|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  15  / 9   / 2025                                 تحسين المنذري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 دولة فاشلة أم دولة مشلولة

تحسين المنذري
(موقع الناس)

كثيرا ما توصف الدولة في العراق على إنها دولة فاشلة، لكني أعتقد إنها دولة مشلولة عن عمد وليست فاشلة، ذلك إن الفشل نتيجة قد يصل إليها من سعى للنجاح لكنه لم يتمكن ففشل، أما في وضعنا العراقي فالدولة كانت مشلولة منذ تسلَّط البعثيون على رقاب الناس، فكانت كل مؤسسات الدولة تخضع لمشيئة الحزب الحاكم والذي إنحصرت صلاحياته برغبات ونزوات قائد دكتاتور بعيدا عن دستور أو قوانين حتى وإن وضعت من قبلهم هم. ليمتد هذا الحال الى ما بعد سقوط الدكتاتورية فكان نظام المحاصصة الطائفية ـ الاثنية المقيت والذي إنعكست تطبيقاته على كل مؤسسات الدولة فتم شلها بالكامل :

* البرلمان كأعلى سلطة تشريعية ورقابية تم تحويله الى كانتونات منفصلة عن بعض، وكل كانتون يخضع لمشيئة كتل أو أحزاب يمثلها افراد يقررون ما يتلائم ومصالح خاصة بعيدا عن المصلحة العليا للوطن، وهذا ما شوه التشريعات والاجراءات الرقابية .

* مجلس الوزراء كأعلى سلطة تنفيذية، ليس للوزراء، بما فيهم رئيس المجلس، دور شخصي في إتخاذ القرارات ما لم يعود كل منهم الى الحزب أو الكتلة التي رشحته ومعلنين بلا خجل ولائهم لتنظيماتهم على حساب الولاء للوطن.

* القضاء بات ليس مستقلا، فقد تم حشوه بعناصر تدين للمحاصصة بوجودها فيه، وبمراكز متعددة حتى رأس القضاء، وأيضا فقد أتاحت السلطات للعشائر التصدي لحل المشاكل المجتمعية والتي يفترض أن ينهض القضاء بدوره فيها وغدت حلول العشائر معتمدة إجتماعيا وسلطويا، وبذلك أفرغ القضاء من أهم أدواره في تحقيق العدالة الاجتماعية والأقتصاص من المذنبين .

* الجيش بوصفه أحد رموز السيادة الوطنية فقد جرى تشويهه بتوزيع المناصب والرتب على أسس من المحاصصة وصلت لحد الولاءات للأفراد وليس فقط للطوائف والكتل السياسية، وبذلك فقد تبدلت عقيدة الجيش من عقيدة وطنية الى مجموعة عقائد تبعا للمحاصصة. ويبدو إن ذلك لم يكن كافيا للمتنفذين في الحكم فأنشأوا الحشد الشعبي في محاولة لطرح البديل عن الجيش وتم إضفاء صفة قانونية مشوهة وإمتيازات لا تمت للقيم العسكرية بصلة، والانكى أُطلقت عليه صفة المقدس! 

* في مقابل أجهزة إنفاذ القانون أو ما تسمى بقوى الضبط المجتمعية (شرطة، أمن وطني وغيرها) تم إنشاء أمن الحشد ويبدو بصلاحيات واسعة جدا، وبمديات غير معروفة النهايات، بحيث يستطيع منتسبوه ليس فقط ملاحقة وإعتقال ومحاسبة عموم المواطنين بل أيضا محاسبة ومعاقبة حتى منتسبي أجهزة إنفاذ القانون.

* إشاعة الفساد بمختلف أشكاله (سرقات، رشاوي، عمولات، وغيرها الكثير) والتستر على الفاسدين وتعمد إصدار قوانين وقرارات العفو بناءً على تسويات محاصصية .

* السماح بحمل وإستخدام الاسلحة ليس فقط للميليشيات بل وحتى لأفراد قريبين من ذوي المكانات السياسية المتقدمة بل وحتى لبعض المقربين منهم وذويهم، وأمسى السلاح يٌقدم كهدايا من قبل كبار المسؤولين وبشكل علني، حتى صار إستخدامه من وسائل الترهيب والعسف.

إن كل تلك الممارسات جرت بوعي ومعرفة مآلاتها، وهي بذلك عمليات مقصودة لشل أجهزة الدولة وتهميشها وإسقاط هيبة الدولة محليا ودوليا، وهذا ما يفسر عدم الانضباط المتصاعد محليا، وإستهانة دول أخرى بمقدرات العراق مثل تقليل الحصص المائية والتلاعب بإمدادات الكهرباء المستورد من قبل بعض دول الجوار، ودخول قوات أجنبية لداخل الحدود العراقية، وتجوالها كما تشاء إضافة الى قوات دولية أخرى متمركزة في قواعد اُنشأت بعضها برضا الحكام وأخرى بالرغم عنهم. فمن إرتضى بذلك وساعد عن عمد بتشويه صورة الوطن، فهو خائن للوطن بوضوح ينافس حتى وضوح إشعاعات شمس تموز في العراق .

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter