|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  25  / 8 / 2024                                 فاروق الرماحي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

كامل شياع
حلم العراق المغدور

فاروق الرماحي
(موقع الناس)

لم يكن كامل شياع مجرد اسمٍ عابرٍ في دفتر الثقافة العراقية، بل كان مشروعًا إنسانيًا يمشي على الأرض . حمل الحلم في قلبه كما يحمل الشاعر قصيدته، وسار في طرق وعرة وهو يلوّح للخراب بكتابٍ أو قصاصة أمل .

وُلد كامل شياع في مدينة الحلة عام 1954، في بيتٍ يعرف القراءة قبل الخبز.

منذ أيامه الأولى، كان يطل على العالم بفضول لا يشبه أعمار الأطفال.

درس الأدب والفلسفة في جامعة بغداد، وانفتح على الفكر اليساري الإنساني الذي يضع الإنسان قبل العقيدة والحزب والطائفة.

وحين ضاقت البلاد بعقله الحر، حمله المنفى إلى بلجيكا في الثمانينيات، لكن قلبه بقي هناك في الأزقة العراقية حيث تصدح أصوات المآذن وتختلط مع أناشيد المدارس وأحلام البسطاء.

لم يكن شياع من أولئك الذين يتخذون المنافي قلاعًا للراحة.

عاش في أوروبا، لكن عينه كانت معلقة ببغداد التي تركها خلفه، بغداد التي لم تتسع لصوت المثقف زمن الدكتاتورية.

كتب وترجم وناقش، وحين سقط الدكتاتور عام 2003، لم يتردد في العودة رغم إدراكه أن العراق لم يتحرر بعد من شبح الموت.

تسلّم مناصب ثقافية مهمة في وزارة الثقافة، ساعيًا إلى إطلاق مشاريع مثل المشروع الوطني للترجمة ودار ثقافة الأطفال ومبادرات لإحياء المسرح والفنون التشكيلية.

كان يؤمن أن الثقافة ليست ترفًا، بل مقاومة، وأن العراق لا يمكن أن ينهض بالسياسة وحدها دون أن تنهض روحه أولاً.

في صباح 23 آب 2008، في شارع من شوارع بغداد، أُسكت صوت كامل شياع برصاصات غادرة.

أراد القتلة إطفاء شمعة، لكنهم أشعلوا شموعًا لا تنطفئ.

تحوّل الرجل الذي كان يحمل حقيبة كتب إلى رمزٍ ثقافي، شهيد للفكر في بلدٍ أنهكته البنادق.

لم يكن كامل شياع مغنيًا، لكن حياته كانت أغنية طويلة لم تجد من يلحنها

أغنية العودة للوطن رغم الوجع، أغنية الإيمان بأن الثقافة يمكن أن تنقذ الإنسان، وأغنية الرفض للطائفية والكراهية.

كل مشروع بدأه، وكل فكرة حملها، كانت لحنًا صغيرًا في سمفونية أكبر من حياته.

حتى يوم رحيله، بقي يصرّ على أن العراق يستحق أن يُحَبّ، وأن الثقافة قادرة على مداواة الجراح، ولو ببطء.

اغتيال كامل شياع لم يكن اغتيال رجل واحد، بل اغتيال حلمٍ كامل. كان صوته وعدًا بأن الثقافة يمكن أن تعيد الحياة للعراق، لكن قوى الإرهاب أرادت وطنًا بلا أحلام وبلا مثقفين.

لقد صوبوا الرصاص إلى صدره، ليصيبوا قلب العراق نفسه، غير مدركين أن الحلم لا يُقتل، وأن الأغاني التي لم تُغنَّ ستظل تنتظر من يكمل لحنها.

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter