د. كاظم المقدادي
الخميس 4/10/ 2012
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة
(16)أ.د. كاظم المقدادي *
معاناة المرضى.. تشريح أولي
مل المواطنون من مشاهدة وسماع المسؤولين في وزارة الصحة وهم يرددون ويتبجحون بـ "إنجازات" حققوها في القطاع الصحي خلال الأعوام الأخيرة.. فهل حصلت تطورات فعلآ في المستشفيات الحكومية تفتخر بها وزارة الصحة وتستحق مليارات الدولارات الصروفة ؟
الواقع الراهن بؤكد غير هذا.وهذا ما أكدته تحقيقات وسائل الأعلام العراقية مراراً.قبل 4 سنوات عرض الطبيب والأعلامي مزاحم مال الله وقائع حية من واقع المستشفيات الحكومية بينت إفتقار أغلبها الى البناء المعماري الذي يسهّل انسيابية الدخول والخروج منها. وهناك العديد من اللوحات الإرشادية ذات الطابع التوجيهي للألتزام، ولكنها بعيدة كل البعد عن التطبيق.و" المرافق الصحية "،التي هي ليست صحية على الإطلاق وإنما هي بؤر للتلوث والتدني الحضاري،فأغلب شبكات الصرف الصحي فيها متآكلة.وأغلب المستشفيات تأوي القطط وأحياناً الكلاب،أما الجرذان فلا توجد مستشفى تخلو منها. ومطابخ المستشفيات لا تطبق الحد الأدنى من الشروط الصحية.وتعاني الأسرّة والشراشف والأغطية الخاصة بالمرضى الإهمال رغم وجود وحدة للتنظيف والغسيل، فالكثير منها قديمة وذات رائحة كريهة وبعضها ممزق، وهو ما يضطرالمريض لجلب ما يحتاجه من بيته.والسماح بجلب الأطعمة والأشربة الى داخل الردهات،رغم وجود تعليمات واضحة تمنع ذلك، ما يزيد احتماليات التلوث. وتعاني مولدات الطاقة الكهربائية ،المزودة بها كل المستشفيات، من :الإهمال وعدم الصيانة، وأغلبها مكشوف أمام هطول الأمطار ما يلحق الأضرار بها. ومادة الزيت السائل (الكاز)التي تشتغل بها عرضة للتلاعب والتجاوز.وكلها غير مكيفة، أو توجد فيها أجهزة التكييف (التدفئة والتبريد) ولكنها عاطلة أو مستهلكة [1]..
هذا الواقع المزري كان قبل 4 سنوات، فما الذي تغير منه ؟
للمقارنة البسيطة، نشير الى تقرير مصور عن مستشفى الصدر العام في العمارة،نشر قبل 9 أشهر كشف عن إنتشار المزابل والأنقاض والنفايات في كل مكان من المستشفى.وإختتم معده مخاطباً المسؤولين: لا نطلب منكم أجهزة طبية متطورة..ولا أطباء عالميين..نطلب فقط الإهتمام،على الأقل، بنظافة المستشفى [2]..فهل حظي هذا المطلب المشروع بإهتمام المسؤولين المتنفذين ؟.. الجواب : كلا !، والأدلة كثيرة..في حزيران الماضي نشر تحقيق صحفي معزز بصور حية كثيرة لا تبقي مجالآ للشك عن مستشفى الحكيم بالنجف، كتبه طبيب زار المستشفى.. جاء فيه:غرفة العمليات عبارة عن غرفة لا تصلح لان تكون زريبة للمواشي، فخزانات المياه المستخدمة في غسل ايدي الاطباء موضوعة على الاسطح وهي معدنية صدئة ومفتوحة وفيها الكثير من الحشرات الميتة والطحالب. وسخان المياه موضوع في الخارج ايضا بشكل لا يتناسب مع حال مستشفى يراجعه المرضى في كل حالاتهم و بعض الشبابيك تم اغلاقه بالطابوق.غرفة الانتظار مقابل العمليات عبارة عن ممر وبعض الكراسي وتوجد فيها مبردة تبرع بها احد الاطباء لتبريد المرضى وينقصها الماء فكل ما تقوم به هو تحريك الهواء الساخن.. الغرفة الاولى للعمليات ذات ارضية قذرة وتوجد فيها الكثير من الكراتين و علب الادوية وهي على ما يبدو تستخدم كمستودع ايضا.احد الجراحين شاهد بام عينيه الجرذان تجوب غرفة العمليات.الحمامات المخصصة للاطباء، وليس للمرضى، كارثية،فهي وسخة الى درجة تجبر الاطباء على مغادرة المستشفى الى بعض الاماكن القريبة لقضاء الحاجة. المواطنون والمرضى مجبرون على شراء قوارير الماء البارد من "البسطات" المجاورة في الوقت الذي نلاحظ وجود براد ماء متروك في غرفة استراحة الاطباء وهو عاطل، ويمكن اصلاحه..الكلاب السائبة تجول ساحات وردهات المستشفى وتروع الزائرين والمرضى و تنام في ظل السيارات امام المدخل..اكوام النفايات و الأنقاض في كل زاوية من زوايا المستشفى وليس عليك ان تبحث عنها فهي امام الأعين.اطنان الاتربة و المواد الانشائية في كل مكان. واكداس النفايات موجودة منذ فترة طويلة امام ردهات الباطنية والجراحية.والكراسي والطاولات المكسرة في كل عيادة او ممر او ردهة. وعقاب السجائر و المناديل المستخدمة يمكن ان تجدها في كل زاوية من المستشفى، حتى في اقسام الاطباء انفسهم في الوقت الذي تجد فيه عمال النظافة غير مهتمين. محرقة المواد العضوية و غيرها على مقربة من العيادات ودخان المحروقات يتسلل الى داخل الاقسام بفعل تيارات الهواء. الانقطاع المبرمج للكهرباء عن اقسام المستشفى وهو ما يسبب الكثير من المعاناة للمريض و ذويه و للكوادر الطبية في نفس الوقت.وبما ان الحر في العراق لا يكفي فان غالبية المكاتب تضع المكيفات بشكل يضخ الهواء الساخن الى ممرات المستشفى.اجهزة الانذار المبكر عن الدخان او الحرائق لا تعمل ابدا وقد قمنا بتجربتها بانفسنا..هنالك أجهزة طبية مكلفة وحساسة،مستوردة خصيصا للمستشفى، متروكة تحت السلالم في ردهة الباطنية لان كوادر المستشفى غير قادرة على صيانتها.وهناك سيارات اسعاف و امداد مهداة من الحكومة الكورية، ذهب بعض الاطباء الى كوريا لتلقى الدورات لتشغيلها وهي الان مركونة في المرآب لان الاطباء رفضوا العمل عليها لانها "تقلل من شانهم" [3].وتتعرض العديد من الأجهزة الطبية وكميات كبيرة من الأدوية في المستودعات الى حوادث السرقة والحرائق ، واَخرها الحريق الكبير الذي نشب بمذخر للأدوية في منطقة الحبوبي في مدينة الناصرية، مخلفاً أضراراً مادية كبيرة [4].وقبله بشهر،الحريق الذي نشب في مستشفى الزعفرانية العام وإتسع بسبب تأخر سيارات الدفاع المدني، الأمر الذي تسبب بأضرار مادية كبيرة [5]،حرائق أخرى كبيرة في مؤسسات الصحة ببغداد وغيرها، لم يكشف لليوم النقاب عن أسبابهها، ولن تكشف، شأنها شأن بقية الحوادث المماثلة.
أما واقع الردهات في المستشفيات الحكومية،فما يزال مزري، ولا يختلف عما كان عليه قبل 4 سنوات، حيث الغالبية العظمى منها تفتقر الى الحد الأدنى من المتطلبات التي تليق بالمرضى.فردهات الأطفال تعيش أوضاعا مزرية حقاً ففي الشتاء تكثر أمراض المسالك التنفسية فتجد طفلين أو أكثر يشتركان بقناع الأوكسجين نفسه الذي يوضع على الأنف والفم،أو يضعون أكثر من طفل في خيمة الأوكسجين والبخار!!،أما بالصيف فحالات الإسهال كثيرة جداً بحيث كل طفلين أو أكثر يستلقون على سرير واحد وأنابيب السوائل الوريدية تتدلى من قنانيها الى أجسادهم الطرية،وبإمكانك أن تتخيل الصورة المأسوية لهؤلاء الطفال وأمهاتهم!الروائح كريهة والذباب ينتشر بحرية في هذه الردهات،والأمهات لايجدن الأماكن المخصصة لنشر غسيل أطفالهن المرضى سوى الشبابيك وأبواب الردهات وغيرها. وردهات النساء لاتقل سوءاً عن ردهات الأطفال وخصوصاً صالات الولادة فأوضاعها لاتليق بالإنسان في القرن الواحد والعشرين وجُلهم العاملات في هذه الردهات هو أخذ البقشيش من ذوي اللواتي ولدن!!. أما ردهات الحروق فالحديث يطول كون المصاب يحتاج الى رعاية وعناية خاصتين،وحقيقة الأمر فإن الكثير من المصابين بغض النظر عن درجة ونسبة الحرق يموتون جراء التسمم الدموي الذي في أغلب الأحيان يحصل من داخل المستشفيات،علماً بأن ردهات الحروق لها خصوصية خاصة بالتعقيم والتعفير. وفي ردهات ذوي الاحتياجات الخاصة(خاصة المتخلفين عقلياً) فالصورة الإنسانية تختفي تماماً من ناحية الإهمال وقساوة التعامل-حسب تعبير د.مال الله.. كان ذلك قبل 4 سنوات،فما الذي تغير ؟
عموماً لم يطرأ تغير يذكر على واقع المستشفيات الحكومية،حيث الزخم الكبير عليها وتكرار الشكوى من الفوضى، وغياب الاهتمام بالمراجعين، وتواضع امكانيات المستشفيات، وتلكم هي من أهم ما يواجهه القطاع الصحي [6]. والأمثلة كثيرة.فعلى سبيل المثال: في نينوى أكتشفت حالات تلوث في غرف التعقيم الموجودة في المستشفيات[7].وفي البصرة،كشفت لجنة تقصي الحقائق الخاصة بالجانب الصحي في المحافظة بان الوضع في مستشفيات المحافظة لا يمكن ان يوصف الا بـالكارثي، ووجدت بأنها لا تمتلك أبسط مقومات ان تكون مؤسسة صحية لخدمة المواطن.وأعلن النائب عدي عواد:"هنالك جهات لاتزال تتفرج وتتعمد اذلال وأهانة المواطنين على الرغم من أنها تقوم بصرف مبالغ ضخمة على أمورلاتخدم المواطن" [8].وفي بغداد،إشتكت مواطنة، مرافقة لاحدى المريضات في ستشفى اليرموك،بان النفايات ومخلفات الادوية والطعام متناثرة في كل مكان،ولا يمت تنظيف شركات التنظيف للنظافة بأية صلة. وهناك الكلاب السائبة التي تنتشر في باحات وحدائق المستشفى وما يمكن ان تنقله من امراض وأوبئة [9].وأكد مواطنون اَخرون انتشار الحيوانات في ردهات المرضى ومنها القطط.وإشتكى مرضى من سوء النظافة في صالة العمليات نقسها، ومن عطل اجهزة التكييف والمراوح السقفية [10].
ان المستشفيات الحكومية لليوم تعاني من واقع مزري، مقرون بأنفلات النظام فيها وتدهورالخدمات الطبية.النائب خالد العلواني يلخص معاناة المريض بقوله " تبدأ منذ أول يوم لدخوله للمستشفى وهو يحمل معه المروحة الكهربائية والبطانية والوسادة و طعام لثلاث وجبات، كون الطعام الذي يقدم إلى المرضى في المستشفيات مخالف للضوابط والشروط،" لافتاً أن أغلب المستشفيات" تعمد لجلب الأطعمة الرديئة من الأسواق وبأسعار بخسة".و" قلة عدد العاملين في المستشفيات من اجل الاهتمام بالمرضى الراقدين. ويعمد المرضى لجلب المرافقين الذين يعتنون بهم ليفترشوا الأرض للنوم داخل الردهات".و"تعاني المستشفيات من انتشار حالات الفساد والابتزاز التي تعترض المرضى الراقدين فيها" [11]..
وتلكم هي نماذج من الصور غير الحضارية،إن لم نقل المخزية، شاخصة للقاصي والداني، وهي تستفحل، بينما المسؤولون يتفرجون عليها.. وهي تطرح التساؤل المزمن::الى متى يستمر هذا الواقع المزري ؟!!
* د. كاظم المقدادي - باحث بيئي عراقي مقيم في السويد
منسق الحملة من أجل تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب وإنقاذ الضحايا
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (15)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (14)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (13)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (12)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (11)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (10)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (9)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (8)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (7)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (6)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (5)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (4)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (3)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (2)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (1)