| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
السبت 19 / 10 / 2024 د. كاظم المقدادي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
ملف:
في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة (6)
إعداد: د. كاظم المقدادي *
(موقع الناس)تعيش غالبية شريحة المرأة العراقية،التي تشكل نصف المجتمع العراقي، في أوضاع مُزرية، وتعامل معاملة مجحفة بحقها ومنتهكة لكرامتها، ظلماً وجوراً وإضطهاداً سافراً ، في ظل واقع إجتماعي بائس، أبرز سماته سوء المعيشة ،والفقر والحرمان، وغياب فرص العمل، وضعف الخدمات العامة، إضافة للقيود المجتمعية، وحرمان أعداد كبيرة من النساء من حقهن في التعليم والعمل، وتعرضهن للعنف الأسري، وحتى للقتل، الى جانب إستمرار فقدانهن لأحبتهن الأبناء والأزواج والأشقاء في خضم الصراعات والنعرات الطئفية المقيتة، وغياب الأمان في ظل السلاح المنفلت..
الملفت للنظر، مواصلة المرأة العراقية الواعية والشجاعة، في ظل هذه المعمعة، ورغم كل الصعوبات، نضالها في سبيل حقوقها والحفاظ على مكتسباتها، والذي يحضى بالوهو بولتقدير والإحترام من قبل القوى التقدمية، المدنية والديمقراطية واليسارية، وكافة العراقيين الخيرين، بينما تتصدى له أحزاب الإسلام السياسي، وتحاربه بكل الوسائل، وهي الممارس الأول لأضطهاد المرأة والتجني عليها.
لقد سجل تأريخ العراق المعاصر للمرأة العراقية الباسلة مأثر هي موضع فخر وإعتزاز كل الخيرين، من خلال الدور المشهود لهاً في إنتفاضة تشرين المجيدة، الذي تجلى بأروع صور الشجاعة والبطولة والفداء، إذ خرجت ثائرة على الواقع البائس الذي تعيشه مع أسرتها، ولم يتحقق لها كمواطنة في ظل العراق (الجديد) وطيلة عقدين من الزمن، أي شيء يُذكر في ظل منظومة المحاصصة وتقاسم المغانم والفساد.
وبدلآ من منحها كامل حقوقها تواصل أحزاب الإسلام السياسي الشيعي المتنفذة ان تبقي المرأة العراقية مجرد هامش في المجتمع، وليبقى "الرجال قوامون على النساء"!! ولعل اَخر " بطولات" أحزاب الأسلاميين الشيعة، في هذا المضمار، هو مواصلة مساعيها المحمومة لإنتزاع مكتسبات وحقوق الأمومة والطفولة العراقية، التي حققتها لهما ثورة 14 تموز المجيدة، منذ ستة عقود، وضمنها لهما قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 النافذ، الذي تعمل الأحزاب المذكورة جاهدة على إلغائه، أو تعديله على الأقل على حساب المرأة والطفل، ضاربة عرض الحائط بما سيسببه ذلك من اَثار إجتماعية قسرية مجحفة على الاسرة والأمومة والطفولة، عدا ما سيسببه من تفكيك للأسرة والمجتمع العراقي، من خلال تقنين التفرقة وتشتيت وتمزيق وحدة المجتمع ونسيجه الإجتماعي. وهو عمل،أقل ما يُقال عنه أنه مستهتر ومناف للموقف الوطني المتمسك بوحدة أطيافه وشرائحه وتضامنها وحمايتها للأمومة والطفولة وللأجيال العراقية القادمة..
في غمار انتفاضة تشرين المجيدة تمكنت المرأة العراقية الواعية والشحاعة من كسر حاجز الخوف، محطمة قيود العادات والتقاليد المجتمعية البالية، التي تمنع تمكينها وتهمش دورها في المجتمع، وتعيق نضالها من أجل حياة كريمة ومستقبل أفضل، وسجلت أروع صور البطولة والفداء والتضحية، فكانت المتظاهرة والمحتجة والخطيبة والطبيبة والممرضة والمسعفة والمعلمة والمثقفة وحمامة السلام ورائدة السلمية. وقدمت على مذبح الحرية والكرامة والمستقبل الأفضل 15 شهيدة وعشرات الجريحات والمطاردات والمختطفات.
في هذا المضمار تساءل الكاتب والمترجم والفنان المسرحي طه رشيد بحق:
" ماذا نستذكر من انتفاضة لم يشهد العراق مثيلا لها ؟
الدخانيات أم الرصاص الحي؟
الاختطافات والتغييب القسري ؟ أم الاغتيالات في وضح النهار؟
ماذا نستذكر؟! "
ووصف طه إنبهاره وهو يتطلع: " لآلاف المارة وهم يحثون الخطى صوب ساحة التحرير، راجلين أو في سيارات النقل الجماعي " الكوستر"، عوائل كاملة وفتيات المدارس والجامعات وهن يلوحن بالأعلام العراقية وما أن يصلن لساحة التحرير حتى يتحولن لممرضات ومنظفات ومسعفات!
كانت الساحة تزهو بهن وبالشباب الثائر من أعمار ومهن مختلفة، وهو يهتف ويرسم أو يطبخ او يجمع القمامة !
حاول المعادون تشويه الصورة، صورة الانتفاضة، صورة الاختلاط الصافي والنقي، ولكنهم فشلوا، إذ لم تسجل اية حادثة تحرش، وهذا هو الدرس الأول الذي علمتنا إياه الانتفاضة وهو وقوف المرأة مع الرجل في تصديه لطغمة الفساد من أجل وطن عادل وآمن!
أما الدرس الثاني فهو انعدام "السرقة" في منطقة مكتظة بالدكاكين والمحلات ومحشوة ببضائع مختلفة غالية الثمن وخاصة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، علما أن منطقة باب الشرقي، التي أصبحت لاحقا بيتا للمعتصمين، كانت معروفة بحدوث سرقات فردية عديدة، إلا أن الشباب المنتفض عكس الصورة تماما، فالمحلات التي طالها بعض من أضرار نتيجة للقذائف والدخانيات المعادية خضعت لحراسة مشددة من قبل الشباب، حتى أن البعض منهم اشترى أقفالا جديدة، أكثر أمانا، وانتظروا أصحاب تلك المحلات لتسليمهم المفاتيح الجديدة! وكان هذا درس جديد قدمه هؤلاء الشبان ليثبتوا نزاهتهم وحبهم لوطنهم ولفعل الخير وتقديم المساعدة للآخر دون تمييز طائفي او فكري او عرقي ! "..
هذا الدور النضالي المشرف لبنات العراق الباسلات في انتفاضة تشرين ، يعتز به كل عراقي أصيل وشريف، ولن ينمحي من الصفحات النضالية المضيئة لتأريخ العراق رغم كل مساعي سياسيي الصدفة، إسوة ببقاء إنتفاضة تشرين وأبطالها في ذاكرة التاريخ، وفي ذاكرة الأجيال،ولن تنطفئ جذوتها، بل ستبقى متوهجة وتتجدد دوما !. .
من هنا، وتقديراً لمكانة الإنتفاضة وسط الجماهير العراقية العريضة، ووفاءَ لدماء شهدائها الأبرار، وجوب مواصلة قوى تشرين تدوين التقييمات الموضوعية، وتوثيق الأحداث، وإبداء المزيد من الآراء والأفكار والتحليلات، إضافة الى إستخلاص الدروس والعبر من الانتفاضة الشعبية الأكبر والأطول زمنا في تاريخ العراق ..
وهاذ ما نفعله في هذا الملف،في هذه الحلقة والحلقات القادمة، الى جانب نشر المزيد من أسماء شهدائها الأبرار.ونكرر رجاءنا الى كل من يمتلك أسماء شهداء لم يرد ذكرهم في هذا الملف تزويدنا بها لأضافتها..
في عموده الأسبوعي في "طريق الشعب" إعتبر الكاتب محمد عبد الرحمن إنتفاضة شباب وشابات العراق في عام 2019 " من اجل وطن مسلوب ومنكوب، يمعن فيه المتنفذون في تكبير كروشهم، فيما الحفاة العراة وعامة الفقراء يشدون الحجر على بطونهم".
وأصاف:" في تشرين جرى كشف المستور وتعرية المنظومة الحاكمة واظهارها على حقيقتها، وكم هي بعيدة عن هموم الناس وتطلعاتهم، وانها لا هم لها الا تنمية مصالحها، وادامة سلطتها ونفوذها على طريقة “ما ننطيها”، التي استهزأت بالشعب وقدراته وامكانياته على الفعل واجتراح المآثر، وهو ما فعله واقعا.
فالمنتفضون سجلوا أروع ملاحم البطولة، وجسدوا الجود بالنفس وهو ذروة العطاء والتضحية، وقدموا المئات من الشهداء البررة، الى جانب الآلاف من الجرحى والمعوقين والمغيبين والعوائل المنكوبة ببناتها وابنائها".
ولفت عبد الرحمن الى ان الانتفاضة " لم تذهب الى قضايا جزئية، بل توجهت نحو اُسّ الازمات: منظومة المحاصصة ومنهجها الفاشل المدمر، الذي دفع الملايين للخروج الى الشوارع والساحات محتجة على واقع الحال، رافضة له ومعلنة انها تريد تغييره.
وعندما قال المنتفضون: “ نريد وطن “ فانهم وضعوا الاصبع على الجرح، فالوطن مسروق والشعب مغيب وحفنة من المتنفذين تهمين وتصول وتحول، وتعيش ببذخ فاقت فيه حياة الاباطرة والملوك والسلاطين، وكل ذلك على حساب جوع وفقر وآلام الملايين.
ولأن شعار الانتفاضة يقضّ مضاجع الفاسدين والمرتشين والمتخادمين ، فقد التقت مصالح جهات عدة على محاربتها، داخلية وخارجية، وعلى السعي بكل الوسائل القذرة الى اجهاضها. وتعرضت الى صنوف الملاحقة والقتل العمد والخطف والتغييب القسري والاغتيال وانتزاع التعهدات سيئة الصيت التي مارسها النظام الملكي والأنظمة الدكتاتورية. كذلك تم اللجوء الى زرع المندسين والتشويه وإشاعة حالة الياس والقنوط، وشراء الذمم واغداق الوعود وتفريق الصفوف، وشق وحدة المنتفضين وشيطنة بعضهم عبر توجه ممنهج ومدروس.
ورغم كل هذا صدّعت الانتفاضة منظومة الحكم وزعزعتها، وقادت الى هزيمة الحكومة وسقوطها، منتصرةً على القناص وعلى الطرف الثالث المجهول المعلوم. والشيء الهام ان ارتداداتها ما زالت تتفاعل ويحسب حسابها، وما زال البعض يرتجف ويرتعد من مجرد سماع اسمها ".
حقاً وفعلآ، يشهد القاصي والداني رعب المنظومة السلطوية من إسم تشرين،حتى بعد خمس سنوات على إنظلاقتها، مجسدة إياه في التعامل الأرعن مع هبة جماهير الناصرية في هذه الأيام، بالقمع الوحشي، والمداهمات والإعتقالات، وإثارة الدعاوى الكيدية، الى جانب حملة تشويه سافرة ضد نشطاء الحراك المدني هناك، بدلآ من معالجة الحكومة لمشاكل المواطنين الساخنة والمزمنة: سوء الأوضاع المعيشية والفقر والبطالة وتردي الخدمات العامة, ناهيكم عن عدم إيفائها بمحاسبة قتلة المتظاهرين والمحتجين السلميين، بينما يعيش المجرمون الذين أمروا بإقتراف مجزرة جسر الزيتون في الناصرية، التي راح ضحيتها أكثر من 70 شهيداً ومئات الجرحى والمعتقلين والمغيبين قسراً، أحراراً ويصولون ويجولون !!
وأشارت الكاتبة والصحفية بهيرا عبد اللطيف الى ان جائحة كورونا انقذت القتلة والخونة مؤقتا من غضبة الشعب.. وما زال الشعب يقاوم، وما زال الاحرار ينشطون لتغيير هذا الواقع المؤلم لشعب عريق يستحق ساسة غير هؤلاء المتخادمين مع شياطين الارض لقاء الابقاء على مصالحهم ونهبهم خيرات البلاد".
مجموعة سادسة تتألف من الأسماء الكاملة
ومكان إلإستشهاد لـ 102 شهيدا وشهيدة
يبين الجدول ان من مجموع 102 شهيد وشهيدة إستشهد 61 في بغداد و 9 في البصرة و 8 في الناصرية و 6 في العمارة و 6 في الديوانية و 3 في النجف و 3 في الحلة،و3 في كربلاء و2 في الكوت وواحد في ديالى.
وكان الكاتب والأكاديمي د.حميد الحاقاني قد كتب:" في الذكرى الأولى لإنطلاق الانتفاضة، يجدد المنتفضون مطالبتَهم وإصرارهم على تأسيس نظامٍ جديد ينتمي إلى العراق والعالم المتمدن، نظامٍ منسجمٍ مع المجتمع الدولي ودول العالم المتقدمة، نظامٍ يخدم العراقيين جميعا دون تمييز. يريدون نظاما يليق بحضارة العراق وتأريخه، يسودُ فيه القانون ويختفي فيه التزوير والخداع والدجل، ويغيب عنه الفاسدون إلى الأبد، ويشغل المواقع السياسية والإدارية فيه أكْفاء مخلصون وشجعان، نظاما يتوقف فيه نهبُ المال العام، ويقوم على مبدأ وضعِ الشخص المناسب في المكان المناسب، ولا وجود فيه للمتشدقين بالدين وأدعياء الفضيلة وهم أبعد ما يكونون عنهما، ولا تبعيةَ فيه لأيّ دولة، بل يكون الشعب العراقي وحده مصدر السلطات والقوانين"..
وتحت عنوان:" خمسة اعوام وجذوة اكتوبر لن تنطفئ " كتب د. محمد الموسوي:"نريد وطن هو شعار انتفاضة اكتوبر 2019 الذي اطلقه ابطال تلك الانتفاضة الخالدة التي لم يشهد العراق طيلة تاريخه مثيلا لها سواء بسلميتها التي تمثلت بالصدور العارية لشابات وشبان الانتفاضة المتصدية لنيران القتلة الجبناء وقناصتهم المجرمين الذين قتلوا بدم بارد المئات من المنتفضين وتسببوا بجرح وتعويق الالاف منه" وأضاف:"ان ذكرى انتفاضة اكتوبر 2019 التي لايمكن لاحد ان يطفئ شعلتها المضيئة، تحتم على الجميع مواصلة المطالبة بتقديم المجرمين القتلة، سواء من اجهزة السلطة القمعية، او المتورطين معها من المليشيات المسلحة المؤتمرة باوامر ايران، التي لم تتخلف عن اصدار الفتوى بقتلهم .
هؤلاء القتلة المسؤولين عن استشهاد نحو الف شهيد، وجرح وتعويق قرابة الثلاثين الفاً. وهذا ما قام يتوثيقه العديد من الناشطين والاعلاميين وعدد من المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الانسان فاضحة مزاعم السلطة واكاذيبها واستعمالها لشتى الاساليب الخسيسة والدنيئة من الافتراء والتضليل" .
وأيد ضرورة مواصلة مهمة توثيق ما حصل في الانتفاضة من سقوط الشهداء والجرحى بالاسماء والاوقات والاماكن والارقام ".
وإعتبر د. الموسوي ان انتفاضة اكتوبر " قد أسقطت ما تبقى من شرعية للنظام الطائفي المبني على المحاصصة واالنهب والفساد واقتسام ثروات الشعب بين فئات وسخة رثة، وتوزيعها على عوائلهم واقاربهم.وكذلك كشفت زيفهم وتخاذلهم وفشلهم طيلة اكثر عقدين في معالجة الازمات المستعصية في كافة المجالات."..
* أكاديمي عراقي متقاعد،متخصص بالصحة والبيئة وبالأضرار البيولوجية لإستخدام ذخائر اليورانيوم المشعة