| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

 

الأحد 10 / 6 / 2007

 



الظهير

الحلقة العاشرة


علي عرمش شوكت

كانت ذكرى تأسيس الحزب من اجمل المناسبات واسعدها لدى حميد ، غير انه شعر في ذلك اليوم بالوحدة والضجر رغم تعدد علاقاته الحزبية والاجتماعية ، ويعود سبب ذلك الى انغلاق تلك العلاقات التي فرضت ظروف العمل السري شروطا مشددة عليها ، تتوازى او تزيد على قساوة الارهاب السلطوي ، وهنا تفقد تلك العلاقات فسحة التعاطي الاجتماعي المفتوح الى حد ما، لاسيما وان كوادر ورفاق الحزب قد خرجوا توا من ظروف عمل علني تعرضوا خلالها للكشف جميعا ، مما اتاح لاجهزة السلطة القمعية فرصا اكبر لملاحقتهم والتضييق على حركتهم، تأمل كثيرا وساءل نفسه مع من سيحتفل بهذه المناسبة العزيزة في ظل حالة تخف صارم التي يعيشها ؟ ، قلب الامور في رأسه مستعرضا اسماء اصدقائه واقرب الرفاق الى قلبه ، فمنهم من احاط وضعه بشرنقة شديدة من السرية حسب توجيهات الحزب ، ومنهم من اختفت اخباره في اقبية اجهزة القمع ، وهنا كان ابو ماجد الشهيد حميد شلتاغ حاضرا في البال والقلب ، فهو من اعز اصدقائه واقرب رفاقه الى نفسه.
وهكذا قرر ان يزوره ويحتفل معه في هذه المناسبة ، ولكنه سرعان ما تراجع عن هذه الفكرة لعلمه ان اجهزة الامن لم تكف عن مراقبة بيت الشهيد منذ ان اطلق سراحه على اثر اعتقال تكرر اكثر من مرة ، لكن فكرة الزيارة اخذت تلح عليه ، مع عدم توفر الوسيلة التي تيسر الوصول الى بيت ابي ماجد بسلام ، ظل حائرا بين مطرقة الرغبة في الزيارة وسندان ضوابط العمل السري ، وبعد مداولة ذاتية حامية توصل الى قراره الاخير ، فلا بأس من تحقيق رغبته الجامحة في اللقاء بأبي ماجد والاحتفال معه بالمناسبة العزيزة ولو لساعة واحدة ، فأتصل بأحد افراد العائلة تليفونيا بغية التأكد من خلو البيت من المراقبة ، غير ان وسيلة الاتصال التليفوني لم تف بالغرض المنشود ، مما اضطرهما الى اللقاء المباشر ، وقد تم اللقاء لكنه لايخلو من الحذر ، ومن امام مدينة الطب كانت الخطوات تتجه نحو جسر الصرافية بمحاذاة الشاطئ الرصافي الجميل ، وهناك اختارا مكانا في ظل جسر الصرافية و يطل عبر النهر على تلك الضفاف الكرخية المزينة بنخيل بساتين العطفية الباسقة، تلك المنطقة التي ترك حميد فيها ذكريات الطفولة والصبا والشباب ، مما اثار في نفسه الحنين وزاد في قلبه لهيب الشوق الى ذلك الزمن الجميل ، غير ان بائع مرطبات متجول قد انقذ الموقف اذ حرضهما على شراء سلعته من قناني شراب ( السينالكو ) المثلج ، وبالفعل كانت تلك السلعة بمثابة ( الاطفائية ) التي اخمدت الغليان الى حد ما ، بعدها توجها نحو كورنيش الاعظمية ، غير انهما تداركا الامر وغيرا الاتجاه ، لان منطقة الاعظمية وتحديدا- هيبة خاتون – سبق ان سكنها الشهيد ابو ماجد وهو معروف فيها كمناضل شيوعي وكذلك يعرفون افراد اسرته ايضا ، وبعد ان تأكد حميد من خلو بيت الشهيد من المراقبة وعلى وجه التحديد بعد الساعة العاشرة ليلا اتفقا على الزيارة ومن ثم افترقا .
وبحذره المعهود وصل حميد بيت الشهيد ابي ماجد ، كان اللقاء حارا فاضت فيه المشاعر الاخوية والرفاقية وطغى على كلمات الترحاب عناق طويل اطلق خلاله الدمع العصي الذي رسم اسمى معاني تلك العلاقة الرفاقية الحميمة ، كما ان النكات المعهودة التي غالبا ما يستقبل بها ابو ماجد اصدقاءه قد حول ايقاع ذلك المشهد الدرامي الى فرح ازاح شيئا من الهموم ، اما مائدة ام ماجد الرفيقة الشهيدة فكانت كعادتها تفيض كرما اصيلا وطيبة نفس بالغة .
تناولا نخب المناسبة مصحوبا بكلمات من قبل الشهيد كانت معمدة بأيمان لا حدود له بالحزب وقضيته العادلة ، قال : ان حزبنا قد انتصر بخروجه من الجبهة والخاسرالاكبر هم البعثيون ، لقد خسروا تلك الفرصة الذهبية التي منحها لهم الحزب لكي ينظفوا انفسهم من آثام ماضيهم الاسود ،تذكر حميد آخر مرة زار فيها هذا البيت ذا الغرف الست ، وكانت تعقد فيها آنذاك ستة اجتماعات حزبية مما اضطره ومضيفه للجلوس فوق سطح البيت.
انتقل الحديث الى ذكريات السجون ومحاولات الهروب في اواسط الستينات حينما كانا في سجن الحلة ، وتذكرا العديد من رفاقهما ومنهم من استشهد ومنهم من ما زال حيا ، وبخاصة تلك المجموعة من الرفاق التي نجت من الضربات القاسية التي وجهت الى منظمة بغداد عام 1971 ، حينها كان ابو ماجد يصر على قيادة ما تبقى من تنظيمات مدينة الثورة الكادحة بالرغم من انه كان يشغل منصب مدير عام في مصلحة البريد والبرق ، تواصلت الذكريات وكانت من ضمنها قصة ترشيح احد ابناء الشهيد لعضوية الحزب ، حيث امتنع ابو ماجد عن كتابة تقرير حول ابنه (وليد ) لكي تتم اجراءات ترشيحه ، وعندما سئل من قبل احد الرفاق قال : لا ارى فيه حتى سلبية واحدة ولا اريد ان اكتب عنه الايجابيات فقط ، لانني لا اريد ان اكون بمكان ام العروسة التي تمتدح ابنتها ، وطلب من رفيق اخر ان يتولى تلك المهمة ، كما ان وليدا كان يطلب ان يصبح عضوا في الحزب دون المرور بفترة الترشيح لأنه كان بعتبر نفسه صديقا للحزب منذ كان عمره عشر سنوات ، ويذكر بأنه كان يقوم بتأدية بعض المهام مثل تقديم الشاي للرفاق الذين يجتمعون في بيتهم ، وكذلك مراقبة البيت من الخارج ،وحتى زيارته الى والده في السجن كان يعتبرها مهمة نضالية ينبغي ان تحسب له ، ولكن الشهيد رفض طلبه وارشده الى طريقة يختزل فيها فترة الترشيح من تسعة اشهر الى ستة وذلك بان يشتغل عاملا ، وبالفعل ذهب واشتغل في مصلحة البريد والبرق بصفة عامل في حفر الخنادق لكيبلات التليفونات ، مع انه كان يحمل شهادة الاعدادية آنذاك ، وبذلك تحققت غاية اخرى اكثر اهمية بالنسبة للشهيد ابي ماجد وهي ان يلامس وليد حياة الطبقة العاملة لكي يحسن الدفاع عنها .
وفي نهاية اللقاء قدم الشهيد هديته الاخيرة للحزب وهي شبكة علاقات تنظيمية لرفاق واصدقاء جدد جاءوا على الاغلب من المحافظات الجنوبية ،قد شكلها اذ كانت الرفيقة ام ماجد هي حلقة الارتباط ويساعدها بقية افراد العائلة حتى الصغار منهم ، وهكذا انتهى اللقاء الاخير ، وعند ساعة الخروج بعد العاشرة ليلا من اليوم التالي وحينما ابتعد حميد عن البيت مسافة عشرين اوثلاثين مترا اي بالقرب من السفارة الجزائرية في الكرادة جاءت سيارتان من النوع الذي تستخدمه اجهزة الامن وتوقفتا عند بيت الشهيد ، فما كان على حميد الا ان يسرع بالابتعاد ويستأجر اول تاكسي تصادفه دون ان يتأكد من نتائج تلك المفرزة الامنية ، و في اليوم التالي اتصل حميد مستفسرا عما جرى عبر الهاتف مستخدما لغة مموهة ، فكان الجواب: ( اذا كان بقائك من فضة فذهابك كان من ذهب لأن الضيوف كانوا مزعجين للغاية ) فهم حميد هذه الكلمات المتداولة بينهما ، وبعد حين تبين ان المفرزة كانت من( زوار الليل) زاروا البيت بعد خروجه بعشر دقائق فقط !! .

يتبع

¤ الحلقة التاسعة

¤ الحلقة الثامنة

¤ الحلقة السابعة

¤ الحلقة السادسة

¤ الحلقة الخامسة

¤ الحلقة الرابعة

¤ الحلقة الثالثة

¤ الحلقة الثانية

¤ الحلقة الأولى