| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم المقدادي

 

 

 

الخميس 30/8/ 2012



إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة
(11)

د. كاظم المقدادي * 

اَلاف المرضى يموتون في المستشفيات الحكومية سنوياً

الواقع المتردي للمستشفيات الحكومية لن تستطيع إخفاءه محاولات التستر والتضليل.فهو جلي للقاصي والداني، ولا يقتصر على قلة أعداد هذه المستشفيات وسوء توزيعها وإختصاصاتها وأسرتها في المحافظات،ولا على نقص الأطباء فيها، ولاسيما  الأختصاصيين من مختلف الإختصاصات الطبية، ولا على النقص الشديد للكوادر الفنية وللملاكات التمريضية، وخاصة الجامعية، ولا على نقص الأجهزة والمعدات الطبية- التشخيصية والعلاجية- الكافية،وإنما أيضاً لمحدودية قدراتها، بحيث أصبحت لا تستوعب الأعداد الكبيرة والمتزايدة لمراجعيها من المرضى، في وقت لم يطرأ تغيير ملموس لتجاوز ضعف مستوى الخدمات الطبية التي تقدمها، التي لا ترتقي الى مستوى التحديات ولا تستجيب لمتطلبات إنقاذ حياة المرضى ومجابهة إرتفاع معدلات الأمراض والحالات المرضية الطارئة اليومية التي يتعرض لها أفراد المجتمع العراقي.

أرقام رسمية عن المراجعين والمرضى والمتوفين في المستشفيات الحكومية   

التقرير السنوي لوزارة الصحة لعام 2010 [1] يسلط الضوء على مشكلات كثيرة وبالأرقام، ومنها ان الجدول
(4- 13)، ص 133، يبين بان عدد المراجعين للمستشفيات الحكومية في عام 2010 بلغ 24 مليون و601 ألفاً و 77 مراجعاً في عام 2010.ويعطينا الجدول (4-11)، ص 130، عدد المراجعين لشعب الطوارئ وهو 6 ملايين و 850 ألف و 339 مريضاً.أما العيادات الأستشارية فقد راجعها 15 مليون و95 ألف و 494 مريضاً .. هنا يوجد خطأ، فالرقم الصحيح هو 13 مليون و541 ألف و 50 مريضاً (هذا هو حاصل جمع الذكور والأناث الواردة في الجدول).. فمن أين جاء الفرق:مليون و 554 ألف و 444 مريضاً ؟.. لابد من تدقيق الأرقام..

من مجموع المراجعين ثمة 2 مليون و 655 ألف و 244 مراجعاً للعيادات الخارجية في عام 2010. ويبين الجدول (4- 15- أ)، ص 138 ان مليوناً و 452 ألفاً و 278 مريضاً من المراجعين لشعب الطوارئ كانون مصابين بأمراض الجهاز التنفسي،ومليون و 183 ألف و788 مريضاً  بأمراض لاجهاز الهضمي، ومليون و 98 ألف و 105 مريضاً بأمراض الدورة الدموية، و404 اَلاف و409 مريضاً بأمراض الجهاز البولي، و 330 ألف و673 مريضاً بأمراض الغدد الصماء،و 9562 مريضاً بأمراض الدم، و 92 ألف و731 مريضاً بأمراض الجهاز العصبي، و 50 ألف و 477 مريضاً بالتسمم، و122 ألف و 750 مصاباً بالحروق،و246 ألف و 34 مصاباً بالكسور،و405 اَلاف 83 مصاباً بالجروح، و 177 ألف و280 بالحوادث، ومليون و185 ألف و417 بأمراض وحالات أخرى..

الأرقام المذكورة  تدلل بوضوح على وجود زخم هائل للمرضى المراجعين لعيادات المستشقيات الحكومية وكذلك الراقدين في ردهاتها، من جهة، وعلى جدية الحالات المرضية التي كانوا يعانون منها، من جهة أخرى، والتي إستوجبت دخول عدد كبير منها للمستشفيات.

ولعل الأهم هنا هو عدد المرضى الذين توفوا في المستشفيات من مجموع المرضى الذين كانوا راقدين فيها في عام 2010.فالجدول (4-10)،ص 127، يبين بان مجموع المرضى الراقدين في المستشفيات الحكومية في عام 2010 كان 2 مليون و826 ألف و 766 مريضاً مصابين بأمراض وحالات مرضية شديدة. وكان معدلهم 86 مريضاً راقداً من كل ألف مريض راجع المستشفى. وقد توفي من مجموع المرضى الراقدين 42 ألف و 792 مريضاً، بمعدل 19.2 وفاة من كل ألف مريض راقد في المستشفى.

والملاحظ هنا، ان بغداد التي تمتلك أكبر عدد من المستشفيات الحكومية العامة والتخصصية،وهي الأفضل من حيث توفر أعداد الأطباء وخاصة الأختصاصيين، الى جانب الملاكات التمريضية، والكوادر الفنية، وبتجهيزها بالمعدات والأجهزة الطبية، التشخيصية والعلاجية،الخ، سجلت أعلى معدل للوفيات وسط الراقدين في مستشفياتها (29.0) وفاة لكل 1000 مريضاً، تلتها النجف( 22.8) وصلاح الدين ( 21.3) وكربلاء ( 20.4) والبصرة (20.3) وكركوك(18.2) وذي قار( 18.0) والديوانية ( 17.0).وقد سجلت الأنبار أدنى معدل للوفيات (12.1)، تلتها واسط (12.4) وفاة من كل ألف مريض راقد في المستشفى..

كان يفترض بمعدي التقرير السنوي لوزارة الصحة التوقف ملياً عند هذه المشكلة الخطيرة- موت هذا العدد الكبير (قرابة الـ 43 ألفاً) من المرضى داخل المستشفيات الحكومية، وتبيان، على الأقل،أسباب الوفيات ومقارنتها بالأعوام السابقة، والخروج بإستنتاجات تفيد العاملين في هذا القطاع وتساعد على تجنب النواقص والهفوات في الخدمات الطبية المقدمة للمرضى.

إن موت هذا العدد الكبير من العراقيين في سنة واحدة يدلل على وجود مشكلات كبيرة تعاني منها المستشفيات الحكومية والقطاع الصحي عموماً.وأسباب وفيات هؤلاء المرضى عديدة، والأطباء يعرفونها جيداً، وقد حذر العشرات منهم في وسائل الأعلام خلال السنوات الخمس الأخيرة من حصول كارثة إن لم تتخذ الحكومة الأجراءات الجدية والعاجلة وتمنح وزارة الصحة الدعم الكامل والفاعل لأنقاذ صحة وحياة المواطنين.. بيد ان ذلك لم يتحقق بالشكل المطلوب، وطغت الوعود على الأفعال كالعادة !

من المفيد الأشارة الى ما توصلت إليه  الدراسة التي قمنا بها لظاهرة الوفيات في المستشفيات الحكومية وأسبابها.فقد أظهرت النتائج الأولية لصحيفة الأستبيان التي وزعها الفريق المشارك على عدد كبير من الأطباء الأختصاصيين العاملين في المستشفيات الحكومية ( بواقع 2- 4 أطباء من كل قسم أو ردهة في المستشفى الواحد) والمبنية على أجابات أطباء وذوي المتوفين من مختلف المحافظات، الأسباب الأولية التالية للوفيات:

* وصول المرضى الى المستشفيات للمعالجة بحالة متأخرة، والتأخر مرده إما  تأخر وصول الأسعاف لنقل المريض وهو بحالة خطرة،أو لعدم توفر المسعفين المتدربين على إنعاش الحالات المرضية الطارئة في مكان الحادث وحتى في سيارة الأسعاف.أو لتأخر جلب المريض الى المستشفى مبكراً من قبل ذويه، فماتزال الكثير من العوائل تتهاون في الأسراع بعرض المريض على الطبيب قبل إستفحال المرض. وأشارالعديد من أطباء النسائية والأورام، بشكل خاص، الى وصول نسبة كبيرة من المصابات بسرطان الثدي بحالة متقدمة/ المرحلة الرابعة/ بسبب العادات والتقاليد البالية، ومنها أو عدم قبول ذوي المريضة فحصها من قبل طبيب رجل.

* تأخر إدخال المريض الى المستشفى،إما بسبب عدم تشخيص حالته المرضية،وثمة حالات حصلت فيها

إستهانة بحالة المريض، أو نتيجة لتأخير تحويله الى المستشفى للرقود فيها رغم  تعدد  مراجعاته للأطباء، أو تم تحويله، ولكنه إنتظر طويلآ بسبب عدم وجود سرير شاغر.علماً بان قلة الأسرة ظاهرة في كل المحافظات بما فيها العاصمة.

* عدم إتخاذ الأستعدادات المطلوبة للحالات الطارئة، مثل التفجيرات الأرهابية،والحوادث الأخرى، والعواصف الغبارية، وحرارة الجو العالية جداً، وغيرها.

* حصلت العديد من الوفيات داخل المستشفيات نتيجة سوء تشخيص حالة المريض، أو سوء معالجة حالته، وحتى نتيجة لسوء معاملة المريض من قبل العاملين في المستشفى لعدم دفع "الأكرامية"/ الخاوة"..

* عدم توفر الأجهزة والمعدات الطبية الكافية للحالات المرضية الطارئة.

* شحة وحتى عدم توفر الأدوية ( بما فيها الأوكسجين) اللازمة للإنعاش في أقسام وغرف الطوارئ والعناية المركزة.

لم يعد سراً،في بلد تجاوزت ميزانيته لعام 2012 الـ 100 مليار دولار،أن يموت المرضى من مواطنيه في المستشفيات نتيجة لشحة الأدوية، بما فيها اللازمة للحالات الطارئة وللإنعاش والعناية المركزة، أو لنقص توفر الأجهزة والمعدات الطبية، الخ..وكل هذه الأمور سنتناولها تباعاً وبتفاصيل وافية لاحقاً

واقع مزري لن تغطي عليه التصريحات المتناقضة

وصف المفتش العام لوزارة الصحة العراقية الدكتور عادل محسن الواقع الصحي بالمتخلف مقارنةً مع دول الجوار. وحذر من خطورة عجز المستشفيات والكوادر الصحية في البلاد عن تغطية احتياجات المواطنين، مشيراً إلى تقلص ظاهرة بيع الأدوية على أرصفة الشوارع ، وتنفيذ إجراءات للحدّ من الرشوة في المؤسسات الصحية من خلال المراقبة الشديدة والتوعية والعقاب والمباشرة بنصب الكاميرات، وفسح المجال للمرضى بعرض شكاويهم من خلال خط هاتفي. واتهم أطباءً بتشكيل مافيات لابتزاز المواطنين[2].لكن الوكيل الأداري لوزارة الصحة الدكتور خميس السعد إعتبر كثرة الانتقادات التي توجه الى أداء المستشفيات الحكومية مبالغ فيها، مؤكداً حصول تطور ملموس في المؤسسات الصحية الحكومية خلال العاميين الأخيرين، إذ بادرت الوزارة الى استيراد احدث أجهزة الفحص الطبي من مناشئ عالمية ضمن خطتها التطويرية الجديدة، بعد توفير التخصصات المالية اللازمة لتحسين عمل المستشفيات[3]. وبعد نحو شهرين،عاد الدكتور السعد فأعلن بان هناك شحة كبيرة في الكوادر الطبية المتخصصة،وأن تلك الشحة تقلق وزارة الصحة كونها أثرت بشكل سلبي وواضح على القطاع الصحي[4]. من جهته، أقر المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور زياد طارق وجود مشاكل حقيقية في الصحة، مثل قلة عدد المؤسسات الصحية، ومشاكل في البنى التحتية لكثير من المؤسسات، وقلة في الملاكات الطبية والاختصاصات[5].وأكد المتحدث باسم نقابة الأطباء الدكتور سعد الخزعلي وجود تذمر لدى معظم المواطنين لعدم وجود نظام أو تنظيم في المستشفيات الحكومية، التي تفتقر معظمها إلى الأجهزة الضرورية للفحص ألسريري.وعزا ذلك إلى ندرة الأجهزة الطبية الأساسية وعدم إمكانية الأطباء العمل عليها لساعات طويلة ما يزيد من الزخم الحاصل، كما إن هناك مشكلة أخرى تتعلق بقلة عدد الأطباء المختصين أو العاملين على الأجهزة الطبية الحديثة التي تتطلب الخبرة، ما يجعل الناس يلقون باللائمة على الأطباء، مشيراً إلى ضعف تخطيط  وزارة الصحة، ما دفع بنقابة الأطباء إلى رفع مطالبات وخطابات تؤكد ضرورة توفير المناخ الملائم لعمل الأطباء المختصين بمساعدة فنية تمكنهم من العمل المنتظم في المستشفيات الحكومية[6].

أزمة حقيقية

يعاني العراق من أزمة حقيقية في عدد المستشفيات التخصصية والعامة، فلم يتم بناء مستشفى واحد وفق المواصفات العلمية الحديثة في العراق منذ ثلاثة عقود.أكد ذلك وزير الصحة السابق الدكتور صالح الحسناوي أثناء لقائه بالأطباء والأكاديميين العاملين في السويد عام 2010. وهذه الحالة تعكس- من وحهة نظر الدكتور سلام يوسف- صورة سلبية عن التعامل مع حل مشاكل الواقع الصحي في البلد، كونها تشمل كل محافظات العراق بما فيها العاصمة بغداد. ويبدو أن سبب هذه الأزمة هو سوء التعامل مع معطيات مهمة جداً منها التوسع السكاني والواقع البيئي السيئ، فضلاً عما خلفته الحروب من آثار مدمرة على الواقع الصحي للمجتمع [7].الى هذا، يعرف المسؤولون بان جميع المحافظات تفتقر الى العدد الكافي من المستشفيات الحكومية، وثمة محافظات عديدة لا توجد فيها مستشفيات ولا مراكز متخصصة.وحتى في العاصمة بغداد هناك أحياء كبيرة لا يوجد فيها مستشفيات حكومية، مثل حي الغزالية، وحي الدورة.ومواطنوها يتساءلون: متى تنشئ الحكومة مستشفيات تسد الحاجة اليها؟[8].وتُعد مشكلة الزخم الكبير على المستشفيات الحكومية، وتكرار الشكوى من الفوضى، وغياب الاهتمام بالمراجعين، وتواضع امكانيات المستشفيات، من أهم ما يواجهه القطاع الصحي[9].

في العدد القادم نتناول الزخم على المستشفيات الحكومية،وأزمة الأسرة فيها، معززة بنماذج من الواقع المزري وبصور من معاناة المرضى في المستشفيات الحكومية.

 

الهوامش:

1- التقرير السنوي لعام 2010، وزارة الصحة، جمهورية العراق.     

2- سعاد راشد،"إيلاف"، 12/11/2011

3- اذاعة العراق الحر،12/11/2011                     

4- (الوكالة الاخبارية للأنباء)،18/2/2012

5- (آكانيوز)،10/6/2012                                  

6- اذاعة العراق الحر،12/11/2011

7- د. سلام يوسف، قلّة مستشفيات الأطفال أزمة حقيقية!،على المكشوف:"طريق الشعب"،24/7/2011

8- الواقع الصحي في العراق،قناة البغدادية الفضائية،برنامج "مع الناس"، مقدم الحلقة: د.عمر نعمة  ،17/10/2009

9- اذاعة العراق الحر،12/11/2011

 

* د. كاظم المقدادي -  باحث بيئي عراقي مقيم في السويد
منسق الحملة من أجل تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب وإنقاذ الضحايا


 

إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (10)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (9)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (8)

إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (7)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (6)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (5)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (4)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (3)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (2)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (1)





 


 

free web counter