الصفحة الثقافية
الأثنين 9/10/ 2006
مشاركة عراقية في تأبين آنا بوليتكوفسكايا
صحفية روسية تدفع حياتها ثمنا لمعارضتها حرب الشيشان
هلسنكي ـ الناس
مساء الاحد 8 تشرين الاول 2006 ، وعند السفارة الروسية في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، وتلبية لدعوة نادي القلم الفنلندي ، تقاطر المئات من المثقفين ، للمساهمة في الاعتصام التأبيني للصحفية الروسية آنا بوليتكوفسكايا Anna Politkovskaya ، التي وجدت عصر يوم السبت ، المصادف 7 تشرين الاول 2006 ، مقتولة في مصعد العمارة حيث تقيم ، في مركز العاصمة الروسية ، موسكو ، وقد وجهت اليها عن قرب اربع رصاصات من مسدس ميكاريوف وجد ملقى قرب المكان مع الخراطيش الفارغة ، واعلن ان الشرطة الروسية تبحث عن شخص بدا يرتدي ثيابا سوداء اللون التقطت كاميرات مراقبة البناية بعض من مواصفاته ، وعرضت محطة تليفزيونية روسية لقطات بالفيديو لمشتبه به في قتل الصحفية ، وتفيد مصادر من الشرطة الروسية إن هناك اشتباه يدور حول أحد الشبان الذين كانوا على مقربة منها في الفترة الأخيرة ، والبحث جار عنه. وفي جواب للصحافة قال "ديمتري موراتوف " رئيس تحرير الصحيفة التي تعمل بها بوليتكوفسكايا ، " إنها قتلت بسبب كتاباتها " ، في إشارة إلى أنها قد تكون قد تعرضت للتصفية من جانب أجهزة رسمية. واشار نائب المدعي في القضية "فيشيسلاف روزينسكي" : "أحد الأسباب المحتملة هو القتل المتعمد المرتبط بواجبات الضحية الاجتماعية والمتعلقة بعملها" ، واذ وصفها نقيب الصحفيين في روسيا بأنها "كانت الضمير الصحفي للبلاد " ، اعرب الناطق باسم الخارجية الأمريكية " شون ماكورماك "عن صدمة بلاده وحزنها العميق بسبب "القتل الوحشي للصحافية الروسية المستقلة آنا بوليتوفسكايا" . واعرب الرئيس الروسي " فلاديمير بوتين " عن اهتمامه بالحدث ووعد بالتحقيق وكشف القاتل ، ويذكر ان الصحفية القتيلة سبق لها وان هربت عام 2001 الى فينا لفترة من الزمن ، بعد استلامها تهديدا لحياتها عبر البريد الاليكتروني ، ووجهت الاتهام بالوقوف خلف التهديد لاحد القادة العسكريين الروس في الشيشان ، الذي فضحت انتهاكات وحدته العسكرية لحقوق الانسان بحق المدنيين في الشيشان ، وبعد فترة احتجاز وتحقيق ، افرج عن الضابط المتهم واغلق الملف عام 2002 ، ويعتقد ان الضابط لم يتوقف في السعي للانتقام والثأر من الصحفية التي كانت سببا في توقف حياته المهنية . وفي مقابلة صحفية ، قبل عامين من مقتلها ، مع قناة "البي بي سي " قالت القتيلة آنا بوليتكوفسكايا إنها تعتقد " أن من واجبي الاستمرار في تغطية الأحداث رغم ما أتلقاه من تهديدات " وأضافت قائلة " إن الخطر جزء من عملي ، ولا أستطيع التوقف لأن هذا واجبي ، وأعتقد أنه من واجب الطبيب أن يعالج مرضاه، ومن واجب المغني ان يغني، ومن واجب الصحفي أن يكتب ما يراه ". وهزت الجريمة الاوساط السياسية والصحفية ،لان القتيلة شهد لها بنشاطها ومعارضتها وانتقادها السياسة الرسمية لحكومة الرئيس بوتين في حرب الشيشان ، وكتبت عن ذلك لصحيفة "نوفايا غازيتا" ـ الصحيفة الجديدة ـ عشرات التغطيات الصحفية الميدانية ، التي صارت بفضلها صحيفة معروفة بجرأتها وبخوضها في القضايا الشائكة ، و كما انها الفت ثلاث كتب وثائقية عن الحرب الروسية في الشيشان ، نالت انتشار واسعا في اوربا وترجمة لعدة لغات ، فضحت فيها حجم الانتهاكات لحقوق الانسان التي تنفذ من قبل قوات الجيش الروسي بحق المواطنين الابرياء ، ونالت عن نشاطها وعملها عشرة جوائز من مختلف منظمات حقوق الانسان والمنظمات الثقافية الاوربية .
وقد حضيت كتبها بأهتمام الشارع الفنلندي ، وتم ترجمتهما الى اللغة الفنلندية ، وحصلت على الدعم المادي والمعنوي من منظمات المجتمع المدني واتحادات الكتاب والفنلنين في فنلندا ، التي تعارض الحل العسكري لمشكلة الشيشان وتدعوة الى السلام ، وبعضها يطالب بمنح الشيشان حق تقرير المصير . وفي الاعتصام التأبيني للصحفية القتيلة ، في هلسنكي ، حضر وشارك اكثر من الف مثقف ، من كتاب وفنانين ، وممثلين عن الاحزاب السياسية ، بينهم برلمانين ووزراء ، وممثلين لاتحادات وجماعات ثقافية . واكتظت الشوارع المحيطة بالسفارة الروسية بالمشاركين ، حملة الشموع والورد . القيت قصائد الشعر ، وتليت كلمات التابين .
يذكر ان الصحفية الروسية آنا بوليتكوفسكايا ، وهي ام لطفلين ، من مواليد نيويورك 1958 حيث كان والدها يعمل دبلوماسيا ، انهت دراسة الصحافة في جامعة موسكو عام 1980 ، عملت في العديد من الصحف الروسية ، واستقرت للعمل مؤخرا في صحيفة "نوفايا غازيتا" ، حازت على العديد من الجوائز لتحقيقاتها الصحفية الجريئة ، وعرف عنها تواجدها في مواقع الاحداث، ومن عام 1999 بدأت تغطيتها للحرب الشيشانية ومن مواقع الاحداث الدامية ، وكانت تتناول الجوانب الانسانية خلال الاحداث ، وتقوم بزيارات ميدانية مستمرة لمخيمات اللاجئين ، وزيارة الجنود الجرحى ، وهذا جعلها في تعارض دائم مع القادة العسكريين ، الذين منعوها من زيارة المستشفيات . وفي احداث 25 تشرين الاول 2002 ، حين احتجز مقاتلين من الشيشان رهائن في مسرح في العاصمة موسكو ، قبل المسلحين بها وسيطة للتفاوض ، وكانت من القلائل الذي تمكنوا من دخول بناية المسرح والتقت بالمسلحين . وفي عام 2004 ، بينما كانت في طريقها لتغطية وقائع حصار مدرسة في بيسلان كان مسلحون قد احتجزوا فيها رهائن من الأطفال ، في 1ـ 3 ايلول 2004 ، تعرضت للتسمم في كوب شاي خلال رحلة الطيران ، الذي يعتقد البعض أنه كان محاولة لقتلها وثنيها عن انجاز مهمتها ، وقبل شهور من مقتلها حاول مجهولون اقتحام سيارة ابنتها فيرا .مشاركة عراقية في التأبين
في قائمة المتحدثين ، في الاعتصام التأبيني ، التي اعدها نادي القلم الفنلندي ، من العراق شارك الكاتب العراقي " يوسف ابو الفوز" ، الذي ارتجل كلمة قال فيها :
ـ " انا من العراق ، البلد الذي صار اكثر مكانا خطورة في العالم على حياة الصحفيين والكتاب ، حيث عصابات الارهاب وميليشيات الموت وفلول النظام الديكتاتوري السابق و" النيران الصديقة" لقوى الاحتلال تساهم كلها مع بعض في ارتفاع ارقام القتلى من الصحفيين والكتاب ، وكل يوم " .
واشار الكاتب العراقي :
ـ " ان سماعي خبر مقتل الصحفية الروسية آنا بوليتكوفسكايا ، جعلني اتذكر صديق لي ، صحفي مقيم في بغداد ، اخبرني قبل ايام على الهاتف بأنه كل يوم حين يغادر بيته ، يودع في سره زوجته واطفاله لانه يعتقد انه سوف لن يعود حيا ، وسوف لن يراهم ثانية ، لان للكلمة الحرة صار ثمنا غاليا هو الحياة " .
وتسائل بحرقة :
ـ " من جعل حياة المثقف هكذا رخيصة وبدون حماية ، سواء في العراق ، وفي لبنان وفي فلسطين وفي روسيا ، وحتى في بلدان تبدو مستقرة بعيدة عن الصراعات ؟ "
وطالب مؤكدا :
ـ " نحن بحاجة الى جبهة تضامن عالمية ، فاعلة وشديدة التأثير تجعل المثقف يشعر بأن هناك من يقف الى جانبه ويحميه حتى لا يواجه مصيره في زاوية شارع او مصعد عمارة دون ان يكثرث احد لموته " .