الصفحة الثقافية
الخميس 8/6/ 2006
هذا المقال واحد من مقالات وحوارات عديدة ضمها ملف الشاعر عبد الكريم كاصد الذي أ ُعد إحتفاءاً به في المربد الثالث في البصرة 2006 ، والذي سينشر كاملاً في دوريات ثقافية وكذلك سيصدر في كتاب من قبل وزارة الثقافة العراقية .
أعد الملف وقدم له الشاعر العراقي عبد الباقي فرج .
Abdulbakifaraj@hotmail.com
عبد الكريم كاصدالنقر على أبواب المنفى !
انطباعات سريعة في ديوان ( الحقائب )
محمد سهيل احمد
" .. حين أخفيت ظلكِ في الضوء..
وأبصرت في الضوء ظل السفر "
( الحقائب )يمكن القول أن ديوان عبد الكريم كاصد الأول الذي ظهر عام 1975يمكن ان يعد ، على نحو ما ، نبوءة حملها لا وعي الشاعر لما ستؤول إليه الأحداث المأساوية التي تمظهرت بتشكيل صوري مزيف لما كان يسمى بالجبهة الوطنية التي تمخض عنها اعتقال وتشتيت القوى التقدمية وفي طليعتها الشرائح المثقفة . ومن هنا ، ولربما في وقت مبكر عمل الشاعر على تنفيذ أمر رحيله عبر الصحراء مع رفيق دربه الشاعر مهدي محمد علي . كان ديوان ( الحقائب ) - الذي صدر مرتين-خارج مطابع مؤسسات السلطة الحاكمة بمثابة قرع أولي لناقوس الرحيل . كان في حقيقة الأمر نقرا مبكرا على أبواب المنفى . صحيح انه جاء صدى رؤيويا لتجربة الجزائر وفرنسا غير أن تلك التجربة كانت مزيجا من فضول الاكتشاف وجس نبض القلب وامتحانا لدوار البحر ونوستالجيا الحنين . من هنا نلحظ بيسر أن ديوان (الحقائب) مسكون بمفردات الرحيل الذي عكس يأسا من الوضع في الداخل وفرارا من اشتداد الألم ليطلق الشاعر صرخة بودلير : كوني عاقلة يا آلامي .كان الرحيل أيضا تعبيرا عن موقف فكري ايديولوجي ذي أبعاد سايكولوجية يرفض الواقع السياسي الذي بدأ بالتردي منذ أواخر الستينات متفاقما خلال النصف الثاني من السبعينات حين بدا واضحا طغيان الفكر الشمولي المستبد على حساب قوى لها باع طويل وتاريخ نضالي معروف . إذن فمجموعة الحقائب الشعرية هي نقر أولي على أبواب المنفى أو بالأحرى المنافي المتعددة . لاحظ مفردات المجموعة التي تعكس رؤية الشاعر ورؤاه الحلمية – الكابوسية : السفر / ألوف من الكيلومترات/ البواخر / القطارات / العصافير / عامل مهاجر / الفندق / صفير المراكب / المحطات / كيف ارتحلت / رحيل مسيو كومان / العصافير / الشريد / نشدّ الحقائب / ونسأل عن موعد لقطار / المسافر الوحيد/ اندفاع المسافرين /
هذا هو الطقس السايكولوجي الذي حشد له عبد الكريم كاصد عبر ( الحقائب ) ، على أن الشاعر - في لا وعيه الجمعي المستحيل إلى أدوات أسلبة فنية واعية – يأبى إلا أن يقدم صورة مشهدية بانورامية متكاملة من خلال تقنية التباين ( contrast )، فديوان الحقائب مسكون بالأغلال والكراسي والأقفاص كناية عن القمع السياسي والاجتماعي :
" حين جلسنا صامتين
كان على كرسيه السفر
يبدأ في حديثه الهادئ من جديد "
إن مطلع قصيدة ( الحقائب ) يبدأ على النحو التالي :
" لماذا نشدّ السلاسل عبر ألوف من الكيلومترات ؟ "
ونقرأ أيضا :
" غرف للمساجين والأمهات
غرف للمواخير مفتوحة للدخول
غرف للوقوف
غرف للهياكل مشدودة للمراوح
غرف للمذابح غرف للعويل
غرف للمهاجر يسند أحزانه لرصيف "
منذ ما يقارب الثلاثين عاما وعبد الكريم كاصد مشروع دائمي للرحيل . انه يتنقل من منفى لمنفى . هل كان حي البيكاجي في عدن محطته الأخيرة حقا مثلما قال في ديوانه ( وردة البيكاجي ) ؟ :
" أيها البيكاجي
يا محطتي الأخيرة
لقد عبرتكِ القطارات
ولن تغادر أبوابك أبدا " .