الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الثلاثاء 5/5/ 2009

 

حوار مع الشاعر العراقي المغترب هاتف بشبوش

أجراه الناقـــد والـــروائي : زيـــد الشـــهيد

* في مضمار الشعر وجدت نفسك تعدو .. كيف بدأت التجربة؟
- ما زال العمر يعدو , فان البداية لدى عامل الزمن لا تعني شيئا , قد يسجل المرء نفسه شاعرا في المراحل المبكرة من حقبته الحياتية قبل ان ان يصبح دثارا, النابغة الذبياني بدأ الشعر في المراحل المتأخرة من عمره ولذا قالوا عنه[ قد نبغ الشعر] فسمي بالنابغة .. في حين البعض من الشعراء بدأوا الشعر منذ الصغر مرتجلين.كل انسان يحمل في قلبه حلم لكتابة قصيدة كما وان الكل في لحظة ما قادر ان يقول الشعر ولكن ليس بمستطاعه ان يكتب قصيدة. أعطيك مثلا [ ميكو موتو] صانع و ملك اللؤلؤ الياباني , التقى بمخترع المصباح [ اديسون] وقال له , انت في هذا العالم قمرُّ متكامل وانا احد النجوم التي ليس لها عدد , انت أضأت العالم وانا أضأت اعناق النساء, فبكى أديسون فقال له ميكو موتو ,[ لقد رأيت اجمل لؤلؤتين على خد انسان] , في هذا الكلام نتحسس بالشعر من انسان ليس له علاقة بالشعر اطلاقا , ولكن هل يستطع ان يصنع قصيدة؟.
لكي لا اسحب الموضوع الى دائرة اوسع , هناك عوامل عديدة تشترك في بداية المرء لكتابة الشعر, منها المحيط الذي يسكنه , فانا نشأت في بيئة وزقاق يسمى [ زقاق موسكو] والجميع كان يتحدث عن السياسة والادب والثقافة ومقارعة النظام البائد ,رافعين الراية الحمراء, هذه جعلتني ان ابادر في كتابة مخطوطات بسيطة هنا وهناك وخصوصا اثناء التعليم المنهجي الثانوي والذي رافق ازدهار الحركة اليسارية في العراق ايام السبعينات . كما واني كنت اعشق الفن الغنائي فاشتركت في فرقة انشاد بسيطة باشراف الملحن المرحوم [ كمال السيد]. اضافة الى ذلك كان خالي [ عبد الامير المكتوب ] شاعرا مغمورا فكان لي خير معين في قواعد اللغة . اضافة الى استاذ اللغة العربية [ عبد الجبار بجاي] رئيس اتحاد ادباء السماوة حاليا , كان داعما حقيقيا في درس الانشاء , وللاسف هو الان من الادباء الذين يتصفون بالخمول وعدم النشاط . فالاجواء المدرسية ثم الجامعة كنت حينها امتلك حسا ادبيا واضحا بين زملائي حيث منحتني الشاعرة الكبيرة [ لميعة عباس عمارة] كتاب ادبي هدية منها لاصغر شاعر حينذاك في حفل بسيط في الجامعة . في ذلك الوقت كانت هناك شعلة ادبية ثقافية سياسية مميزة , حيث انه لمن الغريب ان ترى صديقا لا يتحدث عن ازهار الشر لبودلير او لا يعرف رامبو وادغار الن بو او لم يقرأ رواية الام لمكسيم غوركي. كما وان الفترة الجامعية التي عشتها انجبت العديد من الاسماء اللامعة في عالم الادب حاليا ومنهم , شاكر الانباري. نضال القاضي, صباح خطاب, جنان جاسم حلاوي, والمطرب حاليا حكمت السبتي. كانت حياة جميلة رغم بساطتها وسهبا خصبة لان تجعل مني ان اكون مثابرا و مجتهدا في عالم الادب , حتى اقدم النظام المقبور على فعلته بتوجيه ضربة قاسية للفكر اليساري التقدمي ويحوّل الحياة الى جحيم لا يطاق , فتوقفت عن الكتابة كما توقف الكثيرون عدا الذين استطاعوا الهروب الى المنافي مبكرا. ثم غادرت العراق في العام 1999 واستقر بي الحال في الدنمارك , وها اني قد انجزت باكورة اعمالي [الشمس تأتي من دفء مخدعك]. وقد قمت بزيارة قصيرة الى الوطن كي ارمم ذاكرتي مع بعض الشواخص التي خلفتها ورائي منذ سنين قاربت العقد.
استطيع القول , بالفطرة والمثابرة والقراءة وصقل الموهبة الشعرية وبعد فشل دائم لم استطع ان اقاوم الحب , ووجدت الخيار الانساني هو افضل الخيارات والذي تجسد في اغلب نصوص المجموعة واملي ان اكون قد قدمت شيئا يعجب القارئ.

* مجموعتك الاولى تؤرخ لوجودك في عالم الشعر.. وهي مجموعة حملت هموم الغربة ومرارة الوعي, أتراك عبّرت بكل خزين القلب؟
- الشاعر المغترب او المنفي دائما يظل مشدودا الى الذاكرة , والاغتراب هو الحاجز الذي يحول دون رؤية المراحل الاولى من العمر , كما وان الحنين الى التراب الاول والتقاليد التي تعوّد عليها المرء كما يقول علي الوردي تتعلق بالجاذبية الارضية ولذلك نرى من الصعوبة لاي شخص ان يعتنق غير مما هو عليه وولد فيه , فالوثني لا يمكن ان يعبد الله و الذي يعبد الله لا يمكن ان يعبد الاوثان في يوم ما, انه امر في غاية الصعوبة. الغربة مؤلمة , هي نوع من اللاشعور , وقد تأتي على دماغ المرء حالات لا يستطيع فيها السيطرة على الاقدام فتأخذه الى متاهات هو لا يرغب ان يراها . ولذلك قهر الاغتراب يستلزم فهم الاغتراب, لانه كل من يخرج من حدود جغرافيته يستغرب بقية العالم ولا يفهمه كما وانه يستلزم الصبر. وحينما يتنقل المرء من منفى الى منفى فان هناك في كل مرة موت وميلاد, وقد تنشأ حالات الاكتئاب وهي اشد حالات الاغتراب حيث الانسان تنقطع صلته بالجماعة او العشيرة. اما عن خزين القلب لا نستطيع ان نوجزه بقصيدة ولا حتى دواوين, فنحن نعيش في عالم العولمة والكافيار, عالم ارتبطت به العدمية بالتكنلوجية في ارتباط شائك , كما عود الثقاب , بالامكان استخدامه للطبخ وبالامكان استخدامه لحرق البيت بأكمله.
استطيع القول عن خزين القلب بأني احمل من الكلام بقدر البكاء المنحسر في عيون البشر. كما وان هناك مهمات عديدة لا نستطيع ان نبدأ بها , انها تصبح كابوساَ.

* مدى تواصلك مع الوسط الشعري العراقي وانت بعيد.. ومدى تواصلك مع الثقافة الدنماركية؟
- عالم الانترنيت جعل كل شئ بمجرد ضغطة زر ان تتصل وتتواصل مع الاخرين .هناك من ينظر الى هذا العالم وكأنه بيته والغرفة هي عراقه, لقد انتهى ذلك الزمن الذي كان فيه الشاعر لا يستطيع ان ينقل ما يبوح به الا بعد اشهر او اكثر لعدم توفر وسائط النقل والنشر السريعة فكان الشاعر يُجن او يموت كمدا في مكانه لعدم الوصال .الان صوت الشاعر يصل عبر الاثير في غضون ثواني , كما وان العالم اصبح قرية صغيرة . افضل دليل على تواصلي مع وسط الشعر العراقي هو انني اجيب على هذه الاسئلة , كما ولدي الكثير من النتاجات منشورة اغلبها في الصحف العراقيه الورقية والالكترونية . ولكن فرصتي في المشاركة في النشاطات والمنتديات داخل الوسط العراقي ستكون ضعيفة بحكم البعد الجغرافي , وحينما قمت بزيارة الوطن في الايام القليلة الماضية اقيم لي احتفال على مدرج قاعة الجواهري بكوني شاعرا مغتربا وقد حمل معه مجموعته الاولى , فهذا هو الاتصال الحقيقي مع الوسط الشعري العراقي.
اما عن الثقافة الدنماركية , الدنمارك هي بلد هملت وهذا يغنيك بالشئ الكثير عن هذا البلد , الشعب الدنماركي شعب قارئ في اي مكان يستطيع القراءة دون اي حرج , في الباص, القطار , على الرصيف وهو في لحظة انتظار, في المقهى, في المكتبات العامة, الشعب الدنماركي مزيج من الوان الطيف العالمي , كما وان هناك اغنية يرددها كبار السن باسم اغنية عن العازفين الثلاثة تحكي الحياة في الدنمارك ومزيج الناس المختلف والقادم من جميع انحاء العالم. والجميع يحكمهم قانون واحد هو قانون الحب ,ولذلك انت وحدك ترى نفسك قد تطهرت من جميع براثن العنصرية وحب الذات والقبيلة . لا يوجد في الدنمارك خوف من الغد كما تعودناه في بلادنا , فالجميع هنا يسير بمبدأ الاتكال على الدولة التي لن تخذله . ولذلك تعلمت من الدنمارك ان القانون الوضعي افضل بكثير من القانون والموروث السماوي, كما وان الانسان هنا هو سيد نفسه ولامكان لسيد يعلى عليه. الثقافة الدنماركية علمتني حب الحياة لا تحقيرها , الجميع هنا يعيش اللحظة الابيقورية والهدوء الرواقي.
الادب الدنماركي لا ترى فيه نفسا سياسيا او امورا تتعلق بالاضطهاد . الادب الدنماركي يحاكي النفس الانسانية الكونية , كاتبهم الكبير هانس اندرسن ترجمت نتاجاته الى جميع لغات العالم وله تمثال في مسقط رأسه [ اودينسا] وهي مدينتي حاليا , والزائرون يأتون اليه من كل صوب وحدب ليرون اشياء هذا العملاق التي تركها في بيته .
اما عن مدى التواصل الحقيقي مع الثقافة الدنماركية, لعدم اتقاني اللغة الدنماركية بشكل تام فهذا يجعل فرصة الترجمة لاعمالي الادبية صعب للغاية, ولكن هناك بين فترة واخرى تقام اماسي ادبية تقيمها مؤسسة الثقافة للعلاقات الدنماركية العراقية وبأشراف الشاعر منعم الفقير فاكون متواجدا كوجه ادبي , وبحضور كبار الشعراء الدنماركيين , وفي احد الامسيات حضر وفد من وزارة الثقافة العراقية اضافة الى عدد من الفنانين ومن ضمنهم الممثلة الرائعة شذى سالم . استطيع القول, هناك تواصل ولكن ليس بمستوى الطموح.

* كيف ترى الى الحركة الادبية في السماوة؟
- من خلال زيارتي القصيرة لاحظت هناك استقلال في التفكير افضل مما هو كان عليه في النظام السابق, ولكن بحدود لا يستطيع المثقف او الاديب التجاوز عليها والانخراط في المواجهة الصريحة من اجل الحصول على مكتسبات اكثر. الواقع الاجتماعي والسياسي هو الطاغي على المشهد الثقافي والادبي, امراض متوارثة لا يمكن ان تنتج ادبا مميزا عدا في صفحات الانترنيت لانه المتنفس الاوسع لادباء السماوة بشكل خاص وادباء العراق بشكل عام. اما بالنسبة لاتحاد ادباء السماوة فهو عبارة عن بناية مهجورة يسكنها الجن , طيلة فترة تواجدي والتي قاربت على الشهر لم ار شخصا طرق باب الاتحاد ولو حتى عن طريق الخطأ , انه مجرد لوحة , هذا يعني ان المسؤولين اما تنقصهم الخبرة او مصابين بالكسل, كنت اتوقع بعد التغيير الذي حصل في العراق ان ارى اتحاد الادباء يزهو بالبرامج الثقافية , لقد اصبت بالخيبة من جراء ذلك. لكن العمل الابداعي لدى الادباء على المستوى الجامعي والعناصر الشابة رأيت فيهم الحركة والنشاط , حيث ان الاصبوحة التي اقيمت احتفاءا بي كشاعر مغترب وعلى مدرج قاعة الجواهري في كلية التربية اضافة لمعرض الفن التشكيلي للدكتور ناجي , هذا يعطي انطباع بان هناك من يريد ان يقدم شيئا للحركة الادبية في السماوة وان كان هناك الكثير من الاسباب التي تعيق عملهم بشكل اوسع , فمن خلال هذا اللقاء اقدم شكري الى د. ناجي كاشى ود. صفاء جاسم ود. عبد المطلب محمود ود. فوزية الجابري ود.غانم نجيب ود.سفير جاسم ود. صاحب منشد ود. متعب خلف لجهودهم المبذولة في اقامة تلك الاصبوحة خدمة للواقع الادبي في السماوة , وكل من الشاعر عامر موسى الشيخ والاستاذ المسرحي فاضل صبار لاطرائهم الجميل. هناك الكثير من الادباء والكتاب اذا ما انيطت لهم الفرصة الكافية والكتابة بما يرى ويرتأي , فان الحركة الادبية ستنهض بشكل جيد, اما اذا تعاملنا باساليب الملق الرخيص ارضاءا لهذا وذاك , فان الاديب سوف يلاقي ما لاقاه في زمن النظام البائد .

* كيف تنظر الى قصيدة النثر ومدى صمودها امام حركة الزمن الادبي؟
- كثر الحديث عن هذا الموضوع حتى وصل حد الاختناق بالطروحات والشروحات, ولكي نخرج من دائرة القداسة والطوطمية المتعلقة بالقصيدة العمودية , لنترك الشاعر على سجيته ونخرج من التزمت الذي يؤدي بنا الى الاصولية الثقافية , علاوة على ذلك ان الشعر هو الذي وضع القالب وليس العكس صحيح . كما وان الابداع في بدايته يأخذ جدلا مثيرا ويتطور تبعا لتطور وعي الشعوب ومفاهيمها, لكنه يأخذ وقتا طويلا ولربما قرون حتى يثبت نفسه, هناك الكثير من المبدعين لم يعترف بابداعهم الا بعد سنين طويلة مثلا فان كوخ, رامبو, جان دارك التي منحت لقب قديسة في عام 1920 بينما ظلت قرون تعرف بانها تلك الساحرة التي تتكلم عن لسان الشيطان وقد احرقتها الكنيسة امام الناس. فأنا اعتقد ان قصيدة النثر هي القصيدة المستقبلية لان كل شئ في الكون متغير وغير ثابت وخاضع للديالكتيك . حتى ارسطو لم يجد اصطلاح جامع تنطوي تحته جميع انواع المحاكاة سواء شعرا او نثرا كما وان الوزن ليس كافيا لتمييز الشعر, سابقا العلوم الطبية تكتب شعرا ليسهل حفظها لانه لم يكن هناك وقتها طباعة . أرسطو اعتبر هوميروس شاعرا فحلا ليس لانه تميز بالشعر بل انه نقل المحاكاة بشكل درامي . انا اعتقد ان المستقبل لقصيدة النثر , اما الذين لم يستسيغوا ذلك فهم مجموعة غير قادرة على فهم دورة الحياة المتغيرة . الماغوط يقول بخصوص المتناقضات في قصيدة النثر [ لا يربطني وهذه الارض سوى الحذاء]. اضف الى ذلك, القصيدة التي تمثلت بالبحور الفراهيدية ايضا اتخذت اشكالا اخرى كما في الموشحات والرباعيات واضافة رويين من قبل المعري في ديوانه اللزوميات, هذا يعني ان الشعر لم يتخذ الجمود انذاك كنهج دائم. ولكني لي رأي وهو قابل للخطأ بخصوص القصيدة العمودية , والشاعر الذي يكتب القصيدة العمودية , مهما كلف نفسه بصناعة قصيدة رائعة, ونقول عنها رائعة, لكنها لم تأتي بالجديد. كما وأني اعتقد أن معرفة الاوزان هي مضيعة للوقت ولذلك لن أفكر في ان أكلّف نفسي في يوم ما لمعرفة بحر واحد من البحور. ولا يمكن ان أقيم الشاعر على اساس معرفته للبحور.

* المجموعة الشعرية الاولى بداية ماراثون الشاعر, ماهي تخطيطاتك للاتي؟
-
قال الحاضرُ
بمنتهى المشقة واللهاث
ضيعتُ حقيبة ايامي
وراء هذا الذي يكنى مستقبلا
واذا به سراب

لا احب ان اجد نفسي اخر المتسابقين في الماراثون , ولكي اقطع عني تذوق طعم الخسارة هذه , لااشترك في السباق ولا هم يحزنون .
اما عن تخطيطاتي,فكلمة التخطيط هذه يا صديقي اصبحت كمن وجبَ عليه اداء التحية للمستقبل وانا من بلد قد اُتخم من اداء التحيات, وانا خلفتها ورائي ولا اريد ان اؤديها مرة اخرى, كم مرة خططنا واحكمنا التخطيط في الامور الحياتية وفشلنا فشل ذريع, واذا اردنا ان نحصي خساراتنا بعد التخطيط فهي لا تعد ولا تحصى, وحتى في ايام الصبا وحينما كنا نحب بالنظرات المتبادلة فقط والواحد منا عاملا بنفسه كجنتلمان يتخذ الركن الصغير , كي يفضي لحبيبته بما يختلج في صدره وهي خارجة من المدرسة ,واذا بها ذلك اليوم اساسا لم تأتي الى الدوام المدرسي. لذلك تركت التخطيط منذ زمن, ولكني سأجتهد لاكون شاعرا وفي كل مرة اناقش النفس هل يا ترى حققت شيئا يثير الاهتمام؟ , واحاول جاهدا ان اخرج من ثقافة العنزة [عنزة غاندي] وسأبقى تلميذا في هذه المدرسة المتشعبة.





 

free web counter