د. كاظم المقدادي
الخميس 6/9/ 2012
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة
(12)د. كاظم المقدادي *
المستشفيات الحكومية لم تنقذ حياة ضحايا التفجيرات
تعاني المستشفيات الحكومية من زخم كبير، من معالمه تزايد عدد مراجعيها،الذي بلغ في عام 2010- كما أسلفنا في حلقة سابقة- أكثر من 24 مليون و 651 ألف مراجعاً، وكان مجموع المرضى الراقدين فيها 2 مليون و826 ألف و 766 مريضاً مصابين بأمراض وحالات مرضية إستوجبت دخول المستشفى. وكان معدل الراقدين 86 مريضاً من كل ألف مريض راجعوا المستشفيات. وأما الأسرة الكلية في المستشفيات الحكومية فبلغ عددها 42 ألف و459 سريراً، وكان معدل توزيع الأسرة على السكان (1.3) سريراً لكل ألف نسمة. سجلت محافظة البصرة أعلى معدل(1.9) سريراً، وأدنى معدل سجلته ديالى(0.7)، تلتها الأنبار(0.9) سريراً.علماً بان المعدل في بغداد كان(1.5)، وسجلت 3 محافظات معدل (1.4) سريراً لكل ألف نسمة. وهذا المؤشر هو نفسه لعام 2009.ويؤكد تقرير أصدرته قبل أيام دائرة التخطيط وتنمية الموارد في وزارة الصحة ان عدد الأسرة الكلي في المستشفيات الحكومية يبلغ حالياً 44 ألفاً و 464 سريراً، بزيادة إجمالية 2000 سريراً عن عام 2010، فيما يتراوح معدل توزرع الأسرة على السكان بمعدل 1.3 سريراً لكل 1000 نسمة.سجلت محافظات بغداد والمثنى وميسان أعلى معدل، بواقع 1.7 سريراً، وسجلت محافظتا ديالى وكركوك أدنى معدل، بواقع 0.9 أسرة لكل 1000 نسمة من السكان [1].
التقرير الجديد لوزارة الصحة لم يخل،كالعادة، من مفارقات،أبرزها أنه يكشف بان العدد الحالي للمستشفيات الحكومية العامة أصبح 148، بينما كان 150 مستشفى.وهذا يعني ان زيادة لم تحصل في عدد المستشفيات، وإنما بالعكس إنخفض عددها.ولم يحصل تغير في معدل توزع الأسرة على السكان(1.3) سريراً لكل ألف نسمة في عام 2012 مقارنة بعام 2010.ويكرر التقرير ما ورد في تقرير عام 2010 بان " الزيادة في السعة السريرية للمستشفيات لا تتناسب مع الزيادة السكانية".ويبدو ان معدل توزع الأسرة مبنيٌ ليس على عدد الأسرة المهيئة للرقود فعليآ وإنما على عدد الأسرة الكلية. وكرر التقرير أيضاً جملة :" استقرار الوضع الامني وتأمين الخدمات العلاجية بمستوى جيد..الخ"،التي وردت نصاً في تقريرعام 2010،أضيفت لها جملة:" وتأمين الخدمات العلاجية بمستوى جيد والعمل بنظام الجناح الخاص واقبال المواطنين للرقود في المستشفيات الحكومية اسهم بزيادة نسبة الاشغال السريري الى 58.6 بالمئة"..
هذه المسائل تدعو الى التساؤل: ما الجديد،إذاً، الذي تحقق في قطاع الصحة خلال العامين الأخيرين ؟ وأين صارت الوعود بزيادة عدد المستشفيات ؟ والجميع يقر بان " العدد الحالي للمستشفيات الحكومية لا يسد الحاجة إليها.والبلد بحاجة كبيرة الى زيادة عدد المستشفيات التخصصية "[2]. وما الذي تحقق لتخفيف شكوى المواطنين من قلة المستشفيات في مناطق سكنهم وصغر بعضها وقلة اعداد الاطباء و سوء الخدمات فيها،وهو ما يضطرهم للذهاب الى المستشفيات البعيدة عن مناطقهم أو الى المستشفيات الاهلية التي تكلفهم الكثير من الاموال، بالاضافة الى بطء عملية نقل المرضى من مناطقهم في الطوارئ،فدفعوا ثمناً غاليا بسبب تاخر وصولهم. فالمرأة الحامل، التي هي في حالة ولادة عسيرة، على سبيل المثال، تتحمل المزيد من الألم وتموت في بعض الاحيان بسبب التاخير.والمواطنون يعدون هذا تقصيراً كبيراً من قبل الدولة التي تنظر الى واقع المستشفيات العراقية ولم تفعل شيئاً يرتقي بواقعها الى الافضل، مطالبين الجهات المعنية بوضع حد لمعاناتهم في هذه الحالات باسرع وقت ممكن[3].
أما العمل بنظام "الجناح الخاص" وحددت وزارة الصحة حتى استقدام الفرق الطبية الاجنبية للعمل في المستشفيات الحكومية ان يكون تحت مظلة الاجنحة الخاصة كأهم ضوابطه- كما أعلن ذلك نصاً كل من المتحدث الرسمي للوزارة الدكتور زياد طارق ومدير عام دائرة العيادات الطبية الشعبية الدكتور حازم الجميلي [4]، فقد قوبل بالأمتعاض من قبل المواطنين، محتجين على افتتاح أجنحة خاصة في المستشفيات العامة للعلاج مقابل أجور مقاربة للأجور التي تفرضها المستشفيات الأهلية. فقال مدير "منظمة أطفال الرافدين الإنسانية" مكي التميمي إن وجود أجنحة خاصة في المستشفيات العامة يثير الاستغراب لان تلك المستشفيات ممولة من المال العام.وأوضح بأن المرضى الذين يلجأون إلى المستشفيات العامة لو كان وضعهم الاقتصادي جيداً لقصدوا بدلاً عنها المستشفيات الأهلية لان خدماتها أفضل، داعيا إلى التحقيق في هذه القضية لعلاقتها بصحة وكرامة المواطنين، مطالباً بمعاقبة المسؤولين عن افتتاح تلك الأجنحة،الى جانب مكافحة المظاهر السلبية الكثيرة في المستشفيات العامة[5].ورفض المواطنون جل تبريرات إفتتاح الأجنحة الخاصة، الذي جاء بدلآ من القيام بشكل عاجل بزيادة عدد المستشفيات الحكومية، الذي بقي أقل بكثير من الحاجة الماسة لها، وإستمرار سوء توزيعها جغرافياً، فحتى العاصمة بغداد، التي تتمركز فيها المستشفيات، تفتقر إليها الكثير من مناطقها الكبيرة وكثيفة السكان، وتعاني من الزخم الكبير.فمثلاً لم يعد مستشفى الصدر العام في مدينة الصدر (الثورة)،الذي أنشئ في سبعينيات القرن الماضي لاستقبال المرضى من اهالي المدينة، يستوعب الاعداد الكبيرة من المراجعين، بعد ان اصبح تعداد المدينة اليوم حوالي ثلاثة ملايين نسمة، اضافة الى كثرة المراجعين اليه من المناطق القريبة، مثل الشماعية، حي النصر، الكمالية، وغيرها من المناطق التي لا تتوفر فيها مستشفيات واغلب سكنتها من ذوي الدخل المحدود [6].وأفاد مدير مستشفى ابن البيطار التخصصي، الدكتور حسين الحلي، بوجود 6 آلاف حالة مرضية تنتظر دورها في الخضوع للجراحة منذ العام 2008 في مشفاه الذي تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى نحو 700 عملية جراحية في العام الواحد.والمستشفى مفتوحاً لجميع العراقيين من كافة أنحاء البلاد[7].ويراجع قسم الامراض السرطانية في مستشفى الكاظمية التعليمي يوميا اكثر من 30 مريضا اغلبهم من النساء، الامر الذي يكشف مدى انتشار الامراض السرطانية في البلاد، الذي يقابله شحة اجهزة الكشف عنها ونقص الملاك المتخصص واجهزة العلاج بالاشعة[8]. وفي الحلة توجد وحدة للأمراض السرطانية في مستشفى مرجان هي الوحيدة في منطقة الفرات الاوسط التي تخدم محافظات:بابل، النجف، كربلاء، الديوانية، وهي غير كافية لاستيعاب المرضى الذين يتم تشخيص نحو 950 - 1000 حالة سرطان جديدة سنوياً.والوحدة بحاجة الى أسرة جديدة وحديثة كون الاسرة والاجهزة المتوفرة حاليا بحاجة الى تبديل بسبب قدمها وعدم استيعابها لاعداد المرضى في منطقة الفرات الاوسط"[9].وفي البصرة، اكد رئيس لجنة البيئة والصحة في مجلس محافظة البصرة الدكتور حسن خلاطي ان المؤسسات الصحية في المحافظة لاتسد سوى 50 بالمئة من حاجة الواقع الصحي بحسب المختصين، مع قلة دعم تجهيز المستشفيات في المحافظة التي تستقبل المرضى من كافة المحافظات الجنوبية المجاورة [10]..
وتلكم أمثلة سائدة في كافة المحافظات العراقية ويعرفها القاصي والداني.بينما لليوم لم يتم،بالمقابل، إنشاء وإفتتاح مستشفيات حكومية ذات مواصفات متطورة، سواء من حيث البناء،أو من حيث تجهيزها بالمعدات والأجهزة الطبية، التي معظمها لا يتناسب مع التقدم الحاصل في الطب. وكل المستشفيات الحكومية لم يجر تحديثها، وبقيت على ما هي عليه،وحتى من تم ترميمها لم تعد تساير الأحتياجات الصحية للمواطنين، ناهيكم عن مسايرة التطور العلمي والتكنولوجي(المفارقة انه في الوقت الذي يحتاج البلد الى المستشفيات والمدارس،وتخصيصات الميزانية العامة للصحة والتعليم بائسة ، يدعو وزير التعليم العالي والبحث العلمي الى تشييد جامع كبير في كل كلية في الجامعات العراقية).والى جانب محدودية الطاقة الإستيعابية للمستشفيات الحكومية، تبرز على نحو كبير شحة الكوادر الطبية، حيث تعترف وزارة الصحة بالحاجة الماسة الى نحو 40 ألف طبيب، في حين لا يتوفر أكثر من 22 ألف طبيب.والطبيب الواحد يخدم نحو 40 ألف نسمة من السكان- بحسب لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب..
إرتباطاً بذلك،وغيره، فان واقع الخدمات الطبية الراهن،عموماً، وًالخدمات الطبية المقدمة لأنقاذ حياة المرضى، خصوصاً، ما تزال دون المستوى المطلوب، بل وسيئة.والأمثلة في هذا المضمار كثيرة وصارخة،بما فيها مهمة إنقاذ حياة ضحايا التفجيرات الأرهابية،التي يستمر ضعفها، في وقت تتصاعد التفجيرات الإجرامية، حيث قتل، خلال شهر رمضان وحده، 409 أشخاص، على الأقل، وأصيب 975 اَخرون في عمليات تفجير واطلاق نار شهدتها مناطق مختلفة من العراق [11]..البقية في الحلقة العادمة.
الهوامش:
1- علي موفق- " الصباح"،12/8/2012
2- د. سلام يوسف واقع الخدمات الصحية ومخصصاتها في الموازنة الإتحادية لعام 2012 (3):المستشفيات، على المكشوف:" طريق الشعب"،19/2/2012
3- تحقيق:علي السعدي –"الدستور" العراقية،4/3/2011
4- "العراق اليوم"، 23/7/2012
5- "السومرية نيوز"، 15/8/2012
6- تحقيق:احمد عبد صبري-" طريق الشعب"،3/6/2012
7- وكالة (نون )الخبرية/خاص،12/9/2011
8- تحقيق:إبتهال بليبل-"الصباح"، 6/9/2011
9- تحقيق: تحرير الساير- " الناس"،6/6/2011
10- وكالات:"طريق الشعب"،17/11/2011
11- "فرانس برس"(أ.ف.ب)،20/8/2012
* د. كاظم المقدادي - باحث بيئي عراقي مقيم في السويد
منسق الحملة من أجل تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب وإنقاذ الضحايا
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (11)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (10)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (9)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (8)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (7)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (6)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (5)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (4)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (3)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (2)
إنخفاض متوسط أعمار العراقيين.. الأسباب والعوامل المؤثرة (1)