نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

فنون

 

 

 

الجمعة 10/2/ 2006

 

 

 

 فصول من تاريخ المسرح العراقي


( الفصل السابع )
( 8 شباط 1963 والمسرح العراقي )



لطيف حسن

مرت على العراق بعد 8 شباط 1963  ، فترة عصيبه تمثلت بالرده والتراجع عن اهداف ثورة 14 تموز التحرريه ، وتصفية منجزاتها الديمقراطيه والاجتماعيه ومناصريها بالعنف والبطش الدموي الفاشي في انقلاب اعد ته المخابرات الاجنبيه ، وبدفع من شركات النفط العالميه التي تضررت مصالحها في العراق بعد تأسيس شركة النفط الوطنيه العراقيه التي حررت الحقول النفطيه الغير مستغله من براثن الكارتلات النفطيه العالميه .

واستخدمت كل اعداء ثورة 14 تموز الذي تحالفوا فيما بينهم في جبهه واسعه ضمت البعثيين والقوميين والناصريين الى جانب عتات الرجعيه من بقايا الاقطاع والحاقدين ، وشكلت منهم رأس الحربه والمنفذه للانقلاب .

استلمت هذه القوى زمام السلطة في الحكم من فوق ، بعد مقاومه عنيفه من الشارع ، بمساعدة حفنه قليله من العسكر ، وقاعدتها الاجتماعيه كانت ضيقه جدا ، و لم يكن في جعبتها أي برنامج اجتماعي او ثقافي او تنموي جدي معلن يؤسس للمرحله المقبله ، عدا مغامرة الاطاحه برأس النظام السياسي ، وايقاف مسيرة التحرر والعودة الى الوراء لتأمين مصالح الولايات المتحده والغرب في العراق ، وكفى .

لم يكن لدى الانقلابيون أي برنامج جاهز لتوجيه الثقافه ، او ادواتها في الوسط الذي كان خاليا من عناصرهم تماما ، لاسيما المسرح الذي كانوا يفتقدون فيه الى العدد الادنى من الرموز الفنيه المؤثره التي يمكن ان تحل محل الديمقراطيين واليساريين الموجودين على امتداد الساحه ،( كان لديهم نفر من طلاب المعهد وبعض النكرات الحزبيه الغير موهوبه في الوسط ) .

ماكان عليهم الا اتباع سياسة جرف كل شيء وهدم وحرث كل شيء ، ثم تنظيف الساحه الفنيه ، والبدء على ارض خراب بناء وبلورة ثقافتهم البديله ، التي وضحت معالمها الفاشيه المشوهه ، المنقطعه عن الجذور الاصيله للثقافه العراقيه ، وتقاليدها السمحه ، واكتملت وفرضت على المجتمع العراقي على شكل ثقافه وحشيه بشعه ، ذات صوت واحد ، في عهد صدام حسين .

البيان الذى تلى بيان رقم 13 الصادر من الحاكم العسكري و الذي يقضي بأعدام الشيوعيين اينما وجدوا في الشوارع ، هو البيان رقم14 الذي يقضي بالغاء أجازة عمل كافة الفرق المسرحيه وايقاف اعمالها وهي كما وردت في البيان : -
1- فرقة المسرح الحديث
2- الفرقه الشعبيه للتمثيل
3- فرقة مسرح 14 تموز
4- فرقة الزبانيه
5- فرقة المسرح العراقي
6- فرقة المسرح الحر
7- فرقة المسرح الجمهوري
8- فرقة الفنون الشعبيه
9- فرقة شباب الطليعه
10- فرقة الشعله للتمثيل
11- فرقة السلام للتمثيل

وعمليا لم تتوقف فرقة مسرح 14 تموز عن العمل ، التي مالت منذ اليوم الاول لهوى الانقلابيون هذه المره ، وبقيت مستمره في اعمالها التلفزيونيه والاذاعيه ، واضافت جملة ( تحت التأسيس ) تحت اسمها ، وكذلك فرقة المسرح الحر.

أمتلأت المعتقلات والسجون بالمثقفين والمبدعين الديمقراطيين ، ولم تكن حصة المسرحيين قليله ،من قائمه طويله احتوت اكثرية طلاب معهد الفنون الجميله واكاديمية الفنون ، واعضاء من كافة الفرق المسرحيه التي كانت تعمل بدون تمييز ، مجرد انه عضو في الفرقه الفلانيه .

نعدد فقط بعض الاسماء من الرموز الفنيه في الساحه المسرحيه التي اعتقلت بعد شباط :-

يوسف العاني ،
سامي عبد الحميد ،
ناهده الرماح ،
آزادوهي صاموئيل ،
خليل شوقي ،
على فوزي ،
مجيد العزاوي ،
طه سالم ،
عبدالواحد طه ،
عبد الجبار عباس ،

وآخرين يصعب أحصائهم ، قضوا فترات متفاوته بالاعتقال دون محاكمه .

ولم ينج الاخرون من الديمقراطيين والمستقلين من الاستدعاء لمقرات الحرس القومي وأخضاعهم للأستجواب والاهانه ، وطرد عدد كبير منهم من وظائفهم وسحبت ايديهم من العمل .، وتمكن عدد آخر منهم التملص من الملاحقه وا لاختفاء عن اعين السلطه كما فعلت زينب ، وترك العراق وهاجر عدد اخر منهم ليتخلص من الاختناق في هذا الجو الغير مسبوق .

غير الانقلابيون قوا م عمادة معهد الفنون الجميله ودمجت بها عمادة اكاديمية السينما التي لم تتخرج منها الدوره الاولى لحد ذلك الوقت ، وانتقلت الاكاديميه من بنايتها القديمه الى بناية الفنون الجميله .

أسندت العماده الجديده الى جاسم العبودي ، هذا الفنان الكبير الذي تورط ، بدوافع غير معروفه ، الى التعاون الكامل معهم مع الاسف ، طوال تلك الفتره ، وارتضى لنفسه ان يلعب دور مخلب القط في أعادة تنظيم وهيكلة هاتين المؤسستين الهامتين بشكل يتفق مع التوجه السياسي الجديد .

اول اجراء قام به الانقلابيون ، لمعالجة ورطتها مع المعهد والاكاديميه ، هو اجراء غريب تماما ، وغير مفهوم لحد الان ، ولايفسر بغير انه نوع من الانتقام من مؤسسه ظلت طوال تاريخها مع التيار الديمقراطي والتقدمي في المجتمع ( طلبه واساتذه )، اذ قاموا بايقاف القبول للطلبه الجدد بأقسام المعهد والاكاديمه للسنه الدراسيه ( 1963 - 1964 ) .

ثم تلاه اجراء تحويل في طبيعة وادارة اقسام المعهد الاربعه ( التشكيل والنحت والموسيقى والتمثيل ) اصبحت اقسام في معهد جديد سمي ( بمعهد اعداد المعلمين )، وحولت الاكاديميه الى اسم (المعهد العالي لاعداد المدرسين ) نازعين من المعهد صفته الاكاديميه التخصضيه التي من اجلها تأسس في عام 1940 .

أثار هذا الاجراء بلبله واستياء بين الطلاب ، ولم تسفر اعتراضاتهم عن نتيجه .. الا ان هذا الوضع الغريب لم يستمر طويلا ، فقد ازيح الانقلابين بعد اقل من سنه ، وازيح معهم من العماده جاسم العبودي ، بأنقلاب تشرين المضاد من رفاق وحلفاء الامس ، وألغيت معهم كل الاجراء ات والتغييرات على نظام المعهد والاكاديميه الذي لم يستمر اكثر من سنه ، واسترجعت هاتين المؤسستين مرة ثانيه اسميهما ونظاميهما القديمين ..

ولسد الفراغ الكبير الذي احدثه غياب الفرق المسرحيه ، نشط معهد الفنون الجميله والاكاديميه في هذه السنه بعدد من الاعمال العالميه التي بدائت التمارين عليها قبل 8 شباط ، وتوقفت بسبب الانقلاب لحين ، ثم عادت التمارين عليها مجددا ، فقدمت مسرحية ( دنيا المصالح) لخسنتو بنفنتي اخراج جاسم العبودي ( الاستاذ كلينوف) لكارين برامسون اخراج جعفر علي ، وقدمت الاكاديميه ( ثمن الحريه ) لروبلس اخراج عبد الجبار ولي .

ماقدم على مسرح المعهد لم يكن هو مايريده الانقلابيون من المسرح ، ولا هو طموحهم ، لذا حاولوا يائسين أيجاد مخرج آخر لسد الفراغ ، ففكروا باحياء فرقة حقي الشبلي الذي طواها الزمان لما تعرف عنها من نأيها في المسرح عن المشاكل السياسيه ، وهذا ماكانوا يريدونه.

اتصلوا بالشبلي الذي كان آنذ مفتشا ومشرفا تربويا في وزارة التربيه ، واتصل الشبلي بدوره بطلاب الدورة الاولى للمعهد واساتذة معهد الفنون لتشكيل فرقه كبيره واحده باسم الفرقه القوميه التي طالما كان يحلم بتأسيسها على نمط الفرقه القوميه المصريه ، وعقد الشبلي فعلا عدد من اللقائات بالفنانين في ايلول من نفس العام، وناقشوا موضوع تأسيس الفرقه ، ونشرت الجرائد في حينها تبشر بأن الشبلي قد شكل اكبر فرقه مسرحيه في تاريخ العراق تضم كل الفنانين في الساحه ، وايضا فشلت جهود الشبلي في لم الفنانين حوله وتشكيل الفرقه القوميه كما في كل محاولاته السابقه لتأسيسها .

ثم بدأت تدعم فكرة تشكيل مجموعه من ابرز طلبة المعهد مع مجموعه من الفنانين والفنانات يختارهم ، ويجمعهم ابراهيم جلال العائد لتوه من الولايات المتحده ، في عمل فني كبير يختاره ابراهيم جلال بنفسه. ، وتقدم للجمهور على قاعة مسرح الخلد، ويجري تسجيلها ونقلها تلفزيونيا. دون تدخل كبير منها .

وفعلا اختار ابراهيم جلال مسرحية ( كاليغولا ) لكامو ،واختار لها الممثلون وبذل طاقم العمل جهود جباره ومكثفه في التمارين والتحضيرللعمل وانضاجه للعرض، وتم فعلا تنفيذ الديكور والملابس ، وقبل العرض بأيام محدوده ، حدث انقلاب تشرين الذي الغى العرض ولم تقدم المسرحيه بعدها .

شكل الفنانون العاطلون عن العمل في هذه الفتره ، فرقا تمثيليه عديده سميت بالجماعات، او فرق مسرحيه تحت التأسيس ، اذ ان القانون الذي ينظم عمل الفرق المسرحيه قد الغي ، ولم يصدر قانون اخر بديل حتى ذلك الوقت ، بعض هذه الجماعات امتداد لفرق قديمه ملغيه ، واخذت تنشط في الاعمال التلفزيونيه والاذاعيه دون ان يسمح لها بالعمل المسرحي ، وكثر الممثلين العاطلين الذين اعتادوا ان يجتمعوا في كفتريا دار الاذاعه والتلفزيون يوميا ينتظرون من المخرجين ان يشركوهم في دور اذاعي لقاء مبلغ تافه ( دينار او ديناران ) على المشاركه في التمثيليه الواحده ، حتى ان الكافتريا كانت تدعى في ذلك الوقت ( بالمسطر) نسبة الى المسطر الذي يجلس فيه العمال في انتظار قدوم المقاولين لتشغيلهم .

في هذه الفتره نشط الانقلابيون المسرح المدرسي والمسرح الجامعي بمسرحيات من ذات الفصل الواحد الدعائيه الهشه ، التي سرعان ما نسيت و انمحت من الذاكره الان .

بطبيعة الحال سبق كل هذا ان الانقلابيون في آذار من 1963 ، أي بعد شهر من استلامهم للسلطه ، شكلوا فرقه مسرحيه جمعوا فيها كل عناصرهم الهامشيه في الوسط المسرحي والغير معروفه ، من طلبتهم في المعهد ، وكان هذا في حقيقة الامر كل مالديهم في ذلك الوقت ، واسسوا ( فرقة الحرس القومي ) .

تكونت الفرقه من عطا محي الدين رئيسا ، و منعم الجابر سكرتيرا ، و ضياء البياتي محاسبا ، وقدمت طلبا شكليا لاجازتها ضمت اسماء اعضاء الفرقه الاخرين وهم :-

عيسى عبدالحسين
عبدالامير السعدي
رفيق كمال
محمد البلداوي
سيف الدين حديثي
ميسون حسين
سميره طه
فدوه خالد
ميسون الطائي
هاشم العزاوي
وليد الهندي
مدحت عبدالله
جودت العزاوي
علي صالح النجار
احمد هاشم
حميد السعدي
طه رؤوف
فرج الحديثي
محمد الجنابي
كامل القيسي
عثمان فايق
عزالدين طابو .

هذا كل ماكان عند الانقلابيين من عناصر ورموز في المسرح بعد شباط 1963 ‘ لم تقدم الفرقه سوى بعض الاعمال الهزيله في التلفزيون ، كتمثيلية ( الجيب العميل ) تأليف علي حسن البياتي و( يوميات حارس قومي ) وتمثيليات اذاعيه .

تفككت الفرقه وتلاشت بعد الانقلاب المضاد في تشرين ، وبعدها تجمعوا مجددا بعد صدور قانو ن الفرق المسرحيه لاحقا وشكلوا ( فرقة الفنون المسرحيه ).