفحم البغدادية ) : الظفيرة المقطوعة / تعبير مجازي متعدد المعنى فهو , العهد , الذكرى , القسم تشبها بنسوة جنوب العراق حين يعزفن عن اغواء الحياة لفقد صاحب او عزيز . الاهزوجة في ( المتنبي ) حركة العبائة , الموت الجسدي , الانفلاق الذري , تؤكد عدم أنعكاسها عن الواقع النصي وتشكل بنية شاملة متكاملة ومغربة للواقع المعروض , صورة رمزية ألا أن مفسراتها واقع خطاب العرض المسرحي وليس خطاب الادب ( النص ) . فهي رمزية مقروءة بالاحداث المتقطعة التي تحول دون نهائية في المعنى , ومقروءة بأحالتها المتلقي الى مرجعياته بقصد التأوييل . ومن أبرز سمات صورته المسرحية انها تمتاز بالتجريد والاقتصاد والتوازن والتناظر الحسي وليس الكتلوي . التوازن عند ( ابراهيم جلال ) لانعني به خلق المعادلات الجغرافية كتلويا ايضا بل التوازن بين عنصري الكتلة والفراغ . يهتم ( أبراهيم جلال ) كثيرا في الفراغ فهو فضاءه المفتوح الذي يشغله بالصمت , الايماءة , الترقب , السكون , التوقع , الحذر المشوب بالقلق , وهو معياره الحقيقي لأهمية الهيأة الشكلانية للممثل وقدراتها في تحقيق حجمها داخل ذلك الفراغ الذي سيضيق مهما أتسع ويتسع مهما ضاق بفعل فاعلية الجسد الممثل المشتغل فيه , انه يعتقد ان الهيأة الشكلية للممثل وحدها القادرة على تحديد حجم الفراغ على المنصة . الممثل بؤرة ألأستقطاب في الصورة فهو وحده العنصر الحي فيها , انه يعنى بالممثل لأنه العنصر المسرحي الوحيد حسب ابراهيم جلال في جميع محاضراته في الاخراج المسرح , فالنص ادب والعناصر الاخرى تقنية وقد تنتمي الى فنون أخرى . أذا الممثل المركز الاتصالي وألأرسالي الحقيقي الذي لايمكن للدالات التشاركية أو ألأخرى أن تشتغل بعيدا عن تعامله معها . ويبقى أللون في الصورة عند ( جلال ) عنصرا جماليا أي أنه لايرقى الى مستوى فهمه له عمليا وكما ينظر له , أنه يؤسس للون فهما فلسفيا حيث يعتقد مثلا ان الحرب زمن دامي لكن يمكن قراءة دمويتها بعيدا عن لون الدم الاحمر , أي باللون الرمادي , بحجم الدمار الذي تخلقه الحروب ,كما يمكن ان تتلمس الفجر في عتمة الليل الداكنة ان ابراهيم جلال لايملك مقياسا لدرجات البرودة بل ثمة مقياس لدرجات الحرارة كما انه لايقر بوجود اثر لوني على خشبة المسرح على اساس تردده وطوله الموجي بل ثمة قدرة ايصال ايحائية .

ثالثا : الدكتور عوني كرومي : الصورة بنية خطاب العرض المكانية
مؤسسات البنية المكانية تستند الى محاور علائقية ثلاث , علاقة المكان بالمتلقي , بالحدث , بالممثل , أنه يفترض سلفا ان الوجود المادي يشكل نسقا متكاملا يتوفر على مجموعة من الانظمة الدلالية الا انها أيقونية فهي تشكل مفاهيمها الصورية الذهنية انعكاسا لمرجعياتها الواقعية المماثلة والمطابقة للواقع وهذا ما يسقط القيمة المعرفية المتوخاة من مؤسسات المكان والفضاء على حد سواء , وستؤدي الى خلق ثبات الاشياء وهذا ما يناقض واقع الحياة اليومي الحي المتحرك والمتناقض أصلا , وهو نتائجي اكثر منه تحليلي . ان بنيته المكانية تهدم مدلولات المكان المستقرة في الذاكرة وبواسطة انساق متكاملة تتوفر على أنظمة دلالية أشارية / رمزية , حركية , ألا أنها تنتج دلالاتها جراء التعامل مما يؤدي الى سلب مألوفيتها وتغريبها لتبدو فكرة تاريخية في سياقها التاريخي . الفضاء اذا الموجودات المادية المكونة والمقدمة والموجهة للدلالات والرموز التي تلتقي بالنموذج الفني المؤسس لدى المتلقي سلفا وفي نفس الوقت تعمل على هدم تلك المؤسسة وتبدلها بحالة من الدهشة والامألوفية . ان المكان لايمكن ان يكون الفضاء المتوفر على الصورة بل الشكل المثير للدهشة والفضول من بروز الصورة في وعي المتلقي ومخيلته ويعمل على التحسس المادي للموجودات ويثبت منهجية المعرفة والتلقي , لذلك لابد لشكل المنصة أن يتغير كما تتغير الوحدة المعمارية الثانية ( الصالة ) ليصبح مكان الحدث بعيدا كل البعد عن ان يكون بيئة جغرافية محاكية لمؤسساته , أنه مجرد بيئة مسرحية حتى لايكون معبرا عن وحدة جدلية , وكأن الاقعة تكون مدركة ومستوعبة فقط داخل هذا الاطار فهو بحاجة الى فضاء ليحيله الى حدث , أنه يكتشف دلالات المكان التجريدية ويوحي للممثل والمتلقي على حد سواء بمسرحة الحياة ليصبح خطاب العرض المسرحي وسيلة لأدراك الواقع واستيعابه , ويأتي تجريده للموجود المادي من دلالاته المصاحبة والمحمولة والمشاركة تأكيدا لجوهرية عناصر المكان تاركا للمتلقي أنجاز مكملاته . اقد عبر المكان في ( الانسان الطيب ) عن سمات العمليات الاجتماعية وأسلوب الانتاج في ظل نظام طبقي , وأكد على لاأنسانية ظروف الانتاج , وركز على الاثار الاجتماعية في المكان , ( منزل شان تي , مقارنة بصالون الحلاق حجما ) يكشف عن حجم التناقض الطبقي , أحتمالية أنهياره لحظة دخول الاجداد ( الالهة الثلاث ) دلالة على عدم صلاحيته للسكن الانساني , سذاجته المعمارية تؤكد انه مجرد مأوى الا انه آلتها الانتاجية ايضا وصغر حجمه دلل على مستواها المعاشي المنعكس عن طبيعة العلائق الانتاجية السائدة وقانونها المنظم , اما بنية الخطاب الزمنية فقد تعددة مستوياتها ويمكن أدراكها من خلال المتلقي الذي ادرك عبر دلالات الخطاب المبثوثة أنه زمن ماض مستعار يسرد في واقع معاش ألاأنه يتعارض معه في مجرياته ليتكشف عن رؤية مستقبلية تؤرخ للحدث وتؤكد ابعاده - الزمن الرياضي - وتستقرء الاتي بوعي متحررعبر ممارسة أكتشاف تصادمات الازمنة القلقة التعايش في خطابات ( عوني كرومي ) . لقد نقل المتلقي في منهج الاندماج والتماهي الى زمن الخطاب بفعل الخطاب ذاته - بنيته - ثم ينقل المتلقي الى خارج زمن الخطاب ولكن ليس بفعل الخطاب بل بما يتيحه الخطاب من قدرة على الايحاء والتأويل ليؤرخ حادثة الخطاب على وفق رؤياه فهو في مرحلة اكتشاف وتحقيق للذات ليس الا .
 

¤ الانشاء الصوري في خطاب العرض المسرحي العراقي بين الديالكتيك والتنوع (1)


* أستاذ مساعد دكتور .
أستاذ فلسفة الفن في كلية الاداب جامعة الكوفة
أستاذ الاخراج المسرحي في الفنون الجميلة جامعة بابل
سكرتير رابطة بابل للفنانين والكتاب /هولندا

 



 

free web counter