الصفحة الثقافية
الثلاثاء 1/9/ 2009
( قناة الشرقية وأنفلونزا النشــاز )
حيــدر الونــدي
في مقالتي القصيرة المتواضعة هذه سوف لن أتناول ما ذهب إليه بعض الأخوة الآخرين في نقدهم لبعض جوانب فوازير( زنود الست) التي تقدمها قناة الشرقية والتي تخلو من أي مشوقات رمضانية أو فوازير سوى وجه المغنية الجميل المصابة بأنفلونزا النشاز وسوف لن أتكلم عن السنوات الأربعين العجاف من تأريخ العراق الحديث المظلم الذي ولى وخلف لنا بعضاً من أشباه الفنانين ، ولن أقول أن ما تشاهدونه في الشرقية اليوم هو امتداد لتلفزيون الشباب السيئ الصيت وما كان يقدمه من أصوات وبرامج نشاز تافه كتفاهة صاحبها الأرول السادي. وسوف لن أتدخل (استغفر الله العظيم) في السياسة والسياسيين رجالاً وأحزاب لا من قريب أو بعيد .
لكنني سأتناول الجانب الموسيقي الغنائي فقط وما حوله من شجون وفيما تقدمه الشرقية بزنودها وفوازيرها التعبانه وكيف تعرض لنا فنانينا الرواد وأغانينا العراقية الخالدة بشكل هزيل يسئ لروادنا ولتراثنا الغنائي الموسيقي الذي يجب أن نفخر به كبقية شعوب العالم المتمدن والعالم العربي وفضائياتهم التي تعرض في أعمالها الدرامية وأفلامها وفوازيرها روادها ورموزهما الفنية والثقافية وتقدمهم بشكل لائق فيه كل التقدير والاحترام لهم ولتراثهم الذي يعتبر من الثروات الوطنية .
فأنا استغرب لماذا تسئ قناة الشرقية للعراقيين وتراثهم ؟ ولماذا يظهرون رموزنا الفنية والثقافية بهذا الشكل الهزيل والمجافي للحقيقة ؟ فقصص فوازير زنود الست للأسف أغلبها مفبرك وبشكل لا يمت للحقيقة بصلة سوى بعض النتف من هنا وهناك والسيناريو والحوار ضعيف جداً لا يرقى ولا يليق بالشخصيات الفنية المعروضة على الشاشة والحوار غير منطقي وركيك مما يدل على الإرتجال وأن كاتبي القصة والسيناريو ليست لديهما أي خبرة وأي خلفية ثقافية وفنية وأما بعض الممثلين فلا حول لهم ولا قوة سوى أنهم يجهدون لإضفاء روح المرح والنكتة على الحلقات التي تخلو من أي حبكة فنية ومحشوة حشواً في المشاهد والمغنية الممثلة لا تكبر ولا تصغر بقدرة قادر ويبقى شكلها وجمالها هو حتى لو أدت دور الفنانة في مراحل حياتها الأخيرة ، أما الأزياء والديكورات فحدث ولا حرج في التناقض الزماني والمكاني وكثيرها لا يمت لتلك الفترة بصلة بل ينقصها الهواتف النقالة والموبايلات والإنترنيت لكي تكمل الحسبة واللخبطة، أما الإخراج فأنه ضعيف جداً وغير مقنع لأن الشخوص لا تشبه الشخوص الأصلية لا من قريب أو بعيد ولا توجد رؤية اخراجية واسلوب درامي متميز، ولو كان العمل لشخوص ومواضيع حديثة لأعطيناه الحق في طريقة إخراجه العشوائية وبهذه الكوميديا المحشوة حشواً بشكل يسئ للأحداث كما حصل في حلقة الفنانة عفيفة اسكندر وزوجها وأختبائه تحت السرير بهذه الطريقة المخزية . كما أن جل ما عرفناه من الحلقات الماضية عن حياة هؤلاء الفنانين الرواد هو أن حياتهم كانت فقط من الكباريه والى الكباريه حسب ما قدمه المخرج وعرضته الفوازير وكأن فنانينا لم تكن لهم حياة خاصة ولا جوانب فنية أخرى في حياتهم ، وفي المحصلة النهائية تظهر لنا فوازير( زنود الست ) بأن كل هؤلاء الرواد من فنانينا كانوا نزلاء الكباريهات والليالي الحمراء وهكذا كان حال الفنان العراقي أيام زمان.
لماذا يتعمد البزاز وكوادره إهانة رموزنا ومبدعينا ويعرضهم بهذا الشكل المزري من خلال فوازيره وقناة الشباب الشرقية ؟ الأنه قد تخرج من مدرسة سيده الأرول السادي ؟ فنحن لم ننسى ما كان يفعل سيده الأرول السادي أيضاً في تلفزيون الشباب حين كان ينادي على الفنانين "يا شعار" "يا كاولي" حين كان يجمعهم ويهينهم وينزلهم في أحواض السباحة ليغنون له ( يابط يا بط اسبح بالشط ) وأشياء أخرى لا أريد ذكرها؟ الا تتساوى تلك الأعمال المشينة مع ما تقدمه فوازير زنود الست ؟ الم يتعلم البزاز الدرس بعد ؟ لقد ولى زمن عدي وزمن اهانة الفنانين والشعراء والمثقفين والرياضيين، لقد ولى الزمن الذي كان الفنان فيه يهان في مزارع العوجة وقصورها .
لقد كان الأجدر بالشرقية أن تظهر كل الاحترام لرموزنا الفنية وتقدمهم بشكل آخر محترم وتسلط الأضواء على إبداعهم وعلاقاتهم الإنسانية بالمجتمع والناس ولماذا وكيف لحنوا وأبدعوا تلك الأغاني الرائعة التي لازالت تتناقلها الأجيال كما يفعل المصريون وغيرهم من العرب حين يظهرون رموزهم الفنية والثقافية وكأنهم أنبياء منزلون ويصنعون حولهم هالة كبير من العبقرية والقصص والحكايات . فلماذا ولمصلحة من تهين الشرقية عبر فوازيرها رموزنا ومبدعينا العراقيين بدءً من الفنان الكبير صالح وداوود الكويتي وعزيز علي وناصر حكيم وبدرية أنور وزكية جورج وعفيفة اسكندر إلى بقية الأسماء والرموز العراقية التي ستأتي بها أيام الشرقية وفوازيرها التعبانة تباعا وستقدمها بشكل هزيل سطحي مهين وبحركات ورقصات وخلاعة لا تليق بأسماء هؤلاء الرواد بحيث تظهرهم وكأنهم قرقوزات في كباريهات بغداد.
لقد استعرضت( فوازير زنود الست) ولحد الآن بعضاً من أغانينا وتراثنا بتوزيع موسيقي جيد لا باس به ولو أنه غيّر شكل ولون الألحان والأغاني العراقية وحتى بعض أنغامها ومقاماتها عبر صوت المغنية النشاز التي لا تعرف الدو من الري في السلم الموسيقي ولا تعرف من الأداء الغنائي والأنغام شيئاً فتراها تطلع وتنزل وتغير الألحان واستقراراتها النغمية كما تشاء ولا من حسيب أو رقيب ولا من اعتراض من عباقرة الموسيقى والغناء في قناة الشرقية ، أن ما حصل في أغنية ( يا أم العباية ) على سبيل المثال والتي هي من (نغم الرست السوزناك ) يعتبر تعدياً على ملحنها ومغنيها الأصلي عندما غيّرت مغنية الشرقية دالي النغمة والمقام وخرجت منه لأنغام نشاز أخرى ليس لها علاقة باللحن الأصلي لأغنية (أم العباية ) وقفلتها في النهاية بقفلات نشاز تخدش الأسماع وتخرج عن سلم المقام ونغم الأغنية . . فأنا أستغرب كيف سمحوا لأنفسهم بأن يغيروا في أنغام والحان الأغاني بحجة التوزيع الموسيقي ؟ وأستغرب كيف سمحوا لمغنية الفوازير أن تغير بعض الأغاني وأنغامها بنوتات نشاز لا تمت للأغنية ولا للسلم الموسيقي بصلة أضف إلى ذلك مخارج حروفها المتكسرة التي تخرج الأغنية من لونها بحيث لا ندري أهي أغنية بغدادية أم ريفية أم بصراوية أم مصلاوية أم غيرها.
والعتب مو عليها كما نقول باللهجة العراقية العتب على قناة الشباب الشرقية وفنانيها وملحنيها وموسيقيها الذين لم يهتموا بالشكل الصحيح على إنتاج تلك الأغاني بمستوى جيد وسمحوا لهذه المغنية أن تغني بهذه الكمية من النشازات فهل أصاب الموسيقيين وفناني الشرقية الطرش الموسيقي ؟ أم أنهم انبهروا بجمال فنانة الفوازير وبحفنه الدولارات الجديدة التي تفوح منها رائحة البترول الخليجي ؟
وإذا كان لابد أن تظهر المغنية داليا لاعتبارات أخرى ولجمالها في الفوازير ... فلماذا لم تستعن الشرقية بصوت مغنية أخرى مقتدرة على أداء الأغاني العراقية التراثية بشكل أفضل وصحيح ؟ ولماذا لم تستعن بأصوات المغنين الحقيقيين واسطواناتهم أصلاً لكي يعطوا جوا طبيعياً ونكهة عراقية حقيقية يستمتع بها المشاهدون؟ ولكي تقوم هي بدبلجة الأغاني أي تصورها فقط مع تحريك شفايفها مع كلمات الأغنية لكان هذا أسلم وأفضل لحلقات الفوازير ولكانت الأغاني أجمل.
أي زمان بائس هذا الذي تشوه فيه أغانينا ورموزنا الفنية بهذا الشكل المتخلف من خلال الأعمال غير الفنية ؟ وكيف تهان وهي التي أسست لتأريخنا الغنائي الموسيقي العراقي ونقلت إلينا الواقع العراقي بأجمل صورة وأجمل ذكريات لا زلنا نعيش أيامها ولا زلنا على قيد الحياة نتذكر كثيراً منها ومن أحداثها وأبطالها؟
ألا يكفينا ما يشوهه البعض من أنصاف المغنين المصابين ( بأنفلونزا النشاز ) لتراثنا وغنائنا بدأ من ( المدفعي الفرانكو أراب) الذي صال وجال وخرب ما خرب من أغانينا التراثية ولغتنا ولهجتنا وإيقاعاتنا العراقية الأصيلة ولا زال من دون رقيب وكأنه أوروبي يغني باللهجة العراقية إلى آخر عمالقة النشاز الغنائي الحالي وعقاربهم وبرتقالاتهم وبكائهم على أطلال وموائد العوجة ومزارعها التي دمرت ما تبقى من تراثنا الغنائي ؟ ألا يكفون كل هؤلاء الغربان النشاز لكي تطلع علينا الست مغنية العصر والزمان داليــــا وزنودها وبصوتها النشاز ولسانها المعوج وسلمها المتكسر وفوازيرها البائسة ؟ والتي لم تسلم حتى أغنية ( داري أنا داري بهوى الأسمر ) من أياديها وأيادي الشرقية وفوازيرها فسمتها باسمها ( دالي أنا دالي ) ؟.
أما أغاني حلقة اليوم فكانت مأساة من مآسي الفن والغناء وأتمنى أن لا تكون فنانتنا الكبيرة (عفيفة اسكندر) قد شاهدت حلقة اليوم لأنها ستصاب بنكسة كبيرة في آخر أيامها أمد الله في عمرها . فلو علمت أن الشرقية وزنود الست تزوّر في تأريخها وماضيها الفني الجميل وتعرضه بشكل كوميدي ساخر بائس لكانت ستصاب بخيبة أمل وتنتحب على أيام زمان وماضي جميل كان الفنان فيه محترماً معززاً مكرماً.
في الختام أعزي كل فنان عراقي مبدع وكل موسيقي و مخرج ومؤلف وممثل يحترم فنه وجمهوره بهذا المصاب الجلل الذي أصابنا من ( أنفلونزا النشاز ) وشوه موسيقانا وتراثنا الغنائي طيلة أربعين عاماً على أيادي دخلاء الفن ولا زال مستمراً عبر فضائية الشباب الشرقية التي لا تقيم وزناً ولا اعتبارا لأي قيم فنية سوى إضحاك الناس وجمهور الشرقية المعروفين وفي العديد من برامجها السطحية والهزيل على فنانينا ومبدعينا .
لا أقول سوى اتقي الله والعراقيين يا تلفزيون الشباب الشرقية ... فرموزنا الفنية الموسيقية الغنائية والثقافية أبعد من أن تهان بهذا الشكل السطحي المتخلف . وسيبقون خالدين كخلود دجلة والفرات ولتذهب كل البرامج والفضائيات والأصوات النشاز لمزبلة التأريخ.
1/9/2009