الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الثلاثاء 24/2/ 2009



وحسبك هذا الصرح
رأي في شعرية الدكتور صدام فهد الاسدي

الشاعر : عباس الحساني

يحفل الشعر العربي في هذه الحقبة من تاريخ العراق بالابتعاد عن الواقعية والسقوط والمداهنة الفكرية التي انتزعت اقنعتها بعد ذلك وظهرت على حقيقتها مما جعل كثيرا من الشعراء يتحسرون على ما بدر منهم وصدر عنهم في الماضي وتجيء بؤر التبرير خالية من الخجل بعيون وقحة وقلوب اشد من الصخر الاصم قسوة ولا غرابة في هذه المسكنة لانهم جبلوا على الانصياع والسير بركاب الخوف او العوز المادي او التزلف الذاتي الذي اوردهم هذا الورد الاسن كبقع سوداء تشين تاريخ العراق .

وانت حين تطالع فكر الدكتور الاسدي تجد انك في عالم مختلف كل الاختلاف فهو يصرخ (خمسون عاما حاربوني شاعرا) فقد نقل المعادلة الى الطرف الموجب ليضعك ايها القاريء العزيز على الكلمة الجريئة والصورة الشجاعة الفريدة التي يتطلع اليها كل وطني غيور .

لقد كانت هناك علاقة جدلية بين الشاعر والجمهور كما يراها الاستاذ عبد العزيز ابراهيم (
انشاد شعر الحداثة ص51 وما بعدها) فلا شاعر بلا جمهور وبالمقبل لا جمهور يسمع المقول ان لم تكن هناك قصيدة تنشد والدكتور الاسدي هو العصب النابض الذي يبعث الحرارة السياسية والتوعية الملتزمة ليكشف عن متطلبات الواقع المتأرجح بين فضاءات سلبية ومظاهر ايجابية خادعة ,انه صوت النهوض الفكري الذي ما فتيء الشاعر ان يتألق في هذا التقدير ليفرز التناقضات التي يعاني منها مجتمعنا العراقي خاصة ,كما تتجلى عظمة القصيدة العربية بصرحها الشامخ ومنطوقها الرائع الذي يثير في الوجدان التجاوب النفسي الذي يحتاجه كل واع لمصير شعبه ووطنه,وحقا ان الاسدي الشاعر ما انفك يسلط آلة التصوير ليكشف صورا مظلمة طالما كانت مثار الجروح الدامية ليجعل منها حقيقة سافرة لا مواربة فيها ففي التحليل النقدي نرى تلك العلاقات المنطقية التي يتدرج فيها من تمحيص وتوجيه ورؤى في غاية الدقة والتوثيق فيما يضيفه من الوان واشكال بما تثقل تصورات القاريء ولكنها صمام الامان الذي يريح الاخرين .

ولقد وجدتني مشدودا الى تلك الرؤى التي ما زالت تلقي ظلالها الثورية على الواقع الذي يتلاقح بترسبات تواطأ عليها المجتمع العراقي منذ الازل,فالطبيعة العراقية ذات تناقضات متداخلة ومتشعبة في متاهات التصدع والازدواجية وهنا ينبري الشاعر الدكتورالاسدي الى تشخيص الادواء بحذق شديد ودراية تامة,في حين يوصلك الى الذروة بصعود سريع من خلال تتابع الصور البلاغية والدلالات الرمزية المكثفة احيانا بريشة الفني المبدع,يسلط الشعاع على محاجر الغسق ليكشف تلك الخبايا التي تتكون في مظانها قبل خروجها الى العيان,هذا ما نحتاجه من التشخيص الجريء لمختلف قضايانا الوطنية ليعطي فكرا نهضويا واقعيا ,فنحن لا نختار ترفا فكريا متأثرا بالمدارس الادبية الغربية بقدر ما يعالج مشاكلنا معالجة جديرة بالتقدير ويضعنا امام الطريق الصحيح .

ومحاجر الغسق هو المجموعة الاولى من دواوين عدة اعدها الشاعر لتكون نصبا يستهدى بها في دروب الحرية الحقيقية من حيث بناء الانسان بناءا قويما قادما على الفلسفة الروحية للاسلام .

ولقد شرفني ان يكون لهذا المنحى ما يفخر به الادباء الوطنيون في العراق خاصة والوطن العربي عامة,انها ثورة عارمة تشعر من خلال اسقاطاتها الوضاءة صوت كل مظلوم يتطلع الى السلام,وعسى ان يجد الثوريون ضالتهما المنشودة في هذه المجموعة ما يعبر عن خلجاتهم الوجدانية وتطلعاتهم المستقبلية بروح ظمأى الى الحقيقة .

ولا يسعني الا أن اعبر عن سروري وتطلعاتي إلى مزيد من العطاء بعد ان فرض الحرمان على الشاعر محاربته على مختلف الأصعدة ,لقد حاولوا تهميشه لكنه استطاع أن يؤسس لنفسه قاعدة وطيدة ليقول كلمة الحق بصرخته المعروفة:
لا تحسبوا الجلاد يصبح سيدي بل أن أهل البيت هم أسيادي

,فنعم الكلمة ونعم الموقف
إنها رحلة عجيبة,يخوض غمارها المبدأ الحق والموقف الصادق الأمين,ولم يكن هدفها المتاجرة السياسية وإنما تحرير الإنسان من قيد الظلم وجروح الطين التي مازلنا ننوء بثقلها واختلاطها بين المحكم والمتشابه فكان على الدكتور الاسدي الفاضل أن يقول لكم :
هذا هو الاتجاه الصحيح فهل سمعتم النداء؟اللهم اشهد كلمة هو قائلها

اما أسلوبه فلا يختلف فيه اثنان حيث تتحكم به تلك الضربات الإيقاعية الشديدة التي تمنح القاريء تبصرا وإدراكا اجتماعيا ولايرى في النعومة الا هروبا من الواقع الذي يتحكم به ويدفعه الى البؤس والحرمان,ومن خلال هذا التصور أن ثريا النصوص تبقى متطابقة في المنظور تماما فكأنها قصيدة واحدة ,هي ملحمة الوطن الجريح ولا يلعب الخيال في دوره الا في النقلة النوعية للصورة,في حين تجد ان الصور المتتابعة ينغمها الانسجام الداخلي لتلك المضامين الدلالية التي أكسبت القصيدة روح الحداثة مؤكدا على ان القصيدة العمودية لها صرحها الشامخ الذي حافظ على وجوده بالرغم مما دخل الشعر العربي من تأثيرات أجنبية وثقافات فوضوية لكنها بقيد عند الاسدي علامة متألقة لها حضورها الدائم في أدبنا المعاصر الذي يفتقر إليها بدعوى التجديد,وانك لتسمع صرخة متمردة متجددة حمل لواءها الاسدي قارعا تلك النزعات التي تحاول أن تتجاوز حدود الشعر العربي نفسيا وإسقاط هويته القومية .

إن الدكتور الاسدي أيها القاريء العزيز له ثقافته الأكاديمية العالية المتفتحة ذات المرونة الخصبة الغزيرة والتي يستدل بها على أبحاثه الأدبية وتحقيقاته الدقيقة مما يجعله أهلا لامتلاك ناصية الأدب العربي في العراق والوطن العربي,وأنت تجد في قوة الأفكار وتدفقها صورة لأولئك الشعراء الذين حملوا لواء الوطنية كالزهاوي والرصافي وغيرهم من عمالقة الشعر في تاريخنا .

أما عنصر الإيقاع فله خصوصياته عند الاسدي مما يحكم عليها أن الشاعر نفسه لا ظل غيره كما يفعل المعاصرون ولا أبالغ في هذا الاعتبار مجاملا أو مداهنا وإنما ادعوك الى قراءتها قراءة موضوعية وستجد ان هناك بركانا ينفجر في ذاتك لتصرخ بوجه الباغي لا فالمجد للوطن ,عندئذ يكون لك موقف أسدي واضح المعالم والأطياف انه دلالة الشعور الوطني انه صور تكون حبك العربي المشرق .

أنها البداية ومن الله قصد السبيل




 

free web counter