| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

هذا الكتاب

 

 


 تاريخ التدمير المتواصل للمكتبات 


كتب تحترق
 


تأليف : لوسيان بولاسترون

لوسيان بولاسترون، مؤلف هذا الكتاب، هو من مواليد 1944، يتحدث اللغتين العربية والصينية. سبق له ونشر العديد من الكتب الخاصة بعالم النشر والكتب من بينها «الورق، 2000 سنة من التاريخ». هنريش هاينه، الشاعر الألماني الكبير، الذي نادى بالحرية لجميع البشر دون النظر إلى لون بشراتهم أو معتقداتهم، والذي نزع النازيون اسمه عن قبره حيث يرقد في مقبرة مونمارتر بباريس، ليكتبوا عبارة «هنا يرقد ألماني» يقول في جملة له ما معناه: «في بلاد تحرق الكتب فيها سيتم حرق الإنسان لاحقاً».
هكذا تلازمت ظاهرة نشر الكتب مع ظاهرة حرقها منذ العصور القديمة ولم يتوقف بعد ذلك، هذا ما يتقصاه مؤلف هذا الكتاب منذ وجود المهد الأول للمكتبات وحتى حرق المكتبات في الاسكندرية وسراييفو ومروراً بعصر الأندلس والصين والهند والغرب المسيحي والنازيين. هذا إلى جانب دراسة العديد من الحالات العيانية في الاتحاد السوفييتي وكمبوديا وسريلانكا وكوبا وأفغانستان والعراق مؤخراً، وبحيث تتوزع مواد هذا الكتاب بين عشرة فصول ومقدمة وملحقين.
لاشك بأن موضوع حرق الكتب شكّل أحد المواضيع التي أثارت اهتمام الكثير من الباحثين، وقد كان الكاتب البريطاني ذو الأصل الآسيوي طارق علي قد استهلّ روايته الشهيرة «تحت ظلال شجرة الرمّان» بالحديث عن حرق الكتب في الأندلس عندما تم إجلاء المسلمين عنها ولم ينج من الكتب الإسلامية آنذاك سوى تلك التي ألقاها البعض خارج المكتبات.
وقبل تدمير المكتبات كان هناك بناؤها، ويرى المؤلف أن ذلك كان بمثابة سمة مشتركة بين «سادة العالم» وبين أولئك الذين «يريدون سبر أغوار العالم». وإذا كانت المكتبات متواضعة في بداياتها بحيث أن أكثرها شهرة في أوروبا كان يضم عدة مئات فقط خلال العصور الوسطى، بينما فاق عدد الكتب في مكتبة الكونغرس الأميركي المئة مليون كتاب في نهاية القرن العشرين.
وتحت عنوان «في مهد المكتبات» يحدد المؤلف المهد الأول في بلاد الرافدين بين دجلة والفرات خلال الفترتين السومرية والأكادية، وكانت النصوص الأولى محفوظة على ألواح من التربة يتم تجفيفها تحت الشمس أو في أفران خاصة، ولكنها كانت سريعة العطب في الواقع. ويشير المؤلف بهذا الصدد إلى أن متحف فيلادلفيا يضم لوحاً فخارياً مدونة عليه قائمة بـ 62 عنواناً لأعمال أدبية يعود تاريخها إلى عام 2000 قبل الميلاد.
ويشير أيضاً في السياق نفسه بأنه «فيما بعد أظهرت سلالة حمورابي ولعها بجمع نصوص «المدن ـ الدول الأخرى». وفي المحصلة يرى «لوسيان بولاسترون» أن «أول مكتبة وطنية موسوعية» في التاريخ كان لا يمكن أن تشكل إلا في منطقة الهلال الخصيب، وان «المكتبات الملكية» الأولى تعود إلى تلك الفترة. أليست «ملحمة جلجامش» هي من أول النصوص الأدبية في تاريخ الإنسانية؟
وكان للمصريين القدماء أيضاً باع طويل في ميدان بناء المكتبات، حيث تتم الإشارة إلى أن أحد الموظفين في عهد «نيفراركارا» كتب في قبره بأنه كان «كاتب بيت الكتب» مما يدل على وجود مكتبات فرعونية قديمة. ثم قام الفلاسفة اليونان اعتباراً من القرن السادس قبل الميلاد بزيارات متكررة إلى مصر، ومن بينهم أفلاطون وفيثاغورث، لكنهم لم يتطرقوا أبداً إلى أي ذكر لوجود مكتبات فيها. لكن هذا لم يمنع «ترديد إشاعة خبيثة تقول بأن يونانياً مجهولاً وجد هناك ـ أي في مصر ـ نصاً جاهزاً صدر فيما بعد تحت عنوان الالياذة والأوديسة، كما يشير المؤلف.
ثم ان الحديث عن مصر يستدعي بالضرورة الحديث عن «مكتبة الاسكندرية الكبرى التي بنيت، كما تدل مؤشرات عديدة في عهد البطالمة، وحينما كان الملك الأول منهم قد أشاد «منارة» الاسكندرية التي تم وصفها فيما بعد بأنها «عجيبة العالم السابعة». أما المكتبة فقد أسموها بـ «فردوس المعرفة». ويشير المؤلف إلى أن بطليموس الثاني قد دعا أكبر العقول في العالم من أجل القدوم إلى الاسكندرية حيث تلقوا الغذاء والسكن وكذلك رواتب كبيرة للمساهمة في ذلك المشروع. وقد ضمت تلك المكتبة في بداياتها حوالي عشرين ألف كتاب يتألف بعضها من عدة أجزاء.
وكانت كليوباترة تزور تلك المكتبة الأم بانتظام. وكان الرومان في عهد قيصر قد تدخلوا في الصراع على السلطة في مصر لنصرة كليوباترة ضد أخيها «بطليموس الثالث عشر». ولذلك قرر القيصر إحراق الأسطول (المعادي) الضخم الذي وجده راسياً في الميناء. لكن «انتشر الحريق إلى أجزاء أخرى من المدينة (...) واشتعلت النيران بالمباني القريبة من المرفأ كما أدّت الرياح الى انتقالها بسرعة كبيرة». هكذا «تدمّرت تماماً مكتبة الاسكندرية الكبرى عام 48 قبل الميلاد». أما عدد الكتب التي تلفت فيتراوح حسب التقديرات بين 40 ألفاً ومليون كتاب.
هذا مع ان بعض الروايات الأقل ابتعاداً زمنياً عن الحدث تشير إلى حرق مستودعات للكتب قريبة من المرفأ وليس عن حرق «المتحف». وهناك رواية أخرى تقول بأن قيصر كان يحلم ببناء مكتبة كبرى في روما، لكن اغتياله منعه من تحقيق حلمه.. مع ذلك «بعد تسع سنوات فقط من معركة الاسكندرية، تم تدشين مكتبة روما». ومهما يكن من أمر فقد أعيد بناء مكتبة الاسكندرية من جديد لتأخذ تسمية «أم المكتبات».
ويعيد المؤلف للخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب الفضل في تعزيز مواقع الإسلام في مراحله الأولى. لكن المكتبات في «دار الإسلام» عرفت أوج ازدهارها في العصر الوسيط وخاصة في الاندلس. لكن جميع هذه المكتبات عرفت فيما بعد مصيراً مأساوياً.
ولعل الحالة الأكثر بروزاً تتمثل فيما آلت إليه مكتبة قرطبة في القرن العاشر، حيث تدمّرت تماماً وحيث الفاعلون يعرفهم الجميع كما أن «التضحية» بهذه المكتبة قامت على حسابات مسبقة. وقد كانت الأندلس هي مواطن الفقهاء والفلاسفة، وحيث يؤكد المؤلف بأن كلمة «فيلسوف» قد ظهرت للمرة الأولى في عهد عبدالرحمن الثالث.
وكان هذا التعبير ومفهومه قد رافق «الطب اليوناني». تجدر الإشارة هنا إلى أن الشاعر الألماني هنريش هاينه ـ المذكور أعلاه ـ قد ألف عام 1823 مسرحيته التي حملت عنوان «المنصور» من وحي تلك الحقبة الأندلسية التي لم تجد ما يضاهيها في التاريخ الإسلامي من حب للمعرفة والكتب إلا الفترة التي تأسس فيها «بيت الحكمة» في بغداد خلال القرن التاسع الميلادي والذي كان بمثابة «مكتبة شعبية تسيطر فيها حرية التعبير» و«المكان الذي شكّل بامتياز لقاء الفلسفة والدين».
لكن فترة الانفتاح التي شهدها عهد الخليفة العباسي المأمون انتهت سريعاً ليتحول «بيت الحكمة» في نظر المتزمتين إلى «خزانة المأمون».. ولم تسلم تلك الفترة من إتلاف بعض الكتب.. الأمر الذي واجهه المؤرخ المعروف الطبري بالقول: «لا ينبغي بأي حال من الأحوال إتلاف أي كتاب دون معرفة مضمونه بدقة».. الأمر الذي يعني بالوقت نفسه أنه كان ينبغي تدمير الكتب التي تم اعتبار مضمونها «غير مقبول».
ومن بغداد في العصر الوسيط إلى القاهرة التي عرفت آنذاك «أربع مكتبات خاصة» اثنتان منها كانتا تعودان ليهود، أحدهما هو الطبيب «إفراييم» والآخر هو الوزير «يعقوب ابن كيليس».. المكتبتان الباقيتان كانت إحداهما تعود للشاعر الطبيب ومؤلف كتاب حول أرسطو «المعرف».. أما الرابعة، والأكثر روعة، فكانت للأمير الفاطمي محمود الدولة ابن فاتك، لكن لم يبق من هذه المكتبات كلها إلا القليل من الآثار.
إن الحديث عن حرق الكتب وإتلافها يبقى ناقصاً دون الحديث عما فعله هولاكو في مكتبات بغداد وحيث ألقى من الكتب في نهر دجلة ما جعل مياهه تتلوّن بـ «لون الحبر».. ويروي المؤلف عن هولاكو أنه، وقبل أن يجعل الدماء تسيل جداول، جمع علماء المسلمين كي يطرح عليهم السؤال التالي: هل من الأفضل حاكم سيئ مسلم أم حاكم عادل غير مسلم؟
لقد كان هولاكو بوذياً ولكن العلماء كانوا على قناعة بأنه ومهما يكن الجواب الذي سيقدمونه عن السؤال، بأن هولاكو سوف يقطع رؤوس الجميع، ولذلك لاذوا جميعهم بالصمت باستثناء ابن طارس الذي قال: الأفضل هو غير المسلم.. ولم يكتف بذلك بل أصدر فتوى. وكانت نتيجة ذلك أن أنقذ رأسه. وينقل المؤلف عن أحد معاصري فترة وجود المغول في بغداد وصفه الرعب الذي أثاروه بالقول: «كانوا يقتلون ويقتلعون كل شيء ويحرقون ثم يأخذون معهم كل ما يستطيعون».. ويقول المؤلف: «في بغداد، وبعد أن قتلوا الجميع كانوا يهدمون المراصد والمستشفيات والجامعات بحيث لا تستطيع المدينة المجيدة أن ترفع رأسها من جديد».
مع ذلك، وما يؤكده المؤلف، هو أن قوات تيمور لنك استطاعت أن تفعل في سوريا عام 1401 أشنع بكثير مما فعله المغول في بغداد.. إذ لم يبق قائماً في سوريا إنسان أو كتاب أو مئذنة».. ونتيجة هذا كله هي أن «العالم العربي قد تخلى لقرون كاملة عن أية حركة علمية».. ذلك أنه قد خسر المعين الهائل الذي كانت تقدمه مكتبات بغداد ودمشق بشكل خاص. لكن بعد قرنين من المآسي والتدمير والحرق والإتلاف..
قامت في أرض الإسلام ثلاثة أنظمة متباعدة عن بعضها البعض جغرافياً لكنها متقاربة جداً في وجودها الزمني لتكون بمثابة بؤر للإشعاع والاكتشافات العلمية.. وذلك مع الخليفة المأمون في بغداد والأمويين في قرطبة والفاطميين في القاهرة.
وتحت عنوان «تدمير المكتبات الجديدة» ينطلق المؤلف من القول بأن ما صرحت به الولايات المتحدة الأميركية بخصوص أنه لم يهاجمها أحد فوق أرضها قبل حدوث تفجيرات 11 سبتمبر 2001 إنما هو قول خاطئ ذلك أن البريطانيين قد هاجموها عام 1812.. وبتاريخ 24 أغسطس 1814 قام الجيش الغازي البريطاني بإضرام النار في قبة «الكابيتول» وأحرق الـ 3000 كتاب التي كانت تحتويها المكتبة الفتية.. ومن المصادفة الغريبة أن تكون موسكو قد شهدت «حريقها الكبير» في شهر سبتمبر من عام 1812 من قبل مطلوبين إلى العدالة وبتحريض من حاكم المدينة.
ثم جاءت التكنولوجيات العسكرية الحديثة لتصبح عمليات الحرق والتخريب تجري بواسطة القصف من بعيد أو من الجو، دون المخاطرة بإضرام النيران بواسطة اليد المجردة.. باختصار «تغيرت قواعد اللعبة».. وأصبحت «الكتب في حالة حرب» أيضاً.. وكانت خسائر الفرنسيين والألمان كبيرة على هذا الصعيد؛ وذلك قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية بكثير.. ففي عام 1870 وأثناء الحرب بين بروسيا وجيوش نابليون الثالث..
ذلك أن مدينة ستراسبورغ القريبة من الحدود البروسية «الألمانية» كانت قد أكدت بأنها سوف تقاوم و«ستدافع عن نفسها طالما هناك جندي واحد وقطعة خبز ورصاصة واحدة».. قد تلقت ليلة 24 أغسطس من تلك السنة 1870 عمليات قصف كثيفة أدت إلى حرق المكتبة التي كانت تضم 400 ألف مجلد.
وفي إيطاليا التي تلقت في الحرب العالمية الثانية قنابل الألمان والحلفاء بالوقت نفسه فقدت أكثر من مليوني كتاب مطبوع إضافة إلى 39 ألف مخطوط.. هكذا كانت مكتبة أكاديمية العلوم والآداب في فلورنسة قد تدمرت نهائياً عام 1944.. لكن المؤلف يشير إلى ذلك «الجيل من الرماد» الذي عرفته إيطاليا لم يكن ليعادل سوى «الشيء القليل» عما عرفته بريطانيا حيث يتم الحديث عن أكثر من عشرين مليون كتاب قد أتلفت ربعها كان خلال شهر ديسمبر من عام 1940 في مكتبات مدينة لندن المختلفة، وحيث ذكّر من ذلك بالحريق الكبير الذي عرفته العاصمة البريطانية عام 1666، كان هتلر يريد أن تحرق نيران مدافعه أقصى ما يمكن ��ي بريطانيا.
وماذا عن بلجيكا المحايدة؟
لقد كانت بلجيكا محايدة بالفعل أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنها كانت تقع في أسوأ مكان في العالم من أجل اتخاذ موقف محايد، ذلك أن حيادها لم يستطع منع تدمير أعداد ضخمة من الكتب التي كانت تحتويها مكتباتها، ولم ينج من جميع هذه المكتبات سوى المكتبة الملكية التي بقيت «سالمة» بشكل كامل تقريباً، إذ خسرت مكتبات «سان ترود» و«ثماند» و«تروناي»أكثر من 70 ألف كتاب من مجموعة الـ 75 ألف كتاب التي كانت تحتويها.
إن الخراب الكبير الذي سببته الحروب الحديثة على مستوى اتلاف الكتب يعود بالدرجة الأولى إلى استخدام القنابل الحارقة التي يمكن لآثارها ان تصل إلى الأقبية حتى الأكثر عمقاً فيها كي تتلف محتوياتها القابلة للاشتعال، هكذا أحرقت القنابل الانجليزية ـ الأميركية خلال يومين فقط (13 ـ15 فبراير 1945) وسط مدينة «درسدن» الألمانية كله.. وبكل ما فيه وقتلت خمسة وثلاثين ألفاً من البشر، لا أحد يعرف كم من آلاف الكتب جرى تدميرها.
وكانت اليابان قد تلقت أثناء الحرب العالمية الثانية عدداً ضخماً من القنابل التي اطلقتها مدافع «العالم الحر» وطائراته وحيث تحوّلت إلى رماد محتويات عدد لا يحصى من المكتبات بما تحتويه من كتب، فخلال ساعة فقط تم حرق 220 ألف، فمن المكتبة العامة بطوكيو إلى 69 ألف كتاب في وزارة الخارجية ومئات الآلاف من الكتب في المكتبات الأخرى.

وكتاب عن «مجازر الكتب» في التاريخ بالتوازي مع «مجازر البشر».

الكتاب: كتب تحترق
تاريخ التدمير المستمر للمكتبات
الناشر: دونويل ـ باريس 2004
الصفحات: 43 صفحة من القطع المتوسط