الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأحد 7/5/ 2006

 

 

اذا كان الله صائغا فلمن يهشمون مصوغاتِه ؟

قراءآت في الفلسفة والشعر والدين


خلدون جاويد

ورد في مفاهيم الاتجاه الفلسفي المثالي ماخلاصته : اسبقية الوعي على المادة ، ولو نتناول المسألة هذه المرة من هذه الزاوية لأتينا الى ان الله هو الصانع ، ولدى أبي القاسم الشابي جاءت هو الصائغ ، وعند الاستناد الى الفكر الإيماني المثالي ، حيث اعتماد أولوية وجود الخالق وثانوية الخلق ، جرى اضافة مفهوم العمل على ترقية الانسان بالفضائل ، وطهرانية الحياتين الدنيا والاخرة ، واذا انتهجنا البحث في هذا المسار غير المادي ، سنجد توطئة ضرورية تخلص الى ان الكائن وديعة الهية لا يحق لأحد استردادها الاّ بإذن خالقها ، وان تصفيتها قبل موتها الطبيعي انما هو تدخل وتجاوز على حق ارادة الصانع في صنعه .
نظر محمد باقر الصدر الى المسألة اياها واستند الى فلسفة ديكارت فقال : " وأخذ أول ما أخذ – فكرة ( الله ) من الطائفة الاولى ، فقرر انها فكرة ذات حقيقة موضوعية اذ هي في حقيقتها الموضوعية تفوق الانسان المفكر وكل مافيه من أفكار ، لأنه ناقص محدود وفكرة ( الله) هي فكرة الكامل المطلق الذي لانهاية له . ولما كان قد أمن سلفا ، بأن الشئ لايخرج من لاشئ ، فهو يهدف الى أن هذه الصورة الفطرية في فكره سببا ، ولا يمكن أن يكون هو السبب لها لأنها أكبر منه وأكمل والشئ لايجيئ أكبر من مسببه والاّ لكانت الزيادة في المسبب قد نشأت من لاشئ . فيجب أن تكون الفكرة منبثقة عن الكائن اللآنهائي الذي يوازيها كمالا وعظمة ، وذلك الكائن هو أول حقيقة موضوعية خارجية تعترف بها فلسفة ديكارت وهي ( الله ) ... " .
واذا كان هذا المنطق الرياضي يعزز الرؤية المثالية ، فانه من باب أولى أن يعتمد الإسلاميون قبل سواهم الحفاظ على المسلمين من عامة الناس وكل أبناء البشر من كافة الأديان بإعتبارهم مصوغات مقدّرة ! بينما مانراه الآن ان بعض المؤمنين والناطقين بشهادة لا اله الاّ الله وان محمدا رسول الله هم من اول سافكي الدماء بسبب تطرفهم الديني . وعدا الحديث عن المجرمين المخضرمين والمعروفين بضلوعهم منذ عقود بالإنتهال من أقداح النجيع العراقي ، فان حديثنا هو كيف يسفك مسلم ٌ دم مسلم ان لم يكن قد سقط ايمانه ودخل في خانة الغرضية والدوافع المادية والحقد المذهبي ومن كل ذلك فإن الإسلام الحقيقي براء .
ان الايمان بالله ، وفق الشهيد محمد باقر الصدر هو المنبع الجوهري لإستلهام أفضل سمات الخلق والسلوك البشري ، أي مرضاة الله هي قمة المواقف الفلسفية .
يقول الصدر : " ... وقد أوجد الاسلام بتلك القاعدة الفكرية النظرة الصحيحة للانسان الى حياته منبثقة عن مبدأ مطلق الكمال ، وانها اعداد للانسان الى عالم لاعناء فيه ولا شقاء ، ونصب له مقياسا خلقيا جديدا في كل خطواته وأدواره ، وهو : رضا الله تعالى " :
وهنا يراد أن يؤكد على أن " مطلق الكمال " يقتضي الفضيلة في الحياة واذا عدنا الى ماقاله الشاعر أحمد شوقي في قصيدة كبار الحوادث في وادي النيل ، سنرى الاعتبار ذاته :

" جمع الخلق والفضيلة سر
شف عنه الحجاب فهو ضياء ُ


وبذا يجري الربط بين الكمال الإلهي والفضيلة التي لابد أن تتحلى بها المخلوقات لتوازي ملمحا من ملامح ذلك الكمال ، والله هنا وفق التأمل الزاهي باللوحة الإلوهية انما هو الكمال والجمال والبهاء فغدت صورة الإله نورانية ، والله في هذا الصدد ليس قاتلا ولا داعية قتل ولا محرضا على ذلك .
ويجد هذا الكلام صداه في بعدين يعززان المداخلة الفلسفية للشهيد محمد باقر الصدر ، كانا قد وردا في قصيدة يابن امي للشاعر ابي القاسم الشابي اولهما : ان الانسان صياغة الهية والصائغ بلا شك سابق للمصاغ . وان الانسان ، كبعد ثان في النص ، رمز للفضيلة وخصوصا في جمالية تعبير الشاعر الذي يتصور فيه الانسان كطيف نسيم .
ان قصيدة "يابن امي " وان بدت رومانتيكية النكهة ذات شذرات سياسية الاّ انها تعني ماتقول في ان الانسان حالة من الخلق الشاعري المصاغ وهو طيف نسمة ونور واغرودة وانشودة ومرح وكل ذلك بما شاء وحي الاله . ولابد من القول في ان حنين الشابي ولهفته غالبة وآملة بأن يخلد هذا الجمال ويحيى كماله فهو لوحة حسن روحاني :

خلقت َ طليقا كطيف النسيم ،
وحراً كنور الضحى في سماه
تغرد كالطير أين اندفعت ،
وتشدو بما شاء وحي الاله
وتمرح بين ورود الصباح ،
وتنعم بالنور أنى تراه
وتمشي كما شئت بين المروج ،
وتقطف ورد الربى في رباه
كذا صاغك الله ، ياابن الوجود ،
وألقتك في الكون هذي الحياه


ان الاقرار بصياغة الاله للكائن هو منطق ديني ايماني يتماهى فلسفيا مع اعتبار ان الفكرة سابقة للمادة أو ان هناك مسببا ً أولا للوجود . أيضا استطاع الشاعر أن يشحن طاقة مؤثرة تدعو الانسان الى نبذ القيود والى الابتهاج بالحرية تماما كما أراد الله فيما خلق .
واذا تيقنا وفق الاتجاه اعلاه ، بأن المصاغ ملك لصائغه ، فمن الذي يعطينا حق تهشيم الحياة وهي بإرادته – أي الحياة - على هذه الأبعاد المتباينة من التعدد ؟ . اذا كان الله هو ذاته قد ترك لخارطة الحياة ان تتباين وفق هندسة الشكل اللآنهائي للإنسان والحيوان والنبات والجماد ، فلماذا تريد القيادات السياسية التعسفية أن توحدنا جميعا في اتجاه ضيق – وحدة الفكر والتنظيم – في جزئية متقاطعة مع الكليانية التي هي : الدين لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبين الناس المسرة .
عند الشاعرة نازك الملائكة إيمان بأن الحياة الاولى في جنان الرب هي الحياة الجميلة وانما الحياة الدنيا بمثابة أرض الأحزان . ومن قصيدة مرثية الأحزان :

هكذا الآدمي يسلمه احبابه
للتراب والديدان ِ
رب لا كانت الحياة ولا
كنا هبطنا هذا الوجود الفاني
فيم جئنا هنا ؟
وماذا يعزينا عن العالم الذي قد فقدنا
ليت حواء لم تذق ثمر الدوحة
ليت الشيطان لم يتجنا
علمتنا ثمارها فكرة الشر
فكان الحزن العميق العاصرْ
وفهمنا معنى الفناء
وادركنا صراع البقاء
تحت الدياجرْ


وهنا تتناول الشاعرة قصة الخلق حسبما وردت في الكتب السماوية . انها تستند الى الرؤية الإيمانية بأولوية الخالق على الخلق وان قصة الحياة والموت انما جرت وتجري بإرادة مسبب ومسيّر .
ان الحياة قصيرة وتراجيدية فلمن نبتسرها بالقتل ، أما يكفي الحياة ختاما في آخر المطاف حتى نضيف على الموت موتا ً ؟ أما يجدر بنا تقريب المزيد من البهاء الروحاني الى ماديات الحياة المعاصرة الضرورية بحكم الواقع من اجل توازن صحيح متناغم مع الكمال الالهي ومتساوق مع الرحمة وجد وى الخليقة التي جاءت – كما يشير الاتجاه المثالي في الفلسفة - من يد النور والذاهبة بمشيئة خالقها الى النور ؟ أما يجدر بالإنسان المؤمن أن يحوّل ايمانه الى مدرسة لصراع الأفكار السلمي ، وليس الى مسلخ بشري ومحرقة وحمام دم.
في كل هذه الأحداث رأينا خصال المسيحيين في العراق والأقليات الدينية واليسار التقدمي عموما والشيوعيين العراقيين خاصة والذين يحترمهم الشعب وينظر اليهم بإكبار لتغليبهم الحوار في كل تاريخهم النضالي ، رأينا انهم لم يمارسوا أي ممارسة دامية وهم في اعلائهم واكبارهم للإنسان يطبقون الجوهر الفذ للقيم الأرضية والسماوية من حيث الدفاع عن حقوق الانسان واحترامه والنضال من اجل سعادته . الحكومات مارست استباحة دمهم وهم المقتولون في الأحقاب والسلطات بنت معتقلات لهم وهم المغيّبون في الأقبية ، الشرطة والأمن هم الذين حملوا الغدارات وكتبوا التقارير اللآدغة بسم ذعاف ، وهم - الشيوعيون المتهمون بكل ما اقترفه خصومهم من جرائم - قدموا الورد للنساء في عيدهن المجيد وكتبوا الشعر عن المناسبات الوطنية والشهداء الشجعان وغنوا للشعب العامل والفلاح والطالب والكادح والعاطل والمظلوم ! فمن هم الأقرب الى الرحمة وحب الله والحياة ؟
ان الحنين الى المصحف الكريم تقتضي قراءته في حب الله والبشر والدفاع عن السلام المحلي والعالمي ومن اجل الناس اجمع مصوغات الهية كانت أم بشرا رائعين يشبهون مشاتل الورد لو تساقَوْا ماءَ الفرات كوثرا ودجلة الحنون زلالا وكلاهما أب وام لأبناء العراق الكرام .
والمناداة هي ان يكف عن القتل من هو الأقرب ايمانا بالدين والتدين .
والمناداة ايضا أن ننتبه لمن يرتدي عمامة الخليفة ويمتشق سيفه البتار وهو سياسيا ابن آوى قديم يرتدي لبوس الدين ويحاول ان يكرع الدماء حتى تطل الشمس على لصوصيته والى ان يُبشر القاتل بالقتل . وعفا الله عما سلف أدعى وأفضل للعراق الجديد الذي لن يتوازن الاّ بالتسامح والرحمة .