الأربعاء 14 /2/ 2007
 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

هذا الكتاب

 

 

 

دنى طالب وجحيم البصرة


لطيف صالح

من امتع ما قرأت للروائية الشابة دنى طالب روايتها " النقطة الابعد".. فدنى شابة من مدينة البصرة، لها قدرة على القص والسرد فهي تعتني بالتفاصيل المترابطة منطقيا مع التاريخ الحقيقي للحدث.. هي تلتقط زوايا صعبة في حياة الانسان العادي، فابطالها يتحركون امامك تحسهم وتتأثر لمعاناتهم.. لكل شخصية من شخصياتها سلوكاً اجتماعيا مدروساً في فترة زمنية محدودة بظروفها واحداثها وتناقضاتها.. في بعض رواياتها * يطغى الشعر على لسان شخوصها فهيِ قد تربت في عائلة مثقفة همها الفن والموسيقى والشعر...
في "رواية النقطة الابعد" دنى طالب تدخلنا في دنى البصرة بشوارعها وازقتها واسواقها ومحلاتها الشعبية الزاخرة بالاحداث والمشاكل بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية دخولاً باحتلال الكويت وانتهاء ًبالانتفاضة الشعبية ..
تدور الاحداث بين الحي السكني للاساتذة في جامعة البصرة " قرب ساحة سعد" وكلية الزراعة ومحلة المشراق بالعشار واحياء وشوارع قديمة انتهاءً بالعودة إلى انكلترا..
البداية حية متحركة ومتدفقة، منذ شروع " فلاح" الدكتور المدرس في جامعة البصرة للتهيء للسفرإلى " مانتشسترستي" هدفه الهرب من الواقع الاجتماعي بعد حرب الخليج الاولى، بعثي انتهازي لايهمه في دنياه سوى السعي لتحقيق مصالحه الشخصية ومآربه الذاتية "دكتوراه في خطب ومقالات السيد الرئيس"!! لايتوانى عن خيانــة زوجته حتى وهو يسعى لاهثاً لاكمال مستلزمات السفر على حساب الدولة يهيء له الفوز بمنصب ارقى، لايخجل من السؤال والتوسط والتنازل، هكذا عرفه الاخرون، وهكذا عرفته زوجته وفاء بعد زواجهما .. فوفاء امرأة طيبة حد السذاجة لاتعلم عما يجري في هذا العالم .. تظن بانهم يرون العالم كما تراه هي.. ويفكرون بالطريقة التي تفكر بها، فها هي بكل بساطة تقول لأختها " لو كان الامربيدي لما رافقته في سفرته فما الذي تعنيه مانشستر بالنسبة لي.. هل تتصورينني بمزاج سائحـــة حقاً...وهل نصلح انا وفلاح لأن نكون سواحاً " ص51..
ففي مانشستر تجد نفسها في متاهات وعذابات لاقدرة لها على تحملها فها هي تجتر ذكرياتها مع اهلها وصديقاتها هيام وزوجها سالم وبشرى وزوجها خالد .. تشتد هموم وغربة وفاء وتثقلها الاحزان مع تلاحق الاحداث وأخبار الوطن الضائع واحتلال الكويت والضربة المتوقعة وانشغال فلاح المستمر وغيابه عن البيت لفترات طويلة وسفره الذي لاينقطع جعلها ترتمي بأحضان صديقـــه "عادل"..
بقية شخوص " دنى" شخصيات واقعية تتحرك ضمن حدود مكانها وزمانها فهيام وسالم وبشرى وخالد- اصدقاء وفاء وفلاح- وبقية الشخصيات هم تجسيداً حقيقيا للمعاناة اليومية والازمات والاخطار.. فبشرى التي جاءت من مدينة الحلة لتلتحق بأحدى كليات جامعة البصرة، هرباً من محيطها القاسي بعد وفاة أمها .. أقترنت بأستاذها خالد- مدرس مادة الفيزياء- في الاربعين من عمره، غريب الاطوار، بوهيمي، من اصحاب السهر وموائد القمار.. يلجأ إلى شرب الخمر ليلا نهارا منفصل عن عالمه ، عن اهله .. اصدقائه وطلبته.. لا يتوانى عن اهمال زوجته واطفاله،تاركا اياهم تحت رحمة القدر والعوز ونقص الغذاء وانقطاع الماء والكهرباء.... هرباً إلى بيت اهله في بغداد من هول القصف المدمر الذي يعصف بكل انحاء البصرة وضواحيها ..والذي يطال زوجته بشرى بشظية قاتلة في اليوم الاخير منه.. وتدفن في مقبرة الزبير القصية..
وسالم.. الذي يعود من الخارج بعد ان انهى دراسته.. يحمل مشروعه الذي يبحث في الزراعة النسيجية المتطورة ، واكثار نخيل التمر، ومزارع الكالس.. لكنه يصدم بالاهمال والاستهزاء من رؤساءه في جامعة البصرة.. فها هو فلاح يسخر منه قائلا:- ( أخي عندك اكتشاف يخص الاسلحة، الصواريخ، جرثومة صغيرة، ساعتها تصعد للبغداد.. فالعلم هنا لخدمة الجيش)!! ص 78 ..
يقترن سالم بهيام الشابة الخيالية التي كانت تنصرف إلى احلامها الصغيرة والتي تنذر لها النذور وتوقد الشموع .. توءمتها المرآة ، فتأتي على القيام بما لايخطر على بال من الافعال .. تبكي .. تضحك.. تحلم .. تتقمص ما يخطرعلى البال من الشخوص ..لم تستطع احتراف التمثيل، رغم عشقها له..تصاب بالاحباط واليأس بعد زواجها بسالم المحبط المنهار، الذي ينغص عليها حياتها من خلال مشاكسته المستمرة لأمها، والتي تؤدي إلى فرار الام من البيت..وخروج هيام بحثا عنها، لتفاجأ بالانتفاضة الشعبية فتصاب اثناءها وتنقل إلى المستشفى ، ولكن لا امل في تحسن صحتها حتى بعد نقلها إلى بغداد..
شخصياتها تنهار وتنهار عوائلهم ..خراب في كل مكان وموت في كل لحظة أنه جحيم العراق والبصرة الجديد بعد ثمان سنوات من آتون الحرب العراقية الايرانيــــة ..
لقد استطاعت دنى ان تدخل اعماق شخصياتها وتكشف عن المأساة الدامية .. الالــم .. الخوف.. الجوع.. الانهيار.. البكاء.. الدعاء.. الموت.. كل معاناة البشرية التي ليس لها يد في صنع القرار، وصولاً إلى اندلاع الانتفاضة الشعبية العارمة التي قمعت بالنار والحديد ..
" النقطة الابعد" رواية اصيلة محكمة في بناءها، ثرية ومتنوعة في شخصياتها ودنى طالب كاتبة مقتدرة وواعدة...


للكاتبة .. حرب نامة " مجموعة قصص"
اكتشافات متأخرة ، انتصارات صغيرة
عندما تستيقظ الرائحة " رواية "