| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأثنين 6 / 10 / 2025 د. سالم رموضه كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
7 أكتوبر والإبادة الجماعيةد. سالم رموضه *
(موقع الناس)انقضت سنتان بالوفاء والتمام على هجمات 7 أكتوبر التي باغتت فيها فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس غلاف غزة ونقلت المعركة ولأول مرة بعد عام النكبة المشؤوم عام 1948م إلى ساحات العدو الصهيوني الغاشم. وعلى إثر ذلك استنفر الاحتلال الصهيوني معظم مقدراته العسكرية للرد بوحشية على هذه الهجمات وطالت أياديه قادة الصف الأول في المقاومة الفلسطينية لا سيما الجناح العسكري ومن يساندها في لبنان والعراق واليمن. ووقفت أمريكا رائدة الإبادة الجماعية بكل ثقلها العسكري والسياسي لمؤازرة دولة الكيان الصهيوني, وعموماً هناك تراكمات نفسية حادة وسلبية إزاء دولة أمريكا تولّدت جرّاء علاقة إداراتها المتعاقبة بقضايا أمتنا العربية وعدم إيلائهم لها الاهتمام الإنساني العادل, ومعاداتهم بشكل سافر ودائم وجنوحهم للكيل بمكيالين في التعاطي مع تلك القضايا. ولا غرابة في ذلك فالتاريخ الدموي لهذه الدولة وهي التي بنت أركانها على سلسلة من الجرائم البشعة في حق السكان الأصليين وهم قبائل الهنود الحمر, يدل دلالة واضحة على ارتكابهم نهج الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في حق الشعوب والأمم الأصلية التي كانت تسكن أمريكا قبل قدومهم من شتّى أصقاع الأرض. ولم تتبقّ طريقة مهما كانت بشاعتها إلا واستخدمت ضدّهم ومنها نقل الأوبئة والأمراض لهم كوسيلة حرب بيولوجية عن طريق إهدائهم الأغطية الحاملة لأمراض الجدري والحصبة والطاعون والكوليرا والتيفويد والدفتيريا والسعال الديكي والملاريا وبقية الأوبئة التي كانت تحصدهم حصداً لعدم وجود مناعة لديهم, أما من يتبقّ منهم فيتم حصده بالبنادق. كما أحرقوا محاصيلهم الزراعية ليفتك بهم الجوع وسمّموا آبارهم وخلطوا مياهها بالعقاقير المُعقِمة حتى لا ينجبون أطفالاً وأجيالاً جديدة وينقطع دابرهم إلى الأبد, كما خطفوا بناتهم وأبناءهم للعمل في الحقول والمناجم حتى الموت. هذه هي أمريكا بتاريخها الدموي البشع, الأمر الذي جعلها لا تبدي تعاطفا مع قضايا المغلوبين والمقهورين في كوكبنا ومنها مشكلة الشعب الفلسطيني الذي شُرّد من أرضه منذ أكثر من سبعة عقود وبوسائل مشابهة.
إن سياسة التطهير العرقي ووسائل الإبادة الجماعية التي تمارسها ربيبة أمريكا دولة الكيان الصهيوني وجيش احتلالها الهمجي الذي يأتمر بتوجيهات حكومته اليمينية المتطرّفة والمستندة على سفسطات تلموديه مضلّلة, جعلت الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يعاني الأمرين من القصف الوحشي على المنازل والأبراج السكنية والمخيّمات والمدارس والمستشفيات وأماكن الإيواء ومن ممارسة سياسة التجويع الممنهج والإجبار على النزوح والإخلاء.
وبعد حرب ضارية وغير متكافئة منذ سنتين انبثقت عبقرية الرئيس ترامب رئيس أمريكا راعية الإبادة الجماعية في غزة عن ما عُرف بخطة ترامب ونقاطها العشرين لإيقاف الحرب ولإحلال السلام في غزة. وبالتمعّن في كامل هذه النقاط, فهي باختصار وصاية جديدة تضع غزة تحت مجلس أجنبي وشرطة بلا سلاح واستثمار بيد الغرب وقوة دولية على الحدود, بل هي محاولة لنزع روح المقاومة وتحويل غزة من أرضٍ للصمود إلى محمية تحت الانتداب. فالخطّة التي وضعها ترامب تحت مسمّى السلطة الانتقالية الدولية لغزة (GITA) تقوم على إنشاء كيان إداري أمني اقتصادي تحت إشراف دولي مباشر بغطاء من مجلس الأمن وتُدار غزة فيه عبر مجلس دولي أعلى من 7 إلى 10 أعضاء بينهم ممثل فلسطيني رمزي وشخصيات دولية وغربية ورجال أعمال وتكون قراراته مُلزمة.
أما تفاصيل الخطّة كما رواها الرئيس ترامب نفسه فهي تتمحور في الآتي:
- إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين جميعاً ودفعة واحدة من الأحياء والأموات
- إلقاء السلاح وتجريد حماس من كل المعدّات والأسلحة التي تملكها
- تسليم مصانع الأسلحة التي تملكها المقاومة وتسليم خرائط الأنفاق
- منع حماس من البقاء في غزة ومنع السلطة الفلسطينية من المشاركة في إدارة القطاع
- تشكيل حكومة مؤقتة من تكنوقراط فلسطينيين دون تدخّل حماس أو السلطة
- تشكيل مجلس سلام عالمي يكون رئيسه ترامب وبلير ورئيس وزراء بريطانيا أعضاء فيه
- إلغاء السلطة الفلسطينية ولا حديث عن دولة فلسطينية
- فتح ممر آمن لقيادة حماس للخروج من القطاع إلى أي دولة تقبلهم
وكل ذلك مقابل لا شيء على الإطلاق الأمر الذي يجعلها بمثابة ورقة استسلام من قبل المقاومة وتسليم القطاع لإسرائيل وأمريكا, ثم ما ذنب السلطة الفلسطينية حتى يريدون محوها من الوجود وهي التي وقّعت على اتفاق أوسلو وقامت بالتنسيق الأمني مع إسرائيل.
التاريخ لا يخطئ حين يعيد نفسه, فعندما سلّم الهنود الحمر سيوفهم وأقواسهم جاءت المذابح التي محتهم من الوجود, وحين سلّم قادة الأندلس مفاتيح مدنهم لم يجدوا سوى محاكم التفتيش التي أحالتهم رماداً, وحين وثق الليبيون بوعود إيطاليا جاءتهم المقاصل والمشانق في صحراء سرت, وحين لجأ مقاتلو البوسنة المسلمون البوشناق إلى مدينة سربرنيتسا باعتبارها منطقة آمنة تحت حماية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أقدم مقاتلو صرب البوسنة على قتلهم وقتل نحو 8 آلاف معظمهم من الرجال والشيوخ والأطفال بدم بارد وتُعد أسوأ مذبحة شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. والملفت للنظر أن حماس ردّت بالموافقة على خطة الرئيس ترامب وحدّدتها مبدئاً في نقطتين أساسيتين وهما إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار وترك التفاصيل والمفاوضات على النقاط الأخرى التي لا يمكن البت فيها إلا بتوافق فلسطيني شامل لكل الأطراف وهي ورقة سياسية استطاعت حماس أن تلعبها في الوقت الضائع.
المكلا في 7 أكتوبر 2025
* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق