نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

فنون

 

 

 

الأثنين 13/2/ 2006

 

 

 

 الإسلام وحرية التعبير - الفنون نموذجا -
 


منذ تأسيسه في العام الماضي سعى معهد " أيسين" السويدي ـ العراقي للديموقراطية والتنمية في العراق، إلى تناول العديد من الموضوعات التي تحمل نمطا من الإشكاليات المعرفية والسياسية واضعا شرط الموضوعية والعلمية هدفا اساسيا لتلك الموضوعات وبالتعاون مع الجمعية الثقافية العراقية في مدينة مالمو السويدية قدم المعهد محاضرة جديدة بعنوان ( الإسلام وحرية التعبير – الفنون نموذجا-) للباحث العراقي الدكتور حسن السوداني عضو المعهد والتي تتعرض لموقف الإسلام من الفنون البصرية- السينما، المسرح، الفنون التشكيلية- قدم الأستاذ فاخر جاسم مدير معهد أيسين نبذة مختصرة عن الباحث واهم نشاطاته في مجال البحث في الفنون البصرية ثم تناول إشكالية التقاطع الوهمي بين الإسلام والفنون وأهم التساؤلات المطروحة في هذا الباب، والتي دعى المحاضر للإجابة عنها .
ركز الباحث في بداية المحاضرة عن وجوب فض التشابك بين الدين الإسلامي وبين التشريع الاسلامي بمختلف مشاربه محاولا الرجوع الى اصل الاشياء واهم التقاطعات المطروحة في الفقه الاسلامي حول موضوعة الفنون- السينما والمسرح والتشكيل- مستعرضا اهم تلك التقاطعات ومن بينها نصوص المنع والتحريم الصادرة من المؤسسات الدينية والحكومية على حد سواء كالفقرة (5) من قرار رقم 220 لعام 1976وزارة الإعلام والثقافة المصرية لجنة الرقابة على المصنفات الفنية والتي تنص على: منع ظهور صورة الرسول(ص) صراحة أو رمزا أو صورة أحد الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة وسماع أصواتهم وكذلك إظهار صورة السيد المسيح وصور الأنبياء بصفة عامة وعلى أن يراعى الرجوع في كل ما سبق للجهات الدينية المختصة" فضلا عن فتاوى الفقهاء والشيوخ ومن بينها: ـ ليس هناك باطل على وجه الأرض أبطل من التمثيل ـ للفقيه أحمد بن الصديق في رسالته الفقهية إقامة الدليل في حرمة التمثيل ـ والشيخ يوسف البدري عضو مجمع البحوث الإسلامية ومفتي الشارقة السابق والقائل:أجمع علماء المسلمين على تحريم تقديم الشخصيات الإسلامية في أعمال فنية ومن ينادي بأن هذه الأعمال تعطي صورة للإسلام وتساعد الغرب على فهمه واعتناقه أيضا أقول هذا هراء.. ـ ثم استعرض الباحث الفتاوى التي تتصف بنوع من الاعتدال ومن بينها آراء الإمام حسن الشيرازي في كتابه الشعائر الحسينية والتي تنص على: ـ لا مانع من تشبه الرجال بالنساء, والنساء بالرجال في التمثيل ـ والذي فرق بين التشبه الدائم والتشبيه المؤقت وفتوى شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي القائلة: ـ الغناء ليس حراما على إطلاقه أو حلالا على إطلاقه.. وأن العبرة بالمعنى... الرسول(ص) حينما كان يحفر الخندق هو وأصحابه في غزوة الأحزاب كانوا يرددون بعض الأغاني بغية طلب العون والمدد .
ثم تناول الباحث سردا تاريخيا لعلاقة رجال الدين بالفن الجديد-السينما- حيث أكد أن أول من أنتبه إلى تأثير السينما هم رجال الدين المسيحيين والمبشرين منهم على وجه الخصوص حيث بدؤوا بإنتاج سلسلة أفلام التوراة مثل: ( الوصايا العشــر) و( سادوم وعمورة) لـ( سدي ميل) و( شمشون و دليلة) لـ( وليم ويلر) وبعض الأفلام الدينية التي تناولت حياة السيد المسيح أبان دعوته وما لاقاه من عنــت وتعسـف من الدولة الرومانيـة كفيلم ( ملك الملوك). ثم استعرض
أولى المحاولات العربية في هذا الباب كانت للفنان المصري يوسف وهبي الذي حاول تجسيد شخصية الرسول(ص) في السينما بالتعاون مع المخرج وداد عرفي في عام 1926 والذي جوبه بانتقادات شديدة من قبل علماء الأزهر الذين رفضوا ظهور الشخصيات المقدسة في السينما وأجبر يوسف وهبي على تقديم اعتذار علني عن فكرته هذه تحت ضغط الإكراه الذي وصل بالملك فؤاد إلى التهديد بحرمانه من الجنسية المصرية إذا أصر على تأدية الدور. وأسفرت تلك الحادثة عن وضع جملة من الشروط على المنتج السينمائي المصري من قبل رجال الأزهر تلخصت بما يلي:
الاستغناء عن مغريات الجسد بانطلاق الروح وعن اللذات الملموسة بالنشوة المحسوسة. وأن يخاطب القلوب والعقول خطابا واضحا مستنيرا حتى يحس الجمهور بأن السينما ترتفع به إلى ربه ولا تنزل به إلى حمأة الشهوات. والالتزام بالملابس الشرعية بالنسبة للنساء، فلا يظهرن كاسيات عاريات بما يشف ويكشف ويجسم ولا مائلات مميلات بما يغري ويقلد. الابتعاد عن الأحضان والقبلات بعدا نهائيا.
ثم تناول المحاضر فكرة التحريم والتي لخصها بفكرتين أساسيتين هما: التحريم بالموضوع: وهو أن الفن مباح وأن حكمه هو حكم موضوعه فإذا كان الموضوع شائنا ويمس الحرمات فهو محرم وما كان غير ذلك فهو مباح. والتحريم بالذات: هو تحريم على وجه الإطلاق وهو من أكبر الكبائر والمحرمات. وهو يعتمد على الحديث النبوي : ( ليس منا من تشبه بغيرنا) وتطرقت المحاضرة لأهم نصوص المنع على الأفلام التاريخية والدينية ومن بينها فليم القادسية الذي جاء بنص المنع: ( تدور أحداث هذا الفيلم حول الصراع بين العرب والفرس وانتصار العرب في معركة القادسية بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص(رض) واللجنة التي شاهدت هذا الفيلم ترى أنه قد خرج على ما أجمع عليه علماء المسلمين وأقره مجمع البحوث الإسلامية من منع تمثيل شخصيات العشرة المبشرين بالجنة وسعد بن أبي وقاص(رض) بطل هذه الملحمة واحد من هؤلاء المبشرين العشرة). وبالسبب ذاته منع فليم الرسالة من العرض في مصر من قبل لجنة الرقابة على المصنفات الفنية في الأزهر بدعوى ظهور العديد من الشخصيات الإسلامية في الفيلم وهو ما يتنافى وتعليمات الأزهر بمنع ظهور هذه الشخصيات مطلقا في الأعمال الفنية. وتكرر الأمر مع فليم”المهاجر 1992“ الذي رفضه الأزهر بشكل تام كونه يجسد شخصية أحد الأنبياء" النبي يوسف(ع)". وصل الموضوع إلى حد الحسبة التي أقامها أحد المحامين لوقف عرض الفيلم. وهذه الممنوعات كلها أدت إلى توقفت عجلة إنتاج الأفلام الدينية منذ عام 1972 بعد إنتاج آخر فليم ديني في السينما المصرية “الشيماء“. وعن علاقة الإسلام بالفنون التشكيلية أكد الباحث على أن التشريع الإسلامي قد حرم بشكل قطعي أي رسوم تصور الأنبياء والصحابة، وذلك يشمل الكاريكاتور، والتصوير بجميع أشكاله كان مرفوضا في الثقافة الإسلامية منذ قيام الرسول(ص) بتحطيم الأصنام حول الكعبة اثر فتحه مكة وقد اقتصرت الحياة الفنية الإسلامية على الزخارف والنقوش المجردة والتفنن في الخط العربي مع الابتعاد كليا عن تصوير الأشخاص أو الحيوانات وهناك بعض الاستثناءات القليلة مثل رسوم الغزلان والأشجار في قصر هشام بن عبد الملك في أريحا وفي الضفة الغربية. وفي مطلع القرن العشرين، اصدر مفتي الديار المصرية الإمام الراحل محمد عبده فتوى أجاز فيها التصوير والنحت استنادا أيضا إلى السنة النبوية وعلله بانتهاء سبب رفض التصوير مع انتشار الإسلام واستحالة العودة لعبادة الأصنام. وبيت المحاضرة أن الرسوم التصويرية كانت موجودة في سقف الكعبة وجدرانها وقد أمر بوضعها سادة مكة. وكان من بين هذه الصور صورة إبراهيم عليه السلام ومصورة عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام. وبهذا الصدد أيضا يذكر الباحث حادثة دخول الكعبة التي رواها الأزرقي في كتابه أخبار مكة وفيه أن الرسول (ص) لما دخل الكعبة بعد فتح مكة قال لشيبة بن عثمان : يا شيبة امح كل صورة فيه إلا ما تحت يدي، ثم رفع يده عن صورة عيسى بن مريم وأمه. ويورد الباحث رأي المستشرق كريسويل الذي حدد ثلاثة أسباب أساسية لفكرة تحريم الصور في الدين الإسلامي هي:
تأثير حركة تحطيم الايقونات المسيحية على موقف المسلمين بالتشدد حيال التصوير. التأثير اليهودي وعلى وجه التحديد التلمودي من موقف المسلمين من التصوير.و خوف الساميين، والعرب منهم من التصوير وارتباطه بالسحر. وخلصت المحاضرة إلى أن التحريم لم يرد فيه نص في القرآن الكريم ينهي عن التصوير، لا صراحة ولا ضمناً وكذلك الأمر في السنة الشريفة يمكن تلخيصه بما رواه الازرقي و ابن حجر في شرح صحيح البخاري. وهو ما استدل منه على أن التصوير لم يكن منهياً عنه جملة، وان النهي انصرف إلى ما هو مسف من التصوير وما يحول بين العبد وربه ويسيء إلى معتقده.
ثم فتح باب المناقشة حيث شارك الجمهور بطرح العديد من الأسئلة المتعلقة بالمادة المناقشة والتي انصبت في معضمها على فكرة التفريق بين الإسلام والتشريع الإسلامي وآراء المجتهدين وقد أجاب المحاضر على تلك المداخلات بالكثير من الشفافية داعيا الى الانفتاح على الآخر فكرا وحوارا وعدم الانغلاق والنظر إلى النصوص بعين واحدة فقط.