الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الجمعة 28/4/ 2006

 

 

 

حسرة المبدعين العراقيين
 


حميد البصري

لم يدر في خلد المبدعين العراقيين أن يأتي يوم تكون فيه الحسرة مرضاَ يفتك بهم الواحد بعد الآخر دون أن ينقذهم أطباء السياسة بوصفة غير بعيدة عن متناول ايديهم ، بعد أن رفع الحصار السياسي عن كاهل الشعب العراقي بسقوط صنم الدكتاتورية والتخلف . وها هي الحسرة تأخذ منا مبدعاَ هو الفقيد الشاعر كمال سبتي ، ولا نعلم على من يأتي الدور القادم ، فهل يجد أطباء السياسة دواءاَ لهذا المرض قبل أن يفتك بآخرين من أبناء العراق المبدعين ؟ أتمنى ذلك .

منذ منتصف سبعينات القرن الماضي ، وقفت مع صفوف الذين كانوا قد صمموا على مقارعة ثقافة النظام البعثي فأسست فرقة غنائية باسم ( جماعة تموز للأغنية الجديدة ) بالتعاون مع الشاعر المبدع زهير الدجيلي وعدد من الفنانين الآخرين . قدمت هذه الفرقة نماذج لأغان تختلف شكلا وموضوعاَ عما هو مطروح في الساحة الغنائية من أغان تمجد السلطة الحاكمة آنذاك. وطبيعي لم تتح لنا فرصة تسجيل تلك الأغاني في الاذاعة او التلفزيون .

وعندما ضاقت بنا السبل ومع ازدياد جرائم السلطة على الوطنيين العراقيين الشرفاء ، غادرنا العراق لنساهم مع فصائل المعارضة في خارج الوطن ، بمحاربة السلطة وفضح جرائمها بسلاح أغانينا ، فغنينا : ( كيف سبا الجلاد أهلي وخلاني ) و ( ارفعوا أصواتكم من أجل شعبي ) ... وعشرات الأغاني غيرها . ويتذكر المناضلون في الداخل والخارج ( فرقة الطريق ) وأغانيها التي كانت تلهب حماسهم وتشد من أزرهم وتعينهم على مقارعة النظام الدكتاتوري .

وفي الوقت الذي كانت أغاني فرقتنا محظورة في أغلب وسائل الإعلام العربية ، كان مغنو السلطة يجولون في العواصم العربية وغير العربية وفي المهرجانات المختلفة ليبيضوا وجه السلطة البشع ، وكان اولئك المداحون يكسبون المال الوفير من السلطة بينما يقتل المطرب ( صباح السهل ) لأنه رفض أن يغني للدكتاتور ، ويموت المطرب ( رياض أحمد ) من القهر وهو يرى الذل الذي يعامل به أولاد الدكتاتور المقبورين أولئك المداحين دون حياء .

ورغم تضحيات أعضاء فرقتنا الكثيرة وتعرضنا إلى محاولة الخطف والإغتيال ، كنا نعيش على حلم حتمية الخلاص من هذا الكابوس المخيم على وطننا وقد غنينا قصيدة الجواهري ( دجلة الخير ) والتي تقول :

يا دجلة الخير أدري بالذي طفحت به مجاريك من فوق ومن دون

أدري بأنك من ألف مضت هدراً للآن تهزين من حكم السلاطين

تهزين من خصب جنات منشرة على الضفاف ومن بؤس الملايين

وفي نهايتها يقول الجواهري:

لعل يوماَ عصوفاَ جارفاً عرماً آتٍ فترضيك عقباه وترضيني

وقد منَ الله علينا برؤية هذا اليوم في التاسع من نيسان 2003 ، واستبشرنا خيراَ بعراقنا الديمقراطي الجديد أن يحتضن مبدعيه الذين ساهموا بإسقاط النظام الفاشي ليبنوا على أنقاض ثقافته المتخلفة ثقافةً

ديمقراطية تمجد الشعب لا الحاكم ... تدعوا لاحترام الإنسان لا قتله ... ترفع وعي الناس للبناء لا الهدم .... تمد جسور المحبة والثقة والدعم بين المثقفين والمبدعين في الخارج ووطنهم الذين ضحوا من أجله سنوات طوال . لكن الواقع أتانا بمرض الحسرة .

وقبل أن استعرض أسباب هذا المرض أود أن أقول : بعد سقوط النظام البائد ، ارتفعت أصوات نشاز تشيد بمثقفي الداخل وتقلل من شأن مثقفي الخارج . نحن لا نقلل من تضحيات مثقفي الداخل لأنهم تحملوا سكوتهم وواقع حياتهم الصعبة ، لكن مثقفي الخارج قد تحملوا قساوة الغربة ومقارعة النظام بما أبدعوا .

أعود الى أسباب مرض الحسرة ، وأذكر هنا ما يخصني :

1 – لم تحترم وزارة الثقافة المبدعين حينما تجاهلتهم وألغت ما ساهموا به في مسابقة النشيد الوطني.

دون ابلاغنا بأي شيئ ولا بأية نتيجة ولا بأي رأي .

2 – كنت أنا شخصياً ، قد أرسلت الى وزارة الثقافة مقترحات للواقع الموسيقي وكيفية تطويره ولم يرد عليَ أحد حتى ولو بكلمتين فقط : استلمنا مقترحكم .

3 – دعتني وزارة الثقافة لحضور مؤتمر المثقفين العراقيين تلفونياً قبل ثلاثة أيام من الموعد بدون تذكرة سفر وهم يعلمون بأننا نعيش على المساعدات الاجتماعية التي تمكننا من العيش بالحد الأدنى .

4 – دعتني وزارة الثقافة تلفونياً لحضور مهرجان للفنانين العراقيين المغتربين المقام في الأردن قبل يومين من الموعد دون أية التزامات من قبلهم إضافة الى دعوتهم لأحد مداحي النظام الصدامي والذي تفاخر في زمن ذلك النظام بأنه أصبح مليونيراً . والأمرَ من ذلك أن هذا المداح مدعو الآن لمهرجان المدى الثقافي .

5 – في زمن النظام المقبور ، كنا مرفوضين من قبل الأنظمة العربية لأننا معارضة ، واليوم مرفوضين من كل الأنظمة العربية لأننا مع العراق الجديد .

6 – لدينا أغان جديدة تناسب عراقنا الجديد ، ولكن ليس لدينا امكانية مادية لتسجيلها وارسالها الى الفضائيات العراقية .

7 – أخبرني أحد الموسيقيين في البصرة بأنهم يتدربون سراً خوفاً من أناس لهم سلطة الآن يحرَمون الموسيقى .

بالله عليكم ، ألا تكفي كل هذه الأسباب لنصاب بمرض الحسرة ؟ انقذونا يا أطباء السياسة فالوقاية خير من العلاج .