الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأحد 4/2/ 2007

 




الروائية الفرنسية (آني أرنو)
علاج النفس ودواخلها عبر الكتابة


هيفاء عبد الكريم

تعتبر الكاتبة الروائية الفرنسية - آني أرنو - من الكاتبات المتميزات بأسلوب خاص يفصح عن التسرية عن النفس ، والتخيل الذاتي ، وهي بذلك تنسج مناخاً منفرداً في معركة تخوضها من اجل نفسها . وبالرغم من ان - آني أرنو - ليست ذات مستوى عال من اللغة والثراء في المفردات والاسلوب ، الا انها استطاعت ان تؤسس تياراً جديدا في كتابة الرواية الفرنسية ، ورغم انها تأثرت بالروائية الفرنسية الشهيرة - سيمون دي بوفوار - الا انها جبلت على موهبة الكتابة الروائية ونحت الكلمات الجديدة والتي قد يرى فيها البعض انها لا اصل لها في اللغة ، الا انها تعتقد ان المسألة هنا ليست مسألة تفاهة او سوء في التعبير والاسلوب ، انما هي تصرف وابداع يأتي وقت اللزوم، والواقع ان الابداع عند - آني - ليس مسألة موسيقى او ناحية جمالية بحتة ، فهي تكتب عندما تشعر بحاجة الى التفريغ عن النفس، فسرعان ما يتدفق سيل الاعترافات الذاتية فيجر معه كل الآهات والآلآم وكل ما يؤرق النفس ، وكأن النفس عندها مستودع اسرار وآهات ومحن تستخلصها عبر الكتابة لتفريغ الذات من ترسباتها في شعور من الراحة النفسية العظيمة.، لا يفيد في تحقيقها اي عقار او مسكنات ، فهي تلجأ الى الكتابة كعلاج للنفس ضمن قيمة ادبية لا تسعى فيها الى الدقة في التعبير ، او الحذلقة او التقعر، انما تفضل اللا محدود، فتجد فيه فسحة كبيرة من حرية التعبير ، وبذلك تكون قد اختارت لنفسها اسلوبها الخاص ، وهو ان تكتب ما هو راسخ في اغوار النفس ، بالتركيز على الالم والذي يعرفنا بحقيقتها الخاصة بها.

لقد انشأت - آني -  لنفسها بيئة خاصة بها بعيدة عن بيئة والديها اللذين يعملان بقالين ، واستطاعت ان تؤسس ادباً ينبع من ذاتها كعلاج لآلامها وعقدها الدفينة وهكذا فأن اعمالها تبدو وكأنها نوع من السيرة الذاتية. ففي اعمالها:

( الخزائن الفارغة) ( ما يقولونه اولا) ( المرأة المتجمدة) ( الحدث) تلقي - آني - بأعباء نفسها على الورق في اسلوب يشعر فيه القارئ بمشاركة وجدانية ليست قائمة على اسلوب المتعة الروائية ، بقدر ما هو احساس بالتعاطف والمشاركة في البحث عن المعاني الانسانية للتخلص من الالم الذي يرهق الروح ويؤلمها، فهناك من النقاد من يرى ان هذا النوع من الانتاج الادبي يخدر اصحابه المؤلفين ، ويضعهم في اطار الخروج من الازمة الذاتية، الا ان ما كتبته - آني - اعان القارئ على البحث عن الذات المفقودة واطلاق عنان النفس للتعبير عن ذاتها دون قيد وشرط وهذا يعطي قيمة انسانية عالية لادب يفصح عن وسيلة لعلاج النفس عبر الكتابة ، وربما كان هناك من يسخر من هذا الرأي ، لكن الحقيقة ان هذا النوع من العلاج موجود منذ القدم، فالشاعر عندما يصاب بالاعتلال من الشوق وبعد الحبيب وعدم الوصول اليه، يكتب الشعر في تواصل روحي يغني عن اللقاء ، ولو لم يكن يعرف فن القريض، لتفجرت من وجدانه هذه الموهبة ، فقرض افضل الشعر ونسي همومه واهاته.

فالروائية - آني ارنو - تأصلت في داخلها تجربتها الشخصية المستوحاة من الشعور بالذنب الذي اصابها وظل يلازمها طيلة سنوات حياتها في عملية الاجهاض الغير شرعي الذي تعرضت له وهي في العشرين من عمرها ، وفي هذا الامر شعرت بقسوة واضطهاد لا مثيل لها جسدتها في روايتها ( الحدث) ،تقول - آني - : ( منذ سنين وانا ادور حول هذه الحادثة في حياتي) هذا الامر الذي فرض نفسه عبر البعد الاجتماعي لحدث حمل في طياته الشعور بالذنب في مجتمع يفرض ضد النساء عنف الاجهاض ، ويترك المرأة فريسة للألم الجسدي والروحي . وترسخت في ذاتها وهي طفلة ذات الاعوام ال12 مشاهد القسوة والعنف الذي عانته والدتها من والدها الذي كان ينهر والدتها ويهددها بالقتل والموت ضمن تقاليد اجتماعية تفرض اضطهاد المراة واستغلالها في البيت والمجتمع ، فتضمنت هذه الاحداث في قصتها المعروفة( العار) فاسفر هذا الشعور لديها عن حياة عاشتها هما وغما ، فظلت هذه المشاعر في وجدانها طيلة حياتها ، لتخرج من المأزق النفسي عبر الكتابة كعلاج لنفسها ، ومخرج لظلم وقع عليها وعاش في داخلها كأمراة واديبة وانسانة . لو قرأنا قصة - آني - ( موت جميل جداً) لادركنا جيدا دور هذه القصة في المعركة التي خاضتها هذه الاديبة ضد نفسها ومن اجل نفسها .وكيف استطاعت ان تنجو بنفسها من ذلك الالم عبر الكتابة التي كانت علاج للنفس بالنسبة لها.

فهل ستغنينا تلك التجربة الرائدة في ادب - آني ارنو - كي نتمتع بحرية الذات ونطلق عنان الكلمة والروح دون قيود لتعبر عن مكنوناتنا التي تنضح الما ودموعا؟؟؟