| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الخميس 12/3/ 2009

 

بوش الابن ونهج الحرب الباردة؛ أوباما ونهج التصالح مع العالم
[2-2]

كاظم حبيب

أوباما ونهج التصالح والتفاعل مع العالم
وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض بفعل عاملين أساسيين, وهما:
عامل داخلي ارتبط بتلك السياسات غير العقلانية التي مارسها بوش وحزبه الجمهوري خلال الأعوام الثمانية المنصرمة والعواقب التي ترتبت عن تلك السياسيات وتفجر الأزمة المالية والاقتصادية وتفاقم البطالة والفقر التي هيأت أجواء التغيير المنشود من جهة, كما لعب باراك أوباما وحزبه والاتجاهات السياسية الجديدة التي طرحها ووسائل وأساليب الإعلام التي مارسها مع المجموعة المرافقة له في الحملة الانتخابية ورفعه شعار "التغيير" الذي وجد تأييداً وهوى كبيرين وواسعين لدى الشعب الأمريكي, وخاصة في صفوف الشبيبة والنساء من جهة أخرى, في وصول أوباما إلى البيت الأبيض وإلى تحسن كبير في مواقع الحزب الديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ.

عامل خارجي ارتبط برفض العالم, وخاصة الاتحاد الأوروبي لسياسات الولايات المتحدة التي مارسها بوش الابن والتي أدت إلى خلق أجواء شبيهة بأيام الحرب الباردة, وممارسة التهديد والعصا الغليظة والحروب الاستباقية, إضافة إلى تنفيذ سياسات العولمة غير العقلانية المنافية لمصالح شعوب الدول النامية التي مارسها كجزء من سياسات اللبرالية الجديدة والمحافظين الجدد وشاركت معه بقية الدول الرأسمالية المتقدمة (7+1).

بدأ أوباما, وفي آن واحد, معالجة القضايا الداخلية والقضايا الدولية. فبدأ بإجراءات عاجلة لتخفيف الأزمة وليس إلى مكافحتها, إذ لا سبيل إلى ذلك بسبب عمق الأزمة وسعتها وشدة الاختلالات المتراكمة وفي ظل النظام الرأسمالي العالمي والسياسات التي مورست حتى الآن, وخصص لذلك ما يقرب من تريليون دولار أمريكي. ولكن أوباما طرح نفسه في الحملة الانتخابية باعتباره مجدداً ومغيراً, وهو ما ينتظره منه الناخب الأمريكي. ويبدو أنه وبوضوح نسبي قد بدأ سلسلة من الإجراءات التي تعبر عن محاولة جادة للنظر في إمكانية إعادة النظر في توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي في ظل النظام الرأسمالي من خلال السياسات الضريبية ومجموعة من القوانين التي تحمي المنتج والمستهلك نسبياً. ويبدو هذا واضحاً حتى الآن بعدة إجراءات جوهرية, وهي:
1 . إعادة النظر بالنظام الضريبي بما يؤدي إلى رفع مستوى الضريبة المفروضة على الأغنياء والشركات من جهة والتخفيف عن كاهل دافع الضرائب الصغير والفقير.

2 . إصدار قرار بتأمين العناية الطبية والرعاية الصحية لأطفال العائلات الفقيرة والذي لم يكن موجوداً في السابق.

3 . وضع نظام جديد للضمان الاجتماعي والصحي في الولايات المتحدة الذي يمكن أن يقترب من تلك النظم المعمول بها في أغلب دول الاتحاد الأوروبي.

4 . يمكن أن يعود إلى الاستفادة من النظرية الكينزية لا في مواجهة الأزمة فحسب, بل وفي العملية الاقتصادية من خلال زيادة دور الدولة في النشاط الاقتصادي وفي الرقابة على البنوك والمؤسسات المالية.
إن هذه الإجراءات سوف لن تغير من طبيعة النظام الاقتصادي السائد في الولايات المتحدة, ولكنها ستساهم بهذا القدر أو ذاك التخفيف عن كاهل المنتجين والمستهلكين, وخاصة الفئات الكادحة والفقيرة.

وعلى الصعيد الدولي بدأ أوباما بعدة إجراءات كان الرأي العام العالمي يطالب بها ويسعى إليها, منها على سبيل المثال لا الحصر, البدء بعملية غلق معتقل غوانتنامو, تنظيم انسحاب القوات الأمريكية والدولية تدريجاً من العراق وبالحدود التي طرحها في حملته الانتخابية تقريباً, زيادة الجهد الموجه صوب أفغانستان من أجل منع انتقال شديد للقاعدة إلى باكستان, إعادة النظر بقرار إقامة شبكة الرادارات في التشيك والصواريخ المضادة في لولندا وبالتفاوض مع روسيا والعودة إلى اتفاقيات النزع التدريجي لأسلحة الدمار الشامل وتقليص المخزون منها والقواعد الصاروخية المنصوبة في العالم, كما يمكن أن تتخذ سياسات جديدة في مجال التجارة الدولية وحماية البيئة من التلوث ... الخ بخلاف سياسات بوش السابقة.

كما يبدو بأن الولايات المتحدة ستنتهج سياسة جديدة إزاء إيران وسوريا من خلال تنشيط التفاوض السياسي لمعالجة أزمة تخصيب اليورانيوم في إيران والسعي لإنتاج السلاح النووي لمعالجة الخلافات مع سوريا.
والأسئلة التي ستبقى قائماً أمامنا هي: كيف ستتعامل إيران مع التوجه الجديد للبيت الأبيض, وهل ستعود إلى طاولة المفاوضات أم أنها ستواصل استغلال الوقت للسير قدماً في برنامجها النووي. وهي المشكلة الأكبر في الشرق الأوسط بعد القضية الفلسطينية.

وإزاء هاتين القضيتين تبرزان مشكلات عديدة, منها على سبيل المثال لا الحصر:
- إلى ماذا ستنتهي الانتخابات القادمة في إيران, وهل سيفوز محمد خاتمي أم سيأتي محافظ متطرف مماثل لأحمدي نجاد, رغم بقاء خامنئي مرشداً لإيران, وهل لا يختلف في تطرفه عن أحمدي نجاد. هل ستواصل تخصيب اليورانيوم وتعمق عزلتها دولياً وتقود إلى عواقب وخيمة من خلال الضغط الإسرائيلي على الولايات المتحدة بشأن إيران؟ وهل ستكف إيران عن التدخل في الشأن العراقي, أم أنها ستواصل ذلك كما برز في تصريحات خامنئي ومطالبته العراق بإخراج القوات الأمريكية من العراق دون أي احترام لموقف العراق الذي وقع اتفاقية بهذا الشأن وفي طريق الانسحاب الفعلي المنظم للقوات الأمريكية من العراق؟

- كيف سيكون موقف الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية ومحافظة في الموقف من قضية السلاح النووي في إيران والموقف من حل الدولتين ومن بناء المستوطنات في الضفة الغربية وكذلك الموقف من إطلاق حماس وقوى أخرى للصواريخ على إسرائيل.

- كيف سيعمل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة إزاء هذه القضايا؟ وكيف سيكون الوضع في فلسطين ذاتها, وخاصة الصراع على السلطة والتدخل الإيراني المتفاقم في القضية الفلسطينية من خلال حماس وحزب الله على نحو خاص.

وفي كل الأحوال يمكن القول بأن التغيرات النسبية في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تقود إلى التهدئة على صعيد الشرق الأوسط والعالم, ولكن لا يمكن في كل الأحوال أن لا تؤخذ سياسات أوباما وحدها كمؤشر لما يمكن أن يحصل في العالم , إذ أن هناك الكثير من اللاعبين الآخرين الذين يمكنهم التأثير في الأحداث وإعاقة تحقيق نتائج إيجابية من سياسة المصالحة الأمريكية النسبية مع العالم, إذ ليس كل اللاعبين الآخرين , وكذلك في الولايات المتحدة, موافقون على تلك التغييرات المحتملة. وفي ما عدا ذلك فالصراعات في الولايات المتحدة يمكن أن تتخذ أسلوباً آخر أشبه بأسلوب الخلاص من جون كندي, وهو خطر يبقى ماثلاً في واشنطن ويمكن أن يقلب الأوضاع هناك باتجاه آخر.


12/3/2009


¤ بوش الابن ونهج الحرب الباردة؛ أوباما ونهج التصالح مع العالم (1-2)




 

 

free web counter