الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الخميس 2/10/ 2008



قصدية الأشتغال عبر المناخات السيميائية والحداثوية
داخل معمارية اللحظة الاستقرائية التحريضية
-
دراسة نقدية -

سعدي عبد الكريـم *

مسرحية طقـوس وحشيـة
المؤلف / قاسم مطرود

إن مناطق الأشتغالات السيميائية (semiotics) بجل مراحل تطور مفاهيمها وشحناتها الفلسفية، الغائرة داخل بون اللغة الطبيعية، والمتداخلة في شعائر الطبيعة ذاتها ، تقودنا بالضرورة النقدية المحضة إلى تقديم دراسة بحثية جمالية متقدمة ، عن معالم اللغة داخل ( النص المسرحي ) العربي ، بكونه نوعا ادبيا خاصا ً، وطرازا ًأسلوبيا ًمختلفا ًعن طرائز الكتابة الادبية الفنية الاخرى ، وباعتباره ايضا عالما رحبا يتمتع بمناخات بئيوية منثنولوجية خصبة ، وثيمية متفردة خاصة ، تقترب درجة خطورته بمكان ما ، في أن يخوض تجربة الكتابة في مساحات وسعته الواعية الابداعية ، من لم يخبر في الحدود الدنيا ، العمل داخل معترك خشبة المسرح النبيلة الجليلة ، ومن لم تكن له تلك الخبرة والدراية في تفسير ماهيات لغته السحرية ، وعالمة المختبري الجمالي ، والمعملي الخصب .
ومن هنا تأتي أهمية الاحاطة في فهم السيميائية
 (semiotics) باعتبارها علما من العلوم التي عُنيت بالمنهج (السوسيو – لساني) وامعنت في دراسة المحيطات التي تُعنى باللغة ، والطبيعة ، بذات الوقت الذي تستفحل فية داخل جسد حيثية المضامين الاشاراتية ، والعلاماتية ، والكودية في متن لغة الخطاب المسرحي المدون ، وهنالك برأينا جملة من الاحكام ، والمناهج ، والانظمة ، والدلالات ، والشحنات ، التي تشتغل عليها السيميائية داخل حيثيات النص المسرحي ، فهي على رأي ( كريستيفا ) منهجا للعلوم الانسانية وتطبيقات ( سوسيو- تاريخية ) ومجموعة انظمة داله , وفي الحقل السيميائي ، فهناك حكما يؤكد ما يقرره ( الكود ) اللساني و( السوسيو- ثقافي ) , في حين ان في مجال المناخ التحليلي السيميائي الذي يستهدف التنظيم الدلالي الخاص بالحقل المعجمي , ويمكن اعتباره امتدادا للتحليل والتفسير اللغوي ، وفي تعريفنا للشحنة السيميائية باعتبارها جل الاستثمارات الدلالية الموزعة على مختلف العناصر المكونة للتعبير اللساني في اللغة الطبيعية وتتركز الشحنة السيميائية على الفاعل مرة , وعلى الوظيفة مرة حسب اختيار المُعبر ( المدون ) ( الكاتب ) .
ولو تفحصنا حقل ( الابستيم ) لوجدنا بان هذا الحقل يطرح نفسه بصيغة مناهجية تصب بذات المحتوى الحثي الفاعل ، ليشير بامعان على انه حقل تنظيم تراتبي ، يتموضع في البنيات ( السيمائية ) العميقة باعتبارها منهجا حيا يعنى بتركيب وتعميم الدراسات ( الانتربولوجية ) ( اللسانية – النفسية – الاجتماعية ) ، كما يقترح ( غريماس ) على اطلاق ( السيميائية ) على المجموعتين الكبيرتين الدالتين – ( العالم الطبيعي ) و ( عالم اللغات الطبيعية ) ، المكونتين لمجال السميائية الطبيعية بالكلية .
وأذا اتفقنا وضمن المسلمات الجوهرية الفائتة ، على ان ( السيميائية ) علما يَدرسُ حياة العلامات من داخل الحياة الاجتماعية المعاشة ، وهذا الاقرار الجمعي ، سيحيلنا الى المعنى العــام للسيمياء الذي تحدث عنه ( سوسور ) ، الذي جعل من السيمياء جزءا من علم النفس العام ، وبالتالي فان المناخات ( الألسنية ) ذاتها ستتحول ، لتكون جزءا من السيمياء ، وليس العكس .
اذن وعلى أعتبار هذا النهج التراتبي في هذه الحقول السيميائية المعرفية ، نستنتج بان من مقومات تحليل ( النص المسرحي ) الذي يشتمل على كافة العناصر التي هي بالاساس أدوات فاعلة ومتفاعلة في الشحنة السيميائية الداخلية لذات الكاتب ، ابتدءا من التفكير عبر العقل ومحاولة ترميم الثيمة من خلال مفاتن اللغة الطبيعية ، والملامح البيئية للنص ، ومرورا بمحاولة النهوض بها لمستوى الاستجابة الاستقرائية الابتدائية ، باعتبار ان النص المسرحي (ادبـاً) قائما بذاته وتقع عليه شرائط الانضباط في تحديد الرؤية المُتخلية لمحور تفاعلات الاحداث والشخصيات ، وامتداد تفاعلات صراعاتها الجمعية داخل ( الحبكة ) , ومن ثم استنهاض المناخات الجمالية واستفزاز ملكاتها المعدومة في مراحل الكتابة المتواترة بوصفها مفاتيح التحريك الباطني النفسي والحدثي والايمائي الدلائلي ، وباعتبارها مرحلة متقدمة من مراحل البناء الدرامي للنص المسرحي ، ومن ثم تثوير ملكات الحالات المستوطنة (الذاتية – النفسية – الاجتماعية – الجمعية ) وايقاض الكبت الداخلي عبر الحركة الميدانية المثبتة في متن المدون المسرحي ، باعتبارها اداة اصلية واساسية من ادوات العرض المسرحي بالاجمال .
ان فرضية أعتبار فن ( الخطاب المسرحي ) يشتغل وفق مبدئيين اساسيين مهميين في جسد فرجة العرض ، وهما (الآن) و ( هنا ) وهاتيين الدلالتين الزمكانيتين ، تتمحوران بمهمة الارتقاء بالخطاب المسرحي في القفز فوق الماهيات البيئة الدالة على الانتهاء اللحظي الآني من البرامجية المنحوتة للزمان والمكان خارج متن الكينونة الخطابية ، ليحيل القاريء الى مناخات لحظية ، واداة فاعلة ومتفاعلة داخل لعبة النص ، ليجعل منه مفسرا جماليا ثان ٍ، بعد مرحلة الكتابة التي هي بالاصل مرحلة فنية متطورة من مراحل التأسيس الابتدائي للعرض ، ومن ثم الاقتراب من مناخية التجانس والتقارب بين هاتين الدلاتيين ( الفنية – الجمالية ) والارتقاء بهما صوب تقنية ملأ الفراغات والمساحات البيضاء عبر هاتين الخلاصتين ، الى مستوى نقدي ارفع وانجع في مناخ فلسفة ( التأويل ) .
وبما ان اللغة العربية عالما مهولا ممتلأ بالمكنونات الدلائلية الواضحة التي تتمتع بمناخات هائلة من الرموز والدلالات والشفرات والاشارات والعلامات ، المحالة بطبيعة المنجز الخطابي الادبي الى البواطن المنجدية ، لتحليلها واضفاء جملة من التفاسير والتأويلات المعجمية العديدة ليمكننا استخلاص معان وافرة لذات المفردة المستخدمة في أطار الاشارة ، او العلامة او الدلالة السيميائية ، الى نوع خاص مثمر ومتميز من المفهومية العالية في استثمار الاستدلال واتقان تفسير ايقاع الاحداث الخفي لـ( فعل ما ) ، داخل رحم ( لحظة ما ) ، والاستمكان من فسحة الـ ( هنا ) في مقاربة تفصيلية دقيقية واضحة ، ربما تحتاج هذه المعادلة الصيرورية الصعبة الى عقل تدويني ناهض ، ذو ملكات غير عادية ، وادوات جمالية ولغوية شعرية مثالية وذات خبرة معملية طويلة ، ودراية مسرحية مختبرية رائدة .
ان هذا المناخ الاستقرائي الفطن قد توافر في المخيلة التدوينة الحبكية الخصبة ، ومفاتن اللغة السيميائية الفائقة ، لدى الكاتب العراقي المبدع ( قاسم مطرود ) لذا نجده وبثبات قد لجأ الى انشاء ذلك الجسر المحرابي المقدس بين الدال داخل اللغة وبين المدلول خارج ايقاعها السلوكي الانساني ، ليوقع ذلك السحر البياني المتوخى من السرد الحكائي المقنع ، والحدثي المميز ، والحوارية المجتزئة المقتضبة ، لتأسيس لغة مشتركة بين قصدية الاشتغال في ديناميكية الحدث ، ولمعة الكلمة ، وبين المدرك ( السمعبصري ) المُتخيل عبر الاستقراء الابتدائي ، لبيقى نتاجه الابداعي محفزا لجسد اللحظة في ذهن القاريء ، وبالتالي الاشتغال على مواقفية الاحالة لشكلنة المحتوى الثيمي الحكائي التغييري الصارم الملتزم ، والاستاتيكي الحسي ، والحداثوي التكويني ، والسيمائي الدلائلي .
ومن هنا نجد ان الخطاب المسرحي عند ( قاسم مطرود ) في ( طقوس وحشية ) يتمحور في الاستكانة المثلى لنظام التغيير في الجسد المجتمعي ، والتحريض على انتشال الذات من سلطة الايديولوجيات المعمرة ، لتحريرها من ريق الاستبداد والتخلف الفكري ، وهو يقف في حضرة رؤاه المتوثبة الثائرة على الخريطة السياسية الفائتة ، والتي تستقر بمفاتنها جملة من الملاذات الجمالية الخرائبية ، تقود محيط شخوصه وبيئتهم ، ومحاور نزعاتهم الذاتية والجمعية المقرفة ، الى مجرى فكري نقي لغسل ادرانهم من منظومة التسلط المؤدلج ، ( خارج النص ) ، ليعلنوا رفضهم للسائد المجتمعي الفاسد ، بـ( حرق الصالة ) برمتها ، ليحيلهم ( مطرود ) الى مجرد هوامش تاريخية تتقيء فوقهم السلطات قيح تلذذها ، لينحازوا بالكلية التحريضية لميزة الانتقام من ذواتهم ، ومن عالمهم الخارجي ، فهو مرة يقف بالضد مع امتيازات شخوصة المتطلعة الى الخلاص ، وثانية يرمي فوق اجسادهم المتهرئة ( أعواد ثقاب ) ، ليحرقهم ، ومن ثم ليتخلص هو ابتدءا من ذلك الضيم والأسى الذي يجثم بداخله على أعتباره جزءا من ذلك الخراب الضمني الذي يغلف جل ملاحق حياته داخل بيئته الفائتة ، ويبدو ان هذا الخراب الذاتي الذي هو بالاصل خرابا جمعيا ، لايمكن التحرر من جذوره الا بثورة لحظية تحريضية كبرى ، تاتي من الداخل ، او ربما من الخارج ، فمنطقة الثبات في هذا النص القيم الممتلأ بروح ( العبث المعقول ) ! هي ذات المنطقة التي يلعب على أوتارها ( مطرود ) ، ليحفز تناغماتها البصرية المُتخلية عبر اللحظة القرائية ، لينمي بداخلها ذلك التواتر البنائي المتقن ، ويرتقي بكيفية مذهلة لملأ جل مساحات الايقاع الداخلي لمنجزه الابداعي المسرحي ، بقصدية ملاحق التغيير ، عبر قصدية الاشتغال داخل معمارية اللحظة المحرضة ، وبملازمة معلنة صريحة منتخبة من رحم المناخات السيمائية داخل متن لغته الشعرية ، التي تربض منتشية بداخله ، لايقاض تلك الدهشة الخفية المستترة في مأقي وذاكرة المتلقي داخل رحم اللحظة التي تكتنفها لواعج الترقب ، والالتساق الحكائي للقادم من الاحداث الخرائبية ، من خلال الافعال الحدسية التوقعية التشويقية ، للمُتخيل الذاتي والجمعي .
ان تلك القصدية الفاعلة في الجسد الاستقرائي الاستفزازي ، تحيل جملة الماهيات الغير مرئية الى فضاءات واسعة من فطنة التامل التاريخي لدى ( مطرود ) الذي يقودنا وفق ديناميكية الفعل التاثيري الى استنباط المعالم الخفية السيمائية عبر سلطة الغموض المفرداتي ، ليفجر بتوءدة المدلولات المستقرة داخل ملاذات النهايات المفزعة المعقولة ، وفق النتائج الحتمية الثيمية للنص ، والتي هي بالاصل البحثي المسرحي التنظيري ، تستقر عبر حيثياتها الابتدائية والتواترية الحبكية الدرامية في رحم ( اللا معقول ) على اعتبار ان جل الذين كتبوا وفق هذه المذهب او المدرسة او الظاهرة ابتدءا من ( صومائيل بيكت ) ومرورا بـ( يوجين يونسكو ) و ( آرثر اداموف ) و(جان جنيه ) وانتهـاءا بـ( هارولد بنتر ) أتفقوا بالاجمال على ان مسرح اللا معقول يرتكز ويستوطن ويقر بثوابته التنظرية حول مغزى او فحوى او مناهجية علائق ( ورطة الانسان في الكون ) .
ولقد اتفق الكاتب المسرحي ( البير كامو ) احد كبار فلاسفة العبث على ذلك المنهج الخرائبي من خلال دراسته الفكرية ( اسطورة سيزيفوس ) الذي يتصدى فيها لجملة المواقف تجاة رمة الحياة الانسانية ، والذي كتبه عام 1942 ، وشخص فيه مصير الانسانية القادم على انه ووفق معاييره العبثية (انعدام هدف ، في وجود غير منسجم )
ان مسرح اللامعقول الذي اشتغل في مناطق عديدة نائيه ممتلأه بالحنق والغضب نحو فساد المسرح اولا ، ومن ثم الفساد العام الذي يغلف العالم ، ونرى شخصيا ، ان لا صعوبة تذكر ، اذا ما حاولنا اقتراح جمع البوادر الفكرية التنظيرية ، ما بين ( بريخت ) و( كامو ) و( يونيسكو ) و( بيكت ) و( جينيه ) باعتبار ان جل اطاريحهم المناهجية المسرحية تصب في مصلحة ( دراما الرفض ) او ( الغضب ) او ( التغيير ) ، والتي راحت بالتالي تطرق الباب المسرحي بلوعة ايهامات عائمة وبأبطال مهزمومين مشتتين غير واضحي المعالم ازاء ذواتهم اولا ، وازاء العالم الخارجي ثانيا ، والذين تنحوا تارة ، وتمسكوا آخرى ، عن التزاماتهم المجتمعية والدينية والاخلاقية ، لمواجهة الفضاء التكويني للعالم المحيط بهم ، الذي فقد برأيهم معناه ، ومعالمه ، واهدافه ، ولعل ما ميز منتجهم الابداعي بمجمل تصانيفه الادبية ، محوريين مهمين اساسيين وهما برأينا :-
1- محور نقدي هجائي :- يقوم الكاتب من خلاله بنقد المجتمع التافه بسخرية لاذعة ، وبامتعاض جليّ ، واحتقار ، وحنق بائن .
2- محور استلابي ايجابي :- يتفجر هذا المحور عندما يواجه العبث داخل ملكوت الذات التي نزعت عنها مؤقتا الظروف الكارثية القاهرة ، أو التي ملأت عليه كالوضع الاجتماعي- الوضع السياسي- السياق التاريخي ، ليلجأ الى البحث الدائم المأزوم عن الاوضاع الجوهرية لمعنى وجوده .
ومن منطقة الاشتغال هذه ، يقترب ( اللامعقول ) من ( العبث ) وهما بصدد مواجهة لجة الذات ، مع العالم الخارجي ، الذي فقد براهين وثوابت وقيم كينونة وجوده .
ان أفصاحات ( قاسم مطرود ) ووفق هذا الاستطراد الموجز السريع الذي هو باعتقادنا ، له أعمق المساس الهوسي المذاهبي او الاسلوبي في منتجه المسرحي ، وبخاصة فيما يتعلق بمهمة بحثنا هذا مسرحيتـه ( طقوس وحشية ) التي تشتغل داخل اجواء المسرح داخل المسرح ، والتي تشبه كابوسا وجوديا طقسيا وحشيا ، يغيب عنه العقل ، والسماحة ، والامل في الخلاص من ادران الذات ، ومما يحيطها من استلابات قمعية ذات الوان واشكال غريبة قد فرضها ببراعة على فحوى الاحداث ، والتي تقاسمت ذلك الهوس الفكري بين اللامعقول والعبث ، والقسوة ، والتغريب ، ليستخلص من بين كل تلك الطروحات الفنية شكلا فنيا غنيا مبهرا يمازج تلك الاطاريح في بودقة واحدة ليصهرها ويواشجها ، ليخلص لذات النتائج باعلان صريع مشهر بلافتة تحريضية مسرحية واضحة المعالم ، ضد سلب مفاتن الذات ونأيها عن ملاذات سحرها الفطري ، لتحولها الى ذات مسخ لا تمتلك ملامح التعبيرعن ذلك الرفض الذي يجثم بداخلها ، واعلان احتجاجها الصريح عن مخاوفها ابتدءا ً ، وبالتالي لإشهار اعتراضها على فساد السلطات والايديولوجيات القامعة .
وبما ان ( مطرود ) يمتلك زمام تلك الرؤى التي تداخلت لصنع هذا النسيج المسرحي الخصب ، وراح يمسك بتلابيب تلك الخيوط الخفية ليفضي بنا صوب تلكم الباحة الغنية الواسعة من ملاحق التأويل ليتسنى لنا ، وضمن مناهجية الاستقراء والتفسير والتحليل الناهض ، ملأ تلك المساحات الخالية والفضاءات البيضاء ما بين الجهد الفني ( الكتابة ) وبين الجهد الجمالي ( القراءة ) داخل معمورة بناءه الدرامي الثيمي وبتواقع التقاطي مجسي خفي ، وبايقاع استدلالي ، وبلغة شاعرية متناسقة تدخل بتشظية يقظة لذلك البون السحيق لايعازات الذاكرة الذاتية والجمعية الحية ، لتوقض بداخلها سباتها الفائت ، وتحيلها عبر الدلالة والعلامة والاشارة والكود الى فاعل مؤثر في متن الاحداث عبر معمارية تراتبية لبُنى شخوصه التي إنتقاها بوضوح معتم قصدي ، ليثير فيها معالمها الحية النابضة بالقسوة ، ويأجج فيها مناخات ملامحها التي يعنيها بدقة تبدو اكثر اسقاطا للواقع الذي عاشه هو ذاته في زمن ما ، وفي مكان ما ، وعلى ذات الارضية المزدحمة بتشظي الذات فوق اسفلت الفضاءات المترامية الاطراف ، بعيدا في ذلك البون النائي من شتات النفس ، وملاذات الروح ، وهذا بطبيعة المنجز الصراعي سيجعل من شخوص ( مطرود ) تتمتع برحبة واسعة من حرية التجوال داخل المتاهات السيميائية المتخلله في الجسد الثيمي النص ، ليحيلها الى افكار مقرونة بنهضة تغييرية استقرائية لحظية ، او الركون الى الحطام الآني ، وفضاءات اللعبة التي افترضها ( كامو ) في ( الغريب ) وابتكارها على يد بطله ( ميرسو ) الذي يَقتُلُ بسسب الشمس وحساسيته المفرطة تجاهها بشكل خاص ، ويبدو انه اراد الانتقام من ذاته ، لانه لم يبك في جنازة أمه ، اذا كل شيء سيؤل الى ذات النهاية ، لكن الطرق مختلفة للخلاص ، فهو يقحمنا للانسياق خلف بديهيات اسلوبه الفكري الذي يذهب اليه ، في ان يضفي المساواة على كل شيء ، تماما كما في عالم العبث ، حيث يكون كل شيء متساويا في القيمة ، فهو يرفض توكيد أي شيء اكثر ، او اقل ، من أي شيء آخر .
وهذا الطراز من النزعات الفلسفية تناوله ( قاسم مطرود ) بوعي تام وراح يتأبط مفاتن مخيلته الخصبة والابحار صوب هذا التلذذ بالسخرية اللاذعة من العالم الذي يحطيه ، ليحول ماهيات مسرحه الى ادوات فاعلة استطاع من خلالها الى النزوع السلطوي الفج ، في محاولة حرق ابطاله ، لانهم ارتضوا رغم احتاجهم المعلن الصريح بهذا الاذلال القسري ، لانه كان موقنا بالفرضية ( الكامية ) في ان يضفي المساواة على كل شيء حتى في الخراب الذاتي- الجمعي ، والذي نراه شخصيا تحريرا مجيدا ، وحضرة درامية حداثوية ، تبشر بقداسة ماهية الذات البشرية ، التي يتوجب علينا ان تعتز بقيمتها العالية المتفردة .
ان اجواء إنعاش الفعل الدرامي داخل نص ( طقوس وحشية ) يرتقي أحيانا من خلال الكينونات الحبكية , والرمز الدلائلي اللغوي ، من الداخل الى الخارج ، بمعنى انه يفصح عن طريق شخصية ( المرأة ) بنوازعها الذاتية ، الى الافصاح القهري الخجل ، ليشكل حول مرسوماتها التشخيصة هالة من الاعتراض الذي هو بالاساس قيمة لم تعد جديدة عليها ، او ربما ارتضت بها ، بحكم اعتيادها لهكذا أجواء من الرضوخ ، واحيانا يكون الفعل من الخارج الى الداخل عن طريـق ( الرجل ) الذي يفرض لعبته التي راح يحرك مصاريعها بأشتهاءاته السلطوية ، وبايدي جزار مأجور آخر ( الرجل الصامت ) الذي لا يمتلك هو الآخر ، الا الامتثال لبراهين ديمومة بقاء ( الرجل ) ، ومن خلال هذه اللعبة ، أدخلنا (مطرود) الى فضاء هالة مسرحية أوسع في تقنيتها اللعبية ، فأنشأ مسرحا ثان محاثيا للعبته المسرحية الكبيرة التي هي مكان لعبته الاصيلة ، وهذا ما يحسب لملكته الاستثنائية في التجوال بنا في مناطقيات خصبة عديدة لاغناء منتجه الابداعي (النص المسرحي) .
من الملاحظ إن هناك ثمة أماكن عزل ، وتعطيل واضحة داخل المساحات اللونية ( النفسية ) للشخصيات ، مما يبرر وقوعها داخل فسحة التدارك اللحظي لذلك الهياج الكبتي المتسامي المحاذي للفعل الاصيل ، والذي يقرر بالتالي (مطرود) الاستعاضة عنه ، من خلال الفسحة ( التأثيثية ) السنوغرافية ، والحركة الجامحة المتقدة ليغني بها دينامكية الفعل المقررة سلفا ، في التاثير على جوهر القصديات المتاخمة لمعمارية بناءه الدرامي ، واعطاء منهجة جدولية للفحوى المتضمنة لذلك الفعل المتثور عبر اللغة ، وهذا يؤكد على ان (مطرود) قد استطاع ان يبرهن ، وبمهارة شاعرية لتعويض الهيكلية التراتبية لتنشيط الفعل داخل متاخم المُتصور اللحظي للاستقراء ، وهذا النمط من انماط التوصيل والاستدلال الموضوعي الناتج عن مخاصب توالدية استمرارية لديمومة جسد اللغة داخل متن الفعل في المشهد المسرحي .
ومما يلفت النظر ان شخوص هذه الطقوس تتنصل عن اشكالها وهيئاتها عبر انتحالها صفة العلاماتية الاشاراتية السيمائية ، والتأثيثة الدرامية الحكائية ، لترتدي (جلابيب) مختلفة اخرى ضمن هذا المشروع اللفظي ، لتُكوّن ظاهرة مختبئة داخل الاستدعاء القصدي المتغاير في فحوى ( التناص ) ، لتحاول الانقضاض على كل ما هو ثابت ، اوسطحي ، او ربما كائن حقيقي ، لتحيله الى هوس منظم قصدي ، في انتحال لونا ًآخرَ من الوان البوح السردي المقتضب ، والذي يصرخ عاليا ولكن بهمس ايمائي لفظي اشاراتي دلالي مسموع :-
المرأة :- لا أحسن القتل !
الرجل :- في القاع يقع التنيين .
...
المرأة :- سأهرب .
الرجل :- الريح تخترق المكان .
...
الرجل :- هذا جميل .
المرأة : غاية في القبح .
ويبدو من تطاير هذه الاختيارات المتفاوته في متن النص ان هناك ثمة خراب لفظي ، يتشظى داخل الدلالات السيمائية لتوعز ، او تنذر بذات اللحظة الاستقرائية التحريضية للاحداث ، ان ليس من المهم ان نميز ما بين الجمال والقبح ، لكن المهم ان نحصل على الجمال بكليته ، او على القبح بكليته ، لانها لا تحسن القتل ، وتتمنى الهروب أولا ، ولأن في القاع يقع التنيين ثانيا ، ولان الريح تخترق المكان ثالثا ، واخيرا لانها تجيد الدفاع عن نفسها فقط ، وذاك يعني انها لا تملك الا الدفاع عن كينونتها الخاوية المرتعشة الخائفة ، أزاء هذا الهول الذي قذفها باتونه عنوة ً ( قاسم مطرود ) ولم يعد بأستطاعته ان يخلصها من ورطتها هذه ، او بالحد الادنى انقاذ ما تبقى من انسانيتها ، لينهي لعبته المتداخلة بوحشية نزقه ، داخل ملاذات نصه الموغل بالطقوس اللفظية الخرائبية المستترة تحت عباءة اللغة الطبيعة النيرة ، والتي تستقي سطوة خرابها الجميل ، من الفسحة الوحشية لحبكة النص .
وكان في رأينا ، لو أن ملاذات ( مطرود ) الدرامية كانت قد أستعانت او أستثمرت (المونولوج) الداخلي المقتضب ، عبر الصورة الحية المتخلية المرئية ( فلاش باك ) لاغناء تلك الفسحة من الافصاح والبوح المأزوم داخل ملامح شخصياته النفسية المضطربة ليضفي ذلك بالمدلول العلائقي بين الاحداث ، ومن ثم لادخال اشكال سينوغرافية جديدة لبنائية الصورة المشهدية من جهة ، وبين انشائية اعماق الشخصيات الخربة من جهة ثانية ، لنفض الغبار ولو عن جزء من تاريخها الفائت ، لان هذا الطراز اللعبيّ في ملاذ ( العلبة ) داخل ( العلبة ) يسمح بهكذا انثيالات واسقاطات خزائبية تكوينة ، وقفزات عائمة ، لتعميق واغناء معمارية البناء الثيمي الحكائي المرئي ، وصولا لاستهداف الاستقراء في مهد لحظته الحدثية والسيميائية المتأججة ، وتحريض ملاذاته المتحفزة ، في اغناء سطوته البصرية .
وهناك ثمة معايير غير تقليدية شاخصة يتلاعب بادواتها (قاسم مطرود) متوخيا ًعبرها إنشاء ذلك البناء الدرامي المحكم المتفرد ، لإيصال أكبر قدر ممكن من عدم الافصاح الذاتي من خلال شخوصه عبر سحر ذلك التلامس الطري الفج ، والتناغم المزعج الواضح ، بين طرفي المعادلة المتناقضة التي ابتكرها بمحض ارادته ، والتي احكمت عليه طوق عدم الأنفلات من جوهر ثيمته الاصلية ، او الوقوع في فخ الترهل التكويني لتبعده ولو من حيث النظرة الموضوعية عن باحة الفصاحة التدوينية الشاعرية ، والتي توقع النص المسرحي في مناسبات عديدة (الممثل) في أتونه ، وربما يأتى هذا الحذر الشديد ، من كون ( مطرود ) ربما يسكن بداخله ممثلا محترفا ، او مخرجا يقوده بحرفية عالية ، وتقنية مهارية ، ومعالم تفسيرية استنباطية تحليلية ثاقبة ، وربما جسدية فيزيقية تحركه ، لتملي علية ذلك التصور المنسجم ، عبر اللغة ابتداءا ، والحركة ثانيا ، والتحليل ثالثا ، والحبكة رابعا ، والانصات الدقيق لافصاحات شخوصه خامسا ، وتدوينها بالكلية أخيرا .
وشخوص مطرود الطقسية الثلاثة هي ( لحظات هاربة ) في لج التداول المنشيء للاحداث ، والمفعمة بدوائر آليات التناص ، لا تستطيع الامساك بها ، فهي تفلت من قبضة استحكاماتك الاستقرائية ، لتلج الى معالمها الداخلية بذات اللحظة التي تحاول السيطرة على خلجاتها ، لترحل عنك بعيدا في فضاءاتها النائية ، لتسكن بأطمان ، او ربما بهلع مشوب بخيفة حذرة ، في احضان مرجعيتها ( المطرودية ) .
وعند الرجوع ثانيةً الى لغة النص والتي تكتنف عوالم غير مباحة للجميع ، وذات ملامح مظاهراتية تشعر معها بشاعرية متفسخة ، وهذا الطراز من الاستخدام الحواري بتقديرنا ، ينفع ذات المحتوى الخطابي التحريضي الذي اثبت جدواه السيمائية ، حيث يمكن لنا الرجوع الى المشهد الاستهلالي لمحاولة استقراءه :-
صوت الرجل :- دون انفعال .
صوت المرأة :- في الامر التباس .
...
المرأة :- كيف دخلت ؟!
الرجل :- من ثقب الباب .
المرأة :- يدي امتدت من ثقب الباب .
الرجل :- كيف دخلت ؟!
المرأة :- انت بلائي .
الرجل :- انت صوتي المكتوم .
جاءت هذه المحاورة الاستهلالية لتفعيل الدور البنائي السيمائي داخل ماهيات اللغة ، وفي توكيد ما هو مستتر خلف اللعبة ، وما الذي يدور في الفلك الرمزي لهاتين الشخصيتين ، وهذا التفعيل ترجمة حقيقية يمكننا القول ازاءها ، بانها لغزا تحذيرا من فحوى اللعبة التدوينة واحالة الفعل اللغوي الحواري الى مكنونات فاعلة ومتفاعلة في جسد وروح النص ، وهو بالتالي تداخل فج في التسليم والاستلام بين الشخصيات ، على اعتبار ان ليس هناك ثمة حيزا فهميا وادراكيا ، يمكننا الامساك به ازاء هذا التطاير اللفظي ، والتحايل على الحواس الاستقرائية ، لادراك ما هو خفي ، بما ان الرجل ابتدءا هو ( بلاءا قدريا على المرأة ) لأن هذه الاحالة السيمائية جاءت لتهيء خصائصنا المبهمة ، لما ستؤول اليه الاحداث التي سيقررها ( قاسم مطرود ) من خلال لعبته العبثه المعقولة هذه .
نظر ( قاسم مطرود ) الى الواقع الذي عاشه في زمن ما , وفي مكان ما ، وفي اتون موقعة استشاطية من حياتيه الوعيوية الفائتة ، نظرةً تغلفها تلك الانثيالات المبهمة ، لتتراقص بزهو يشبه النوح بداخله ، لتخلق من ملاذاته ، ذلك الهوس البنائي بأثر اجتماعي رجعي ، وبخلفية تلامس شغف الاحتضار المؤقت الجاثم في ملامح مخيلته المتخمة بالاسى والقهر ، لتتخطى ذلك العمق الشفيف الغير مرئي قي ثناياه ، لتحاكي اللامعقول والعبث الذي يربض متحفزا داخل تدويناته الذاتية الانسانية القلقة ، بشاعرية بارعة .
لكننا نلمس وبوضوح تام ، ذلك التقارب الجلي القصدي الذي مارسـه ( مطرود) ازاء عملية تبادل السلطات بين الكاتب المسكون بالبوح بداخله ، من جهة ، وبين تشظي وتبعثر الشخصيات من جهـة ، وبين ( القاريء ) و (الناقد) من جهة اخرى ، باعتبار ان القاريء والناقد هما الاداة الجمالية المفعلة للاحداث بزمكانياتها والمفسرة والمحللة لايقاع لغتها الرصينة ، ليخلص الى نتائج قد رسمها سلفا في أن يكون ( المتلقي ) وفق منهجية الاستقراء المسرحي هو المعني الاساسي بمرجعية ( التأويل ) الحثي الآني للاحداث ( يعنى تصورها او تخيلها ) ومن ثم الزامه بالتقصي السيميائي الدلائلي ، داخل ( الدايلوك ) في ذات اللحظة المتقدة في خاصرة النص باعتباره خطابا ادبيا اولا ، او بعد احالته لفرضية العرض ثانيا ، وهذا النهج اللعبوي الماكر في مناخية المسرح داخل المسرح ، بمعنى ان ( العلبة ) الدموية اللحظوية ، ستحال الى ( علبة ) مسرحية اكثر فجيعة وايلاما فيما بعد ، ويبدو ان هذا الطراز من اللغزية في التناول البنائي الخطر ، قد يوقع الكاتب بمأزق درامي بنائي حرج ، ما لم يكن قد خبر هذا النوع من فضاءات هذه اللعبة ، وفي رأينا قد تخطى ( مطرود ) بالعبور بالقاريء لضفة الامان الاستقرائي ، رغم انه كان قد ايقض ، بل اورث بداخله تلك اللحظة الاندهاشية ، وابتلاه بورماً فكرياً سياسياً خبيثا من جراء التحديق المتلاحق داخل فسحة رؤيته الفلسفية والفكرية المتشظية والتي ( كانت مختبأةً في حيثيات لواعجه الداخلية ) والتي راحت تقوده صوب الايهام والتشظي تارة عبر صور هلامية ، ومكنونات لغوية عائمة ، وتارة اخرى راح يجول به داخل رحم استلاباته المفاهمية العبثية اللامعقولـة ( الحقيقة ) بذات اللحظة الكبتية التي تكتنزة ، والتي تفصح عن مخاض خصب لولادة نص حداثوي يمتلك مقومات التجديد في متن التداول والتناول البنائي المسرحي المجدد .
حيث راح ( مطرود ) يلعب على اوتار الضعف والهزالة والهشاشة المؤدلجة للمناخ السلطوي المفروضة قسرا علـى ( المتلقي ) الذي راح يشكو منه الجسد الفكري والسياسي العربي ، وعلى مدى عقود فائتة ، ليقودة بالانتهاء الواعزي الصيروري لدهشة اللحظة الآنية التحريضة ، والتي ستؤل به بالحتمية التاريخية الجدلية الى عملية التغيير الصارم ، ووفق منطق عرض فسحة ( القبيح ) ، لاستبدالها بعرض فسحة ( الجميل ) .
الرجل :- هذا جميل .
المرأة : - غاية في القبح .
إن ( مطرود ) يتلاعب بالمفردة لاحالتها الى علامة سيميائية في محاولة للحوز على الجمال كله ، او القيح كله ، لان هناك ثمة استحواذ رمزي دلالي يستوطن داخل ملكاته وآلياته التقنية التسيدية على رمة الفكرة ( الابسنية ) التي تحاول الامعان في فرضية ( الحصول على كل شيء ، او لا شيء ) .
المرأة :- سأهرب .
الرجل :- الريح تخترق المكان .
اذن هناك عصف ريح تخترق المكان وهذه الجملة تكررت في اكثر من مكان داخل الطقوس ، ويبدو ان هذه الريح ، قادمة من خلجات النفس لتدمر ما حولها ، وهذه اشارة واضحة لاستنهاض مقدرات الشحنة السيميائية داخل المكنونات السببية للاحداث القادمة .
المرأة :- لا احسن القتل .
الرجل :- في القاع يقع التنيين .
ربما هي تُحصن ذاتها المحتضرة وسط هذا المترع الوحشي للموت وتتشبث بعدم قدرتها على القتل ، لكنها في ذات المكان تصرح بانها تستطيع الدفاع عن نفسها ، لكون هذا الدفاع عن النفس ، يقودها الى البقاء الفردي واسقاط كل الافكار المحيطة والمتعايشة بكنفها ، ولكن من أين ياتي ذلك الخلاص المؤقت وهناك ( تنيين يقع في القاع ) ، وثمة التباس حاصل حتمي في الامر برمته .
لقد أتخذ ( قاسم مطرود ) أشكالا لنصه المسرحي الذي جسد ثيماته داخل المسرح الكبير ، وانتقل بشخصياته بتلاعب ذكي ، ليحولهم الى نماذج مهزوزة مشتته من داخل مسرحه الكبير ليحيلهم الى لعبة مسرحه الحدثـي السميائي العابث الصغير ليقـدم لنـا من خلال الشخصيتيـن ( الرجل - المرأة ) أدوارا ًوماهيات خرائبية تكتنفها الامراض النفسية المستعصية عبر جل تاريخهم المتهريء ، فتارة يصبح الرجل أبنا والمراة اما له ، ويشكي والدة الذي كان يقسو عليه بوحشية ، وتارة يتحول لطالب مهزوز وهي معلمته التي تتلذذ بضربه بقسوة ، وتارة الى زوج مخدوع , واخرى يحولها الى جاسوسة .. واخرى يحولها الى شرطي لا تجيد حياكة المشانق .. الخ ، وهنا يتكأ (مطرود) عبر افصاح شخصياته المريضة التي فرض عليها اكمال اللعبة رغم انه صرح لاكثر من مرة ، عبر النص بان كل هذا الهراء الوحشي لطقوسه ، ما هو الا مجـرد ( كابوس ) وهو ايضا كما رددها مرارا .. ( انها لعبة مدمرة ) ، وثمة التباس لحظويٌ حاصل دون انفعال لأن ( في الامر التباس ) .
وتمنيت شخصيا على ( مطرود ) وهو يوغل بهذا الابداع من خلال ذلك التشطي المعلن للخفايا الدلالية السيميائية الغير معلنة في متن قصدية اشتغاله داخل معمارية اللحظة التحريضية ان يغوص بتلك المناخات الاسطورية :-
المرأة :- اخطأت العنوان .
الرجل :- حين عم الفيضان البسيطة قالوا ...
وهذا الطراز من التحليق المشهدي الموجز والمفضي الى خصوبة أسطورية تفيد رمة موضوعته القصدية المشتغلة وفق مناهجية الحداثة والتجديد ، باعتبار ان حدوث الطوفان عبر الغضب الالهي ، هي بالاصل تأسيس للغضب الذاتي والجمعي ، عبر ثيمة النص ، فهو بالتالي عملية انقاذ جليلة للجبلة البشرية جاء من خلال سفينة (اوتونابشتم) أله البحر ، وهو الذي أحيا الملذات الاستدلالية في قيمة النجاة الكوني من الغرق الفكري والأخلاقي البشري ، والحاصل بالتبعية في الذات الجمعية بالاجمال ، فقد كان قد اغنى برأينا ، عرضنة الشكل والمحتوى ليسقطه في لج الماضي ، ليتمكن من صياغة نصية درامية ذات ملامح تاريخية متجولة في رحم الاسطورة ، والواقع ، والخيال ، والعبث ، واللامعقول ، لاستحصال حالة استجابة عالية مثلى ، في متن نص ٍ يتحمل هذا المزج المتاح ، بين القفز العبثي المعقول ، على اللا معقول .
وبذات اللحظة كان من الممكن أستثمار اللحظات التي يكتنفها الهوس الجنسي والمشبعة بمفاتن التلذذ النزقي السلطوي ، ليطورها ، ويخلق منها مفازات جمالية لطقوسة الوحشية .
الرجل :- هذا فعل حسن .
المرأة :- القتل .. القتل .
الرجل :- السرير .
المرأة :- مخيف .
الرجل :- يتلذذ في تقطيع فريسته بعد قتلها .
وهنا لو قدر لهذا المشهد في رأينا ، ان يتجسد من خلال التكوين اللحظي بالانقضاض الشبقي للرجل على فريسته المرأة ومحاولة اغتصابها فوق سرير الموت عنوة ، وهي تتلذ بمخاصبها الداخلية القابلة لهذا الفعل الانساني ، ولحظاتها الخارجية الرافضة له ، لكانت متعه الفرجة المشهدية حاضرة وبائنه في الانتهاء الفحولي الجسدي للرجل ، والنشوة الفائقة للمراة ، بهذا الاغتصاب المُجسد الحي ، رغم انهما على طرفي نقيض ، مما سيحيل هذا الفعل التحريضي في دواخلنا الاستقرائية ، الى مترع مشاهداتي فرجوي مغلف بنزعة دراماتيكية ، تثلج صدر ( العبث - المعقول ) .
ان مسرحية ( طقوس وحشية ) وعبر المعايير التوازنية لمناخاتها العابثة ، لاتقدم لنا اقتراحات افتراضية ، او حلول آنية ، نتكأ عليها للوصول صوب ملاذاتنا الآمنة التائهه ، في بون عالمنا السحيق المترامي ، الممتلأ بالمتناقضات والهوس الفكري والسياسي والمجتمعي ، بل راحت توقض بدواخلنا الاستقرائية ذلك التحريض المعلن بقصدية مشغعوعة بآليات وتقنيات تدوينية درامية مهارية عالية ، لتشتغل وفق دوافعنا اللحظية ، عبر نص حداثويا متقدم ، لنكـون جـزءاً من لعبـة ( مطرود ) الوحشية تلك ، وليؤسس لنا حضورا فاعلا في عملية ترميم حيثيات مكنوناتنا الذاتية والجمعية ، ليحيلنا بالرمة الى مشاركته الضمنية في فسحات هذا العبث الأخاذ بخرائبيته الطقسية ، ليسجل عبر ملامحنا الاستقرائية الفطنة ، تاريخ تلك الانطباعات لمغازلة صيغ التحرر من براثن سلوكياتنا الجمعية الموحشة ، ليحولها بذات اللحظة الى ردود افعال لحظوية حتمية صارمة ، لاعلان التمرد الصريح على مجمل ذلك الاستلاب السلطوي ، للذات البشرية .
لقد كانت ( طقوس وحشية ) للمبدع ( قاسم مطرود ) ( محفلاً درامياً ) متنوع الإخصاب ، وأيقونة سيميائية تحريضية سحرية ، تألقت في حضرة مسرح الحداثة ، ورمزا توثيقيا انتخابيا ، لترميم الفجوة الحاصلة في خاصرة الايعاز التجديدي ، لما بعد الحداثة ، لأنه استطاع ان يقفز فوق الماهيات ويحرق الازمنة الفوضوية الوحشية الممتلئة بقيح الافكار المعمرة ، فقد أعلن وبوضوح احتضار النظريات والايديولوجيات الكبرى ، بعد ان حرق شخوصه بأثاثهم التفاعلي القاتم الذاتي والجمعي بـ( أعواد ثقاب ) ، وراحت السنة ذلك الحريق تتسامى لتحرق بالجملة كل من لم يستيقظ وهو مرتميا على كرسية الفخم ، داخل صالة الاستقراء المترعة بلحظات الانصات والتلذذ بتلك الوحشية الجملية داخل مفاتن طقوس ( قاسم مطرود ) الخرائبية ، لانها اشتغلت دراميا ، وفق المناخات الحداثوية والسيمائية ، والحدثية ، والثيمية ، واللغوية داخل معمارية اللحظة التحريضية ، التي نحن بالجمع ، محتاجون الى هكذا صدمة درامية مجددة ، توقضنا من سباتنا الطويل الفائت ، وتحيّي في ذواتنا الخربة ، متعة وأصالة التغيير ، صوب معالم حضارية فردية وجمعية ، اكثر جمالا ً واشراقا ً ، من هذا القبح الذي يحيطنا .


*
كاتب وناقد مسرحي
 

free web counter