| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

 

الاثنين 7 / 5 / 2007

 


الظهير

الحلقة الثانية
اخبار البريد الاعمى


علي عرمش شوكت

الظلام مكروه، ولايحبه احد ولايتميز بشيئ ايجابي سوى كونه يساوي بين الالوان ،وفي الحالة التي يمر بها( حميد ) قد تكون ثمة حاجة به ، كالدواء المر الذي يضطر المرء لتجرعه بغية التخلص من علة ما امر منه .
كانت معظم اللقاءات تتم ليلا لكون عتمته تساعد على الحركة ، وان
كان ليل بغداد يظل باهرا الا ان الضواحي تبقى مظلمة وبخاصة الاحياء الفقيرة منها ، كان هنالك مكان ( البريد الاعمى ) الذي يتعامل معه حميد اسبوعيا ، حيث يرسل ما لديه الى الحزب ويستلم في ذات الوقت ما يرسل له من توجيهات واخبار جديدة من مرجعه الحزبي ، ترك مظروفا واستلم مثيله وكأنه استلم قسطا جديدا من الحياة ، كان حميد على استعداد لدفع نصف عمره في سبيل استلام ذلك المظروف ، فهو بالنسبة له بمثابة ( حبل السرة ) بينه وبين الحزب ، حيث لاصلات مباشرة ومتقاربة بسبب صعوبة الظروف والهجوم الشرس الذي تشنه اجهزة النظام القمعية وكذلك تنظيمات حزب البعث وما يسمى بالجيش الشعبي .
اخبار هذا الاسبوع كانت سيئة للغاية .في البداية تؤكد على تطبيق التوجيهات في عملية ربط الصلات الجديدة ، وفي السياسة لاتغيير في مواقف الحزب المعلنة ، طالت الاعتقالات العديد من كوادر واعضاء واصدقاء الحزب ، استشهد الرفيق( محمود مطر) عضو محلية مدينة الثورة في بغداد كما استشهد الرفيق ( محمود عسكر ) عضو منظمة مدينة الشعلة في الكاظمية ، كما تأكد استشهاد الرفيق الشاب كريم حميد شلتاغ من تنظيمات الطلبة في الكرخ ، العدو يحاول الاختراخ بكل الوسائل ، احذروا من الاشخاص التالية اسماؤهم (........ ) ، تلافوا مخاطر عمليات الجرد التي تقوم بها منظمات حزب البعث في المناطق السكنية ، قدموا مساعدات مالية قدر الامكان الى عوائل الشهداء والى الرفاق المطاردين وعوائل المعتقلين ، وفروا اماكن سكن امنة ، في اليوم التالي وزعت التوجيهات وتسربت حتى بين الرفاق المعتقلين .
مدينة الكاظمية ، عرفت في كل تأريخها القديم والحديث بانها اول من
يصيب ابناؤها الظلم من جراء اي طغيان يحل بالبلاد ، فاليوم لا يختلف عن الامس فقد بات ابناؤها مطلوبين في الغالب من قبل اجهزة الامن ، والتهم جاهزة ، فاما ان يكونوا شيوعيين او من حزب الدعوة ، وسط هذه الظروف الصعبة جاء حميد الى المدينة متنكرا ، فهي مسقط رأسه ويعرفه اغلب اهلها ، اللقاء صعب التحقيق فهو متنكر، كما ان المكان يزدحم بالزائرين للامامين الكاظمين .. باب القبلة تعود بذاكرته الى عام 1968 حيث كان هنا يتم اللقاء بالرفيق الشهيد محمد الخضري الذي كان يقود محلية الكاظمية ويصر على اللقاء في هذا المكان ، اي باب القبلة ، اذ يحس عندما يدخل الى صحن مرقد الاممين بشيئ من الامان ، وذلك لانعدام عيون الجواسيس هناك ، كان ذلك في زمن عارف ، الا ان الوضع قد تغير الان تماما ، فقد زرع البعثيون جواسيسهم حتى حول الضريح .
وسط زحمة الزائرين الذين يدخلون ويخرجون افواجا من باب القبلة وجد حميد رفيقه بصعوبة ، ففي لوحة الحركة هذه تغيب الى حد ما القدرة على الفرز ، فالداخلون تبهرهم المنائر والقبب الذهبية فضلا عن الرهبة المقدسة لديهم ، والخارجون يهتمون باداء التحية الاخيرة على عتبة الباب ، كما ان اختلاط روائح البخور التي تنبعث من الزائرات الريفيات بروائح الشواء التي تهب من مطاعم الكباب المقابلة للباب التي هي الاخرى تأخذ من المرء حيزا من الانتباه او الدقة في التشخيص خصوصا اذ ما كانت المعدة خالية ، ولكن هنا ايضا بدأت احدى المهام الصعبة ، ففي يوم خريفي من ايام عام 1967 التقى بالرفيق (عبد الخالق زنكنة ) في احد هذه المطاعم حيث نشطا بحماس لجمع شمل تنظيمات محلية الكاظمية ابان انشقاق عام 1967 الذي حصل في الحزب .
خطوات قصيرة بسبب الزحام نحو صحن( الضريح ) ، حديث هامس حول وجهة المسير ، بأتجاه الباب الخلفي الذي يفضي الى محلة – البوحية – ولكنهما ما ان اقتربا من تلك الباب حتى شاهدا معركة تدور رحاها بين رجال الامن وبعض ( السادة ) من سدنة المرقد ، لم يتسن لهما معرفة التفاصيل فعادا نحو (باب المراد) ، تواصل الحديث حول التوجيهات الاخيرة وتكثيف السرية في العمل ، وعدم اغفال اية امكانية محسوبة للنشاط التعبوي العلني وذلك بتحريك الاصدقاء غير المكشوفين وبخاصة الشباب والنساء الذين يشكلون (الظهير) الجديد في هذه الظروف ، كان حميد يفضل الخروج مع زحمة الزائرين من باب المراد الا ان بائع الماء ( المسبلجي ) الح عليهما – ان يسقيا امواتهما – حسب تعبيره في مثل هذا اليوم بخمسين فلسا فقط ، فجاءت الاستجابة للبائع وشرب الماء كفرصة مناسبة للخروج مع الزحمة ، وبعد خطوتين اوثلاث من عتبة الباب توجه نحوهما رجل شبيه بجذع اجرد يرتدي ( دشداشة ) ضيقة ورأسه ملفوف ب( يشماغ ) – كوفية – اختفت الوانها بسبب الاوساخ المتراكمة عليها وينتعل نصب نعال تقريبا ، امسك بتلابيب حميد قائلا ( وابو الحسنين انت الشاهد وغيرك لا على ما اسويه اليوم بهذه السيارات- وكان يقصد السيارات المتوقفة على الرصيف بجانب باب المراد-.. ساحرقها واسوي لاصحابها عبرة لانهم لايقدرون اهمية هذا الامام الفحل (ابو الجوادين ) فتدخل الرفيق عباس لابعاد ذلك الرجل المخبول عن حميد وكذلك كان حميد يحاول التخلص منه بكل ما اوتي من قوة لان ذلك الاشتباك قد يعرضه الى الكشف عن هويته ، ولكن ذلك الرجل كان يمتلك قوة غير عادية ، فتعالت الصيحات من المارة وتدخلت عدة ايادي خيرة لابعاده ولم ينته ذلك الاشتباك الا بعد تدخل شرطة النجدة التي سارعت الى المكان والقبض على المجنون ، بعدها استطلع حميد ما حوله فلم يجد الا سوق الاستربادي المزدحم عادة لتلافي اية مخاطر او مضايقات اخرى ، ومنه الى محلة (الامباريين ) وخلال سيرهما اكد الرفيق عباس استشهاد الرفيق محمود عسكر عضو منظمة الشعلة للحزب والبحث جاري عن الرفيق قاسم موزان الذي استشهد لاحقا وهوعضو منظمة الشعلة ايضا .
انتهى اللقاء بافتراقهما قرب ساحة الزهراء ( الشوصة ) ، توجه حميد الى
الكرخ حيث التواصل غيرالمباشر مع الشخصية الاجتماعية الرفيق الشهيد حميد شلتاغ الذي صار مرجعا للمقطوعين من الحزب وخصوصا الذين يأتون من المحفظات الجنوبية وكذلك مع مراسل تنظيم الكرخ ،اللقاء تم في بيت في منطقة الكراة قرب الجسر الجمهوري يقع بين دارين لمسؤولين كبيرين في حزب البعث ، والبيت لاحد المناضلين من حركة القوميين العرب الذي وضع بيته وسيارته تحت تصرف الحزب من خلال احد الرفاق الذي تربطه به زمالة وصداقة طويلة ، ومن المفارقات الاخرى ان احدى الرسائل ضمن البريد الحزبي قد كتبتها احدى الرفيقات لتخبر الحزب بأن زوجها قد جاء برجل وزوجته واخفاهما في بيتهما وعندما سألته عنهما قال لها انهما مطلوبان للاعدام من قبل السلطة حيث انهما من حزب الدعوة ، والرجل هو صديقه وزميله وابن محلته منذ ايام الصبا ، كانت تلك الرفيقة تطلب من الحزب تحذير زوجها من خطورة ذلك التصرف ، وقد كتب لها حميد رسالة على الفور يحذرها من الثرثرة حول هذا الموضوع ، والا تتصرف خطأ ، وان تعتبر هؤلاء اخوة ورفاق لنا في المصيبة الواحدة ، وان تبذل قصارى جهدها لرعايتهما والحفاظ عليهما في بيتها بالرغم من ان الحزب بحاجة ماسة الى البيت ، باعتباره غير مكشوف لاجهزة الامن ، كانت تلك الرفيقة زوجة احدالرفاق الذين عملهم متنقل بين المحافظات، ولهذا كان بصلة فردية مما جعله يحتفظ بقدر كبير من السرية وبذلك اصبح عنصر فعال في نشاط (الظهير) .

يتبع

¤ الحلقة الأولى