الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأحد 9/3/ 2008



كو  أ ن ، الأدب والانتصار على لعبة الألم
عن التجربة الكورية في الشعر والأدب

ترجمة/ صباح محسن جاسم

كتب شاعر كوريا الأول - كو أ ن – KO Un ) 1933 - ) ، في مقال من أدب السيرة الذاتية تحت عنوان" كو أ ن يكتب عن كو أ ن "، ما يلي:
‹ البداية كانت كظلام مطلق. لم أدرك وقتها أن ولوج طريق الكتابة لأربعة وأربعين عاما مجبول بكل تلك المعاناة.
في يوم ما بينما اعتاد طالب المدرسة المتوسطة السير أربعة كيلومترات يوميا إلى المدرسة ذهابا وإيابا عثر على كتاب للشعر مرميا على قارعة طريق عودته إلى البيت فيما الشمس كانت توشك على الغروب. بقى الليل بطوله يقرأ الشعر فكان حلمه الأول أن يصبح شاعرا. وسرعان ما أمسى كفراشة اصطيدت داخل شبكة.
في خمسينات القرن الماضي بدأ حلمه بالتحقق بعد إن دمرت الحرب العديد من الأشياء. أكثر من نصف الجبال والحقول قد تحول إلى رماد وباتت المدن وسط دمار ولمن كتبت له الحياة فلا مستقبل له. بدأ كل شخص من الصفر حتى لاحت الأكواخ البديلة في كل مكان. بدت نسائم باردة تهب على المكان وعلى مر الزمن . كنت وقتها شاعرا في الخامسة والعشرين.
ما كان لدي ، ليس أكثر من تحسس متوجس دون تمكن من اللغة. الإلهام كان فكرة مبهمة. لم أكن سوى طفلا ضالا أو يتيما لم يسبق له أن دخل عالم الشعر أو عالم الكتابة.
ذلك العالمِ الرماديِ الملوّنِ كَان مكانا وجدتني من المستحيل رفضه والصدود عنه كصبي بأمنية واحدة- حلم أن أصبح شاعر.
تميزت تجربتي كطفل بالكآبة ذلك أني أمضيت أيام شبابي في بلد استعمرته بلاد أخرى.
بعد إن غادرت المدرسة الخاصة ودخولي المدرسة الابتدائية كنت قد درست الكلاسيكيات الصينية، كان درس اللغة الكورية قد الغي واستبدل باليابانية. ليس فقط في المدرسة بل في البيت أيضا إذ أجبرونا التحدث باللغة اليابانية لا الكورية.
قرأت روايات كورية ممنوعة على الأطفال ، مثل " شباب لا يجد مكانا للعودة " لا أزال أذكر محطة القطار الأخيرة عند دوناميونك المذكورة في الرواية، والقفازات الرمادية التي اشترتها الشخصية الرئيسة في الرواية من مخزن هواسن الكبير في سيؤول.
أثناء الأيام الأولى من الإمبريالية طبقت اليابان سياسة حرمان مدينة جوسيون من سيادتها ومواردها المادية تاركة تعلم اللغة كمسألة ذاتية. وبالنتيجة فلا بد أن يدرك لاحقا ما أن يُجرد بلد من سيادته حتى يسد الأدب الفراغ الحاصل . ذلكم الأدب والثقافة يصبحان القوة الفاعلة وراء استعادة السيادة المفقودة للبلاد.
مع تطبيق إلغاء اللغة الكورية حذت السياسة الكولينيالية لاستبدال الأسماء الكورية بأخرى يابانية. ذلك كان لب السياسة الاستعمارية اليابانية عند احتلالها الوطن الكوري. فكان أسمي في الصف الأول من دراستي الابتدائية هو -داكابَياي دوراسكي -.
في تاريخ الأدب الكوري ، اعتمدت اللغة الصينية جنبا إلى جنب مع اللغة الكورية والى أن فقدت جوسيون سيادتها من قبل اليابان ، كان تراث الأدب الكوري يكتب باللغة الصينية والأغاني باللغة الكورية.
لذا لم تكن الأغاني الكورية المحلية والأغاني الشعبية منذ العصور الوسطى فصاعدا شعرا في الإحساس الأدبي بل شعرا على شكل موسيقى. ما إن وضعت كوريا تحت نير القاعدة الاستعمارية حتى فقد ذلك التقليد.
كل ما كتب من أدب أثناء فترة الاحتلال الكولنيالي وفي أعقاب التحرير عام 1945 جاء ليلاقي الطراز القديم لما عانته كوريا خلال الحرب الكورية. لذا فقد طغت حداثة الثلاثينات بشكل شديد جدا في حين تذكرنا إيقاعات الشعر الحديث بأدب أهل البلاد الأصليين الذي ولد طبيعيا في كوريا. أما حداثة الخمسينات فقد مثلت العواطف والمشاعر الوحدانية للساكنين الحضر على أنها أخفقت في انجاز الكمال الأدبي الناضج.
إن الصياغة لاستجابة مستقلة للأزمنة الحديثة حين يجد شعب من الشعوب نفسه مضطهدا من قبل حالة استعمارية، تعتمد على تمثيل ثابت للشعب ولهويته الخاصة. النتيجة المأساوية الأخرى للحرب الكورية كانت تقسيم البلاد.
بعد الحرب أمست حاجة الأدب لبداية جديدة مثله مثل المجموعات البشرية التي جبلت على أن تسكن الكهوف . ما لفت النظر تماما في تلك الفترة هو مفهوم الصفر الرقمي. وبالنتيجة فالأدب لا يمكن تقسيمه بالأزمنة بغض النظر عن ما تكون البداية إذ من
المحتمل أن يلم جذوره من الماضي ويشاء له أن يصبها في المستقبل. لهذا نقول إن شعر اليوم لم يعزل كليا عن الأغاني الشعبية من النهر الأصفر والى ما قبل ولادة السيد المسيح أو القصائد الملحمية لهوميروس.

على أية حال لم تسنح لي الفرصة المناسبة تماما لمواجهة عالم الأدب. وما إن تحررت كوريا من نير التسلط الياباني حتى وجدت لغتنا والأدب الكوري مكانهما الشرعيين في سعادتي. عدا ذلك ما كنت لأعرف شيئا عن أغنية سادرة في القدم باسم (جيانكوبسا) أو عن أغان أخرى مثل (يي جيهيون) ، (كم سو وول) أو ( يي سانك) .
باختصار، لم أعد انتمي لأي من المجموعات ممن درست الشعر القديم أو شعر العصور الوسطى في الجامعات. وحين أدركت أن الشعراء هم أناس يتمتعون بحرية غير مقيدة وإنهم أناس قد تحرروا من كل القيود ومن نير العرف الأكاديمي ، وجدتني ما عدت طالبا يتعلم الأدب الكوري بل شاعرا.
تأتي اليقظة من خلال المشاق التي يمر بها المرء عند كتابة الشعر. وهي لا تأتي مطلقا كسابقة دون كتابة الشعر باعتماد تجربة من محض معاناتي. آمل أن ما أرِدَه من تجربة هنا هو مرادف للخيال.
أنا شاعر كوني وظفّت جزءً من لغتنا خلال كل حياتي. هذه الحقيقة لا تجتلب على محض أمل بل في الغالب على اليأس أيضا. اللغة يمكن أن تكون مجلبة ليأس اللغة ذاتها.
شعري هو تدفق. ذلك التدفق الذي يرتطم بالشاطئ أو يخلق إيقاعات بمساعدة الظلمة أو النور.لذا فقصائدي هي أصداء. قلت في مقابلة مع النيوورك تايمز في أواخر الثمانينات ، بأن الشعر هو " موسيقى التاريخ" . حين قلتها وضعت إشارة تأكيدية تحت الموسيقى مما تحت التاريخ.
قد نكون قادرين على إدراك الإحساس الداخلي للأدب بشكل أفضل إذا ما ندرسه على أساس ليس الذي نقرأه بل ما نسمع. عليه يغدو التركيز على أن القصيدة كنص هي رمز يمكن إعادته إلى الحياة حين تمثله بإيقاع أو صوت ، ربما انعكاس يتذبذب في تأريخ الشعر.
وفوق ما أرى ، فأصدائي تعتمد أحيانا على التقنية الآلية من انطلاقة الحرية أو الخارق للطبيعة أو مثل حادث لمسة تشوّه لوحة للحبر الصيني.
مرة كتبت بعض أشعار بشكل ثابت بحروف صينية. كانت بصيغة رباعيات صينية على شكل حروف بسبعة أسطر. لم يسبق لي إن كتبت قصائد مرثية بشكل ثابت عداها. كما لم أعهد تطبيق مبدأ نظام الشكل الخارجي للقصيدة. فان كانت القصيدة هي طريقة التفكير متمثلة في الخيال ، فيجب أن تكون نظاما بعينه. وبالنتيجة فشعري يتجنب حتى بعض قواعد الإيقاعات الداخلية والآ لسارعت قصائدي بالانهيار.
أنا طفل ثائر ، عدائي لكل الصيغ الشعرية الثابتة التي تكثر في الشعر الصيني، الميالة لامتلاك كل القوانين والنظم المتعلقة بالكتابة الشعرية مثلها مثل النظام الحكومي للحاكم. إنما الشاعر يعيش وجوده كلية في النظام الحياتي للقصيدة.
الآن لم أعد أؤمن بمثل هذه الطرق قدر تعلق الأمر بقصائدي. بينما الشعر الحر يقتضي البحث عن حرية أكبر. الآن وقد تحررت الأشعار من كافة الأشكال ، فما كان يعامل في السابق على كونه ليس شعرا أضحى اليوم بحسب الحس التقليدي يمكن تسميته قصيدة.
وهذا ما يحول القصيدة إلى كائن حي لا يحكم عليها من بضعة أشخاص إنما تشخص من قبل كائن من يكون . على سبيل المثال، من الذي يناقض أن موت الرموز اليوم يجلب للقصيدة الحياة ، كما في حالة الأعداد المختلفة ممن ينتظرون في طابور محطة قطار – ديجيون – للبضائع الذين لم تعد إعدادهم رمزا بقدر ما هو قصيدة.
في هذا السياق أرفض المنحى الحديث لترجمة القصيدة كنص. إذ لا يعود مثل ذلك الأمر كقصيدة إذا ما عوّل كنص. فلا قصيدة يمكن أن تبقى ملقاة على منضدة أو شاشة انترنيت. كما إن القصائد لا توجد في مادة المختارات الأدبية.
إن الكون والفضاء والزمن الهائل هي مسرح القصائد. حتى أقصر أغنية حب أَو مرثية قصيرة جدا هي قصيدة للكونِ. ذلك يفسر لماذا يتوجب على القصائد أن تنجز التزاماتها الشعبية بإخلاص تجاه العالم.
التعاطف يتجاوز فضاء البعد الواحد بين البشر. لهذا أشعر أحيانا بالاحتقار للتعبير عن العواطف الشخصية، والذي غدا تماما ميلا شعبيا تجده في القصائد الكورية منذ القدم. الراوي في القصيدة يجب أن لا يكون ذات الشاعر الذي يشكو لأجله هو. بل الأحرى به أن يكون بمثابة رجل ظل يستطيع بناء جسر بين أرواح الناس المختلفين
لهذا أقول أن الشعراء مغامرون يصورون الحد الأعلى من الكون بالحد الأدنى من الكلمات . على أية حال، ذلك لا يعني أن نطلب من الشاعر استقاء مادة قصيدته من فراغ . على الشاعر أن يستقي مادته من تجارب تتوافر في ظروف تحيط به ومن ثم يسلط النور بحسب متطلبات المواقف للعالم.
أحيانا يكون الراوي في القصيدة مجموعة شخوص أو راوي تمثيلي لكن الأمور الشخصية لا يمكن فصلها كاملة عن الأمور العامة في حين على العام أن لا يحول عن الشخصي أي إن القصيدة يمكن أن تكون قصيدة حقا إذا ما تداخلت الأمور الشخصية بالأمور العامة.
ما أزال أذكر تلك الأيام قبل دخولي عالم الأدب. لو لم اتخذ طريقي للكتابة لبقيت تلك الذكريات لا شيء سوى مزق للحظات من الماضي.
حين كنت في حوالي الخامسة من العمر شاهدت حريقا وسط ريح عاتية عند منتصف الليل ، البيت الريفي حيث ولدت وغابة الخيزران من خلفه كانت كلها مشتعلة. جهود أهالي القرية لإطفاء النيران بواسطة جرادل الماء لم تأت بنتيجة. شاهدت بيت والديّ يتحول إلى رماد. هذه النيران والدمار الماثل خلقا فضاء رائعا في وعيي.
غالباً في ذهني، كان الخراب ماثلا في كل زاوية عبر شبه الجزيرة الكورية إثر الحرب التي شهدت أحداثها ولما أزل فتى مراهقا ، وقد تداخل مع خراب بيتي . فذاكرة المرء لا تبقى مجردة داخل العقل بل بالأحرى ترتبط طبيعيا بالكوارث في التاريخ وان تجربة الطفولة تندمج مع الصدمة العقلية التي تأتي لاحقا ومن ثم لتذوّت في العالم العقلي للشاعر.
أخفيت تلك الذكرى طويلا داخل أعماق نفسي . ذكرى مخجلة ما كنت أرغب أن أشارك بها أحدا.
كان هناك بعض تغيرات قدمت إلى عالمي الأدبي في السبعينات. قبلها لم تكن أيا من قضايا سياسية أو اجتماعية قد وجدت لها فضاء داخل العدمية الشعرية التي اصطادتني. على أني أخيرا أدركت بان لا يمكن فصل الأدب عن الواقع. ولمحت صورة حزينة لنفسي كشخص يثبت ولاءه للنظام من خلال إبعاد نفسي عنه تماما محققا لهروبي من الواقع. هكذا وجدتني أتساءل ما الذي يمكن للأدب أن ينجز للأطفال الجياع وما دور الأدب في مواجهة الدكتاتورية. كنت واثقا من أن التجربة المرة في خطأي بحسابي النجوم ثمارا كان شيئا أحتاجه كي أغنّي في القصيدة. كنت واثقا أيضا من إنني أواجه تساميا مسحورا عندما توحد النجوم الغذاء والحلم .

من دون أيام السبعينات تلك كان يمكن لعالمي الأدبي أن يكون ليلة ظلماء ببومة تنعب عطشها للدم في واحدة من زوايا الوادي ، لكن دون أثر لدماء.
إن وهم النقاوة ومذهب الاشتراك ليسا سوى دلالتين متناقضتين ومهمتين تظهران قوتهما لحياة جديدة فقط في حال إذا ما تجاوزا نفسيهما.
لذا فإن عالمي الأدبي هو سيمفونية من عالمين- الواقع ومكان آخر يقبع وراءه. أصبحت المشاركة قفراً آخر بالنسبة لي.
لدي ذاكرة ضعيفة عن عائلتي. من الضعف بدرجة لا استطيع معها تجنب إعادة تشكيل عالم عائلتي ومدينة الأصلية في خيالي. بحيث تغدو سلسلة حوادث الطفولة تلك لدى مكسيم غوركي عن طفولته أكثر من خيال، لكن طفولتي كانت من الفقر بحيث تيأس معها المخيلة. قصة الخيال تعيد بناء الحقائق.
لم يكن لدي من الأخوات الأكبر سنا أو الأصغر ككل الناس من جيلي. لقد أحزنني افتقادي لأخت مما حدا بي أن أخلق أختا كبرى لي في سنين مراهقتي اللاحقة. فواجهات المباني الفخمة كانت تبنى وفقا للأمنيات والرغبات القوية كما يتوجب أن يكون هناك تفاعل كيمياوي يمكنه من توليد حقيقة، حقيقة أكثر من مجردة.
الواجهات تتطور. في حالة شاذة أو باثولوجية من الحسد الشديد يحيل هذا الناس إلى طريحي الفراش ، ذلك حولني إلى ولد مريض في عالم مزيف حتى وان حافظت في الواقع على الحد الأدنى من وضعي الصحي رغم بنية جسمي الهشة. بالنسبة لي المرضى هم أناس يعانون من آلام العالم المبرحة نيابة عن الآخرين.
داء السل الرئوي كان قد وجد أماله لدي حين كنت شابا مهتما بالأدب. كنت اهتمامي منصبا على داء كالسل الرئوي لا أمراض المعدة ، حيث المرضى يعيشون نقاهتهم في بيوت عند سفوح جبلية. كنت أتخيل صوت السعال القادم من ردهات المصح ليلا.
هذا ما أعطى ظهورا للخرافة ، والتي شكلت قاعدة عالمي الأدبي. في الخرافة كان لدي أخت كبرى جميلة. كانت تعتني بي عندما كنت مصابا بالسل وحين شفيت من المرض كانت قد أصيبت بالعدوى وماتت على الأثر. وشعورا مني بالإثم وشوقي إليها فقد حملت الصندوقية التي تحوى رماد جسدها ودفنتها في البحر الغربي ليلا ومن ثم صعدت إلى الجبل منهارا.
هذا السيناريو الخياليِ قد تطوّر إلى ما هو أكثر من فرضية بل أمسى نظرية ليست بالنسبة للآخرين فحسب بل بالنسبة لي أيضا. لم يكن أحد ليفكر إن ذلك كان من محض خيال. ولما كنت قد أعلمت العالم بهذه الحقيقة فقد نشأت بعض نظريات تفسر الشعر في أيامي الأولى بالتعبير النفسي ( عقدة الأخت).
لاحقاً، في أوائل التسعينيات، عند إجراء فحصي الطبي الأول وجدت أن أحدى رئتي قد حجّرت بسبب تطورات تتعلق بالسل الرئوي. حتى ذلك الحين لم تكن لدي علامة لمستها بالمرض. لم تكن لدي علامات للسعال أو بصاق للدم رغم إكثاري من المشروب وتدخين أكثر من علبتين في اليوم فقد كنت بصحة جيدة نسبيا عدا بعض مشاكل في المعدة.
كنت أمر بتعريف أدبي حين كشف عن أنني أعاني من مدة طويلة من داء السل الرئوي الذي رغبته للغاية.
ذلك أني أدركت من أن الصور والتخيلات ليست وجوها منعكسة في مرآة بل هي طريق لاستكشاف الحقيقة ، كنت منبهرا كون الحقائق والواقع يمكن أن تولد كحقائق جديدة في الحياة من خلال الخيال. ربما هناك قوة تخيلية في إدراك ووعي كل إنسان ، تكمن قوة تخيل يمكنها أن تملأ كل عالم الجريمة والسماء.
لا أعني القول أن كل جزء من عملي قد بدأ من هذا التخيلي ، لكن على أن اقر من أنها قوة مثل هذا التخيّل الذي مكنني من تحمل عدمية رومانسية، الوجودية ، نكران الواقع ، الضد واقعية وأشكال أخرى من الشعور البديل في أوائل أيام مهنتي الأدبية.
الأدب لا يفرض قيما رتيبة على الكاتب. بالأحرى أقول إن الرضى الأدبي المراوح في مكانه ، من دون اضطرام أو الهام للتغيير لا يعدو أدبا.
قادتني حادثة في بداية السبعينات إلى طريق يختلف تماما عن تلك التي اتخذتها حتى ذلك الحين. كان طريقا جد خطر. معلما يؤشر لبداية أخرى لي. ولفترة عشر سنوات حينها كنت أعاني من أرق حاد وجدت من الصعوبة التخلص منه. في الليل كتبت بعض قصائد بينما كنت مخمورا . وقد بالغت في الكتابة ولما صحوت في اليوم التالي كنت قد تحررت كثيرا. فقد تمكنت من النوم بعد إن استهلكت ثلاث أو أربع قناني من شراب السويو الحاد أول أيام أرقي وما كان ذلك ليجدي نفعا بمرور الوقت.
ما إن تمكنت من النوم قريب الخامسة صباحا حتى هجمت علي أحلام عاصفة بعدها وجدت روحي قد شغلت بمتاعب الحياة لأستيقظ بعدها في الثامنة .
-دونغ مكيو- هو مكاني المفضل. مشروبي النفاذ وصحون الاخطبوط الأحمر المتبّل أتناولها قبل انتصاف الليل إذاك تكون معدتي قد تخدرت تماما.
على أني أخفقت في إيجاد ملاذ في البيوت أو حانات المشروب في ضواحي المدينة . كنت ارتاح كثيرا بين حشد السكارى المتجمع تحت شموع الفلوريسنت في الصالونات المكتظة بدخان السجائر، كأنما تواجدوا ليستهلكوا حياتهم دونما غاية أو هدف.
ليس أكثر من بضعة أيام حتى وجدتني ملتصقا ليلا في حانة بسبب من حظر للتجوال وإذا بي أمضي ليلي كله مستندا على منضدة في الصالون رغم إشارات الاستياء الشديد البادية من مالك الصالون. كنت أجد بعض نفايات من الورق تحت المنضدة . يومها وجدت صفحات من جريدة بعثرت على أرضية الأسمنت وقد أشرت بعض مواضيعها بالقلم الحبر . إحدى المقالات لفتت انتباهي. كانت مقالة ً قصيرة ً عن انتحار احد العمال بإضرام النار في نفسه.
حاولت وقتها أن انتحر للمرة الرابعة. كلها باءت بالفشل.كنت قد تهيأت تماما في المرة الرابعة. كان بحوزتي مائة حبة منومة قد جمعها أحدهم يوميا من صيدليات مختلفة بعد تقديمه بطاقة هوية. أخذت الحبوب جميعها دفعة واحدة ومن ثم اضطجعت في وادي عميق أسفل جبل بوخان الذي شخص كمنطقة أمنية يطارد فيها الجواسيس. وسرعان ما اكتشفتني دفاعات الجبل المدنية وهم يفتحون ثغرات في الجبل. وكان إن شكّوا بي كجاسوس مجند من كوريا الشمالية. كنت واقعا تحت تأثير كوما فاقدا الوعي بسبب تلك الحبوب وشراب السويو. وقبل أن يحسم أمر وفاتي كمجهول مات على قارعة الطريق طلب رئيس التحقيق نقلي إلى مركز الطوارئ. بعد إجراء عملية غسل المعدة صحوت بعد مضي 30 ساعة. حين وقف الأصدقاء بقربي كنت اسخر ضاحكا إن يداي هما يدا رسول من أرض الموتى.
مثل تلك التجربة قادتني لكي يكون لدي اهتماما بمحاولات الانتحار التي أقدم عليها ذلك العامل. بلغ بي الاهتمام لمتابعة الواقع الذي يجبر العمال على عيشه ، كذلك ظروف العمل البائسة نهاية السبعينات وما وراء ذلك من تناقضات المجتمع إثر بلد مقسّم. كنت قد بدأت أخطو الخطوة الأقرب إلى العالم والتي اختلفت تماما عما مررت به حتى ذلك الوقت.
أو أفضل القول أنني للمرة الأولى في حياتي شعرت بأهمية وجودي في العالم الحقيقي بعد قضاء سنوات عديدة بعيدا عنه.
انضممت باستحياء إلى الكتاب الآخرين الذين يشاركون بنشاط في الاحتجاج ضد نظام الدكتاتورية العسكري ، ممن يناهضون بحزم أولئك الذين حاولوا البقاء في الحكم دون شروط من خلال تعديلهم للدستور. وما إن دخلت ذلك المشهد قررت أن أكرس له كل ما ملكت كحصان جامح أفلت من زمامه. بهذا التحول في " انتمائي الطبقي" غمرتني سعادة لا توصف أما حالة الأرق التي أرقتني في الجحيم لعشر سنوات فقد اختفت.
على أية حال ، فقصائدي لم تتغير بين ليلة وضحاها. كان الشاعر يسابق شعره. الشعر دائما يعدو خلف الشاعر منقطع الأنفاس. تلك فترة أطلق عليها بـ " ما بعد العدمية".
كنت خاضعا لمراقبة خاصة ليس في الدوائر الأدبية فحسب بل داخل وخارج كوريا . كنت على قائمة الذين شاركوا في الحركة الديمقراطية في المعارضة للحكومة القائمة في كوريا لذا اعتبرت منشقا في الخارج. وقتها شعرت إن ما عادت لي صلة تربطني بعالم الأدب.
في واقع الأمر تراجع عالم الأدب فسيطر التسلط الحكومي وقد وافق على تعديل الدستور الذي يسمح للدكتاتور آنذاك بالبقاء في السلطة إلى الأبد. باختصار كان الأدب جزء من النظام المؤسس ولم يكن ليتخذ موقفا نقديا للمجتمع مما هو عليه.كنت أقرب إلى الجماعة التي قاومت الحكومة وكانت تتألف من قساوسة وكهنة وأساتذة مفصولين وصحفيين مطرودين وقادة سياسيي المعارضة وطلاب جامعيين مفصولين أو منعوا من معاودة دراستهم بعد قضائهم فترات من سجنهم فأصبحوا كأفراد عائلة واحدة.
عشرون عاما مثل تلك الحركات قادت إلى انتفاضة في تموز عام 1987 . أثناء الانتفاضة كنت في مقدمة مظاهرات الشارع المواجهة أحفز الجماهير وأثيرها باعتباري مساعد ممثل للحركة الشعبية.
في أوائل التسعينات وبعد مجيء حكومة مدنية أعقبت توالي ثلاث حكومات عسكرية بإمرة ثلاثة جنرالات متعاقبة ، حصل إن زودت بجواز سفر يسمح لي بالسفر خارج البلاد.مباشرة قبل ذلك حصلت على عفو سجين صحا ضميره.
يبدو إن الأدب في تواتر وشد مع الواقع أو إن التاريخ والواقع يتطلبان أدبا ملتزما ببعض شروط في كل الأحوال . تجولت كثيرا في شؤون أدبي، غمرت بفيض العواطف إلى أن منحت مهمة السيطرة عليها وتوجيهها لمنفعة الناس والجماهير التي تسعى للحرية والمساواة. بتعبير آخر فقد ولدت مع الرومانسية حين افتقدت بتبني الواقعية لاحقا وقد تبنيت الاثنين.
في تلك العملية التفاعلية كان مطلب التغلب على تقسيم البلاد والتناقضات الاجتماعية يمران من خلال ممر طويل للمجابهة وصولا إلى نقطة استكمال الحلم المتبادل والتوحد. هناك حيث نرى التحرر بروح عالية المستوى ، ذلك ما يعرف في البوذية بـ " هوا- ين".
وإذن ، حين يتعلق الأمر بالأدب فأني لا أبحث عن جواب.فإذا ما حلم الأدب ببعض ثمار مصاغة بشيء من حكمة مثالية وأمور أخرى مماثلة فقد يعني فيما يعنيه انه قد مات توا.
في الوقت نفسه ، ترفض الحياة بداخلي أية مصالحة أو مساومة غامضة. البادرة الجدية لمراجعة الماضي تغدو أكثر الأمور سخرية يمكن لي أن أتخيلها. أتأسف قليلا لكني لا أرغب أن أحيط نفسي بشفقة الآخرين.
على أني أعتقد إن قوة التناقض قد منحت لي لأعين حياتي ومصيري.
من هناك يبدأ الأدب وينتهي أيضا هناك ، فيجعل مني تاريخي وفني. ومن ثم فان جثة المَجاز Metaphor قريبا ستختفي. وإذا ما انحصر اهتمامي الأدبي ليخدم واقعا أو عقيدة سياسية كبناء تحتي مساند، فانه يتوجب عليّ مقاتلته. لهذا أنا حر حقا حين أكون برحاب الأدب ، غير ملتفت في الغالب للعديد من الحفر خارج الأدب. المجتمع يمكن أن يزود المرحلة التي فيها أعيش حياتي معها ولكن في الوقت نفسه فأنه أشبه بمنظومة استهلاك لخلايا وجودي.
يعبر عن الحرية بصيغ مختلفة متنوعة . لذلك تحرك قلمي لتغطية ليس الشعر والرواية والنقد والنثر فحسب.مرة كتبت سبع قصص متسلسلة متنوعة في دوريات يومية وأسبوعية وشهرية.
يا لسرعة ما أنجزت ! كم هو مبهر ، بعد المنفى يأتي الهدوء والسكينة بعد سرعة كهذه !
منذ السبعينات كنت في حاجة ماسة إلى التأريخ. لعل السبب يعود إلى عدم انغماسي في عالم التأريخ بوعي مذ تحرير كوريا من الحكم الكولنيالي لكني في عين الوقت كنت بحاجة إلى الشعور بالتاريخ ليساعدني في التغلب على الواقع حين يحكمني بالعنف والقوة.
ذلك هو سبب كون الأدب والتاريخ جسدا واحدا وليس مفهومين منفصلين مختلفين. ومن منظور أساسي فأن توصيف التاريخ لا يكون الآ الأدب بعينه. فمجال الأدب يغطي كل شيء تقريبا . عليه لا يمكن حصره ضمن تعريف فريد وحيد.
الانزواء في تاريخنا لا يلزمنا برفض الخيال.وهو أحيانا جد جمالي باعتباره ممثلا كشعور خاص مقابل الواقع. قد يكون الأدب مجازا لصيغة أبدعها مثل هذا الإحساس. بهذا الخصوص انجر أحيانا إلى هوميروس أكثر مما لـ ( ماها كاسابا).
في محاولة لانجاز أفضل صيغة للأدب خلال الملاحم والأصداء الغنائية، مشيت كما يفعل السلطعون ( الجنبري) عند ضفة للمد. عاطفتي هي ليست كونفوشيوسية أو بالأحرى معادية لسلالة جوسيون . بهذا الخصوص لم يبارحني وجه الكاتب هيو كيون مؤلف رواية هونغ جل-دونغ.
ولأجل الأدب والحياة مبعث اشتياقي، يغدو الماضي مادة جميلة على أن لا تلطخ بالأحكام المطلقة. إن المغالطة التي خلفها أرسطو بقوله ليس هناك سلف للمخلوق الحي ، لتسرني.
أستطيع أن أتفهم بداية أسطورة ما لكني لا استطيع إدعاء أي معرفة ببداية التأريخ أو نظام السلف قدامى الأجداد. أعشق عالم الآلهة لكني أعتقد أن فكرة الكائن المطلق
Absolute Being يجعل من الناس في مرحلة أدنى. والحقيقة وراء عزل الكاتب – أمرسن- تكمن في إصراره على الطريقة التي صوّر الرب بها البشر ، مما جعلني أتعاطف معه بعض الشيء.
ليست لي أية علاقة بمؤسس الطائفة البوذية أو أيّ من المسئولين الحكوميين الكونفوشيوسيين. فلست بحاجة إلى معلم ليعلمني. أحيانا أفكر بالتنوير الانفرادي الذي أنجزه بوذا. إنما أنا في الطريق أن أكون راهبا من دون معلم.
لا أستطيع تجنب أن أصبح يتيما ينحى بعيدا عن الماضي المطوق بالدكتاتوريات وبالإحيائيين الدينيين وبالتسلط والغموض. بكلمة أخرى ، أود أن أحطم الصنعة التي تجعل مني تابعا ملحقا بالماضي.
أدب العصر الحديث هو ليس ببساطة ذلك الأدب المنحدر من الماضي بل هو مولود جديد بجذور تمتد في تربة الماضي. الحقيقة التي يكتشفها صديق هي أقرب بكثير من تلك التي يكتشفها معلم. فالقصيدة إن هي الآ ولادة من لا مكان ، هي ليست بقصيدة إذا ما قمعت بنير التقليد. هذا اللون من الأدب ، ككورس يصون بإبداع العلاقة الأفقية هو ما أحلم به.
آمل لنتاجي الأدبي أن يتجول في البقاع لا أن يركد في مكان واحد. السعادة المثلى
Nirvana التي أحلم بها هي دون أي دوام أو ثبات. أنها حلم من دون بقايا.
الهدية هي ومضة ، لحظة تنتقل من ماضي غير محدد والى مستقبل غير محدد.
أتطلع إلى حياتي السابقة أحيانا. في العديد من محطات حياتي السابقة لم استطع مقاومة أن أصبح شاعرا مثل ما أنا عليه الآن. مرت بي أيام ما بليت قدر ما بليت الآن. كان هناك شخص يبكي وسط وهج شروق الشمس. هل كان أنا ؟ وعند منتصف الليل حين تتساقط بصمت ندف الثلج دون أن يلاحظها أحد، كان هناك من يتحمل دوي قلبه فلا يقو على النوم. هل كان أنا؟
وها هي الظهيرة. حيث يقف رجل قد سقط على الأرض توا وقال الكثير من الأكاذيب. في مكان ما في الزاوية تحت الشمس، يكبر صبي محروم الأم ، يطول يوما بعد يوم. هناك امرأة بلا وطن ، يتطاير شعرها وسط الريح. ظلام الدبّة الأم حيث وضعت وليدها فيما كانت تنام في الشتاء وسطوع الزاهد الذي لم يعد إبصاره يقاوم النور المنعكس عن الثلج الأبيض لجبال هملايا ، كل ذلك كان لعبة الألم.
ساعدت النجوم لتشرق بعيدا في القفار كحيوان بري ، أميبا أو كشبح. قلصت النجوم من آلامي فيما هي تشرق في كبد السماء.لقد تواصلت حياتي في العلاقة الحميمة بالعديد من الأشياء.
كان طموحي أن أصبح شاعرا. وقد تحقق. تشبثت باسم شاعر كوني ارتكبت العديد من الأخطاء في إضاعة الوقت سواء في حياتي الحاضرة أو ما سبق.
أن أكون شاعرا إنما هو عقاب لسجن حياتي مما هو مجرد اختيار . في الحالين عندما كنت في الثامنة عشر واليوم ، فالشعر هو نجمي القطبي.حين يدلي أحد ما من أنه قُدّر لي أن أكون شاعرا ، فأني أتوق أن لا أنهي حياتي كشاعر. بتعبير آخر ، أتمنى لو كنت قصيدة في خاتمة شاعر. قصيدة وليس شاعر! ›.

خلاصة سيرة ذاتية تنمو:
في الأول من أيلول 1933 ولد شاعر كوريا الأول ( KO Un )- كو أ ن - بمدينة كونسان ، ضاحية جولا الشمالية لكوريا .
تأثر بقراءته الأولى لشعر أحد الشعراء المجذومين فبدأ بنزيف الشعر. واجه معاناة فظيعة بكل ما يعنيه الاحتلال من مجازر ومصادرة للحريات فقد شهد وحشية هائلة سيما المراحل المبكرة للاحتلال الياباني لكوريا ( 1910-1952) وفي 1952 قبيل انتهاء الحرب انضم إلى الجالية البوذية وهو في حالة من اليأس العميق. عاش السنوات العشرة التالية حياة تأمل خاص يجوب البلاد يتعيش بالصدقة. أسس لصحيفة بوذية في 1957 وفي 1962 تخلى عن البوذية متحولا إلى العلمانية.
شاعر غزير الإنتاج، رشّح اسمُه للمرة الخامسة لنيل جائزة نوبل للآداب. تغطي حياته المهنية أربعة عقود.
منذ إن عرف ككاتب عام 1958 تجاوزت نتاجاته المائة وخمسين من دواوين في الشعر والرواية والمقالات والمسرح الدرامي والنثر ، ترجم له إلى اللغات الأسبانية، الألمانية، الفرنسية، الإنكليزية، اليابانية والصينية. وكصوت لجيل سلف خبر الحرب الكورية والاضطراب السياسي في البلاد إثناء العقود التي تلت، عمل كو أن محاميا للحقوق المدنية بغرض إعادة توحيد كوريا.عام 1974 أصبح الناطق لجمعية الكتاب من اجل الحرية العملية . في عام 1988 أصبح رئيسا للرابطة العامة للفنانين من اجل الديمقراطية. في 1992 تنسم موقع رئيس رابطة الكتاب للأدب الوطني ورئيس اللجنة التحضيرية لجمعية أدباء جنوب وشمال كوريا . عمل أستاذا لمدرسة التخرج في جامعة بركلي. قدم العديد من المحاضرات والقراءات. في عام 2000 دعي كمندوب خاص في لقاء القمة لرؤساء كل من كوريا الجنوبية والشمالية. كما دعي لقراءة أغنيته الجميلة حول السلام في قمة سلام مدعومة من قبل الأمم المتحدة في قاعة جمعية نيويورك العامة. دعي أيضا كممثل آسيوي للاحتفال بـ " يوم الشعر العالمي" في اليونان المقام من قبل منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة.
نتيجة لنشاطاته وآرائه السياسية سحب منه جواز سفره عام 1985 . تزوج من سانغ- وها لي ، ولدت له بنتا واستقر في آنسونغ جنوب سيئول من ثم بدأ مواصلا أضخم منجز أدبي له.
ما إن أستحدث دستور جديد للبلاد عام 1987 حتى حصل على أذن بالسفر خارج كوريا بداية عام 1990. زار الهند عام 1992 مؤلفا روايته " الحاج الصغير" . في 1997 سافر إلى أمريكا ومنها إلى الهملايا.
أول ديوان شعر صدر له بالإنكليزية بعنوان " صوت أمواجي" عام 1992 ، أما أول ديوان بلغته ( المعقولية العالمية الأخرى) فصدر له عام 1960 . منح عدة جوائز أدبية وثقافية منذ عام 1974 وحتى الوقت الحاضر.
شعر كو آن يتميز بالعالمية والخلود عارضا إياه في مسعى منه لفهم الحياة والوجود الإنساني ، الموت ، الحقيقة والعدالة.
بدأ حياته الأدبية كحداثوي الآ أنه في الفترة ما بين 1970 و 1980 وبسبب من الضغط على الحريات ، بدأت اهتماماته السياسية تظهر في منجزه الأدبي. واحدة من أهم قصائده في تلك المرحلة " السهام" ، يقول فيها :
متحولون إلى سهام/ ننطلق جميعا ، جسدا وروح/ مخترقين الهواء / ننطلق ، جسدا وروح / لا سبيل للعودة .
سجن وعذب عدة مرات بسبب معارضته لسياسة الدكتاتور بارك جنك –هي ، قرر وهو داخل السجن تأليف قصيدة عن كل شخص التقى به في حياته . نشرها في مؤلفه ( عشرة آلاف حياة - 2005 ) . كتب من داخل زنزانته :
هذه الزنزانة الخاصة بالسجن العسكري/ ليست سوى غرفة لمصور معتمة / من دون أي ضوء جعلتني أضحك كأحمق / في مرة كانت تابوتا يحتضن جثة / مرة كانت البحر بكليّته / يا للعجب! / قلة من الناس يبقون أحياءً هنا . – من ديوان قمر السنة الجديدة ترجمة براذر أنتوني-
من ديوانه – نزول من جبل – يقول :

أين الجبل الذي نزلت منه توا؟
أين أنا ؟

(
من " نزول من جبل" في – ما بعد النفس -: 108 قصائد ز ن كورية، 1997)

قال عنه شاعر - جيل السعداء - الأسطوري مايكل مكلور " يمتاز شعر كو أن بامتلاكه نمطية القِدَم لأخدود طيني تعكر على طريق ريفي بعد المطر، الآ أنه يحذو حذو رقاقة الـ دي أن أي لاستشفاف حالة فنية. فتحت فنه أشعر بأرواح الحيوان والطير ، كذلك احتفالية الشيخوخة لشعب قريب إلى تأريخه" .
على أن آلن كنسبيرج لخص كل ذلك كما لم يفعل أحد سواه :" كو أن شاعر رائع ، هو تركيبة من انحدار بوذي متحرر عاطفي سياسي ، ومؤرخ مناصر للطبيعة."

مختارات من قصائده – ترجمة براذر أنتوني- إلى الإنكليزية

بواسطة زوجة الشاعر السيدة سانغ واها لي

(1)
واجهة شجرة

تطلّع إلى الإنسان من الخلف
هل شاء له الرب
أن يبدو كذلك على الأرض ؟

حتى الشجرة
ذات واجهة وخلف
ليس فقط بسبب نور الشمس،
ليس فقط لأن هناك شمال وجنوب
حين أواجه شجرة من الأمام
وجزء منها متوار
افتقدها.

رغم أن الشجرة لا تستطيع أن تفوه بكلمة
فحين تتحسس الحب
تُلوّحُ أوراقُها عند هبوب النسيم
تحتفي أوراقها الجديدة بعام جديد
أوراق أزهى خضرة من تلك القديمة
لا أحد يمكنه أن يوقف الأوراق الذاوية نهاية صيف
فلا فاصلة بين إنسان وآخر
وإن تنفصل روابط أوراق الخريف
فإنها تبقى تهمس:
" لتبقي معنا !"

(2)
أنابورنا

أَذهبُ إلى أنابورنا
وجدتني للتو هناك
قبل خمسة عشر ألف عام
بحماس
التقيت نفسي بالترحاب
حيث في طريقي الآن.
الاثنان منّي اصطدما
في دمار رائع.
أنابورنا
ليس من كلمة تتصادى
وذلك الدمار الرائع.
أضحيت اسودا هناك
من الجهل الشديد تحت أنابورنا
فما عدت لأكون.
وبقيت طويلا اشحذ واكذب.

(3)
نصبٌ تذكاري

الخلود جد حزين -
لقد أقاموا له نصبا تذكاريا
في هذا العالم المتآكل
كي لا ينسوه ،
لن ينسوه أبدا
فقد نحتوا اسمه
في الحجارة.

هل تفاخر الريح للريح وحدها فحسب ؟
بضعة سنابل وُضِعتْ على حجارة
انتصبت بثبات
في العواصف الثلجية العاوية

على أن الاسم يجب أن
لا يقطع الحقيقة
كم نحن محظوظون
كوننا لا نستطيع قراءة اسمه
تحت ضوء النجوم
في ليل الإوز البري .

الرجال الذين تجمعوا مرة
ذهبوا
وذوي اسمه
من عميق قلوبهم

الخلود جد حزين.
في قادم الأيام ، لن يعود أبناؤهم المساكين
ليتذكروا أسمه
القادمون الجُدد
سيتعرفون عليه ولكن بدرجة اقل

سيبهت تدريجيا الاسم على الحجارة.
السنابل ماتت ما عادت لتسمع الرعد
يدمدم في عاصف الريح.

إن لم يكن اسما كتب في عاتي الريح
إن لم يكن اسما كتب
ابعد من أمواج المحيط
اسم يعلو سريعا من موتى طال بهم الموت
يحمل الأصداء على حافات الجبل،

إذن ما الذي يدعو لتخليد اسمه
لآلاف من السنين ؟
النصب التذكاري هو
فقط صخرة مغطاة بالأشنات
صخرة مدفونة تحت الأوساخ
أفضل من تلك المنتصبة لوحدها.

(4)
سعادة أكيدة

ما أفكر فيه الآن
قد تم التفكير به للتو
من قبل شخص ما،
في مكان ما من هذا العالم.
فلا تبتئس.

ما أفكر فيه الآن
يفكر فيه الآن
شخص ما،
في مكان ما من هذا العالم.
فلا تحزن

ما أفكر فيه الآن
على وشك أن يفكر فيه
شخص ما
في مكان ما من هذا العالم ،
فلا تبتئس

كم هو مفرح ، بالتأكيد
في هذا العالم ،
في مكان ما من هذا العالم
أن أجيء للوجود
شكرا للكثيرين
يا للسعادة
حقا
أني حللت في هذا العالم
من خلال كثر آخرين
فلا تبتئس


(5)
شريحة لقمر آفل

كملكٍ متُّ نحيفا
فيما ازداد الشعب سمنة ً
أمسيت سمينا
فيما العالم مال إلى النحول
دائما
كنت أراقب القمر المتضائل

(6)
قصائدي

في خراب الخمسينات ، تلكم سنوات الصفر،
تَجوّلتُ دون هدف،
حتى بعض نقاط تركن طُرحا بعد الحرب،
أثبتن إنقاذي غير المتوقّع.
قدسية النقطة السوداء في نهاية العبارة
أعطى لمعانا إضافيا إلى كلمات تلتْ.
لذا ضّمنتُ بلهفة نقاطَا متكررة في قصائدي.

في مرة في السبعينات ،
أضحت قصائدي، كماءِ
هائج يرتطم بحافة النهر
مترددا قبل أوان رحلة طويلة،
فيندلق في التشويش المطلق
إلى النهر
ويرحل عائما بعيداً،
بمرور الزمن
اختفت النقاط من قصائدي،
خلاصي السابق ، مثل حذاء بال،
فقد تأثيره.

قصائد بدون فترات
لا تنتهي مع كل قصيدة
بل تتتابع، واحدة تلو أخرى،
حافرة الضوء المتواري في الظلام،
يُريني العالم، وما ترك وراءه.

حتى قبل أن توجد قصائدي،
فالحركة المستمرة للعالم
لم تسمح كثيرا كفترة مفردة
ولذلك ففترتي الشحيحة القصائد
كانت أكيدة في حركتها المتواصلة
لذا أدركتُ حقيقةَ الانتقال الأكيد،
بعيدا عن
كون الفهم وهماً.

كُلّ يوم، قصائدي
تحتشد سوية وتحلق عاليا
تحتشد سوية وتستقر ثانية،
تحلم بالأيام التي ستغدو قصائد
لشاعر آخر.
(أوه، هل الوهجُ اللازورديُ للفجر المبكّر
المدى الكامل للحظة يبهر النفس تماما ؟)

لكن هذا اليوم الحالي يتبخر بعيدا
في ساقية لأيام خلت لا ينضب ماؤها
وقصائدي لن يكون لها فترات غدا
ولا حتى اليوم الذي يليه

(7)
الطريق أمامنا

دعنا لا نقول إنّا وصلنا
رغم عشرات الآلاف من الأميال، وما يزال الطريق أطول
مما قطعت.
ما أن تحل خاتمة اليوم،
وان أقضي الليل كوحش مذبوح،
فالطريق ما يزال ماثلا أمامي.
رغم أن الوحدة تلازمني،
ليس الوحدة لوحدها ،
أنما هو العالم
فالطريق ما يزال هناك.
مؤكد هو
عالم مجهول.
هي ذي الريح تهبّ


(8)
سهام

متحولون إلى سهام
هلموا ننطلق سويةً في عل ، جسما وروح
نخترق الهواء
دعونا نعلوا بأرواحنا وأبداننا
دون نكوص
ننبت هناك
حتى نبلى فيما نحن نابتين ضاربين بالعمق
ما من عودة مطلقا
ضابطين النفس الأخير الواحد! الآن لننطلق عن شد خيط القوس
رامين كما الخرق القديمة التالفة
كل ما حويناه على مر السنين
كل متعنا على مر السنين
كل ما جمعناه على مر السنين
السعادة
وأي شيء آخر.
نتحول إلى نشّاب
لننطلق جميعا نعلوا سوية جسما وروح!
هو ذا الهواء يصيح ! اخترقوا الهواء
هيا نعلوا جسما وروح
في الظلمة والنهار ، الهدف يسرع نحونا
أخيرا فيما الهدف يسقط
في دش الدم
لننزف كأسهم بالمرة متحدين
لن نتراجع !
لن نتراجع !
طوبى للسهام الشجاعة ، سهام أمتنا!
طوبى ، للمحاربين ! أرواح الصرعى !

(9)
جدّ ٌ أموميّ

جدنا الحنون جوي هونك كوان ،
كان طويلا حتى لتطول قبعته الإفريز،
أسفل السقف قاشطة أعشاش العصافير
دائم الضحك
إذا ما تصدقت جدتنا بلقمة لشحاذ
كان أول من يسعد
إن ما عنفته جدتي
سيضحك غير مبال لما تقول
في مرة وكنت صغيرا قال لي:
" انتبه لو انك كنست الزريبة جيدا
فستضحك الزريبة
وان تضحك الزريبة ،
فسيضحك السياج
ستضحك
حتى ضياءات الصباح
المطلة على السياج"

(10)
إندانغسو

ما أعمق نقطة في بلادنا ؟ إنها إندانغسو
أين نجد أعمق أفكار بلادنا؟
حتما ليس لدى توغاي العالم البارز،
بل في العزيمة القوية من فتاة معدمة واحدة
من مونغكمبتو باسم سم جونغ
اهرعي أيتها الغيوم الهوجاء العنيفة!
أقرعي أيتها الطبول العملاقة !
ليثار الموج الهائج في مضايق مونغومي
ليمزق كتل الصخر السائبة!
ليفتح كل شخص عينيه،
افتح عينيك أيها الأب البصير
أغرب لتبيع نفسك بستين يوشل من الرز!
ويا بنيّة حافظي على توازنك عند حافة المركب
ليحف بجنازتك المائية سبعون مركبا
بعيدا والى قصبة جانغ سان
جسدك المسجى بكل رياح العالم المتجمدة
جسدك الذي يعلو به العالم وينخفض
جسدك الآن زهرة اللوتس
جسد يتهادى بحرية مع الموج
برأسك المغطى بملاءات غامقة الزرقة
يتقاذفك الموج إلى قصبة جانغ سان
أستيقظ الآن أيها العالم! ، ليستيقظ كل شخص،
مثل ما معركة بعد مثار!
بكل ما يحسن شعبنا لأدواته
فتتحول المعركة إلى رقص
بجذل يأخذ بها الرقص
انظر : هو ذا العالم يتجدد!
بعيون مفتوحة على وسعها!
سم جونغ ، آه سم جونغ ، يا عزيزتي.


(11)
(بلا عنوان )

في الماضي، كان الشعراء يقولون
الأمة ضاعت
رغم أن الجبال والأنهار ما زالت باقية
في الوقت الحاضر
الشعراء يقولون
إنّ الجبالَ والأنهارَ ضاعت
رغم ذلك الأمة ما زالت باقية
غداً الشعراء سيقولون
وا حسرتاه
إنّ الجبالَ والأنهارَ ضاعت
الأمة ضاعت
أنت
وأنا جميعاً ضائعون

(12)
ضمير المتكلم الحزين


أنا حزين. ما عاد التنوير يعتد به
في مطلع القرن الماضي
بعد الثورة ، أجمع الشعراء السوفيت
على استعمال الضمير " نحن "
هكذا قرر الشعراء أن يشيروا لأنفسهم بالتعبير
" نحن".
كانوا منتشين
لم يقوَ قرارهم للخروج إلى الشارع
بسبب العواصف الثلجية
لكنه ظل نافذا، يتسكع داخل الأبواب.
إن أقسموا قدموا " نحن" .
وحيدا
" أنا" اختفت في مكان ما
من خلال المرآة
في يوم مشمس لامع ، اندفع ماياكوفسكي
صارخا صائحا " نحن"
هنا كان صوت شاعر الطريق.
لم يكن يسمح لـ ( أنا)
أن تحل في أي مكان.
" أنا" كانت كريهة
"نحن! "
"نحن … " وحدها ذات قوة سحرية .
ضغط السماء المنخفض ببطء انخفض أكثر.
فيما بقيت زهور الصيف تداس.
التهمت الثورة بالثورة
أبعدت الريح بكرة قدم الأولاد
مثلما ذهبت الريح بالأجواء المتوترة
لـ " نحن".
كتب أحدهم بجرأة
" أنا عاشق"، الآ
أنه لما تزل
هناك عادة قراءة " نحن عاشقون."
ثلوج الشتاء لم تذوب تماما
الربيع مجهول دائما.
في وقت متأخر من القرن الماضي
توفيت جمهوريات الإتحاد السوفيتي.
الواحدة تلو الأخرى ،
تخلت البلدان عن حلف وارشو .
منذ ذلك الحين
والشعراء ليس لديهم شاغل عدا " أنا"
يبدأون بـ " أنا"
كل يوم يختتم بـ " أنا"
لم يعد هناك من شيء
سوى " أنا"
حتى الرب كان مسميا آخر لـ " أنا."
اليوم ، كافة شعراء حزام الباسفيك
يوارون إلى ما لا نهاية أشباح " نحن" و " أنا"
في الموج. ما سيكون المولود الجديد ؟ من
سيولد لاحقا ؟ ليس " نحن"
ولا " أنا"
كل موجة وقبرها ، رحم موجة أخرى.


- من ديوان أزهار متأخرة (2002)
- ترجمها عن الكورية إلى الإنكليزية برذر أنتوني

مصادر:
- تبادل رسائل و الشاعر بواسطة زوجه
- ويكيبيديا wikipedia
- موقع الشاعر  http://www.koun.co.kr/default.html



 


 

Counters