الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الخميس 2/10/ 2008



(خلف السدة)
الهجرة من الريف الى المدينة
في الرواية والتاريخ

احمد جاسم العلي
ahmedjassimalali@yahoo.com

يشكل تاريخ الهجرة من أرياف ومدن العراق وخاصة من أرياف ومدن الجنوب الى بغداد العاصمة مشكلة اجتماعية قديمة بدأت في الاربعينات من القرن الماضي ولم تنتهي حتى الوقت الحاضر بسبب تجاهل الحكومات المتعاقبة لها ولاسبابها وعدم ايجاد الحلول المناسبة لايقافها او الحد منها على الأقل. وقد أثرت موجات الهجرة هذه، خاصة الهجرة من أرياف ومدن الجنوب وعلى مدى السنوات الستين الماضية على الوجه الحضاري لمدينة بغداد، المدينة التي نهضت ثقافيا وعلميا وفكريا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية 1939-1945. وأثرت هذه الهجرة ايضا على الوضع الاجتماعي لسكان المدينة بما حملته معها من الريف من عقائد وتقاليد ومفاهيم وعادات وقيم واعراف عشائرية. كما أثرت على الحالة الاقتصادية من حيث تدني اجور العمالة نظرا لكثرة الايدي العاملة وازدياد البطالة بسبب توافد الاعداد الكثيرة من النازحين من الريف الى العاصمة، إضافة الى الاحتياجات الخدمية التي يتوجب على الدولة تقديمها الى هؤلاء النازحين. كما أثرت وساهمت بشكل من الاشكال على الاوضاع والأحداث السياسية التي جرت في العاصمة قبل ثورة تموز 1958 وبعدها قبل ان تنتكس هذه الثورة. ان بغداد اليوم محاطة بمدن مهاجرين، من جنوب العراق خاصة، نشأت بمرور الزمن وتعاقب موجات الهجرة. ففي البدء، في الاربعينات والخمسينات، كان المهاجرون يقيمون في مناطق متفرقة من بغداد او اطرافها؛ في الدورة والكرادة والكاظمية والاعظمية... على شكل تجمعات عشائرية في الغالب. ثم نشأت مع مرور الزمن مدينة (الثورة) في شمال شرق بغداد ثم مدينة (الشعلة) في شمال غرب بغداد ثم مدينة (أبو دشير) في جنوب بغداد. وهناك مدن أخرى الآن تنشأ في اطراف بغداد لاستيعاب المهاجرين من محافظات العراق وخاصة من جنوبه الباحثين عن ( حياة جديدة) قبل وبعد التغيير السياسي في نيسان 2003. ان معالجة مشكلة الهجرة هذه تتطلب أولا الوقوف على اسبابها التي اختلفت وتنوعت على مدى السنوات الستين الماضية. ففي الاربعينات والخمسينات، في سنوات العهد الملكي كان السبب الرئيسي للهجرة من ارياف المدن الى مراكزها ومن مراكزها الى مركز العاصمة بغداد في مراحل لاحقة هو الظلم الذي كان يوقعه شيوخ الاقطاع في الريف على الفلاح في زراعته لارضه والذي لم يكن يحصل إلا على قوت يومه هو وعائلته من تعبه وكدحه في فلاحة ارض الاقطاعي. السبب الآخر كانت طموحات الشباب وتطلعاتهم المستقبلية التي لم يكن من الممكن ان تتحقق في مسقط الرأس نظرا الى قلة مجالات العمل وتحصيل العلم ومظاهر الحياة الترفيهية والترويحية فيها، اضافة الى عوامل التخلف والفقر والمرض والجهل السائدة. ورغم تراجع السبب الاول للهجرة الى المدينة بعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 وصدور قانون الاصلاح الزراعي وتمليك الاراضي للفلاحين من قبل حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم إلا ان هجرة ابناء الريف وابناء المدن العراقية، خاصة أرياف ومدن الجنوب، الى العاصمة بغداد لم تتوقف حتى اليوم... ولن نفصل ( الآن) في هذا الموضوع الاجتماعي، الكبير والخطير، بل اوجزنا فيه بقدر ما يتعلق الأمر بمقالنا النقدي هذا؛ رواية عبد الله صخي (خلف السدة)

هذا الموضوع، الهجرة من الأرياف والمدن العراقية الى العاصمة بغداد، يقدم مادة ثرية جدا للكاتب الروائي خاصة اذا كان هذا الكاتب الروائي قد عاش على المستوى الشخصي هذه التجربة الإنسانية. موضوع الهجرة الى المدينة هذا يُراد له كاتب روائي قد احاط به، أسبابا ونتائج، احاطة معرفية كافية، نظريا او عمليا، قراءة او تجرية شخصية، يمتلك القدرة على سرده باسلوب فني، مشوق ومؤثر، ويمتلك القدرة على بناء شخصياته الروائية بناءا حيا وتنميتها وتطويرها على امتداد الرواية، ويمتلك القدرة للسيطرة على مجرى الاحداث وتناميها وتصاعدها حتى تصل الذروة، ويمتلك القدرة على إدارة هذا الموضوع بشكل درامي يجري لمستقر له في النهاية، ويمتلك القدرة على تتبع مجريات حياة ومعرفة مصير الشخصيات الروائية الرئيسية، حقيقية كانت او متخيلة او الاثنين معا، التي عاشت تجربة الهجرة من مسقط رأسها الى المدينة وما مرت به من حوادث واحداث عامة وشخصية حتى انتهت الى ما هي عليه في الزمان والمكان الذي تنتهي به الرواية، ويمتلك القدرة على ان (يروي) للقارىء بلغة الرواية ما حدث لا ان (يُخبر) القارىء بلغة السرد العادي بما حدث.

رواية (خلف السدة) رواية تسجيلية توثق لمرحلتين تاريخيتين، اجتماعية وسياسية مر بها العراق على مدى اكثر من ثلاثين عاما. فهي تسجل، اجتماعيا، تاريخ الهجرة من الريف الى المدينة في اربعينات وخمسينات القرن الماضي. فقد وصل المهاجرون الأوائل الى أطراف مدينة بغداد ووقفوا على ارض تمتد من بلدة (بغداد الجديدة) جنوبا الى بلدة (الاعظمية) شمالا وتقوم بين سدتين ترابيتين أُقيمتا لدرء فيضان نهر دجلة كل عام. واختاروا النزول خلف السدة الأولى، سدة (ناظم باشا،) وبدأوا بتشييد بلدة من الصرائف. وشرعوا يحيون حياتهم الجديدة. بعد سنوات انتقلوا الى أرض جديدة وزعتها عليهم حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم. وكان عليهم البدء من جديد في انشاء مدينة بدل بلدة (خلف السدة) ودور سكنية بسيطة بدل الصرائف على هذه الارض التي سميت فيما بعد بمدينة (الثورة) والشروع في مرحلة جديدة من حياتهم ... وتسجل، سياسيا، تاريخ قيام ثورة 14 تموز 1958 ومظاهر الفرح التي عمت الشعب العراقي كله. وتسجل تاريخ الحريق الكبير الذي اندلع في خزانات وقود ساحة الطيران. و تسجل تاريخ الزيارة التي قام بها الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي تأتي تسميته برئيس الوزراء، لسكان الصرائف خلف السدة. وتسجل محاولة اغتيال رئيس الوزراء عام 1959 وما تلاها من احداث. وتسجل تاريخ انقلاب شباط 1963 وما سبقه من محاولات الشعب لافشاله بالسلاح لو ان رئيس الوزراء أمر بتوزيع السلاح عليهم والقاء القبض على رئيس الوزراء واقتياده الى دار الاذاعة وقتله هناك وما تلاه من احداث دموية قام بها الأنقلابيون والحرس القومي.

اين عبد الله صخي من هذا كله في رواية (خلف السدة) وكيف اشتغل عليه في عمله الروائي الأول؟
تبدأ الرواية عندما يجري استذكار وصول " المجموعة الأولى من المهاجرين الذين تركوا أرياف الجنوب واهواره وقدموا الى المدينة حالمين بحياة جديدة بعد ان قطعوا مسافات طويلة ..." لماذا تركوا اريافهم واهوارهم وقدموا الى المدينة مهاجرين وحالمين بحياة جديدة بعد ان قطعوا مسافات طويلة ...؟ لم يخبرنا عبد الله صخي بالسبب الرئيسي الذي دفعهم الى الهجرة الى المدينة وقطع " مسافات طويلة في عربات خشبية مفتوحة الجانبين، لها سقوف من شعر الماعز، تجرها خيول ارهقتها الدروب الوعرة والمستنقعات الجافة المتشققة. كانت وجوه الرجال مغبرة .... وعلى ذقونهم نمت لحى كثة .... كانت اجسادهم نحيلة وملابسهم ملوثة بالتراب." السبب الرئيسي للهجرة من الريف الى المدينة كان العلاقة الاستعبادية والاستغلالية التي كانت تقوم بين الاقطاعي والفلاح والظلم الذي اوقعه الاقطاعيون على الفلاحين إلى جانب ظروف الفقر والمرض والتخلف والجهل التي كان يرزح تحتها كل العراق ومنه ارياف ومدن الجنوب زمن الحكم الملكي حتى سقوط هذا الحكم في ثورة 14 تموز 1958. هذا الواقع هو الذي دفع قسما من الفلاحين أبناء الريف ان يهاجروا مباشرة الى (بغداد) العاصمة التي طالما سمعوا بها وبفرص العيش والعمل ومباهج الحياة المتوفرة فيها. بينما قسم آخر من الفلاحين هاجر في البداية الى مركز مدينته عله يبدأ حياة جديدة تعينه هو وعائلته على الحياة وتوفير لقمة العيش. ولما لم يجد في مركز مدينته ما يحقق له ما حلم به بدأ التفكير بالهجرة الى مدينة بغداد. لم نقرأ شيئا من هذا في رواية عبد الله صخي (خلف السدة) على مدى الصفحات الـ 160 مع انها رواية تسجل وتوثق لقضية اجتماعية تاريخية هي الهجرة من الريف الى المدينة وتخبر عن مرحلة اجتماعية مر بها العراق على مدى ثلاثين عاما. هذا خلل كبير بالرواية اضر بها والقى ظلالا من الشك في جدية المؤلف في كتابتها. فما الذي كانت عليه حياة "سلمان اليونس" في الريف الأمر الذي جعله يهاجر من مسقط رأسه الى بغداد ويسكن في صرائف (خلف السدة،) البلدة التي سبقه إليها اجداده وآباؤه الأوائل في هجراتهم الأولى وجاء هو إليها ليجدها بلدة كاملة من الصرائف ويسكن فيها مع من هاجر معه وليبدأ العمل في معامل الطابوق القريبة من المكان الذي نزل فيه؟ كان على المؤلف ان يبين السبب الرئيسي والحقيقي لهجرة الفلاح من الريف الى المدينة عندما تشاجر (سلمان اليونس) مع أخيه (خلف اليونس.) فقد رفض الأخير ترك الزراعة والرحيل مع أخيه الى بغداد وتمسك بفكرة البقاء في الريف. " تشبث خلف اليونس بالزراعة أول الأمر لكنه سرعان ما هجرها عندما تزوج من احدى معارفه البعيدات ... بعدها انصرف للعمل وزانا للغلال في موسم الغلال ... ومع تزايد المهاجرين وانخفاض مستوى الزراعة في الريف هبطت قيمة ما يحصل عليه من غلال او نقود ..." فقرر اللحاق بأخيه في بغداد." هكذا، وكأن الفلاح هو الذي كان يملك في الغالب الأرض وليس الاقطاعي الذي يعمل الفلاح عنده. واذا كان الفلاح هو الذي يملك الأرض؛ يزرعها هو ويستفاد من إنتاجها هو فلماذا يتركها ويترك مدينته ويهاجر الى بغداد ليبحث عن ويبدأ (حياة جديدة) وهو الذي ولد في الريف ونشأ بين احضانه وكبر على بساطة العيش فيه ولم يعرف إلا الزراعة والفلاحة على الأكثر؟ ثم، لماذا " تزايد المهاجرون وانخفض مستوى الزراعة في الريف؟" الأمر الذي دفع (خلف اليونس) الى اللحاق بأخيه في بغداد؟ بمعنى آخر، لماذا يُذكر سبب الهجرة في حالة (خلف اليونس) ولا يُذكر المسبب لها؟! وهذا الحال يمكن ان ينسحب على اكثر المهاجرين إن لم يكن جميعهم! الغريب انك لا تجد أي ذكر للاقطاعي ولا أي ذكر للعلاقة التاريخية المعروفة بينه وبين الفلاح، علاقة السيد بالعبد والمستغِل بالمستغَل، ولا للأرض التي تشكل العلاقة الاستعبادية والاستغلالية بين الاقطاعي والفلاح ولا لمواقف حكومات العهد الملكي التي كانت تنحاز دائما لشيوخ الاقطاع في منازعاتهم مع الفلاحين. هذا غريب فعلا في هذه الرواية التي تحكي عن مهاجرين من جنوب العراق هم في الغالب فلاحين تركوا مسقط رأسهم؛ بلدتهم ومدينتهم وهاجروا الى بغداد للبحث عن (حياة جديدة!) لا يمكن في رواية تتحدث عن قضية الهجرة من الريف الى المدينة ان تجعل من قضية شخصية او ثانوية سببا أساسيا يدفع ناسا بسطاء وهم الفلاحين غالبا الى ان يتركوا بلدتهم ومدينتهم ومسقط رأسهم وينتقلوا الى مكان بعيد لمجرد البحث عن (حياة جديدة.) وما الذي كانت عليه حياتهم قبل ان يقرروا الرحيل والبدء في البحث عن حياة جديدة بدلا عنها؟ المعقول والمنطقي، انه لا يمكن ان تتحدث عن هجرة الفلاحين من الريف الى المدينة في العراق وتحكي عن حياتهم دون ان تتحدث في المقام الأول عن السبب الرئيسي المعروف تاريخيا؛ ظلم واستغلال واستعباد الشيخ الاقطاعي الذي كان يملك اكثر الأرض ان لم يكن كلها بتفويض من الحكومة العثمانية ثم الحكومة العراقية الملكية ويتحكم بمصير الفلاحين الذين يعملون عنده. ففي آخر السنة عليه ان يؤدي للشيخ الاقطاعي حصته من ناتج الزرع سواء كان الانتاج جيدا او غير جيد على طريقة (الضمان.) وإذا لم يكن الانتاج جيدا فإن على الفلاح ان يبيع ما عنده من أشياء البيت او يستدين من السركال او يرهن ما يملك ليدفع للشيخ حصته وإلا فإن السجن ينتظره مع التعذيب! ان البحث عن (حياة جديدة) سبب وجيه بالنسبة للشباب لأن يهاجروا من مدينتهم الى العاصمة نظرا لضيق مجالات الحياة في العمل والتعليم والترفيه. اما الفلاح الأمي البسيط فأنه يهاجر هربا من ظلم واستغلال واستعباد الشيخ الاقطاعي بالدرجة الاساس!

الحكاية الرئيسية في رواية عبد الله صخي "خلف السدة" هي حكاية عائلة (سلمان اليونس) التي هاجرت من الريف الى المدينة وسكنت في البلدة التي أُنشأت (خلف السدة). وتتفرع من هذه الحكاية حكايات جانبية صغيرة تحكي عن اشخاص حين يأتي ذكرهم في الحكاية الرئيسية بين حين وحين. فعندما يأتي الى بيت سلمان اليونس لتهنئته بمناسبة مولوده الجديد وهو يضرب على طبله ويرقص الاولاد على ايقاعاته، يبدأ المؤلف يخبرنا بحكاية الطبال سوادي حميد. " كان يتيما أسود البشرة تربى في منازل شيوخ الجنوب. وذات يوم ...." وعندما يأتي الى البيت ذات ضحى ويطرق على الباب وتأتي حليمه وتفتحه وتجد شابا طويلا يحمل مديحه اختها على كتفه ويقول انه وجدها نائمة فوق مصطبة في السوق وان اسمه عبد الحسين ويسكن في حارة مجاورة، يبدأ المؤلف يخبرنا بحكاية عبد الحسين " قبل تطوعه في الجيش ترك عبد الحسين المدرسة وبقي عاطلا عن العمل، لكنه ...." وعندما يتذكر سلمان اليونس " الشجار الذي حدث بينه وبين أخيه خلف اليونس حول الرحيل الى بغداد..." وتمسك الأخ بفكرة البقاء في الريف، يبدأ المؤلف يخبرنا بحكاية خلف اليونس " تشبث خلف اليونس بالزراعة أول الأمر لكنه سرعان ما هجرها عندما ....." وهكذا الحال مع حكايات (نشميه) و (مزعل) والمرأة الكردية (خانزاد) وحفيدها (بوران) و (نوفه) و...حكاية رئيس الوزراء! هذا الاسلوب في السرد وتقديم الشخصيات في الرواية عبره قد يكون جديدا، وكل جديد يأتي به الكاتب في أي مجال من مجالات الأدب هو أبداع لأن الابداع هو الأتيان بما لم يكن موجودا من قبل فهو جديد. ولكن، لن يكون الابداع ابداعا حقيقيا إلا اذا وقع في نفس القارىء الواعي والمتذوق موقعا حسنا ومقبولا. فالأديب في أي مجال أدبي هو خالق النص الأبداعي والقارىء المثقف هو الذي يبقيه على قيد الحياة إذا ما قرأه وخرج منه راضيا ومستحسنا. وبعكسه، فأن الأديب يكفيه أنه اجتهد في الجديد الذي جاء به وهذا وحده يعتبر انجازا له قيمته بشكل من الاشكال. وقد اجتهد عبد الله صخي. هذه ملاحظة. الملاحظة الثانية، ان الرواية تكاد تخلو من الحوار وتعتمد على السرد والإخبار. نعم، الشخصيات تتحرك وتمارس حياتها ولكنها لا تتحدث مع بعضها ولا تتحاور إلا ما ندر. وحتى مقاطع الحوار القليلة التي جرت خلال الرواية جرت على مستويين لغويين، الفصحى والعامية. ففي الوقت الذي يتحاور فيه (علي) مع (حليمه) و(علي) مع (بدريه) و(جسومه) مع الشرطي ... بالفصحى يتحاور (قدوري) و(صادق) بالعامية بينما يتحاور آخرون بالفصحى والعامية في المقطع الحواري الواحد! هذه المقاطع الحوارية القصيرة والمختلفة مستوياتها اللغوية تجري على لسان ناس عاديين، بسطاء وغير متعلمين رغم اختلاف مستوى فهم وعقلية كل واحد منهم تقريبا! الى ماذا يشير هذا النقص في الحوار وهذا التردد بين الفصحى والعامية والخلط بينهما في المقاطع الحوارية القليلة والقصيرة التي جاءت في الرواية؟ الحوار روح الرواية وباعث الحياة بين اجزائها وفي تفاصيلها وكان على عبد الله صخي ملاحظة هذا الأمر. هذه ملاحظة. الملاحظة الثالثة، ان رواية (خلف السدة) تذكرنا بماض تولى وتشير إليه ولكنها لم تستطع ان تنفخ الحياة ولا تبعث الحرارة فيه بحيث يستطيع القارىء الذي عاش ذلك الماضي ان يستعيده بواسطة الرواية. ولا يستطيع القارىء الحديث ان يتخيل ويعيش ويتفاعل بالتالي مع ذلك الماضي الذي لم يعشه إلا بقوة السرد الفني الذي يروي لا السرد العادي الذي يُخبر. وحتى لو كانت الرواية تسجيليه، وثائقية في الجانب الاجتماعي والسياسي منها فإن هذا لا يعني ان تفتقر الى المعالجة الفنية التي تسلبها نوعها الأخير كرواية إذا ما اردنا ان نسميها رواية على غلاف الكتاب الذي ننشره. هذه ملاحظة. الملاحظة الرابعة، ان رواية تتألف من 160 صفحة من القطع المتوسط تعالج بشكل مختصر مرحلة تاريخية، اجتماعية وسياسية تمتد على مدى اكثر من ثلاثين عاما لا يمكن ان تسمى رواية بأي حال. إنها رواية قصيرة في احسن الاحوال إن لم تكن قصة طويلة. هذه ملاحظة. الملاحظة الأخيرة، ان قصة عبد الله صخي الطويلة (خلف السدة) تتميز بالصدق في سرد الاحداث والوقائع التاريخية، الاجتماعية والسياسية بسبب ان المؤلف عاشها بنفسه، كما يبدو. كما يمكن ان تكون عائلة (سلمان اليونس) التي هاجرت، مع من هاجر، من الريف الى المدينة هي عائلته التي ينتمي إليها، كما يلوح. ولكن، ان يتجاهل ويتغافل المؤلف عن السبب الرئيسي للهجرة من الريف الى المدينة ويعزو تلك الهجرة الى أسباب ليس من بينها ظلم الاقطاع وما يجره على الفلاح من ظلم واستغلال واستعباد يجبره على ترك الأرض وترك الزراعة وترك مسقط رأسه والهجرة الى المدينة بحثا عن (حياة جديدة،) فهذا ليس من الصدق والأمانة في شيء. وحتى لو كانت هناك أسباب أخرى للهجرة فأنها لا يمكن ان تتقدم على السبب الرئيسي وأنت تكتب رواية، طويلة او قصيرة او حتى قصة قصيرة عن الهجرة من الريف الى المدينة. فما هو السبب الرئيسي غير سبب الاقطاع الذي يجبر عائلة ريفية بسيطة على ترك مسقط رأسها والهجرة الى المدينة؟ ان عائلة (سلمان اليونس) نموذج لتلك العوائل المهاجرة. هل هاجرت هذه العائلة من الريف الى المدينة بحثا عن حياة جديدة؟ إذا كان الأمر كذلك فما الذي كانت عليه حياة هذه العائلة البسيطة في مسقط رأسها قبل ان تقرر الرحيل وتقطع المسافات الطويلة بحثا عن (حياة جديدة) تستبدل بها حياتها القديمة؟
رغم ذلك، بذل عبد الله صخي في روايته القصيرة (خلف السدة) جهدا واجتهد فيما كتب. لقد قدم ما استطاع تقديمه وفق رؤيته الخاصة. وإذا كنا نختلف معه في رؤيته هذه إلا اننا لا يمكن ان نبخس حقه فيما قدم من جهد فهو جهد طيب، على كل حال، لكاتب يخوض تجربة كتابة (الرواية) لاول مرة. نأمل ان يقدم لنا في كتاباته القادمة ما هو أطيب وأحسن وأفضل!


 

free web counter