علي عرمش شوكت
الجمعة 29 / 6 / 2007
الظهيرالحلقة الثانية عشر
علي عرمش شوكت
بعد فشل المحاولة الاولى للسفر الى الخارج قرر حميد الانتظار الى ان يحين موعد لقائه مع رفاقه الذين ضمن مسؤوليته ، وهذا يعني بقاءه ما يقرب الشهر دون تحرك في شوارع بغداد اذ انه غير معتاد على مفارقتها ما عدا ايام السجن ، ولهذا كانت تلك الايام بمثابة السجن ولكن باختياره هذه المرة ، لهذا عاود القراءة حيث كلف احد افراد العائلة التي يسكن معها باقتناء بعض القصص ، فجلب له قصة ( المعطف ) للكاتب – كوكول – و(العقب الحديدية ) للكاتب - جون ريد - و( الارض ) للكاتب - تلستوي - ، قضى تلك الايام في عوالم مختلفة من خلال تلك الروايات ، الا ان روايته الشخصية كانت هي التي تأخذ الحيز الاكبر من اهتمامه ، وعند اللقاء برفاقه ابلغهم واحدا بعد اخر باطالة الفترة الزمنية بين لقاء ولقاء الى شهرين بدلا من شهر ، كما اكد عليهم في حالة عدم اتمام اللقاء فمن الضروري عدم القيام بمحاولات الاتصال بالحزب دون التأكد من تلك الجهات الحزبية ، بل يفضل العمل لكل منظمة كحزب بذاته ، ما عدا رفيق واحد طلب السفر الى خارج العراق ، لان البعثيين اخذوا يضايقونه في مقر عمله وربما سيعتقلونه ، وهو الرفيق (صاحب عبد الغني )الذي كان يقود بقايا تنظيم محلية العمالية الثانية ( عمال الخدمات ) ، فأذن له واكد عليه عندما يلتقي رفاق الحزب في الخارج ويسأل عن اشارة الترحيل يبلغ الرفاق بأننا كانا في حالة انقطاع وان الرفيق (ابو رحاب) هوالذي أذن له بالسفر وطلب منه ابلاغ الرفاق بهذه الرسالة الشفهية ، وبالفعل سافر الرفيق صاحب بعد ان رتبت صلة للرفاق المرتبطين به .
وبعد استكمال تلك الاجراءات التنظمية الضرورية توجه حميد مرة اخرى الى البحث عن وسيلة للاتصال بالحزب ، غير انه كان يفضل ان يسافر خارج العراق لان الاوضاع باتت غير سليمة وتنطوي على خطورة ويتحتم عليه ايصال الصورة بجلاء وعن كثب الى الحزب ، فأستعان هذه المرة برفيق وقريب له في ذات الوقت وكان هذا الرفيق هو ( هادي علي ) – ابو منهل – حيث كانت له علاقات بعمال النسيج وخصوصا من سكنة محافظة الانبار وتحديدا من اهالي مدينة ( حصيبة ) في قضاء القائم ، ولكن كيف الوصول الى هناك ؟ ، توجه الرفيق ابو منهل الى احد اصدقائه وهو ايضا من عمال النسيج اسمه ( حازم ) من اهالي الموصل وله علاقة ايضا مع عمال الانبار ، فاتفقوا على الذهاب الى حصيبة ومن هناك تتم عملية لتهريب حميد الى سوريا ، وصلوا مساءا الى تلك المدينة الحدودية واستقبلهم العامل( خضر ) الذي بات مزارعا، فذبح خروفا واقام لهم وليمة عشاء فاخرة على الطريقة العربية ، وعندما فاتحوه بالامر اعتذر عن ذلك لأن الحدود ( مكهربة ) على حد قوله ، وذلك بسبب قيام بعض الاشخاص المتسللين عبرالحدود بقذف قنبلة يدوية على بيت مدير الامن في المدينة والهروب الى الجانب السوري ، غير انه اوعدهم بتنفيذ ما جاؤوا من اجله ولكن بعد اسبوعين ، لحين ان تهدأ الامور ويكون قد هيأ بعض مستلزمات العملية ،لأنه قد فوجئ بهذا الطلب ، باتوا ليلتهم عند مضيفهم الكريم ، ورجعوا في الصباح الباكر الى بغداد مستقلين سيارة لتوزيع الحلويات تابعة لمصنع صغير يعود الى صديق الرفيق هادي ( حازم الموصلي ) الذي رافقهم بكل شهامة ، رغم معرفته بان هاديا ومن معه من الشيوعيين علما انه يميل الى التدين .
عاد حميد وهو يشعر بالفشل للمرة الثانية ، مما خلق لديه حالة من الاحباط واليأس من امكانية الخروج عن طرق التهريب المتوفرة امامه ، كما حصلت لديه مخاوف من العودة الى ( حصيبة ) لأن غايته باتت مكشوفة وان احتمال تسربها الى جهة امنية اصبحت واردة ، ولهذا الغى من خططه الذهاب الى هناك مرة اخرى ، وهو في غمرة البحث عن سبيل للوصول الى الحزب وردت في باله فكرة كتابة رسالة وارسالها الى الرفاق من قيادة الحزب المتواجدين في الاتحاد السوفيتي ، فكتب رسالة وافية عن اوضاعه واوضاع بعض الرفاق التي تشكل خطورة على سلامة الحزب ، واتفق مع الرفيقة البطلة الشهيدة ( بدرية داخل ) ام ماجد زوجة الشهيد حميد شلتاغ على نقل الرسالة الى موسكو مستغلا وجود رحلة لسفريات ( ابو التمن ) الى الاتحاد السوفيتي ، وتكفل باجور سفرالرفيقة ، وبحجة زيارة اولادها ، وليد وعماد ، وعضيد ، الذين كانوا يدرسون هناك ،وبالفعل نقلت الرفيقة الباسلة الرسالة وسلمتها الى رفاق في المكتب السياسي وحسب ما اخبرته فيما بعد بانها قد سلمتها الى الرفيق ( ابو عامل) ، ولكن للاسف الشديد لم يأبه الرفاق بحاله ، حيث لم يستلم منهم اي جواب او اي اجراء او معالجة لوضعه ، مع انه قد انتظر مايقرب من خمسة شهور ،
لم يكن حميد فيما مضى تقلقه حالة الانقطاع عن الحزب حيث كان يعمل مع رفاقه كأن علاقتهم متواصلة لحين ان تتم الصلة ، ولكن هذه المرة تختلف تماما ، والغاية العاجله هنا تتعلق بأمن الحزب ، وعلى ذلك قرر اعادة المحاولة عن طريق ( حصيبة ) رغم مخاوفه ، وبالفعل اجرى اتصلات مع الرفيق ابو منهل والصديق حازم المصلاوي واتفقوا على تكرار الرحلة الى صديقهم المزارع ( خضر ) ، كانت الطريق من بغداد الى قضاء القائم تستغرق نهارا كاملا ، فوصلوا مساءا استقبلهم مضيفهم بافضل من المرة الماضية ، كما اخبرهم بانه قد اعد كل ما تتطلبه العملية ، اذ كلف احد اقاربه من سكان المدينة الصغيرة لمرافقت حميد الى داخل الاراضي السورية والعملية ستتم في نفس الليلة ، كانت تلك الساعة لدى حميد من اسعد الاوقات التي مرت بحياته وفي ذات الوقت من اشد المجازفات غير المحسوبة بدقة ، غير ان لديه مبرر مهم يعزي نفسه به لخوض مثل هذه المجازفة وهو ضرورة الحفاظ على امن الحزب باي ثمن حتى وان كلفه ذلك حياته .
تحرك مع الدليل من بيت الصديق الوفي خضر بعد الساعة الواحدة ليلا وتوجا نحو البساتين المحاذية الى الحدود التي لاتبعد سوى كيلومتر واحد ، لكنهم قد واجهتهم بعض الصعوبات اثناء عبور تلك البساتين لكونها محروسة بسبب انها بساتين فاكهة وفي موسم القطاف ، مما اضطرهم احيانا الى الانبطاح على الارض لساعة اواكثر، او العبور زحفا من تحت الاسلاك الشائكة الفاصلة بين بستان واخر ، ولكن كانت الخطوات الاخيرة هي الاخطر، فعندما اقتربا من الخط الفاصل بين الحدود السورية العراقية وفي لحظة تهيئهما للعبور وقبل خطوة او خطوتين فقط من الخط ، مرت من امامهما سيارة لحرس الحدود ، فانبطحا على الارض فورا ، وان ما انقذهما في تلك اللحظة هو ان سيارة خفر الحدود كانت تسير من دون مصابيح وكان خلفهما كثافة من الاحراش والاشجار فلم يكن بامكان حرس الحدود رصدهما ، وعندما ابتعدت السيارة تقدم الدليل وسار خلفه حميد بخطوات قريبة الى الهرولة ، وكان الخط الفاصل عبارة عن سد ترابي ، فعبراه ودخلا مباشرة في حقل لنبات الحنطة يقع في الاراضي السورية ، واسرعا الخطوات مايقارب خمس عشرة دقيقة ، ومن ثم عبرا الشارع الرئيسي وتوجها الى خيمة وحولها قطيع من الغنم ، فهاجمتهم الكلاب بنباح مواصل ، مما جعل صاحب الخيمة وكان مسلحا يصيح باعلى صوته : من هناك ؟ اجابه الدليل سليمان :انا سليمان ، فعرفه ذلك الرجل محييا ومرحبا ، دار حديث خاص بين الرجل راعي الاغنام والدليل سليمان ، بعدها جلب فراشا للنوم كما قدم شيئا من الطعام ،خبزا ولبنا وشايا ، كان الراعي يحب العراقيين لكونهم يسمحون لاغنامه بعبور الحدود للرعي، هذا ماجاء على لسانه ، قبل النوم حذر الرجل من عدم اخفاء الاحذية لأن الكلاب سوف تأكلها ، من الصباح الباكر توجه حميد والدليل الى الشارع الرئيسي المؤدي الى ( مدينة البوكمال) الذي لايبعد سوى خمس دقائق مشيا على الاقدام ، هناك لاتوجد وسائط نقل تتوجه مباشرة الى دمشق بل تتوفر سيارات تذهب الى مدينة( الحسكة ) ، استقل حميد سيارة نقل الركاب بعد ان حول بمساعدة الدليل العملة العراقية الى العملة السورية وقدم مبلغا الى الدليل حسب الاتفاق الذي تم مع الصديق( خضر) ومن ثم توادعا .يتبع