الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 19/11/ 2007



محمود جنداري..... سلاما
ثلاث مقالات

الراحل محمود جنداري وريادة الاختلاف

فرج ياسين
 Farajyaseen@yahoo.com

تحدر فن المبدع الراحل محمود جنداري من منجز جيل الحساسية الجديدة في القصة العراقية التي شهدت تفجرا لافتا في عقد الستينيات وكان دوره – مع نخبة من زملائه – قد ناء بمهمة تصعيد اثر التحولات المواكبة لمسار ثقافي كوني ، اختمرت فيه تجارب اصيلة ، مثل :- الادب الاشتراكي والوجودي والعبثي فضلا عن بزوغ ادب اميركيا اللاتينية الذي هشم الثوابت واعاد الاعتبار الى سلطة الحكاية على حساب ضمور المهيمنات الأيدلوجية والسياقية في السرد .
واذا كان جميع قصاصي هذا الجيل قد بدأوا بالتاثر والتقليد فان بعضهم اخذ على عاتقه الخوص عميقا في مياه التجريب عبر اللغة الخاصة والرؤيا .. ولكن محمود جنداري اختار طريق الاختلاف (وليس المخالفة) اذ كان في قصص (مجموعة الحصار) مستغرقا في التجديد من داخل الرؤيه السياقية للنوع القصصي ،و لم يغادر تقاليد القصة العربية في منجزها التفجيري منذ الخمسينيات ، اما في مجموعة (عصر المدن) او (مصاطب الالهه) فكان رائيا وصانعا خلاقا، لايرتكز على موروث منهجي بل ابدع منهجية متفردة ، ذات صوت خاص ، عصي على المحاكاة .
في هذه القصص يعيد محمود جنداري تفكيك التراث ويجرد الأخبار والمرويات والأساطير من تماسكها السياقي ثم يقوم بتركيبها من جديد ، اذ ترتب على كل (منقول) ان يغادر اصالته وينخلع من جداره لينتظم في كيان جديد، يمسى نصا ، او خطابا سرديا مولدا .
ان تجاور المرويات وتراكمها في معترك سردي لايمر من دون ان يحتويه منظور عميق الدلالة غالبا ماكان يبرق الى المتلقي قسوة او جورا او اعتراضا او سخرية او فتنة او محبة او هزيمة او موتا على الصعيد الرمزي .
ان نص محمود جنداري المتفرد لايقاس بالنص المالوف ولايخاطب بالطريقة المالوفة مع انه يحافظ على تماسك شديد الخصوصية في بنائه الداخلي .
لقد اتيح لي الاشتغال على بعض قصصه في رسالتي الجامعية (توظيف الاسطورة في القصة العراقية 1996 والصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة 2000) ولاسيما قصص
(زو – العصفور الصاعقة) و(مصاطب الالهه) و (القلعة) و(امواج كالجبال) فاكتشفت انه برع في تخصيب جماليات الاسطورة الاصلية في النص القصصي من خلال استثمار تقاناتها الملازمة لشكلها البنائي ، وهي التكرار والشعر والحوار والقطع والاستطراد والتناص وغيرها ، ومنذ ان خطف الموت صوت الراحل الكبير محمود جنداري لم يقو احد على خرق خصوصية فنه القصصي الذي كان علامة فارقة لعقد التسعينات من القرن المنصرم وهذه سيمة خاصة جدا يقاس بها التفرد في الابداع واحسب انه كان سيعمل على تطوير ذلك النهج المميز لو لم (يشرق) قلبه الطيبب بجرعة فرح كان يقف – في انتظارها – على رصيف كالح لما يربو على خمسة عقود عجاف.


للدغل حكاية اخرى

جمال نوري
 Jamal_nory@yahoo.com

تمتد معرفتي بالقاص الراحل محمود جنداري منذ نهاية السبيعينات حيث كان قد اصدر قبل ذالك بسنين (اعوام الظمأ) التي كانت انعكاسا لتجريبية الستينات بعبثيتها وتمثلها للمنجز الثقافي الوافد حينئذ كان قد اصدر العديد من قصص مجموعته القصصية المبدعة (الحصار) واذكر منها قصة (الدغل) التي تاثرت بها كثيرا وشعرت وقتها ان مشهد اللقاء الجنسي في قصة الدغل يشبه الى حد كبير اللقاء الذي برع في تصويره القاص السوري حنا مينا في روايته المذهلة (الياطر) الا ان محمود جنداري ذهب الى ابعد من ذلك في تصويره الفجائعي للدغل والغور في تفاصيل كثيرة كانت تبدو لي غير مهمة في بناء وتسيج المتن الحكائي للقصة الا ان محمودا استدرك قائلا : انظر ياجمال عندما اريد تسليط الضوء على الواقع بكل متناقضاته فاني استغرق في الوصف وقد يكون الدغل مكانا خصبا لتصوير الاشياء التي اريدها او ربما استطيع ان افعل ذالك عندما اصور عمودا او واجهة بناية ما والوصف في سياقه السردي يرسل كثيرا من الشفرات المقصودة التي تهتم في الارتقاء باللعمل الفني عندما يتمثل الواقعة القصصية بمخيلة مبدعة واذكر وقتها في الموصل ان الصديق القاص المبدع ثامر معيوف هو الذي ارشدني الى المبدع محمود جنداري حيث كنت وقتها طالبا في المرحلة الثانية في جامعة الموصل ولقد اغتني كثيرا لقاءاتي معه ومع ثامر معيوف ومع حمد صالح ومع غيرهم من ادباء الموصل ولايمكن ان انسى تاثير اولئك المبدعين على تجربتي في الكتابة القصصية ولقد كتب القاص محمود جنداري في شتاء عام 1978 موضوعا عن امسية قصصية عقدت في اتحاد ادباء الموصل ساهم فيها عدد منالقاصين الشباب حيث تناول القصص وتوقف عند قصتين الاولى لكاتب المقال والثانية للقاص فاتح عبد السلام مستبشرا ومتلمسا قدرتنا الابداعية في تناول الواقعة القصصية وفي هذا الشهر استذكر مع ثلة من اصدقائي الادباء صيف 1995 حيث غادرنا محمود تاركا خلفه منجزا ابداعيا كبيرا استشرف فيه فعل الموروث والاسطورة والحكاية العراقية بخصوصيتها وتفردها وكان تناوله متميزا وفريدا اختلف في ذلك عن كل مجايليه في فهم الموروث الحكائي ومشاربه الثرة واختص في وضع بصماته الابداعية على مسيرة السرد القصصي في العراق.


صداقة لها طعم التبرزل

كفاح الالوسي
 Kefah_20002001@yahoo.com

منذ وقت طويل وانا أمني النفس بان السنة القادمة ستكون افضل لاكتب عن محمود جنداري تلك الكتابة التي تليق به اديبا ومثقفا وانسانا لكن وياللاسف ماطاب الزمان ابدا وبقيت المياه عكرة ، حتى باغتني الاصدقاء بطلبهم :- ان لابد من الكتابة فقد مضت عشر سنوات على ليلة (خسوف القمر) !!

حاولت ياصاحبي ان اعتذر ، والتزم بوصيتك ((ان تريث في الكتابة)) لكنهم ماعذروني هذه المرة وطالبوني ان اكون وفيا لذكراك واتعجل في البوح واقول كل ما اعرفه واتذكره عنك .
هم يظنون اننا قضينا يوما او بعض يوم هم لايدرون اٍنا قضينا عاما كاملا بحلوه ومره خلف تلك الأبواب المقفلة .
لو كانوا يعرفون كل ما أعرف لما طلبوا مني ان اتعجل ولقالوا مثلما قلت : (تريث دائما ، واياك ان تتعجل في النشر ، ليس مهما ان تثرثر بل قل كلمتك المتفردة او فاٍصمت )
اليوم وأنا أستل قلمي للكتابة عنك ، اتذكر كلماتك باٍجلال، نعم فقد فرطت في اشياء كثير لكني ابدا لم افرط بوصياك ، وما تعجلي في الكتابه الا بعد ان جدت ضرورة ما للكاتبة عنك . عرفانا بجميلك واعتزازا بصداقتنا التي لها طعم التبرزل ..
ولان ذكرياتي معك كثيرة ، ولايتسع مقال واحد للبوح بها لذا ساقصر حديثي هذه المرة على قصة (العصور الاخيرة) المنشورة في مجلة الاقلام انذاك .

اذ وقتها وحسب ما أتذكر نصتحني : ان تأن في قرائتها . يومها لم اسألك : لم التأني اليست هي قصة كبقية القصص !؟ وشرعت في القراءة ، وبخاطري تلك النصيحة الذهبية ، التي والله ما نسيتها لكني ضيعتها في زحمة الاحداث المتلاطمة داخل النص ، وحال الاٍنتهاء من القراءة خجلت من نفسي ، لاني بصراحة شديدة تهت في اشياء كثيرة ولم افلح في فهم النص وخلجت كثرا عندما سألتني : عن رايي فيها0 يومها اتذكر جيدا اني تلعثمت ، وحاولت ان ابرر لك عدم فهمي : لكنك ما أقتنعت وطلبت مني ان اعيد قراءتها مرة ثانية لافتا انتباهي الى نقطة مهمة قائلا لي : حاول ان تمسك بذلك الخيط السري الذي يجمع كل عناصر القص .
فعدت وقراتها اخذا بنصحك هذه المرة على محمل الجد ، لذا امسكت باشياء مهمة دون ان يعني هذا اني امسكت (بجمرة النص) على حد تعبيرك لي فيما بعد .
فنص (العصور الاخيرة) لم يكتب ليقول شيئا محددا بل كتب بمزاج الكهان العارفين ليقول جملة اشياء هامه وخطرة في آن ، لذا لا غرابة ان ياتي السرد فيه مفعما بالسرية التامة ، رغم تورطه في التفاصيل وانشغاله في البوح .
اتذكر اني قلت لك شيئا من هذا القبيل ، واٍن لم تخني الذاكرة شكوت لك : من كثرة الاماكن وتعدد الشخصيات وتشظي الزمن وتهشم الحدث ، كوني لم اعتد عليها في قراءتي السابقة ، وبالتالي اصابتني بالدوار ، وجعلتني اتوه ، وختمت مزاجي القرائي بعدم الفهم !! هذا بالضبط فحوى ما قلته لك بعد قراتي الثانية 0 فما كان منك في حينها الا ان أبتسمت طالبا مني ان اشرع في قراءة ثالثة ،دون ان ترشدني هذه المرة باي شيء تاركا لخيالي الحر ان يتفاعل مع النص ويتذوقه بطريقته الخاصة 0 وطفقت أقرا القصة متكئا على ذاتي وثقتي باني سافهم ذلك الشيء الذي فاتني وما استطعت القبض عليه في المرتين السابقتين 0 وحال الانتهاء سجلت انطباعاتي عن (العصور الاخيرة) ومازلت اذكر ما اثارته تلك الانطباعات من جلبة في اذهان محبي الادب داخل السجن حتى ان مجلة الاقلام قد اهترأت من كثرة مالاكتها الايدي قبل العقول .. وكان الفخر لي هذه المرة اما انت فقد ظللت في كل الاماسي التي تحدثنا فيها عن القصة تؤكد لي : ( ان لابد من التريث والتاني في القراءة، وعلى القارىء ان يكون ذكيا ويعي من البداية انه ازاء نمط جديد من الكتابة القصصية لذا عليه ان يشغل ويستنفر مرجعياته الثفافية لتعينه على رؤية ما خلف السطور، ولاضير بل من الضروري قراءة مثل هكذا نصوص اكثر من مرة خاصة وان القصة الحديثة ماعادت سالوفة تحكى للاٍمتاع والمؤانسة بل عملا فنيا فيه الكثير من الجهد المثابر والكدح المضني على صعيد اللغة والرؤيا ) واستطردت في اوقات اخرى قائلا: ( لاتستغرب ان قلت لك باني لا اكتب الا قصة واحدة في السنة واكثر من هذا لا أدفع بها للنشر الا بعد ان اعيد كتابتها احد عشر مرة !! فانا لا اكتب للطارئين بل لعشاق الادب والحاذقين من القراءة) .
اعترافات خطرة وفي غاية الاهمية مع ذلك لم يمنعي فضولي من معرفة المزيد وطرح ذلك السؤال التقليدي : هل تظن هنالك قارىء في العالم يمكن ان يكون مثابرا مثلك ويقرأك ثلاث مرات ؟
فكانت اجابتك جاهزة وعلى الفور قلت : كلي ثقة بوجود ذلك القارىء واني عليه أعول والا ما كتبت ودليلي : هو انت
فخجلت يومها وسكت .


 


 

Counters