محمد علي الشبيبي
Alshibiby45@hotmail.com
الخميس 25/11/ 2010
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي
(1913 – 1996)محمد علي الشبيبي
مقدمة ألناشر
"الدرب الطويل" هذا عنوان القسم الثاني من "ذكريات معلم". ففي القسم الأول "معلم في القرية" تناول والدي حياته التعليمية في قرى الفرات الأوسط منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي، وكان حينها غير مرتبط بأي حزب أو تنظيم سياسي، وإنما كان يحمل فكراً وطنياً تحررياً متأثراً بما يحمله من تربية دينية متحررة.
كتب والدي في القسم السابق "معلم في القرية/السياسة والأدب" كيف كان يفكر قبل أن يتفتح فكره بانتمائه السياسي. فكتب (هكذا كنا نخوض السياسة بفهم خليط بين الطائفية والوطنية بل وحتى الإقليمية أحياناً. ونتعصب للملك وهو آلة أختارها الإنكليز، ووطنيته ليست أكثر من لافتة، يحافظ بواسطتها على تاجه، بين الذين جاؤا به لينفذ مطامعهم، وبين مطامح رعيته. هكذا كنا نعتقد إن مهدي المنتفكي ورستم حيدر شيعيان ووطنيان في آن واحد، ولا نفهم مركزهما الطبقي. ولم نفكر ما عوامل مجيئهما إلى الحكم وذهابهما عنه).
وفي "الدرب الطويل" يتناول والدي ذكرياته التعليمية بعد أن أرتبط تنظيمياً بالحزب الشيوعي العراقي، وأحدث هذا الارتباط في حياته وتفكيره تغييراً جذرياً. نعم أنه "الدرب الطويل"، فالطريق الذي سار عليه الوالد بعد ارتباطه التنظيمي طويل وشاق. كله أشواك، وتجوب فيه ضواري بشرية نهمة، لا تعرف حدودا للاكتفاء ولا أي معنى للإنسانية، وكل ما يهمها الدفاع عن مصالحها الطبقية الأنانية وزيادة أرباحها بمزيد من الاستغلال للطبقات الكادحة. ومن يختار هذا الطريق عليه أن يكون صبورا وشجاعاً، وأن تكون طاقته على التحمل ومقارعة الظلم والإصرار خيالية مع علم بالمصير - كما يقول -. ويشير والدي بكل تواضع إلى إمكانياته وقدرته، ويقارن ذلك بإمكانيات وقدرة شقيقه الشهيد حسين "صارم*" وفي موضوعة "أحلام اليقظة مع ذكريات عن بلدي" يكتب: (الحق إني غير أخي "صارم" ذلك الصلب العنود، الذي وضع رقبته على راحة يده. وهو يؤكد لي دائماً، إن الطريق طويـــل جداً يا علي إنه أطــول من "وادي الأحلام"!؟ ربما لا أستطيع تحديده لك مطلقاً. ربما لا يرى الفجر الذي ننتظره إلا أحفادك، أو بنوهم. أما نحن فمهمتنا أن نعبد الطريق - ما استطعنا - من أجلهم!. هي منه دعابة معي، فـ "وادي الأحلام" إحدى قصصي التي كنت أنحو بها منحى كتابات جبران الرمزية وقد نشرت في مجلة العرفان العدد .... صحيح إني أملك طاقة من الصبر ليست بالعادية، ولكن الذي أختلف فيه عن أخي الشهيد حسين "صارم" هو ليس الصبر وحده، انه الصبر والإصرار مع علم بالمصير!؟)
جذور الوالد الاجتماعية وتربيته العائلية وتأثره بالمواقف الوطنية لرجال العائلة من آل الشبيبي كالشيخ الكبير جواد الشبيبي وأبنائه العلامة الجليل محمد رضا الشبيبي وشاعر ثورة العشرين محمد باقر الشبيبي. إضافة إلى دور بعض الأساتذة في مدارس النجف من كان لهم دورا في نشر الوعي الوطني، أمثال: ذو النون أيوب، كامل القزانجي، وجعفر الخليلي وآخرون، تركت تأثيرها عليه، فكان يحمل في ذاته خامة أصيلة من الإخلاص والوطنية وخدمة شعبه بعيدا عن المنافع الذاتية والأنانية. ولهذا رفض مقترح عميد الأسرة "محمد رضا الشبيبي" للعمل كقاضي وفضل العمل في التعليم. فكتب: (كنت أنزع إلى أن أزج بنفسي في معترك الخدمة الأساسية، ضد الجهل الآفة المدمرة، التي تسبب العقم، وتحد من قابلية الأمة في مضمار التطور واللحاق بركب الأمم المتحررة من الجهل والمرض والفقر. وما أجد في وظيفة القضاء؟ غير أن أتورط في حكم باطل، في أمر طلاق! أو مسألة ميراث، أو مشاكل المتزوجين في حياتهم التي هي عمومها لم تبن على أساس الخيار، بل الاضطرار وأحياناً كثيرة الجبر والإكراه. /معلم في القرية/ مع المعلم).
لهذا كله كان المربي الراحل ينظر إلى التعليم باعتباره رسالة إنسانية سامية لمكافحة الأمية ونشر الوعي الوطني، فيكتب: (... معلم يحمل رسالة، يعرف أن أمامه العقبات الصعاب، والمخاطر التي قد تؤدي به إلى الهلاك. إنه يدرك إن الجهل عدو، له حلفاء يسندونه، هما المرض والفقر. فلا مناص إذن لهذا المعلم من التنبيه خلال عملية التعليم إلى هذين العدوين في حلفهم البغيض. المعلم الذي ينشئ أحراراً، لا ليصيروا له عبيداً، المعلم الذي يجعل الحرف مضيئاً ينير السبيل للسارين، لا ليؤلف كلمة ميتة، أو جملة خاوية لا معنى لها..... هذا هو المعلم الذي أعجبني أن أكونه، لا في المدرسة وعلى أسماع الصغار، بل في كل مجال تسمح به المناسبة./ معلم في القرية/ مع المعلم)
في هذا القسم "الدرب الطويل" يتحدث المربي الراحل عن بداية اكتشافه الطريق الصائب في تحقيق الاستقلال الوطني والتحرر الاقتصادي والقضاء على الاستغلال بكل أنواعه، ولماذا سار في هذا الدرب الوعر. فيكتب: (إني أكره الاستغلال. أحب أن أتحرر فكرياً. كم تمردت على بعض العادات. كم أطلقت لنفسي العنان في مجال اللهو. وتهربت من كثير من الالتزامات. كم شاركت بالحركات الوطنية، وأحببت أفكاراً خلتها هي السبيل الصائب إلى تحرير نفسي، وتحرير بلدي وأمتي. ولكن ما هي القاعدة الأساسية والعلمية إلى تلك المنطلقات؟/الدرب الطويل/ بداية الطريق). ويواصل الكتابة ليؤكد اهتدائه - عبر شقيقه الشهيد حسين "صارم" (*) - للإجابة على تساؤلاته لمعرفة الأسس والمنطلقات العلمية لتحرير البشرية من العبودية والاستغلال. فقد حدث تطور هام وحاسم في حياة شقيقه الشهيد حسين. أنعكس هذا التطور إيجابيا أيضا على فكر ومنهج والدي في الحياة التعليمية والاجتماعية.
في أيار/حزيران (1) من عام 1941 نشر الشهيد مجموعة من المقالات السياسية والاجتماعية في مجلة "المجلة" لصاحبها ذو النون أيوب. وقد أعجبت هذه المقالات هيأة تحرير مجلة "المجلة" ووجدت في الشهيد حسين وكتاباته وعياً طبقياً فطرياً، وقدرة جيدة على التحليل، إضافة لتمتعه بصلابة واستعداد للتضحية. وبناء على هذا التشخيص استدعته هيأة تحرير مجلة "المجلة" لمقابلتها. واعتقد أن هذا الاستدعاء حدث في تموز/آب (1) 1941. وسافر الشهيد لمقابلة هيأة تحرير "المجلة"، وهناك ولأول مرة قابل الشهيد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي "فهد " (*) . فيكتب والدي واصفا مشاعر شقيقه حسين بعد عودته من أول لقاء بالشهيد الخالد "فهد": (عاد بعدها وعلى وجهه شعاع مبهج، وبين جوانحه عزم يكاد يطير به. أسرّ إليّ أمراً. علمت أن "المجلة" لسان فئة نذرت نفسها لتحرير الفكر، وتحرير الوطن. إنها تنهج في سلوكها منهجاً علمياً. وفق أحدث نظرية أثبتت علمياً إنها هي ولا غيرها الطريق إلى تحرير الإنسانية من العبودية بكل أشكالها./ الدرب الطويل/ بداية الطريق)
وهكذا بدأ والدي، في بداية النصف الثاني (1) من عام 1941، عبر شقيقه الشهيد حسين العمل التنظيمي في صفوف الحزب الشيوعي العراقي. وقد صادف بداية انتظامه فترة الحرب العالمية الثانية وتأثيراتها على الطبقات الفقيرة والمسحوقة وما سببته من ارتفاع الأسعار وانتشار الفساد الإداري والمالي وانعكاسه على الشعب. وكان من باكورة نضالهم في مدينة النجف المبادرة لكشف الفساد، والمفسدين من المسؤولين الإداريين. مما سبب نقمة السلطات السياسية عليهم ومحاربتهم من خلال النقل الإداري والفصل والاعتقال.
كان لانتمائه للحزب الشيوعي تأثيره الايجابي في طريقة تفكير الوالد في إداء رسالته التعليمية، فيكتب : (الواقع إني غيرت كثيراً من نظراتي في مواد دروس العربية، في الأمثلة، ومواضيع النحو، في الإنشاء، والمحفوظات. سخرتها جميعاً لبث الوعي، ولكن بحكمة، وأسلوب لا يثير./الدرب الطويل/ مدرستي)
وبحكم جذور الوالد الدينية، حيث كانت دراسته ذات أساس ديني، كما خطط له والده، نجده دائم الاستشهاد والمقارنة بآيات قرآنية أو أحاديث شريفة. فهو ينتقد بشدة المفاهيم الخاطئة لدى بعض المتشددين الروحانيين، ويفضح التناقضات الصارخة في سلوكيات البعض. كما يفضح أساليب التضليل وتخدير المجتمع من قبل المسيطرين على المؤسسة الدينية من رجعيين ومتخلفين، من خلال نشرهم المفاهيم والمقولات المخدرة فيكتب (كان الوعاظ يعينون الطبقات المتنفذة، بما يبثونه من فكرة بين أوساط الكادحين والمستغَلين، كقولهم: "الفقراء عيالي والأغنياء وكلائي. وخير وكلائي أبرّهم بعيالي!"/الدرب الطويل/ بداية الطريق)
خلال تنقله بين مختلف المدارس المنتشرة في مناطق الفرات الأوسط، واحتكاكه بمعلمين بمختلف المستويات والانحدارات الاجتماعية والقومية والمذهبية، تعرف من خلال ذلك على الأفكار الطائفية والقومية المتطرفة وتأثيرها على الوحدة الوطنية والوعي الوطني، فاكتشف في الفكر الاشتراكي العلمي العلاج الوحيد والأنجع لمرض الطائفية والتطرف القومي. لذلك لم يكن تبنيه للفكر الثوري عبثياً أو مزاجيا وإنما عن قناعة مطلقة بصواب هذا الفكر، فكتب: (وإذا اختَرتُ طريق الاشتراكية العلمية، فذلك لأني أدرك أن رجال المال من أية قومية، عرباً أو فرساً أو أكراداً إلى آخره، هم الذين عملوا ويعملون لإثارة النعرات القومية والطائفية ليلهوا الجماهير عن معرفة أسباب بؤسهم وشقائهم. ليبقوهم عبيداً يشيدون الجنان ويوفرون بكدحهم كل أسباب الرفاه لأولئك الأسياد./ الدرب الطويل/ المعلم النطاح)
ويتحدث الراحل باختصار عن نشاطه الحزبي الذي استمر فقط لست سنوات تقريبا (1941- 1947). ساهم خلالها مع بعض رفاقه وبأشراف شقيقه "حسين" على وضع الأساس المتين في بناء وتطوير تنظيم الحزب في النجف. فبعد أن تخلى بهدوء عن قيادة المحلية المعلم إسماعيل الجواهري، أصبح الراحل مسؤولا عن محلية النجف منذ أواخر عام 1943. كما ساهم بحضور الكونفرنس الحزبي الأول ومؤتمر الحزب الأول. للأسف يتجنب الوالد الحديث عن هذه الأحداث المهمة بالتفصيل، وذلك خوفا من وقوع مخطوطته بيد أجهزة الأمن في العهد الملكي والعهود التي تلته، إضافة إلى ضياع الكثير من مدوناته المهمة بسبب سوء الأوضاع السياسية، كما هو يشير إلى ذلك.
ولا يتهرب الوالد من الحديث عن الصراع الذاتي الذي عاشه قبل أن يتخلى عن العمل الحزبي المنظم. ففي موضوعة "أتق شر من أحسنت إليه" يكتب بشجاعة وصراحة نادرة: (أحس في نفسي صراعاً حاداً، هل أستمر، أم أضع للأمر حداً؟ .... إني في صراع عنيف مع نفسي، أشعر بضعف ينتابني، بل يسيطر عليّ. ومن الخير أن أتنحى كيلا أخسر شرف الكلمة، وأجني على سواي، بلطمة من شرطي، أو تعذيب في ضربات خيزرانته فينهار بناء، وأكون مثلا ولطخة عار). ويواصل الكتابة ليثبت تأريخ أعتزاله العمل الحزبي، ورفضه طلب مرجعه الحزبي "مالك سيف" للانتقال إلى جانبه للعمل الحزبي في بغداد وإصراره على قرار التنحي من المسؤولية والحزب، فيكتب (وأجبت، أصر على ذلك . كان ذلك في 12/10/1947، ولم ألتحق بعد هذا بأي جماعة).
ويؤكد الراحل بألم من خلال كتاباته عما أصابه من إجحاف وتشويه من قبل أحد أصدقائه بعد أن ترك المسؤولية الحزبية لهذا الصديق. لذلك يكتب عن هذا ببعض التفصيل والألم. وهي قصص كنت أسمعها من الوالد والوالدة عن موقف هذا الصديق. فكتب ما يلي: (لم أكن مطلقاً أفكر بأي احتمال، فقد ألقيت عن عاتقي عبئ كل مسؤولية، وطلقت العمل الحزبي، وخرجت من العهدة، دون أن أكون آثماً بحق أحد، وعلى علم من صديقي "م" والذي ألتزم المسؤولية بعدي! أليس هو رفيق الشباب، وأيام جامع الهندي، وأندية النجف الأدبية. ومنه تعرفت على المجلات التي تعني بالفكر التقدمي!؟/ الدرب الطويل/ ليد القدر).
ويؤكد المربي الراحل دائما أن السبب الذي دفعه لاعتزال العمل الحزبي شعوره وتقديره بأنه غير قادر على تحمل تبعات ومسؤوليات العمل الحزبي، والتوفيق بين مسؤولياته الحزبية وواجباته العائلية. لكنه يشير في أكثر من مرة في مذكراته، أن تركه للعمل الحزبي لم يعفيه من هذه التبعات والمسؤوليات ولم يبعده عن النضال بصلابة من أجل القضية الوطنية. واستمرت الأجهزة الأمنية دائما بالتعامل معه وكأنه أحد قادة المنظمات الحزبية، وأحياناً يرون في سلوكه وعلاقاته الاجتماعية أكثر خطورة من أي مسؤول حزبي!؟
وبالرغم من اعتزاله العمل الحزبي منذ أواخر تشرن أول 1947، لكنه يصر على مواصلة النضال والإخلاص لرسالته التعليمية السامية كما آمن بها. فيكتب رسالة لصديقه ورفيقه السابق "جواد كاظم شبيل" جاء فيها: (... ولكني أفهم إني واحد من ملايين في بلادي تكرع كؤوس الشقاء. وعلينا أن نواصل المسير في توعية الذين يبنون الحياة بسواعدهم./ الدرب الطويل/ رسالة إلى الكبائش). وبقي الراحل مخلصا لمفاهيمه التربوية والوطنية إلى آخر أيامه. لذلك فإن الأجهزة الأمنية في كل العهود كانت تضايقه وتضعه في رأس قوائمها وتنشر حوله هالة من المسؤولية الحزبية لتبرر ملاحقاتها ومضايقاتها له!.
في بعض الأحداث تطرق الراحل لبعض الشخصيات فتجنب ذكر أسمائهم الصريحة، وأحيانا كان يشير إليها بالحرف الأول، ومرات أخرى يشير إلى الاسم بنقاط -فراغ- لكنه يذكر الاسم كاملا في هوامشه. فكتب في أحد هوامشه تحت عنوان "مدرستي": (لم أصرح بأسماء بعض الذين أذكر عنهم شيئاً، خصوصاً إذا كان ما فعلوه غير مستساغ، فقد انتهت حياة أكثرهم. المهم ذكر ما فعلوه، ولهم الرحمة). لذلك وجدت أن التزم بما انتهجه الوالد في تجنب ذكر بعض الأسماء.
* * * *
(1) لابد من التأكيد من أن ارتباط الشهيد حسين "صارم" بالحزب وبالتحديد بسكرتير الحزب "فهد" كان في أواسط عام 1941. وللأسف لم يشر والدي في ذكرياته مباشرة في أي شهر بدأت هذه العلاقة. ولكن من خلال ربط وتسلسل تأريخ بعض الأحداث التي ذكرها الوالد يمكنني أن أجزم، أن الأشهر المثبتة هي الأقرب إلى الصواب والدقة.
(*) "صارم" الاسم الحزبي للشهيد الخالد عضو المكتب السياسي حسين الشيخ محمد الشبيبي. و"فهد" الاسم الحزبي لمؤسس وسكرتير الحزب الشيوعي العراقي الشهيد الخالد يوسف سلمان يوسف. و "حازم" الاسم الحزبي للشهيد الخالد عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي زكي محمد بسيم.
ألناشر
محمد علي الشبيبي
السويد 06/11/2010
alshibiby45@hotmail.com
2 - الدرب الطويل
(5)
بدايات تبشر بالنهايات
إني أتفاءل. كل حدث جديد يبشر إن ميزان الحرب بدأت كفته تشير إن هزيمة الفاشية باتت أكيدة، قريبة جداً أو بعيدة قليلاً. حتى أنا نفسي شملني شيء من هذه التغيرات. فقد صدر أمر ترفيعي. وأعتزل مسؤول اللجنة المحلية "المعلم إسماعيل ألجواهري" العمل بحجة إن صحته لا تساعده على تحمل المسؤولية. وقد كان شاباً ذا ثقافة عالية، ويتصف بالتعقل والهدوء ومرحاً حاضر النكتة، واختارني خلفاً له.
وتوالت الأنباء في محطات الإذاعات العالمية، والصحف تذيع ما يبشر بالنصر على الفاشية. فجنرالات الألمان حاولوا قذف مقر هتلر بقنابل يدوية، ولم يفلحوا فاعدموا. وتم أنزال القوات الأمريكية والبريطانية والبولونية جنوب فرنسا بقوات مظلية هائلة، ولم يلاقوا مقاومة. وثار فنسيوفيشي على الألمان. وانسحبت رومانيا من الحرب ضد السوفيت، وقبلت شروط الصلح، التي من ضمنها إعلان الحرب على ألمانيا.
والمجر أيضاً انسحبت من الحرب. وبدأت المحادثات بين تشرشل وستالين وسفير أمريكة عن عدة قضايا "بولونيا والبلقان". وانتهت المحادثات في موسكو باتفاق تام. وكانت الرجعية عندنا تتوقع فشل المحادثات وتوسع الخلاف.
في ظروف الحرب هذه يعاني الكادحون والعاطلون وصغار الموظفون مصاعب. فدخول الكادحين، وصغار الموظفين لا تفي بأقل ما يلزم للعيش الضروري، الذين يشتغلون بالوظائف الإدارية كثير منهم وجد له طريقا يسعف به نفسه وان كانت تلك الطرق قد تسبب البلاء. بينما لجأ بعض المعلمين بعد الدوام للبيع والشراء. أما الذين لا قدرة لهم على شيء من ذلك أمثالي –وهم كثيرون- فقد يستبشرون بالترفيع وهو ليس أكثر من دينارين.
وفيما نحن في غمرة العمل، نتدارس مابين أيدينا من النظام الداخلي والمنهاج لحزب الشعب، بمرح ونشاط وكأننا لم نعان مصاعب العيش وأعباء تكاليف العائلة، وتربية أطفالنا، وما تقتضيه الوظيفة من واجبات والتزامات، نسمع إن صاحب جريدة "طريق الشعب" قد أنسحب من حزب الشعب وانفرد بالجريدة، بعد عودته من لندن! طريق الشعب صدرت بتأريخ 3/8/1944، باسم صاحبها المحامي يحيى قاسم. لكنها كانت في الواقع معدة لتكون الجريدة الناطقة باسم "حزب الشعب". ويحيى قاسم أحد الذين وقعوا طلب تأسيس الحزب. وقد دعي مع بعض الصحفيين إلى لندن وحين أجيز الحزب رفض تحويل الجريدة باسم الحزب كما انسحب. قالوا إنها خمرة لندن؟!
مازلت أحلم، وأنا بين الفخر الذي يدفعني باعتزاز إلى المزيد من النشاط. وبين الخوف أحياناً، كيف أخذت بعد حضوري كونفرنس الحزب الأول، الذي انعقد في آذار 1944 أمارس كثير من الأعمال دون تعب ودون تفكير بالخوف. فكثير ما أعود من بغداد حاملاً رزمة كبيرة من نسخ الجريدة والبيانات التي يصدرها الحزب. أجل مازلت أحلم وأشعر بنشوة لذيذة جداً حين حضرت لأول مرة اجتماعا محرماً في نظر الحكم القائم، ولو داهمتنا فيه شرطة التحقيقات لانتهى أمري إلى زاوية في سجن حقير!
أنعقد الكونفرنس في دار سائق القاطرة علي شكر، أحد عمال السكك في محلة الشيخ عمر، وكنا نتناوب الحراسة خلف الباب من الداخل، ويستضئ المجتمعون بضوء خافت. وألقى فهد تقريراً تناول الوضع الداخلي والنفوذ الأجنبي، وموقف الحكومة العدائي من القوى التقدمية. وذكر مطالب الشعب، إنهاء الحرب بالنصر على جيوش العدوان الفاشي، تحقيق الاستقلال، والتخفيف من الضائقة الاقتصادية وجشع المحتكرين.
عام جديد
نهاية عام 1944 كانت النذير والبشير. نذيراً لقطعان النازية بالهزيمة المنكرة، وبشيراً لانتهاء هذه الحرب التي كانت آفة ابتلعت أعمار الشباب، وزلزال مرعبة انهارت فيها ألوف المساكن، وقبر تحت أنقاضها ساكنوها الأبرياء من شيوخ ونساء وأطفال. وما يدرينا لعلها في الختام تميت في اللحظات الأخيرة أضعاف ما أماتت في ميادينها، وتهدم من المساكن وتمحو ساكنيها معها، وكأن إله الحرب يشعر بالاختناق، فيقوم بهجمته الأخيرة انتقاما من البشرية التي ترقب يوم النصر والسلام. أحقاً إن يوم النصر قريب؟! وإذا رفرفت راية النصر، هل سيلف الكرة الأرضية سلام وأمن دائم!؟
لا أعتقد! ولا أعتقد إن أحداً من الناس بعد الفجائع والكوارث التي حلت بالعالم، ظل يؤمن أننا سننعم بسلام وأمن دائمين والى الأبد. لن يكن هذا مادامت على الأرض عروش، وحكومات هي في حقيقتها آلات طوع أطماع الرأسماليين. الرأسمالية هذا الغول الوحش الذي ولد الاستعمار. ألم تنفجر الحرب لأن ألمانيا الهتلرية ترى نفسها أولى باستعباد العالم حسب قوانين النازية ونظرية الدم الجرماني الأزرق النقي، وطبقاً لمواصفات فيلسوفها نيتشه، وان كان الواقع إن هذه الادعاءات مبررات ومحض أخلاق، إنها أطماع أرباب الرأسمال. والذين حين هبوا لصد عدوان ألمانيا إنما كانوا يدافعون عن مصالحهم في الأمم التي استعمروها، وسيطروا على كل مواردها وخيراتها.
هؤلاء المدعون إنهم يصدون عدواً شرساً للبشرية جمعاء. متى عرفناهم؟ أليس في حرب أيضاً؟ حين انفجرت عام 1914 ليقتسموا ممتلكات الرجل المريض "الإمبراطورية العثمانية". لقد داهموا بلادنا ليطردوا الرجل المريض، ولكنهم رفضوا الخروج وأبوا إلا أن يحلوا محله، فكانوا في الحقيقة فاتحين لا محررين. وهم كاستعماريين اعتمدوا على جواسيسهم من ذوي الدراية الذين كانوا أيضاً على قدر كبير من العبقرية والدرجة العلمية، أمثال لورنس وفيليبي.
لورنس وفيليبي جاسوسان بريطانيان، كان لورنس يدعى الملك غير المتوج. وقد لعب دوراً هاماً في البلاد العربية من أجل القضاء على حكم العثمانيين فيها، فكان يبدو كصديق لفيصل الأول، لكنه حقق مطامح بريطانية بالنتيجة، لا من أجل الشريف حسين وأبناؤه، الذين أكتفوا أن ينعم عليهم الإنكليز بعرش العراق، وأمارة الأردن، ووزعوا هم البلاد العربية بينهم وبين فرنسا. ومات أبوهم في منفاه في قبرص.
استطاعا " لورنس وفيليبي" أن يحولا شيوخ القبائل إلى أصدقاء مخلصين، بعد أن عرفوهم في ثورة العشرين مقاومين أشداء. ثم بحكم سيطرتهم على بلادنا خلف واجهة أسمها "الحكم الوطني" قدموا لأولئك الذين كان أسمهم مجاهدين ومدافعين عن الوطن والدين وتحت راية المجتهدين من رجال الدين، قدموا لهم الأرض التي كانت تجمعهم بأفراد القبيلة أخوة يتقاسمون الخير والشر، وطمأنوهم على ما غنموه فيما شرعوا من قوانين منحتهم امتيازات تحمي مصالحهم وترفع مكانتهم، فتحول إخوانهم بالأمس إلى أقنان، وخدم، وفدائيين، وتبدلت أخلاقهم الإسلامية والعربية النبيلة.
هجروا مضايفهم في الأرياف ، وألفوا العيش في بغداد، للسهر مع المبتذلات، وموائد القمار، وقرع الكؤوس، ومع ذلك فان كل ما يصل لأيديهم من مال من حاصل المزارع، كأنما يتبخر، فيسارعون إلى تجار الحبوب ليستلفوا منهم بما يسمى "على الأخضر". وكان هذا الأسلوب من الربا كالمستنقع لا يرفع الساقط فيه رجلاً حتى تغوص الثانية فيه إلى الأعمق.
كانوا يتملقون رجال الحكم الذين يتداولون رئاسة الوزارات. ولعل انقسامهم كتلاً، كل كتلة وراء رئيس كان من عمل الإنكليز وخططهم. وقد ادخروهم ليوم يحتاجونهم لأشغال الناس بالانتفاضات التي يثيرونها ليسقطوا وزارة ويأتوا بأخرى، وليمت العشرات من الفلاحين الذين يدفعون بهم في تلك المغامرات، أو في النزاع على حدود أراضيهم الزراعية، أو مياه السقي.
حتى المدارس الابتدائية، كانوا لا يطالبون بفتحها في قراهم إلا إذا كان لهم ولإخوانهم وسراكيلهم عدد من الأولاد، أما إذا كان العدد قليلاً فإنهم يرسلونهم إلى المدن القريبة، وإذا أنتفت حاجتهم إلى وجود المدرسة أغلقوها. ونصيب أبناء الفلاحين من التعليم ضئيل لأنه طبقاً لرغبة رئيس القرية، من جهة ولأن آباءهم لا يقدرون على كفاية أبنائهم بما تتطلبه المدرسة من لوازمها من كتب ودفاتر وملبس من جهة ثانية، ولأنهم أيضاً يستخدمونهم كمساعدين في الأعمال الزراعية ورعي الحيوانات.
إلى هذا يشير شاعرنا الكبير محمد مهدي ألجواهري. بقوله:
وكانت طباع في العشائر ترتجى لقد بدلت حتى طبــاع العشـــــائر
ليس هذا حسب، فان سكان المدن أيضاً، الذين شاركوا في ثورة العشرين أنحاز أغلبهم إلى العهد الملكي وتوزعوا وراء القيادات الرجعية، خلف نوري السعيد وصالح جبر. والأحزاب التي في حقيقتها برجوازية رغم شعورها الوطني، واتجاهها القومي فإنها طالما تنخدع، وتتخاذل، فتساهم في التشكيلات الوزارية مع عميل الاستعمار الأكبر نوري السعيد، أو تجمد نشاطها حين تشتد ضربات الحكم الملكي ضد الفئات التقدمية والجماهير المؤيدة لنداءاتها. وقد تطلق أحياناً تصريحات ضد الحزب الشيوعي ، وكأنها لا تعلم إن ذلك مساندة لمرامي الاستعمار، إن اضطهاد الشيوعيين والدعوة ضد الشيوعية في مقصد الاستعمار طريق للقضاء على كل العناصر الوطنية التي تكره الاستعمار، وتعمل على إسقاط الحكم الملكي باعتباره ركيزة الاستعمار حالياً.
كثير من هذه التصريحات صدر عن بعض الشخصيات السياسية، ولكنها تعاونت معه بعد هذا. من هؤلاء، محمد مهدي كبه. إذ قدم مذكرة إلى نوري السعيد شاجباً تدابير الإرهاب، لأن الشيوعية تنمو في أجواء الاضطهاد والفوضى، إنها عقيدة يجب أن تقاوم بعقيدة، ونظام اقتصادي يجب أن تقاوم بنظام اقتصادي مثله، وتنظيم يجب أن تقاوم بتنظيم، وأقترح ميثاقاً كانت المادة 7 منه مكافحة الشيوعية!
في مدينتي هنا، تناسى كثير من زعماء البلد جهادهم بالأمس ضد الإنكليز، وأتبعوا خطوات الشيطان "نوري السعيد". فقد كان معظم رؤساء أطراف النجف ووجهائه من التجار والموسرين إلى جانبه، بينما كان بعض رجال الدين ممن كان مشاركاً في ثورة العشرين يساند الهاشمي، وفي الحقيقة مساند للحكم الملكي. وقد كان نوري يجد منهم أخلاصاً حتى انه كان أثناء جولات رجالات حزب جعفر أبي ألتمن والديمقراطي الوطني، لحث مواطني النجف من مؤيديهم وتوعيتهم بالتزام النهج التحرري للقضايا الوطنية، جاء متخفياً يترصد حركاتهم، ويحشد أعوانه وأتباعه لجلب أخبارهم وتخذيل المواطنين عن سماع ما يقولون. وقد أقام في دار الوجيه الثري المعروف محسن شلاش.
وبعض رجال الدين أيضاً شاركوا أولئك ولكن بأسلوب وسطي، ثم بعض الشباب الذي أنحدر من الطبقات المعدمة لم يتخلف عن مماشات ركب العملاء وبذا توصل إلى المناصب العليا في الدولة. فقد قيل، إن عدد الذين استوزروا من الشباب بعد أن كانوا موظفين بلغ عددهم من أول وصاية عبد الإله إلى حين تولي الملك فيصل الثاني السلطة 51 وزيراً جديداً في 25 وزارة. فلا يكون إذن عجب وغرابة إذا أنظم أبناء الأرستقراطيين قبل أولئك، رغم إن آباءهم بدوافع دينية قد قاوموا الاستعماريين الكفرة -كما كانوا يعبرون-. وكيفما يكون من أمر فان ما بعد الحرب لن يكون حلاً لمشاكلنا، بل ربما تعقدت أكثر فأكثر.
لقد تفاءل البعض حين سمع بإلغاء "جمعية أخوان الحرية". ولعل البعض أحسن الظن بالإنكليز لهذا الحدث، ناسياً إن الحركة الوطنية كانت لا تكف إعلان سخطها عليها، وفضح غاياتها الاستعمارية، وحث الناس على محاربتها. ولن يعجز الإنكليز أن يبتكروا مختلف الوسائل التي تمكنهم من بث سمومهم لهدم قيمنا، وأبعاد جماهير شعبنا عن النهج اللاحب لنيل الاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية.
وجمعية أخوان الحرية أسستها عام 1941 الانكليزية فرياستارك وألغيت عام 1945، لتوجه بها الشباب من شاغلي الوظائف ورجال الدوائر على نهج الاستعمار، والقضاء على الشعور الوطني فيهم. وبالمناسبة، كان لنا صديق وطيد الصلة بنا، ذكي ونشيط كان مديراً لثانوية في النجف التي اشتهرت بوطنية طلابها وحماسهم الشديد ضد الاستعمار. دخل هذا الشاب في هذه الجمعية التي يبدو إن المراجع العليا كانت تأمرهم بالدخول بها، فكتب إليه شقيقي "الشهيد حسين" رسالة موجزة بمناسبة زواجه، قال فيها: "أرجو أن يكون لك منها -من زوجته- أبناء للحرية لا أخوان الحرية؟!". وفي الحلة حصل تنافس شديد لحيازة ثقة رئيس الجمعية بين مدير معارف الحلة محمد حسن سلمان وقاضي شرع الحلة ألنجفي؟.
إن ركب الحرية يسير دون أن يبخل بتقديم الضحايا. وكما سيندحر هتلر في القريب العاجل، سيندحر الآخرون لأن دماء الشهداء صواعق محرقة، وزلازل مدمرة، هكذا هي منذ أنقسم الناس إلى أحرار وعبيد، إلى أقوياء ومستضعفين، إلى مستغِلين ومستغَلين.
يوم النصر
العالم كله مندهش للبطولات التي تبديها شعوب الاتحاد السوفيتي في حربها ضد قطعان النازية. شعوب الإتحاد السوفيتي رجالاً ونساءً وأطفالاً يسندون الجيش. كل بلد يحتله الألمان لن يجدوا فيه الراحة والاستقرار، وليست فرق الأنصار وحدها تقوم بإقلاق المحتلين. هناك حتى الشيوخ والعجائز والأطفال قاموا بأعمال رائعة ضدهم. وأبرز المعارك تجلت في لينينغراد، وستالينغراد، سواستبول وروستوف. صمدت لينينغراد بوجه الغزاة عاماً كاملاً، وأحتل الغزاة ثلاثة أرباع مدينة ستاليغراد بعد أن أصبحت بناياتها أنقاضاً. وكان يجري تبادل احتلال البيت الواحد منها عدة مرات بين المهاجمين الغزاة والمدافعين السوفيت. وأحياناً يقاتل أحدهم في طابق والآخر في الطابق الثاني. ذلك لأن ستالين جاء إلى المقاتلين وقال كلمته المختصرة الشهيرة: "أيها المواطنون الوطن في خطر! ليدافع كل منكم حيث هو ولا يتراجع!" بينما قام "تيموشنكو" بحركته الالتفافية بما سميت "الكماشة" حول الجيوش التي كانت بقيادة الجنرال الألماني "باولس"، ولم تلاق جيوش هتلر قبل هذا، أمام أي جيش آخر من الشعوب التي غزتها تلك الجيوش، كالمقاومة التي عانتها من الجيش الأحمر والشعوب السوفيتية. لقد صورت أحدى الصحف ميدان الحرب في ستالينغراد آفة فتحت فمها وجحافل الجيوش النازية تغوص في أعماقه بانخذال ووجوم!
أستبسل الجيش الأحمر دفاعاً عن ستالينغراد حين أستمع إلى كلمة ستالين. ولكن هتلر أجاب بولس حين أرسل إليه هذا "أن لا فائدة من أي هجوم، لقد أفنت حرب ستالينغراد حتى الآن 600 إلف جندي!" أجابه "إن أي جندي يستسلم سوف تعدم عائلته كلها!". فما كان من الجنرال بولس إلا أن أعلن لقائد حرب الدفاع عن ستالينغراد انه يطلب أن "يستسلم كجندي شريف لجندي شريف!". وهذا هو الفرق بين من يدافع عن بلاده والنظام الذي حققه لكل مواطن العيش الكريم، والشعور بإنسانيته، وبين الجندي الذي يساق إلى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، يراد منه أن يموت ليعيش "كروب" وأمثاله من آلهة المال وأصحاب المصانع الكبرى.
هزت أنباء الحرب الدائرة في ستالينغراد وسواستبول العالم كله، فأرسل شاعرنا ألجواهري قصيدتيه الرائعتين في هاتين المدينتين كان مطلع الأولى حول ستالينغراد:
نضت الروح فهزتها لـواءا وكسته واكتست منه الدماء
ومطلع الثانية: يا سواستبول سلام لا ينــل مجـدك ذام
ومات روزفلت في 13/4/1945 قبل أن يرى النصر. وأشيع نبأ القبض على فون بان في 18/4 وهاجم زوكوف برلين في 19/4 وطلب هملر التسليم في 28/4 وأعدم الثوار الايطاليون موسليني في 28/4 ومن المعروف إن الذين قبضوا على موسليني هم عمال ميلانو الشيوعيون.
ويبدو إن قادة النازية شعروا أو عرفوا ماذا سيكون المصير، فأرسلو "فون بان" الذي أشيع انه القي عليه القبض، ربما ليتفاوض مع الحلفاء دون الإتحاد السوفيتي، ولكن زوكوف عبر بدباباته نهر الأودر وهاجم برلين بعد أن مهدت له المدافع والطائرات بالقصف الرهيب المدمر، ولم يعد ممكناً للفوهرر أن يخطب هذه المرة فوق المدفع؟!.
وتتوالى الأنباء تعلن "هملر طلب التسليم دون قيد أو شرط ولكن للحلفاء فقط!". هذا أمر غير مستغرب. إنهم إليه أقرب. كلا الأخوين أصحاب مدرسة في الاستعباد والاستغلال!؟.
حسناً، لينتظر الفوهرر، فيشهد إذا أستطاع النهاية، إنها قريبة. فالأنباء أعلنت إن ركن المحور الثاني "موسليني" قد أعدمه الثوار الايطاليون مع سبعة عشر فاشياً بالرصاص!؟
إنها فواجع تتابع، استهدفت الفوهرر، لذا أعلن عن موته، فخلفه الأميرال دونيتز، ليشهد نهاية مجد النازية وهو يتهاوى في برلين. أين هتلر وقد رأى كيف ارتدت الدبابات التي كتب على صدورها "من برلين إلى موسكو" ليرى اليوم كيف انتهت برلين حين اقتحمتها دبابات كتب عليها "من موسكو إلى برلين".
كان موسليني، وايطاليا تحت سطوته عبئاً على كاهل هتلر، ولقد شهد اليوم الأول من أيار موته، فشهد اليوم الثاني منه استسلام القوات الألمانية التي تقاتل في ايطاليا دفاعاً عنها دون قيد أو شرط. وسقطت برلين، ورفع الجيش الأحمر راية النصر على مبنى الرايخشتاغ ...
أعلن عن موت هتلر في 1/5/1945 وقد ظهرت إشاعة بأنه انتحر حين أخذت مدافع الجيش الأحمر تدك معاقل برلين، وقد انتحرت معه عشيقته "أيفا براون" أيضاً ويقال انه أوصى أن يحرق جثمانه، ثم ظهرت إشاعات حول نهايته بلا حصر.
وسقطت برلين في 2/5 ورفع الجيش الأحمر راية النصر على الرايخشتاغ، وفي 7/5 استسلمت ألمانيا كلها وأعلن يوم النصر في 9/5، وكان هذا متوقعاً لكل من تتبع الأنباء. وإني لأتذكر إني وزملائي كنا نستمع إلى الأنباء التي أعلنت في 28/4 إن هملر طلب التسليم للحلفاء فقط دون قيد أو شرط. إني راهنت زملائي إن الحرب ستنتهي بعد عشرة أيام. وما كان أمراً غريباً فكل شيء يشير إلى ذلك.
يتبع
السويد 25/11/2010
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (4)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (3)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (2)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (1)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (22)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (16)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (15)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (14)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (13)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (12)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (11)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (10)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (5)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (4)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (3)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (2)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (1)