د. كاظم المقدادي
الجمعة 28/9/ 2012
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة
(15)أ.د. كاظم المقدادي *
الجهات الصحية تعرف العلل.. لكنها لا تتحرك
لا نبالغ إذا قلنا بان مجلدات كاملة لا تكفي لتناول معاناة المرضى وشكاواهم المريرة من سوء الرعاية في المستشفيات الحكومية.وفي الواقع هي معاناة مضاعفة يعانيها المريض وأهله - معاناة المرض ومعاناة رحلة الفحوصات والنفقات والتشخيص والعلاج..
وحين الولوج بهذا الموضوع نجد أنفسنا أننا لازلنا ندور في فلك نفس الحلقة القديمة المتجددة حينما نسأل ونستفهم : لماذا أجهزة المفراز قليلة وعاطلة ؟ لماذا أجهزة الرنين المغناطيسي قليلة وعاطلة ؟ لماذا أجهزة تفتيت الحصى قليلة وعاطلة ؟ لماذا أجهزة غسل الدم الخاصة بمرضى عجز الكليتين قليلة وعاطلة ؟ و..الخ، يأتيك الجواب الدبلوماسي الوظيفي، الخالي من أبسط مشاعر المشاركة الوجدانية لألام المرضى:" لاتوجد تخصيصات مالية" !!..هكذا بكل بساطة.. يقولون هذا في بلدٍ لازال يُعد من أغنى بلدان العالم ، بلد تحدث فيه سرقات علنية وسرية وصفقات تجارية وهمية وعمليات غسيل الأموال.. بلد نفطى مفتوحة فيه صنابير أنابيب النفط الخام والصافي عن أخرها لتملأ جيوب الأخرين بـ " الـتخصيصات المالية" !!..الواقع المأساوي الذي يعيشه المواطن المريض يعكس صورة من البشاعة لا ترقى الى أنه يعيش في هذا القرن من الزمان.. حالة مزرية، حيث يتنقل المرضى بين المستشفيات بحثاً عن جهاز رنين أو مفراز ، وإن وجد فهل يعمل أم عاطل ، وإن يعمل فمتى يأتي الموعد !، والواقع يعكس، مرة أخرى، وضعاً مؤلماً حقاً حينما تتأخر التحاليل المهمة في الدم الى حدود عشرة أيام والمريض يعاني من اللوكيميا الحادة (مثلاً) والسبب ليس لأن التحاليل تأخذ هكذا وقت ولكن السبب هو أن الكادر العامل في المختبرات هو الأخر يعاني من الضغط الشديد بسبب كثرة التحاليل نتيجةً لكثرة المرضى ولكثرة الحالات المرضية، والواقع يعكس حالة أمّر منها ، حينما يُطلب من المريض أجراء الفحوصات المختبرية خارج المستشفى لأنها غير متوفرة فيها ![1]..
والمعاناة تتواصل عند دخول المريض وذويه للمستشفى،فليس من السهل أن يتم فحص المريض وإعطاؤه العلاج اللازم او إدخاله للمستشفى وذلك بسبب الزخم الكبير نهاراً والمزاج المُتعب للكادر الطبي والصحي ليلاً. وإذا قرر الطبيب إجراء التخطيط الكهربائي لقلب المريض أو التحليل الفلاني أو أخذ أشعة ..الخ، فإن المريض يتعب أكثر مما هو متعب جراء حالته المرضية وذلك بسبب الازدحام على الشعبة المعنية،فهو مجبر على الانتظار.وأغلب نتائج التحاليل والإجراءات الأخرى تتأخر، فتجد المراجع قد قضى كل النهار وهو لم ينجز ما حدده الطبيب. وهنا ايضاً لم ينج المريض من شِباك السماسرة وذوي النفوس الضعيفة فيتم إبتزازه وبشتى الوسائل والأساليب.. [2].
رب قائل:كل هذا وغيره قديم ومزمن في العراق..ونقول : صحيح !، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي تغير خلال السنوات المنصرمة، وما الجديد الذي تحقق لصالح المريض في العراق (الجديد)؟
الواقع الراهن يقول ان كل الظواهر السلبية في الصحة ما زالت سائدة لحد اليوم، بل وتفاقم سوء التعامل مع المريض وتطور إستغلاله وإبتزازه بتواطئ المسؤولين المتنفذين.. قبل أيام قلائل كتب سلام الرميثي عن سيدة عانت من ولادة عسيرة تعرضت لأبتزاز فضيع كاد يفقدها وجنينها الحياة.فمع أنها كانت موجودة في مستشفى حكومي طلبت الطبيبة المعالجة أن تدفع 500 الف دينار لاجراء عملية قيصرية بشكل فوري او ان تنتظر طبيبة اخرى لعدة ساعات، محذرة زوج الحامل من أن الأنتظار سيفقده زوجته أو جنينها، فوافق الزوج مجبراً،راجياً ان يبلشوا بالعملية فوراً، وسيجلب بقية المبلغ بعد ساعتين،لأنه لم يكن يحمل كامل المبلغ، لكنهم لم يبلشوا بالعملية إلا بعد ان دفع المبلغ كاملآ، مستعيناً بأحد أقاربه.وقد تعرضت الحامل أثناء الأنتظار الى أزمة قلبية كادت تقتلها وبقيت في المستشفى 5 ايام دون مراقبة او عناية من قبل الاطباء،بما فيهم الطبيبة التي اجرت العملية..الرميثي لم يذكر اسم المستشفى ولا اسم الطبيبة، مبرراً ذلك بأن هذا يحدث يومياً في المستشفيات الحكومية،إضافة الى العيادات الخاصة [3]. وفعلآ تتوفر لدينا أمثلة كثيرة عن مثل هذا التعامل المهني المخزي، لا مجال هنا لذكر المزيد منها..قبل 10 أشهر سأل صحفي المفتش العام في وزارة الصحة عادل محسن إن كان لديه علم بما يجري من إبتزاز للمرضى وإرغامهم على مراجعة العيادات الخاصة، فأجاب بـأن " ذلك حقيقة، وحقيقة مؤلمة، يمارسه قسم من الاطباء، ولو كان الأمر بيدنا لسحبنا شهادته"، مكتفياً بدعوة "المرضى الذين يقع عليهم ظلم أن يلجاوا إلى مكتب المفتش العام لوزارة الصحة والتعاون في سبيل مواجهة هذه الحالة "[4].. إن ذلك يدل بان المسؤولين المتنفذين في وزارة الصحة يعلمون بالممارسات غير المشروعة والمهينة.. فما الذي فعلوه للحد منها ؟!!..
والأكيد أنهم يعلمون أيضاً بإستفحالها مع كل يوم يمر، ويجري بعضها أمام أنظار المسؤولين في المستشفيات الحكومية وبعلمهم، إقتراناً بإستشراء الفساد المالي والأداري في المؤسسات الصحية.. ولنا عودة للموضوع في حلقة قادمة..
الهوامش:
[1] د. سلام يوسف، أنجاز فحوصات المرضى حق يجب أن تكفله الدولـــة، على المكشوف:موقع"الناس"،3/10/2007
[2] د. مزاحم مبارك مال الله ، واقع الوضع الصحي في العراق(2)،"إيلاف"، 23/2/.2008
[3] سليم الرميثي، حدث هذا في احد المستشفيات الحكومية،(صوت العراق)، 19/8/2012.
[4] سعاد راشد،"إيلاف"، 12/11/2011.
* د. كاظم المقدادي - باحث بيئي عراقي مقيم في السويد
منسق الحملة من أجل تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب وإنقاذ الضحايا
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (14)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (13)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (12)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (11)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (10)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (9)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (8)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (7)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (6)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (5)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (4)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (3)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (2)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (1)