د. كاظم المقدادي
السبت 20/10/ 2012
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين..الأسباب والعوامل المؤثرة
( 17 )أ.د. كاظم المقدادي *
نظام التحويل الى المستشفى.. لأنقاذ المريض أم لموته ؟!!
ضمن خدمات الصحة وجد نظام تحويل المريض الى المستشفى لصالح المريض، أولآ وأخيراً، من خلال تحويله، من قبل الطبيب العمومي، أو معاون الطبيب،حيثما لا يوجد في المركز الصحي طبيباً، الى الطبيب الأستشاري لغرض تشخيص حالة مرضية ليست عادية أو غير معروفة، أو حالة مرضية تستوجب تدخلآ جراحياً، أو حالة طارئة تستوجب العلاج في المستشفى.ويحول الأطباء المتخصصون من العيادات حالات مرضية مستعصية- كما يفترض، تستوجب فحوصات إضافية ورعاية الطبية في المستشفى.وفي كل الأحوال يتعين ان يحمل المريض معه تقريراً طبياً عن حالته المرضية والغرض من الأحالة..علماً بان العديد من المستشفيات الحكومية تعمل بنظام الأحالة، لكنها ليست جميعها تطبقه.. لماذا؟
أعتبر الدكتور ضاري كيطان- مدير مستشفى اليرموك التعليمي ببغداد- نظام الاحالة بحق " نظاماً جيداً، ذلك لأن حوالي 2 من بين 20 مريضا فقط يحتاجون الى فحص لدى المستشفيات العامة، بينما الباقين يتعين عرضهم على مركز صحي لعلاجهم، لكن المريض دائما يبحث عن الشيء الافضل ونحن لا نستطيع ان نرفض استقبال المريض، خصوصا اذا كان قادما من مناطق بعيدة ، وهنا يتدخل الجانب الانساني"[1].من جهته،أوضح الدكتور عقيل كريم- مدير مستشفى العلوم العصبية- بان المستشفى" يعمل بنظام الاحالة، لكننا حالياً لانطبقه بالشكل المطلوب،لان المستشفى هو المركز الوحيد والمرضى يأتون من المناطق البعيدة في بغداد وكذلك من جميع المحافظالت، فلا يمكن تطبيق نظام الاحالة. وهذا جعلنا نستقبل كل المرضى ولانرفض أحدا، لاسيما وان اغلب المرضى لديهم نقص في الوعي الصحي فتجد كل من يتألم من رأسه يتوجه الى مستشفى العلوم العصبية للفحص وهو بذلك يؤخر المرضى ويسلب حق غيره من المرضى الذين هم اولى بالفحص. ويصل الامر بان ياتي المريض ليطلب منا فحصاً معيناً أو أشعة وكأنه الطبيب.وهذه مشكلة نعانيها.. نظام الاحالة بدأ العمل به منذ العام 2009 وهو يحتاج الى طبيب اختصاص في المركز الصحي يقوم بفحص المريض وبعدها يشخص المستشفى المتخصص التي يحيلها اليه، بينما نجد ان الطبيب في المراكز الصحية والمستوصفات يحيل المريض بدون اي فحص وهذا يحتاج الى تعديل أيضاً ويمكن للطبيب ان يمنح الحالات البسيطة الدواء في المركز الصحي بدون ارساله للمستشفى"[2].وفي حالة ان لا يتسنى للمريض مراجعة المركز الصحي في منطقته، فيذهب للعلاج في المستشفى مباشرة، أي بدون استمارة التحويل، فهل توجد استثناءات في هذا الأمر؟..أوضح الدكتور علي محسن المنصوري- مدير عام مستشفى البصرة العام :"نعم، توجد استثناءات، فمثلاً حالات المسافرين أو الحالات التي تستوجب العلاج السريع أو التي يراها مدير العيادة الاستشارية (وهو مخول) تستوجب المعالجة، فلا يتوانى في أداء واجبه الإنساني . كما توجد استمارات لمثل هذه الحالات أحررها أنا أو أحد موظفي المكتب للإيعاز بالمعالجة.أن الطب مهنة إنسانية، هدفها الأول هو الإنسان.. هذه الضوابط وضعت لتخفيف الزخم على المستشفيات، وفسح المجال للمراكز الصحية لأخذ دورها في العلاج وهذا النظام معمول به عالمياً" [3].. تلكم هي توضيحات إنسانية منطقية، ولكن.. هل يتم العمل بنظام الأحالة لصالح المريض في كل المستشفيات؟
الجواب:كلا!،فشكاوي المواطنين حوله كثيرة، وقد تحول الى عامل موت بدلآ من عامل نجاة للمريض. فقد كتب مواطن ما يلي: نشهد حالة غريبة في مستشفياتنا وهي عندما تأتيهم بحالة طارئة لا يستقبلونك إلا إذا كنت تحمل (وصل تحويل) من العيادة المتواجدة في منطقتك..يمكن في حالة غير خطيرة، مرض عادي، تنفيذ ذلك، لكن.. عندما تحدث حالة طارئة مثل (آلام القلب) أو (التسمم) أو(الزائدة الدودية) فمن عير المعقول ان تضيع الوقت بالذهاب للعيادة طلباً للتحويل.. وهنا أريد أن أذكر حالتين حدثتا قبل أيام: الأولى-(موت شخص)- جاء متألماً ورجا مسؤولي المستشفى إدخاله للعلاج لإنه يعاني من أزمة قلبية حادة،وقال: تنفسي سوف ينقطع..هل تعلمون ماذا قالوا له ؟.. قالوا: "أين (وصل التحويل)"؟ .. هكذا وبكل برود أعصاب حتى سقط بقربهم مغمى عليه، وعندها أدخلوه لغرفة العناية المركزة، ولكن.. وجدوه ميتاً وإنتهت حياته وهو في قمة شبابه...الحالة الثانية حدثت يوم 29/8/2012/ وهي تسمم طفلين بطعام..أخذهما والدهما وهو صديقي(ذكر إسمه الكامل)) لمستشفى الكيارة،و..نفس السؤال: أين وصل التحويل؟.. وأصروا أن يجلبه قبل إسعاف الطفلين، فما كان منه إلا أخذهما لمستشفى آخر، وهناك توسل بالخفر كثيراً وأدخلوا الأطفال لصعوبة حالتهم،وهما يرقدان حالياً بمستشفى الكندي.. ويضيف:العجيب إذا ذهبت لإحدى العيادات الشعبية يطلبون منك بطاقة السكن، وإذا لم تكن من نفس المنطقة فلن يعطوك الدواء (البراسيتول أوالفلوآوت) لإنك تابع لغير منطقتهم !!!..ويتساءل: لا أعلم هل قطاع 50 في المريخ وقطاع 49 في المشتري!!! وهل أصبح المرض يصيب المواطن لا بوصفه عراقياً وإنما وفق المحاصصة الطائفية أوعلى أساس الموقع الجغرافي؟!![4].
وإشتكى مواطن اَخر: خلال مراجعتي لمستشفى حي الفرات في حي الجهاد يوم 7/8/2012 طلب مني موظف الاستعلامات،بعد ان دفعت الأجور، الذهاب الى المركز الطبي الملاصق للمستشفى لجلب الاحالة الطبية منه, فذهبت،وهناك وجدت عند شباك التذاكر يحتشد عدد من المراجعين المرضى، رجالآ ونساءاً من مختلف الأعمار، بانتظار ان يفتح. ودام الانتظار طويلاً،الى ما بعد التاسعة صباحاً، وحصلت على الاحالة الى المستشفى لكون حالتي تتطلب عرضي على الطبيب الاختصاصي. وعندما ذهبت الى غرفة الطبيب الأستشاري وجدتها مغلقة وينتظر عندها عدد كبير من النساء والرجال. وعندما سألت عن دوام الطبيب لم يجبني احد كونهم لا يعرفون، وإنتظرت ساعة كاملة أخرى، وعندما استفسرت من الموظف في المستشفى رد علي:" تعال باجر حجي، الناس صايمة"..وتساءل المواطن بحق: هل الدوام الرسمي في المستشفيات يبدأ ما بعد الساعة التاسعة صباحا ؟ وما علاقة الصيام بتأخير علاج المرضى؟ ولماذا يدفع المراجع اجور المراجعة 500 دينار مرتين والمركز الصحي في نفس بناية المستشفى؟[5].
ولعل الأخطر هنا، هو الظاهرة الغريبة الأخرى في زمن اللهاث وراء المال والكسب السريع.. في زمن أصبح حال بعض الأطباء وللأسف الشديد كحال المتنافسين في الأسواق.. مساومة المريض في بعض المستشفيات الحكومية (وهذا ماحصل فعلاً في احد مستشفيات الأطفال) حيث تعج بالأطفال المصابين بأمراض الصيف الخطيرة وأهمها حالات الأسهال الشديد وأولياء أمور الأطفال لاحيلة لهم سوى أنهم يهرعون الى المستشفى لأنقاذ أطفالهم الذين بدأ الأعياء واضحاً عليهم بسبب الجفاف ،تبدأ مع أهل المريض رحلة المشقة والأذلال والتوسل بل أنهم (يشحذون) المروءة والأنسانية من العاملين في هذه المستشفى أو تلك من أجل الأهتمام بأطفالهم ،ولكن.. ما لذي يحصل في واقع الحال ؟
العوائل المتمكنة مادياً (وهي الأقلية) تأخذ أطفالها الى الطبيب المعني والذي يعمل بمثل هذه المستشفيات فيكتب لهم على دخولية، وبمجرد ما يقرأ العاملون بالمستشفى التحويل من الطبيب "المعني" يبدأون بتوظيف كل طاقتهم من أجل تسهيل العناية الطبية للطفل. وليس هذا فحسب وأنما تلمس مدى الترحيب والوجوه المبتسمة.هذا الجانب المشرق، أما الجانب الغائم،فلا يحضى الطفل المسكين المحال من العيادة الخارجية أو من المركز الصحي بنفس الرعاية والأهتمام.. فلماذا؟ هل تم توظيف أسرة المستشفيات الحكومية لصالح الطبيب المعالج الذي يعمل فيها ؟ وهل يفرق المرض بين الغني والفقير؟ وما ذنب الطفل وأهله الذين لم يراجعوا الطبيب المعني والسبب معروف وهو عسر الحال؟.. أنها حالة أقل ما يُقال عنها بعيدة كل البعد عن الروح الأنسانية التي يجب أن تتميز بها مهنة الطب..وتتحمل الدولة كامل المسؤولية عنها،فقلة المستشفيات التخصصية تفسح المجال واسعاً أمام هكذا مساومات على حساب صحة المواطن بل وصحة الأطفال الذين هم أمانة بين أيادي الكبار[6]..
فعلى من يرغب حقاً وفعلآ بإيقاف تدهور متوسط أعمار العراقيين ان يولي مهمة تحويل المرضى وإقاذ حياتهم أهمية خاصة ،ويقرنها بأقعال جدية وعاجلة تلغي وتزيل كافة الإجراءآت الروتينية المزعجة التي تحول دون تحقيق هذه المهمة الأنسانية!.
الهوامش:
1- عمار منعم وزهير الفتلاوي" العراق السياسي"،26/5/2012
2- مصطفى إبراهيم ،"الصباح"،15/9/2012
3- "طريق الشعب"، 30/8/2012.
4- عدنان آل شياع الساعدي،" صوت الحرية"،31/8/2012.
5- كاظم العقابي،يحدث في مستشفى حي الفرات ،"طريق الشعب"،12/8/2012
6- د. سلام يوسف ، بالتحويل من الطبيب تتلقى الأهتمام والترحيب !!، على المكشوف:"الناس"،5/8/2012.
* د. كاظم المقدادي - باحث بيئي عراقي مقيم في السويد
منسق الحملة من أجل تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب وإنقاذ الضحاياإنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (15)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (14)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (13)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (12)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (11)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (10)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (9)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (8)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (7)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (6)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (5)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (4)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (3)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (2)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (1)