| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الخميس 26 / 6 / 2025 عبدالجبار نوري كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
تفكيكية نقدية لرواية " Oroppa" لصفاء الخنوسي
عبدالجبار نوري (*)
(موقع الناس)توطئة :
إن رواية (أوروبا) ليست رواية بوليسية بالمعنى المفهوم بل تبدو متقاربة بعض الشيء من أجاثا كريستي الروائية البريطانية من جهة عالم الغموض والتجهيل والأثارة ، لا أخفي شغفي وتولعي الطفولي أيام الشباب بروايات كريستي تلك الجنية المسحورة المتوحشة الرقيقة صاحبة الأفكار الفنتازية السحرية الواقعية والغريبة الأطوار في أختيار (الزمكنة) للجريمة بمهنية وأحترافية وبراعة أدبية غريبة وغير مسبوقة : أ ن يكون مكان الجريمة ذو نكهة ملطفة مخففة من الجو الخانق للجناية أما عنصر الزمن يكون معتقا بتقادم السكوج الأسكتلندي ، ولا أدري كيف تضاءلت قراءاتي لكريستي المهوسة ربما تقادم الزمن وسعة تعدد الثقافات .
النص :
إن التفكيك الأدبي يعد من السرديات المنهجية الغربية عند نقاد الغرب ونقاد العرب ، وكان المبتدأ في هذا الأتجاه الجديد للناقد والفيلسوف الفرنسي "جاك دريدا" Jacques Derrida واشار على إن التفكيكية هي أسلوب فهم العلاقة بين النص والمعنى وتفكيكهما والتركيز على مفاهيم التناقض والغموض في النصوص ومناقشة المفاهيم الميتافيزيقية التي تتحكم في اللغة والأدب والزمن ، ويمكن أعتبارها مدرسة لتقويض الحداثة والثورة على التقاليد الحداثوية للنصوص والتشكيك بكل ما تقوم عليه الأفكار والسرديات ، وأكثر وضوحاً [إن المعاني ليست ثابتة ومتماسكة بل هي قابلة للتفسير والتغيير، ويركز على زعزعة البنية اللغوية للنص السردي لأكتشاف معاني غير متوقعة وربما (معاكسة)] .
بأعتقادي هي نظرية أنقلابية تهدف إلى أعادة بناء النص وتحليله من خلال تقويض المفاهيم والأفتراضات المعتمدة قبل النقد ، فتعتمد التفكيكية النقدية إلى : - التركيز على التناقضات وأهمال البنية اللغوية للنص وأيجاد البديل للمعنى وبمشاركة المتلقي في صياغة المعنى بتوجه توافقي من خلال فهم النص ، وحبذا لو مررنا التفكيكية إلى تفعيل الذكاء الأصطناعي لكشف المستقبل المنظور على الأقل للسفر الأدبي والعلمي والقيمي لثقافات التعليم العالي .
ولنستعرض نتاجات بعض عمالقة الأدب المحلي والعالمي : كما ورد في بعض نصوص الأديب الأنكليزي (برنتراند رُسل) يقول : {أن الأديان مليئة بالأساطير ، وقيل أن الأنسان حيوان عاقل ، أبحث طيلة حياتي عن أدلة يمكنها تأكيد ذلك} كتاب تأريخ الفلسفة الغربية – لبرنتراندرسل ، وكما ورد في تشكيك طه حسين بالشعر الجاهلي لا يعني بالضرورة نفي الشاعر وأزاحته ِبل أراد الشك في تفسيرات القرأن بأعتمادها على الشعر الجاهلي - كتاب الشعر الجاهلي - طه حسين - من حيث معاني المفردات ، ويذهب طه حسين في كتابه الشيق (حديث الأربعاء) أبعد يبين التشكيك في واقعية رواية مجنون ليلى وحقيقتها بأعتبارها جزء من أسطورة مؤرخنة للأطلاع ، كما يعتبر العاشق قيس (ليس) مجنونا بالمعنى الحقيقي .
رواية "Oroppa" هي الأنجازالأدبي الأول للكاتبة المغربية الهولندية "صفاء الخنوسي"، نشرتها في العام 2024 وفازت بجائزة (ليبريس) الهولندية المتميزة والمشهورة عالمياً ، تمنح سنويا لأفضل رواية مكنتوبة باللغة الهولندية قبل سنة على الأقل للترشيف والتوثيق ، تأسست فكرة الجائزة عام 1994 وهي تساوي بمركزها المرموق ومكانتها عالميا جائزة "بوكر" البريطانية من حيث الأهمية الأوربية وخزين السفر الثقافي المحلي ، وقيمة مكافأة الجائزة المادية المالية حوالي (000 50 ألف يورو) ومذيلة بالجهة المانحة نقدا برعاية - سلسلة متاجر الكتب الهولندية بمشاركة المنظمات والمواقع الثقافية للأدب والشعر والتراث الحضاري ، وتمنح ضمن طقوس ممنهجة بألية مهيبة وتحت أضواء الأعلام المحلي والعالمي بحضور شخصيات ورموز ثقافية وعلمية بارزة وبمشاركة وفود دبلوماسية وبحفل رسمي من خلال الدائرة التلفيزيونية يبث من خلالها شروط ومستلزمات المشاركة للكتاب :
- أفضل رواية مكتوبة باللغة الهولندية بموضوعات حديثة ومثيرة تكشف تناقضات الهوية في أوروبا المعاصرة ، وصدور الرواية محددة ب2024 ، وأن يأتي المنجز بأفكار جديدة تتناغم مع الحداثة وما بعد الحداثة وأن تكون قد خضعت لنقد النقد والتفكيكية المنتجة ، وإنها أول رواية عربية تبني الودية مع أوروبا المعصرنة ، وتدور أحداث الرواية حول الفنانة المغربية اليهودية سالومي أيرجيل التي أختفت قبل معرضها الفني في أمستردام بشكل فجائي ومريبب دون أن تخبر أحداً وكشفت عن سبب الأختفاء في الفصل الأول من الرواية حيث تشاء الأقدار أن تتعرف سالومي بالسجان الذي كان يشرف على تعذيبها في زنزانتها المغربية في سنوات الرصاص ، أسمهُ (يوسف السلاوي) وقررت السفر إلى تونس لتتوارى عن الأنظار ورسمت صورة فجائعية عن بعض مقاهي مدينة تونس حيث الصخب والصراخ بين مجموعة من المهاجرين مستعدة للهجره عبر البحر المتوسط وبالزوارق المطاطية الأنتحارية وأخرين ينتظرون دورهم إلى المجهول !؟ وهم مجموعة من السكارى ومدمني المخدرات والمنبوذين والصعاليك كانت تلك الصورة السوداوية والكئيبة (إحدى) دوافع صفاء الخنوسي لكتابة الرواية .
رواية Oroppa هي المنجز الأدبي الأول للكاتبة المغربية الهولندية "صفاء الخنوسي" صدرت للعام 2024 ونالت أشادة واسعة وفازت بجائزة ليبريس الهولندية المرموقة ، وجاء في بيان لجنة التحكيم : إن الخنوسي تقتحم المشهد الأدبي للغة الهولندية مفتتحة عوالم خفية ومجهولة أمام القاريء الذي أستسلم للخنوسي والغوص معها بكامل الوعي والأهلية العقلية لمشاهدة عوالم المهجرين المهمشين والمنفيين والفوضويين المنبوذين.
وصفاء ولادة المغرب عام 1994 وهاجرت مع أسرتها إلى هولندا بعمر 4 سنوات ، درست الفلسفة في جامعة أمستردام ، كما تعمل في تدريس اللغة العربية ولها بحوث في المجالات الأدبية ، وأسباب أتجاهها لفضاءات العالم الأدبي الأوربي لبصمها الأنجاز الأدبي الأول بسيمياء عنوان مثير قابل للجدل Oroppa بأعتقادي لأسباب أبرزها سنوات الرصاص أو سنوات الجمر في وطنها الأم المغرب في كم الأفواه وملاحقة الأقلام الحرة المعارضة للنظام الملكي الحسن الثاني الديكتاتوري التعسفي للفترة 1960 – 1990 للقرن العشرين ، وأكتشاف ما يخفى من تجارب المهاجرين المفقودة وهوياتهم المتعددة .
الأسلوب الأدبي لصفاء الخنوسي في روايتها " أوروبا " !؟
- تبدي براعة في ترويض اللغة الهولندية مع المناسب في اللغة العربية
- تنتمي الرواية إلى فئة الأثارة والتشويق ، وتعكس صورة واقعية سحرية ملموسة في عالم المهاجرين المهمشين في أوروبا
- ترسم ببذخ سردي مدهش تكشف عن الوجه الخفي للقارة العجوز أوروبا .
- مشاركة المتلقي في فهم المعنى الجديد حسب أحدث نظرية في نقد النقد والتفكيك النقدي
- كشف مرارة ظاهرة أزدواجية الهوية الوطنية في الأنتماء الروحي ، وبناء جسور رصينة لتلاقح الحضارات
- أبعدت الرواية عن فخ أسلوب النمطية التجارية النفعية بمتلازمة لقطة الأكشن
- لم تعد مؤلفة الرواية "صفاء" كاتبة هامش واعد بل واحدة من نجوم السفر الأدبي العربي والغربي في دول الشتات
- رسمت بحبكة صميمية الهيكلة البديلة - حسب مقتضيات التفكيك النقدي لدخول عوالم الشتات لأوروبا العجوز
- وأعطت أهمية قصوى لمبدأ الأندماج النفسي والأستعداد التام لفهم الواقع الجديد والتأهيل من عوالق سالبة من أقبية ودهاليز الوطن الأم
وأخيرا:
إن رواية الخنوسي Oroppa محاولة لفهم العلاقة المعقدة بين المهاجر والمجتمع الأوربي الجديد ، وفي الفصل الأخير من الرواية ذات ال400 صفحة تشير وبثقة عالية بأشادات واسعة من نقاد الأدب العربي والغربي ترى على إنها تمكنت من تفكيك البنية الهيكلية للمهاجرين المهمشين إلى الصالح والطالح أو المتردية والسليمة ، رسمت بحبكة صميمية الهيكلة البديلة للأنسان الجديد في القارة المعتقة العجوز وبديناميكية متلازمة عشق الحياة المترعة بالأمل والتأمل والأصرار على تحقيق الذات .
في حزيران 2025 - ستوكهولم
(*) كاتب ومحلل سياسي عراقي مغترب