|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  23  / 8  / 2025                                 د. أكرم هواس                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

غزة… "ما بعد التاريخ"
(3)

د. اكرم هواس *
(موقع الناس)

لا ادري ان كنت اسمح لنفسي ان اشعر بنوع من الاغتباط بان رسالة هذه المجموعة من المقالات قد وصلت … مع اعلان الامم المتحدة المجاعة في غزة بشكلٍ رسمي وردت نقطتان في كلمة الناطق باسم المنظمة الدولية: الاولى .. ان المجاعة تحصل في ارض خصبة.. و ثانيا .. ان المجاعة يتم نقلها الى العالم عبر وسائل التكنولوجيا… هاتان النقطتان وردتا بالنص في المقالتين الاولى و الثانية في هذه السلسلة … شكرا للام المتحدة .. و ننتظر التعامل القانوني و السياسي مع هذه الحقائق…

و انطلاقاً من هذا الاعلان المهم للامم المتحدة نناقش دور الدول و المنظمات الدولية في ازمة غزة… عموما يبدو ان الصدمة التي احدثتها الصور الحية
Live عن عمق ما يتعرض له اهل غزة قد خلقت تياراً بدأ يتصاعد تدريجياً في الاوساط الشعبية في العالم و دخلت بشكل او بأخر في غرف القرار السياسي Political Decision-Making Arena لكثير من بلدان العالم و خاصة تلك التي اعتبرت لعقود طويلة اي نقد لاسرائيل خطأً احمر لا يجرأ احد ان يتجاوزه … حتى ان بعض الذين حاولوا ان يبرزوا عدم التوازن في العلاقات الدولية في هذا الموضوع تم تحييدهم و عزلهم و اخراجهم من الفضاء العام (موضوع طويل سنعود اليه يوما ما..)..

لكن هذا التيار ما زال في طور الهمهمات… اي انه لم يخرج بعد من اطار الخطاب السياسي و لم يتحول الى مبادرات او قوانين او خطط و اجراءات سياسية او اقتصادية …

لاشك ان هناك تعقيدات اجتماعية و سياسية كثيرة تمس الذاكرة الشعبية و اسس الثقافة السياسية لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بكل ما تحمل من القيم الانسانية و ثقافة التعددية و حماية الاقليات … و هي قيم عظيمة خلقت التجربة الناجحة الاولى في تاريخ البشرية للتعايش السلمي و التنمية للجميع التي تجلت خاصة في اوروبا و بعض دول العالم الاخرى .. و ربما الاهم ان هذه التجربة اصبحت معياراً و مناراً ينشده الجميع ..

لكن للاسف لم يتمكن اغلب سكان الارض و مجتمعاتها الوصول اليه .. و بعيداً عن العوامل الطبيعية و الثقافية يكمن احد اهم الاسباب في القضية الرئيسية التي نحن بصددها في عدم وجود اي نوع من التوازن الواقعي في العلاقات الدولية.. و هذا ما يشكل عقبة كبيرة ايضا في كيفية تعامل دول العالم و منظماته الكبرى مع التطورات في غزة …

بكلام اخر… التطورات الرهيبة في غزة تفرض على الدول و المجتمعات اعادة النظر ليس في اولويتها السياسية و الاقتصادية … انما ايضا في مفاهيمها الفلسفية و قيمها الاجتماعية و الانسانية … الجميع يقف امام محطة ملتهبة من نقد الذات .. الفردي و الجماعي … و لعل بيان الامم المتحدة و خطابات امينه العام السيد
Guterres المتعددة يسهم في خلق مسار جديد و مختلف في العلاقات الدولية تعتمد التوازن و حق الجميع في الحياة ..

لكن رغم وجود اسس ممكنة
Potential للتحول الايجابي إلا ان الواقع للأسف يشهد مساراً رهيباً في التطور الاجتماعي السياسي و الاقتصادي في العالم … و هذا مما يزيد من عبء اي محاولة للتغيير خاصة ان الصراعات اصبحت اكثر شدة و دخلت بيوت الناس جميعا و في كل لحظة تترك اثاراً رهيبة في حياة الأفراد و الجماعات الصغيرة .. بينما يزداد الأقوياء في فائض قوتهم و جبروتهم .. حيث تشكل غزة احد التقاطعات الرئيسية في المرحلة الحالية … ربما نحتاج إلى اعادة تعريف لنظرية الحاجة التبادلية Interdependency … او نجد منطقاً جديداً او معادلة مختلفة لمفهوم التبادلية …

في المقالة القادمة سنناقش دور البيئة المحيطة… العالم العربي و جيرانهم… هل العرب مجرد "عجزة" كما يتصورها البعض …؟؟.. لا اعتقد .. لكن كيف ؟؟.. سنناقش … حبي للجميع
 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter